الثلاثاء، 20 يوليو 2010

ثنائية النفط والسلاح في الفكر السياسي لحكومة الولايات المتحدة

قضايا الاقتصاد الدولي


الخلاف بشأن العراق بين الخارجية والدفاع تفصيل والاتفاق استراتيجي

المستقبل - الجمعة 25 نيسان 2003 - العدد 1282 - المستقبل الإقتصادي - صفحة 11



http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=7332


أنيس محسن
الآن وقد نحي القتال جانبا لجني المغانم، أصبحت المعركة معركة إعادة صوغ اقتصاد العراق ليوافق المصالح الأميركية. لكن هذه المعركة لا تبدو سهلة، بسبب عدم وجود خطة واضحة لدى الإدارة الأميركية في هذا المضمار، ولأن المواقف تبدو متباعدة في التفصيل، وإن كان البعد الاستراتيجي واحد بين الآراء المتعددة القادمة من دوائر وزارة الدفاع، التي يسيطر عليها غلاة اليمين الأميركي الجديد من جهة، وبين وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من جهة أخرى، وهو بعد أساسه كيف تتمكن الولايات المتحدة من إدارة العالم، بعد انتهاء الحرب الباردة، فيما يبدو اقتصادها متعبا واتجاهه ينحو إلى الهبوط، على الرغم من أنه لا يزال الأكبر حجما في العالم، إنما من الأقل نشاطا وإنتاجية.
فوزارة الدفاع يمثلها الوزير دونالد رامسفلد ونوابه ومساعدوه ومستشاروه الكثر، وتدعمها وزارة الأمن الداخلي الحديثة العهد، والطامحة إلى الهيمنة على الأجهزة الأمنية الداخلية، مثل مكتب التحقيق الاتحادي "إف بي آي"، والخارجية مثل وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، تدفع باتجاه اتخاذ معركة العراق محورا آخر، بعد محور أفغانستان، من محاور متعددة لحرب طويلة الأمد، للسيطرة على ثروات العالم، والتحكم بالحركة السياسية في المناطق الزاخرة بالثروات، التي تمكن واشنطن من فرض شروطها على الدول الحليفة سابقا في أوروبا وآسيا، وفي الصين التي تشهد نموا مستقرا، يقود إلى الاعتقاد أنها ستكون قريبا قوة اقتصادية من الكبرى يحسب لها حساب، لا في المستوى الاقتصادي فقط، وإنما كذلك في المستوى السياسي، لأن الاقتصاد والسياسة مكمل بعضهما لبعض. فما إن تنمو المصالح الاقتصادية في دولة ما، حتى تنمو مصالحها السياسية بالوتيرة ذاتها. وشأن هذا الظهور الصيني على الساحة الدولية، أن يحدث توازنا دوليا لا يبدو أن صقور الإدارة الحاضرة في البيت الأبيض يريدونه.
أما وزارة الخارجية، فتبدو أكثر تأنيا، وتأخذ في الحسبان البعد الدولي والمؤثرات الإقليمية بناء على معرفة دقيقة بما يجري من تطورات ومتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، وبرؤية استراتيجية أبعد لمصلحة الولايات المتحدة، وفهم لمسألة التحالف مع الجهات الدولية الأخرى، ضمن أطر تفيد المصالح الأميركية، من دون أن تنقص شيئا منها.

الصناعة الحربية أوصلت بوش إلى الرئاسة فكوفئت بمليارات الدولارات عقوداً

يجمع المحللون، على أن إيجاد مناخ مناسب للأعمال في العراق ومحيطه الغني بالنفط، لا يمكن أن يكون قبل أن تمسك القوات الأميركية بزمام الأمن، في بيئة لا تزال خطرة. وقد سأل مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، ومقره واشنطن، في آخر تقرير له: "هل نحن مستعدون لمرحلة ما بعد الحرب في العراق؟". ورأى المركز أن القوات الأميركية أظهرت إلى الآن دليلا على عدم قدرتها، أو إرادتها للإمساك بالشأن الأمني وإرساء الأسس المناسبة للتعافي السياسي والاقتصادي في العراق.
وفي المقابل لا يبدو جوزف كونلون قلقا، ويرى أن القوات الأميركية يمكنها أن تلعب دورا أكيدا في إنشاء مناخ مناسب للأعمال في العراق. وكان كونلون قبل تقاعده لواء في قوات الاحتياط في 1994، وعمل محققا لدى مكتب مدعي مقاطعة سوفولد كاونتي، وخدم 30 عاما في الجيش فتسلم مهام متصلة بأرض المعركة والشرطة العسكرية، وأدار معسكرات أسرى الحرب.
وتنقل صحيفة "نيوز داي" عن كونلون قوله: "لقد قاموا (الجيش الأميركي) بالأمر في مناطق أخرى في العالم، ولا أجد أي مشكلة في أن تقيم القوات المسلحة الاستقرار في العراق. وكان هذا اللواء الأميركي قد أدار خلال حرب 1991، في الخليج، معسكرات وضع فيها 70 ألف أسير حرب عراقي. ويضيف: "يجب ألا تكون هناك مشكلة في إعادة بناء العراق، دولة فيها نوع من الديمقراطية".
ويُقدر كونلون أن بإمكان الجيش الأميركي أن ينجز مهامه لإعادة البناء، في مدة تراوح بين 13 و15 شهرا. ويقول: "إذا اقتنع العراقيون بأننا لا نريد البقاء هناك طويلا، فإننا لا بد أن ننجح". ويضيف: "ما إن يوَفّر الغذاء والماء ويتدفق النفط، فسيتحسن الوضع بوتيرة سريعة".
بعيدا عن السياسة
تُظهر الصورة، بعيدا عن السياسة ومطباتها الداخلية في الولايات المتحدة، وتأثيرها وتأثرها بالسياسة الدولية، أن الرهان بعدما انتهت الحرب كبير، وصدقية الولايات المتحدة على المحك، إذ يجب أن تظهر أمام العالم أن الأميركيين هم في التعمير أفضل منهم في التدمير.
وتقول إن هناك الكثير يجب أن يُعمل، قبل أن يتمكن العراقيون من العودة إلى أعمالهم. وفي البدء فإن تحكم الرعاع بالشارع، وهو ما أظهرته الأيام الأولى بعد السيطرة على البصرة ويغداد وكركوك والموصل، يجب أن يُستبدل به حكم القانون، وتعيين ما إذا كان الجنود الأميركيون سيلعبون دور رجل الشرطة.
وفي المدى الأبعد، سوف لن يتدفق رأس المال الاستثماري على بغداد إلى أن تتخذ الحكومة الموقتة قرارا نهائيا بشأن تنفيذ العقود، وإعادة مناقشة مسألة دينها الدولي الكبير مع صندوق النقد والبنك الدولي.
لكن لا شيء مما سبق يمكن أن يُنجز إلى أن يتضح الدور الذي ستلعبه الأمم المتحدة. ويتضمن هذا، تقدير المبالغ الواجبة تعويضا للمتضررين من حرب 1991، وفق رؤية خبراء وزارة الخارجية ومستشاريها، وكذلك مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
فليس ممكنا تقدير التكلفة الحقيقية لاحتلال العراق وإعادة بنائه، بمواطنيه البالغ عددهم 24 مليونا، والذين أرهقهم دمار المعركة الشرسة وإرث عقود الكبت والتخطيط المركزي. أما التقدير الأولي للتكلفة، فيراوح بين 20 مليار دولار في السنة، عدة سنوات وفق مجلس العلاقات الخارجية، و605 مليارات دولار، وفق الأستاذ في جامعة "ييل" وليام نوردهاوس، ويُتوقع أن تدفع التكلفة هذه الولايات المتحدة. والمبلغ الأخير يراوح بين 1 و3 في المئة من الموازنة الاتحادية.
والمحبط في هذا أن التحدي المرافق لإعادة الإعمار، يبدو أنه غير قابل للقهر، وفق ما تنقل صحيفة "نيوز داي" عن المستشار في "هيس إنرجي تريدنغ" إدوارد مورس.
ويقول مورس، وهو من كبار المهتمين باقتصاد الدول المنتجة للنفط وسياستها، إن العراق استفاد من ثقافة تجارية لامعة، جعلته من أكثر دول الشرق الأوسط نموا، قبل أن يستولي صدام حسين على السلطة، ويشن حربا في 1979 على إيران، دامت ثماني سنوات. فقد ركّز صدام الاقتصاد، ودفع القطاع الخاص إلى مغادرة البلاد. ويرى مورس أن الغاية الآن هي استعادة العراقيين حريتهم، وإيقاد روح العمل التجاري المتأصل فيهم.
والواجب ذكره، أن العراق لا يزال يمتلك خدمات مدنية ذات صدقية ومهنية عالية، مثل الأطباء والمحامين والعُلماء والمهندسين، الذين تمكنوا، على الرغم من العقوبات القاتلة التي فرضت على العراق منذ العام 1991، أن يعيدوا تشغيل المؤسسات القانونية والطبية، وكذلك عدد غير قليل من المصانع والمصافي والجسور والطرق.
وفي هذا الصدد يقول مورس: "إذا نظرت إلى مستوى التعلم والموارد البشرية في هذا البلد، فإن ذلك يمكن أن يضع أساسا لاقتصاد ناشط في وقت قصير".
وأما عن النفط، الذي هو القطاع الأساسي لجلب العملة الصعبة، إذ يجني 95 في المئة من إيرادها، فقد بلغ إنتاج العراق 3.5 ملايين برميل في اليوم قبل 1991، لكنه انخفض بحدة بعد غزوه الكويت، وما تلا ذلك من حرب وعقوبات.
ومع انجلاء دخان الحرب، قدّر نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني أن العراق يمكنه أن يستعيد هذا المستوى من الإنتاج، حتى نهاية العام الجاري، فيدخل إليه نحو 18 مليار دولار في السنة.
ويمكن أن تكون الصورة مشرقة أكثر في غضون سنتين أو ثلاث، وفق المحلل في "ألارون تريدنغ غروب" فيل فلين. فيما يملك من مخزون كبير، يمكن للعراق أن يقارب السعودية، أكبر المنتجين المصدرين للنفط في العالم.
وتنقل "نيوز داي" عن فلين قوله: "القدرة الكامنة هائلة"، ويقدر أن إنتاج العراق قد يبلغ 8 ملايين برميل في اليوم، ويمكن أن تدخل له نحو 70 مليار دولار في السنة.
"الخارجية": مراهنات استراتيجية
تتوضح رؤية وزارة الخارجية الأميركية، التي ليست بعيدة عن تلك الصورة المجردة، من خلال شرح قدمه مساعد وزير الخارجية الأميركي لمكتب شؤون الشرق الأوسط في الوزارة وليام بيرنز امام اللجنة الفرعية النيابية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في 19 آذار، ونشرت على الشبكة الدولية "الإنترنت" في 7 نيسان الجاري.
يقول بيرنز في شهادته بعد أن يشرح دور وكالة التنمية الدولية التابعة لوزارة الخارجية في العالم، إن عمل الوكالة منصب على إحداث إصلاح في مفاصل التربية والاقتصاد والسياسة، وهي المفاصل الأشد إلحاحا في الشرق الأوسط (تحديدا في الدول العربية).
ويضيف أن الوكالة التابعة لوزارته، نشطت منذ أمد في مصر ولبنان والأردن والمغرب وقطاع غزة والضفة الغربية. وقد ركزت على ثلاث دعامات أساسية، هي الإصلاح الاقتصادي والتعليم والتعدد السياسي والديمقراطية:
1 ـ الدعامة الاقتصادية: تحت هذا العنوان، يقول بيرنز في مداخلته أمام اللجنة النيابية الفرعية، إن الولايات المتحدة ستدعم الدول التي تعمل للانفتاح الاقتصادي وتوسيع الفرص أمام مواطنيها. وإنها ستعمل على حفز القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد ودمجه في اقتصاد العالم.
ويضيف بيرنز أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدات متسارعة ومكثفة، إلى الدول التي تقدمت بطلب انضمام إلى منظمة التجارة الدولية، والتي تود الانضمام ولم تتقدم بعد، والدول التي تخطط واشنطن لعقد اتفاقات تجارة حرة واتفاقات إطار استثمارية معها، مثل الأردن ومصر والمغرب.
وفيما تسعى الولايات المتحدة في مساعدة دول المنطقة على الانفتاح الاقتصادي، يقول بيرنز إنها ستعمل لإرساء مناخ يتيح دخول الروح المؤسسية، وزج المرأة في الحياة الاقتصادية من خلال إدخالها في برامج تدريب مكثفة في الولايات المتحدة.
ووفق ما أعلن وزير الخارجية كولن باول، ستدرس الولايات المتحدة إمكان إحداث صناديق مؤسسية لتوفير رساميل لشركات صغيرة ومتوسطة، يمكنها إيجاد دورة رساميل محلية داخل المنطقة.
ويقول بيرنز إن الولايات المتحدة ستختبر كذلك وسائل تدريب الشبان على العمل المؤسسي وتعريفهم بمنطلقات اقتصاد السوق، من خلال برامج تعليم وبرامج تدريب مهني.
2 ـ الدعامة التعليمية: إنشاء مزيد من الجامعات والمدارس الأميركية في المنطقة، مثل الجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة الأميركية في القاهرة، ومدرسة "كرونيل" الطبية الجامعية في الدوحة، التي أنشئت أخيرا.
ويقول بيرنز في شهادته، إن بلاده ستدعم برامج محو أمية النساء، وتوسيع تقديم المنح المدرسية لهن، كما في المغرب، لإتمام مرحلة الدراسة الإعدادية.
ويمكن الإشارة إلى حديث بيرنز عن تطوير جودة التعليم، من خلال إصلاح مناهج التعليم بتزويد المدارس حواسيب ووصلها بشبكة "الإنترنت"، وتشجيع السماح للقطاع الخاص بالإسهام في بناء المدارس والمعاهد المهنية. لكن بيرنز لم يطل الشرح عن تعديل المناهج، التي أكد عدد من المستشارين في وزارته وفي وزارة الدفاع ولدى دوائر البيت الابيض، أن سيكون بتغيير المنطق السياسي الذي يحكم هذه المناهج، لا سيما التي تذكّر بقضية فلسطين، وتشير الى إسرائيل على أنها دولة أنشأها الاستعمار على أرض، طرد شعبها منها.
3 ـ الدعامة السياسية: وربما تلخص الدعامة السياسية التفكير الأميركي، اقتصاديا وتعليميا في المنطقة. وهنا يقول بيرنز إن التحديث الاقتصادي والتعليمي، سكيون في الفراغ، من دون تطوير النظام السياسي وتغييره. ويضيف تحت هذا العنوان، أن دول المنطقة فشلت إلى الآن في توفير حرية التعبير للمواطنين. ويرى أن الهياكل السياسية القائمة الآن، تمنع انتقال السلطة، وتحد صدقية الحكام.
وإذ يؤكد أن الولايات المتحدة ستدعم تلك الأنظمة التي تريد الانفتاح، وإرساء الديمقراطية، فإنه يشير إلى أن الإدارة الأميركية وضعت برامج أتاحت تدريب عدد كبير من المواطنين، لا سيما النساء، على العمل السياسي المؤسسي، وأنها ستواصل وتكثف وتسرع هذا الاتجاه.
ويعترف بيرنز في شهادته أمام اللجنة النيابية الفرعية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في مجلس النواب الأميركي، بأن هذه الأفكار لن تكون سهلة التحقيق، لكن النتائج ستظهر تباعا في المستقبل. ويقول إن تحقيق ذلك لن يكون فقط بالإصرار على تحقيقه، وإنما بقدر كبير من التواضع وعدم المبالغة، فالمجتمعات العربية، وفق تعبيره، معقدة ومتنوعة، ولن يكون ممكنا وضع إطار واحد لكل هذا التنوع.
"الدفاع": استخدام النصر في الداخل
إذا كانت وزارة الخارجية تود إحراز الأهداف الاستراتيجية الأميركية، من خلال منظور أشمل، يأخذ كل عناصر اللعبة في الحسبان، فإن وزارة الدفاع، المكونة من أكثر صقور الإدارة الأميركية تشددا، تيمم النظر أكثر نحو الداخل، وتبحث عن مسوغات استخدام النصر في العراق، في المعارك الانتخابية المقبلة، آخذة العبرة من حرب 1991، التي تحقق نصر عسكري فيها، فيما فشل جورج بوش الأب في إحراز نصر في الانتخابات الرئاسية التي تلت الحرب، وأكثر من ذلك، فشل الحزب الجمهوري في جولتين انتخابيتين، وساد الديمقراطيون مجلسي النواب والشيوخ، بعدما كسبوا مغانم الانتعاش الاقتصادي في عقد التسعينيّات.
ولا يبدو أن صقور اليمين الجديد في الولايات المتحدة يعيرون بالا للعناصر الخارجية المركبة في اللعبة، فالأمم المتحدة لا تعدو في نظرهم كونها مؤسسة تأتمر بأوامر البيت الأبيض، وأوروبا باتت كهلة، يمكن استبدال أوروبا جديدة بها، مكونة من دول المعسكر الاشتراكي السابق وكل من بريطانيا وإسبانيا، حليفتي واشنطن في حربها الأخيرة على العراق.
ولذلك، فهم يودون الانتشار أبعد من أفغانستان والعراق، تدرجا إلى سوريا وإيران، وربما إلى دول عربية كانت أنظمتها تعد من الأشد ولاء للولايات المتحدة تاريخيا، وهذا ما صرح به مدير وكالة الاستخبارات الأميركية السابق جيمس وولسي أخيرا.
وفضلا عن البعد العقيدي الذي يحكم منطق صقور اليمين الجديد، فإن تشكل هذا التيار من ممثلي صناعة النفط في البيت الأبيض، وممثلي الصناعة العسكرية في البنتاغون، تجعله أكثر تطرفا في تنفيذ خطة الهيمنة الدولية لمصلحة احتكارات النفط والسلاح الأميركية.
فالسيطرة المباشرة على منابع النفط العالمية، هي العقيدة التي أسسها مؤسس شركة "ستاندرد أويل" جون روكفيلر، وقد دارت الحرب العالمية الثانية على محور من يسيطر على النفط، ألمانيا وحليفتاها اليابان وإيطاليا الفاشية، أم بريطانيا وفرنسا ومن خلفهما الامبريالية الناشئة في الولايات المتحدة.
والإبقاء على صناعة السلاح، الذي يبرع الأميركيون في تسويقه، ليس له مكان في عالم مسالم، لذلك فإن نظرية هنري كيسنجر الداعية لنظام اللااستقرار في العالم، وهو من منظري الحرب الأخيرة على العراق، تلائم تماما هذه العقيدة، فالسلام يحرم صناعة السلاح الأميركية سوقها، والحروب المتنقلة توفر لها هذه السوق، علما بأن اقتصاد الولايات المتحدة بات بحالة مزرية نتيجة انتقال الثقل إلى دول أخرى في آسيا، لا سيما الصين، فيما اعتمد الأميركيون على اقتصاد الريع الذي أوجد حمأة أسواق المال في التسعينيّات، وبات هذا النمط نقطة الضعف بعد المعاناة المتواصلة إثر انفجار فقاعة التكنولوجيا والعد التنازلي لأسواق المال، بدءا من نهاية العام 2000.
وتشغّل صناعة السلاح عددا متزايدا من الموظفين الأميركيين، وتعتمد صناعة التكنولوجيا الحديثة عليها في استعادة ناصية الاقتصاد التي فقدتها مع الأزمة المستفحلة في أسواق المال.
وتحالف النفط والسلاح هو العامل المهيمن الآن في السياسة الأميركية، وكلاهما يعتمد على السيطرة المباشرة وإدارة الصراع الدولي بدلا من حله.
وصراع الخارجية والدفاع في الإدارة الأميركية تجلى في مسألة من يحكم العراق، حكومة انتقالية من العراقيين، أم حكومة عسكرية يقودها اللواء المتقاعد جاي غارنر، وقد حسم البيت الابيض الأمر لمصلحة وزارة الدفاع، بتأكيد قيادة غارنر وموظفين أميركيين للحكومة الانتقالية. وسوف تدير حكومة غارنر من ضمن ما تديره، اقتصاد العراق قبل أن تتمكن من تنصيب حكومة عراقية تحت وصاية أميركية مباشرة، لن تحيد عن الخطوط العريضة، ولا عن التفاصيل التي ستضعها حكومة الاحتلال.
ومن عناصر الخلاف الأخرى بين الوزارتين، مسألة دور أحمد الجلبي في العراق، الذي يريده وزير الدفاع دونالد رامسفلد محوريا، فيما تتهمه وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية بسرقة أموال خصصتها الإدارة الأميركية للمعارضة العراقية، بلغت 4.3 ملايين دولار في السنة. وقد جمدت وزارة الخارجية في حينه إعطاء هذه المساعدة له، لتوزيعها على فصائل المعارضة. وهذا الخلاف حل أيضا لمصلحة وزارة الدفاع، التي نقلت الجلبي إلى جنوب العراق تحت حماية جنودها.
وعنصرا الخلاف هذان، يوضحان المسار الذي اتخذته مرحلة ما بعد احتلال بغداد، إذ ان الجيش الأميركي لم يعمل إلا لحماية حقول النفط ووزارة النفط من النهب المنهجي الذي تسيره قوات الاحتلال في بغداد وغيرها من المدن، وهذا ما يريده ممثلو صناعة النفط الموظفون في البيت الأبيض. وفرض الجلبي في العراق، هو عامل عدم استقرار، بخلاف ما تدعيه الإدارة الأميركية، أنها تود أن ترى العراق مستقرا ومسالما، فالشخص غير مقبول لدى العراقيين في الداخل، ولدى المعارضة في الخارج، فضلا عن كونه محكوم بالسجن بقضايا اختلاس مالي في الأردن. ويعني عدم استقرار العراق عدم استقرار المنطقة وبقاءها سوقا للسلاح، الأمر الذي يخدم مصالح صناعة السلاح المتمكنة في وزارة الدفاع.
ثنائية النفط والسلاح
تضمن صناعة النفط والسلاح، فضلا عن دعم إسرائيل غير المحدود الذي يتبناه تيار الصقور، أصوات الموظفين في القطاعين، المستفيدين من دعمهم هذين القطاعين الاقتصاد الأميركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستجري بعد سنة ونصف سنة، كذلك يجيّر اللوبي اليهودي بدوره أصواتا لعتاة يمين الحزب الجمهوري. ويعد النفط والسلاح جوهر سياسة البيت الأبيض، لعدد من الأسباب:
1 ـ النفط: خلال العشرين السنة الأخيرة زاد اعتماد الاقتصاد الأميركي كثيرا على النفط، وتستهلك الولايات المتحدة 26 في المئة من إنتاج نفط العالم، أي نحو 20 مليون برميل في اليوم، وكانت تستهلك 15 مليونا قبل عقدين. وتنتج الولايات المتحدة 43 في المئة من استهلاكها، بعدما كانت تنتج 70 في المئة مطلع السبعينيات، وفق بيانات معهد النفط الأميركي.
ويضر سعر النفط المرتفع بالمستهلك الأميركي. فخلال السنة الماضية زاد سعر البنزين أكثر من 37 في المئة، من 1.12 دولار إلى 1.53 دولار الغالون. وزاد سعر وقود التدفئة للمنازل بنسبة 33 في المئة. ووفق "إكونمي دوت كوم" أنفق الأميركيون 50 مليار دولار أكثر مما أنفقوه العام الماضي على البنزين ووقود التدفئة . وقد خفض هذا، قدرة الإنفاق عند المستهلكين الذين ينتجون ثلثي الناتج المحلي المجمل.
ويقول موقع "بزنس 2 دوت كوم" إن زيادة سعر النفط في العام الأخير أثرت في مختلف قطاعات الاقتصاد، وسلبت الشركات جزءا من ربحها. وترك أثرا كبيرا في قطاع الطاقة وشركات الطيران التي تعاني أزمة منذ هجوم 11 أيلول 2001. وأثر كذلك في شركات النقل والشحن وقطاع الصناعة، لا سيما الكيمياء والورق. وتقول عملاق صناعة الكيمياء، شركة "دو بونت"، إن كل زيادة 10 في المئة لسعر برميل النفط والغاز، تخفض ربحها 165 مليون دولار.
وليس الأمر مقتصرا على الأثر المباشر، إذ هناك أثر غير مباشر أيضا. فتأثر شركاء اقتصاد الولايات المتحدة الأساسيين، مثل اليابان وألمانيا وفرنسا بزيادة سعرالنفط، أثر في الصادرات الأميركية التي انخفض ربحها العام الماضي. وكل زيادة 10 دولارات لسعر برميل النفط تخفض نمو الاقتصاد في الولايات المتحدة بنسبة 0.5 في المئة.
لكن في المقابل، تستفيد شركات النفط من صعود سعر النفط، وفضلا عن أن ربحها يزيد، فإن سعر النفط المرتفع يشجعها على زيادة الإنفاق في الاستكشاف والإنتاج في مناطق جديدة.
وبذلك يمكّن التحكم مباشرة بالمناطق الغنية بالنفط الولايات المتحدة، وفق رؤية وزارة الدفاع الأميركية، من السيطرة على السعر، وبالتالي التحكم بقدرة الإنفاق الاستهلاكي الداخلي، وقدرة الدول الأخرى الاقتصادية في الخارج.
2 ـ السلاح: تعد صناعة السلاح الأميركية من أهم القطاعات الاقتصادية بعد الزراعة. ومنذ العام 1992، صدّرت الولايات المتحدة ما تزيد قيمته على 142 مليار دولار سلاحا، إلى مختلف إرجاء العالم، وفق موقع "ليبرال سلانت دوت كوم". وسيطرت صناعة السلاح الأميركية على نصف السوق في العام 2001، الذي بلغت قيمته 839 مليار دولار، وتمكنت الشركات الأميركية من جني عائد بلغ 12 مليار دولار. ويُقدر مركز السياسة الدولية أن نحو 80 في المئة من صادرات السلاح الأميركي، تذهب إلى الدول النامية، لا سيما إلى الحكومات غير الديمقراطية. ويطرح هذا الأمر سؤالا جديا عن حقيقة إعلان سيد البيت الأبيض جورج بوش وحليفه في 10 داوننغ ستريت توني بلير، إنهما يريدان تحرير العالم وإشاعة الديمقراطية فيه.
لقد باعت الولايات المتحدة في العام 1999 سلاحا في 39 نزاعا كبيرا من 42 نزاعا، أما الباقي فقد وفرته الدول المصدرة للسلاح، ومنها روسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا، وبقدر أقل السويد وإسرائيل وبلجيكا وروسيا البيضاء وإيطاليا وكوريا الشمالية، وغيرها.
وتستفيد شركات السلاح كثيرا من العقود العسكرية التي تلحظها موازنة البنتاغون السنوية. فأكثر من 60 مليار دولار رصدت لشراء أسلحة جديدة، في موازنة العام 2003. وأنفقت وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 30 مليار دولار في السنة، في أبحاث تطوير الأسلحة الجديدة.
ويدل بوضوح على تحول الاقتصاد الأميركي إلى اقتصاد عسكري، ما أورده موقع "ليبرال سلانت دوت كوم" أن موازنة العام 2004 المالية، لحظت زيادة في الموازنة العسكرية، قيمتها 400 مليار دولار في موازنة العام 2003، إذا أضيف تمويل السلاح النووي، الذي يقع ضمن موازنة وزارة الطاقة.
والمخطط له، أن تزيد وتيرة الإنفاق العسكري في السنوات المقبلة، وتبلغ 502 ملياري دولار في السنة المالية 2009.
واللافت أن صناعة السلاح الأميركية، كانت من أكرم المسهمين في الحملة الانتخابية في العام 2000، إذ أنفقت شركة "لوكهيد مارتن" وحدها 2.8 مليوني دولار. وحظيت بالمكافأة حين فازت بعقد تطوير طائرة القرن الحادي والعشرين المقاتلة.
وقد بلغ مبيع "لوكهيد مارتن" من السلاح في 2001، نحو 14 مليار دولار إلى السوق الأميركية والدولية. وأخيرا حصلت الشركة على عقد قيمته 3.5 مليارات دولار، لتزويد الجيش البولندي طائرات "ف 16" المقاتلة. وفيما تمكنت الولايات المتحدة من إقناع بولندا والمجر وتشيخيا بضرورة تحديث ترساناتها العسكرية، قدمت الحكومة الأميركية قرضا لوارسو قيمته 3.8 مليارات دولار، لتحديث جيشها.
ولا يقتصر اهتمام الولايات المتحدة بالسلاح الثقيل، إذ انها جزء أساسي من سوق السلاح الخفيف في العالم، التي تُراوح قيمتها بين 4 و6 مليارات دولار في السنة. وتعد الولايات المتحدة وروسيا أكبر مصدرين لهذا النوع من السلاح في العالم.
أما في سوق الولايات المتحدة الداخلية، حيث اقتناء السلاح مباح، فإن الأميركيين يقتنون نحو 192 مليون قطعة سلاح، منها أكثر من 65 مليون مسدس. وفي العام 1998 باع تجار السلاح نحو 4.4 ملايين قطعة سلاح في السوق الأميركية، منها نحو مليوني مسدس.
وليس مستبعدا أن تطلق إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، يدفعها ويشجعها البنتاغون والصناعة الحربية، حمى تسلح نووي جديد. ووفق مركز معلومات الدفاع تنفق الولايات المتحدة 27 مليار دولار في السنة، لتكون مهيأة لحرب نووية.
وتشغل صناعة السلاح عشرات ألوف العلماء والمهنيين والعمال الذين يطورون أسلحة جديدة ويصنعونها ويعملون في هذا القطاع.
ولا يلزم بعدئذ السؤال كثيرا عن هذا الاندفاع المحموم لدى الإدارة الأميركية الحاضرة إلى الحرب، مستغلة هجوم 11 أيلول 2001، مشجبا تعلق عليه مسوّغات حربها "على الإرهاب" وحربها الأخرى "لإنشاء الديمقراطية" في الدول التي تحكمها أنظمة "دكتاتورية"، وهذا بالطبع يقع حصرا في المناطق التي للولايات المتحدة مصالح فيها.
المصادر:
1 ـ تقرير عن مركز الدراسات الاستراتيجية (واشنطن)
2 ـ صحيفة "نيوزداي"
3 ـ محاضرة لمساعد وزير الخارجية الأميركي لمكتب شؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز (منشورة على الانترنت)
4 ـ تقرير لمعهد النفط الأميركي (منشور على الانترنت)
5 ـ موقع "بزنس دوت كوم" على الشبكة الدولية
6 ـ موقع "ليبرال سلانت" على الشبكة الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق