الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012


 إيران تستعيد تجربة الستار الحديدي

المستقبل - الاربعاء 26 أيلول 2012 - العدد 4471 - شؤون عربية و دولية - صفحة 15

أنيس محسن
مطلع تسعينيات القرن الماضي، شهد العالم انهيار الستار الحديدي الذي أرساه ديكتاتور الإتحاد السوفياتي الراحل جوزف ستالين، وعزل بموجبه عن الخارج، ليس الدولة السوفياتية فقط، بل كل المنظومة الدائرة في فلكه في شرق أوروبا.
وعزل الداخل عن الخارج لم يكن فقط عبر منعهما من التواصل، إنما بإرساء سياسة متشددة إزاء كل من يعارض قراراته وكذا فعل حكام الدول الدائرة في الفلك السوفياتي.
مضت 23 سنة على انهيار الستار الحديدي السوفياتي، وانفتحت دول المعسكر الاشتراكي السابق على الغرب الرأسمالي بعدما بدلت نظمها الاقتصادية من شديدة التوجيه والسيطرة الى حدود الانفلات الليبرالي اقتصاديا في معظم تلك الدول، لكن ثمة في المنطقة من يستنسخ تلك التجربة الفاشلة.
السلطات الإيرانية حجبت أول من أمس، الدخول إلى خدمات "غوغل"، في إطار خطوات تتخذها لإقامة شبكة "انترنت" داخلية في إيران، تشكل ستارا حديديا جديدا حول الفضاء الافتراضي.
وكان مسؤولون إيرانيون أعلنوا أخيرا أن سلطات طهران تعمل على إطلاق شبكة "انترنت" وطنية، "ستكون نظيفة من أي محتوى غير إسلامي، إضافة إلى أنها أسرع وأكثر أمانا، بالرغم من أن مراقبة بيانات المستخدمين ستكون أسهل".
تزامنا مع الإنغلاق على العالم الخارجي الإفتراضي، اعتقلت السلطات الإيرانية أول من أمس مهدي هاشمي ابن الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني بعد عودته من الخارج الاثنين الماضي، وكانت اعتقلت شقيقته فائزة رفسنجاني، قبل يومين، تنفيذا لحكم بالسجن ستة أشهر بتهمة "الدعاية ضد النظام" صدر بحقها فى نهاية 2011.
وتتهم السلطات الشقيقين بالمشاركة في احتجاجات 2009 التي اندلعت بعد إعلان فوز محمود احمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية في انتخابات طعنت المعارضة بصحتها.
من نافل القول، ان إسدال الستار الحديدي السوفياتي على الخارج زمن ستالين ومن اتى بعده من قادة، ترافق مع حملة دموية على اي معارض للزعيم الأوحد، حتى من قادة الثورة البولشفية.
في إيران أيضا، ثمة زعيم أوحد، هو المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يمتلك وحده مفتاح المعرفة والحقيقة كونه "الولي الفقيه"!
وفي إيران أيضا، كل من عارض مشيئة الزعيم، حتى وإن كان من أسافين النظام، من أمثال هاشمي رفسنجاني ومير حسين موسوي ومهدي كروبي، نال حصته من القمع، مباشرة عبر السجن او الإقامة الجبرية، مثل موسوي وكروبي ومعارضين من التيار الاصلاحي، أو بشكل غير مباشر عبر إبعاده عن مفاصل الحكم أو التضييق على عائلته مثل رفسنجاني.
وكما في الإتحاد السوفياتي، فإن في إيران عمليات تصفية لكل من يراه النظام يشكل خطرا عليه، حتى ولو على مستوى تحرك تلاميذ جامعيين. عبر الاغتيال او عبر الحكم بالاعدام بتهم الخيانة.
الاتحاد السوفياتي كان يفاخر بقوته العسكرية العظمى، ويهدد الغرب بما يمتلك من قوة تدمير، توازي القوة التدميرية للغرب، فيما كان اقتصاده منهارا ومجتمعه محبطا.
إيران تفاخر بقوتها العسكرية الإقليمية العظمى، تهدد أميركا وكل من يدور بفلكها، وإسرائيل، التي يؤكد قادة طهران العسكريين قدرتهم على محوها من الوجود، لكن بالطبع من دون تنفيذ هذا التهديد الذي لو كان صحيحا ولم تنفذه إيران، فإن كل مزاعهما بالوقوف الى جانب الفلسطينيين ستكون واهية.
وبموازاة المفاخرة بالقوة تلك، فإن اقتصاد الدولة منهار تماما، والمجتمع الإيراني شديد الإحباط، وقد تضاعفت نسبة الإدمان على الكحول والمخدرات عمّا كانت عليه زمن حكم الشاه المخلوع، كما يؤكد اعلاميون ومثقفون ايرانيون يعيشون داخل البلاد.
قال مؤسس الشيوعية كارل ماركس قديما، التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة.
المأساة كانت في ذلك الإنهيار العظيم والسريع والمدوي للدول السوفياتية التي مثلت القطب الموازي للولايات المتحدة، ولم تصب الارتدادات الشعوب السوفياتية والدائرة في فلك ذلك القطب، انما شعوب الأرض التي كانت تبحث عن منقذ لها من ظلم التحكم الرأسمالي، او مؤازر لها في نضالها للتحرر من نير الأنظمة الحاكمة، والتي انهارت احلامها واحبطت كل مساعيها للتحرر.
فهل تكون المهزلة بانهيار مدو للقوة الإقليمية الكبرى، أي إيران؟ والسؤال الذي يجد نفسه يطرح بشكل انسيابي: من سيدفع ثمن الإنهيار/المهزلة، حين يحدث؟