الاثنين، 31 يناير 2011

الأسد يرى أن احتجاجات تونس ومصر واليمن فتحت عصراً جديداً ويعتبر وضع سوريا مستقراً

خسارة أنظمة عربية لشرعيتها تدفع بالرأي العام إلى العصيان

لبنان أول الديموقراطيات العربية لكنه يحتل المركز 86 من بين 167 دولة

قد يكون العراقيون تخلصوا من صدام حسين بفضل الاجتياح الاميركي، لكن شعوبا عربية تثور اليوم بنفسها ضد انظمتها المتهمة باستغلال سلطاتها المطلقة لادارة بلدانها كملكية خاصة بحسب محللين.
ويعتبر بول سالم مدير مركز كارنيغي للشرق الاوسط، ومقره بيروت، ان "العديد من العوامل تشجع هذا المستوى الكبير من الاستياء. اعتقد ان المجتمع كان جاهزا للانفجار منذ سنوات، لقد انطلقت الشرارة عن طريق الصدفة من تونس فامتدت النار الى مصر".
ويضيف ان "الملاحظ في حركات العصيان هذه ان الشعارات التي اطلقتها الاف الحناجر في مصر وتونس تتعلق بحقوق الانسان والمواطنة والديموقراطية الاجتماعية والعدالة الاقتصادية، انه برنامج ديموقراطي وليس ايديولوجيا".
ووفقا للمؤشر الديموقراطي الذي تضعه وحدة الاستعلامات في مجلة "الايكونوميست" للعام 2010 "يبقى الشرق الاوسط وشمال افريقيا المنطقة الاكثر قمعا في العالم لانه من اصل عشرين دولة، هناك 16 يمكن وصفها بانها ديكتاتورية".
ويؤكد المؤشر ان "اسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة" لكنها "ديموقراطية ناقصة" في حين يوجد ثلاثة "انظمة هجينة" مثل العراق ولبنان والسلطة الفلسطينية.
وقد حلت البلدان العربية المراتب المتاخرة في لائحة تتضمن 167 دولة، اولها لبنان في الرقم 86 يليه الفلسطينيون (93) وبعدهم العراق (111) ومن ثم مصر (138) وتونس (144). من جهته، يرى غسان سلامة استاذ العلوم السياسية في باريس والخبير في شؤون العالم العربي ان "هناك جانب اخلاقي في هذه الثورات لان هذه الانظمة استبدادية مغلفة بطابع الارث والسلالة".
ويضيف ان "العالم العربي معتاد على الطغيان منذ حقبة زوال الاستعمار في الخمسينيات والستينيات، لكن التطور كان كارثيا خلال القرن المنصرم. فقد كانت حياة بورقيبة وبومدين متقشفة، ولم يعتبرا الدولة ملكية خاصة".
وقد دامت فترة حكم الحبيب بورقيبة، اب الاستقلال التونسي، ثلاثين عاما بين 1957 و1987. اما هواري بومدين فقد حكم الجزائر بين العامين 1965 و 1978.
ويقول سلامة "اعتبارا من منتصف السبعينيات، انتقل بعض الانظمة الى مرحلة النيو ليبرالية واستغلوها لصالحهم فاقاموا حكما فاسدا عبر وضع اليد على قطاعات واسعة من الاقتصاد بحيث لم يعد هناك اي شيء لشعوبهم".
بدوره، يقول مدير مركز الدراسات العربية والشرق المعاصر في جامعة السوربون برهان غليون ان رفض الراي العام لاقلية تغتني من السلطة في حين يعيش الاخرون وسط فقر مدقع وما يرافق ذلك من تكميم للافواه ومصادرة الحريات ادى الى انطلاق التظاهرات.
ويضيف ان "نخبة فاسدة تدعمها الدول الغربية برزت بشكل متعجرف لا يصدق. وهمها الوحيد كان تكديس الثروات بينما كان اسلافها يعلنون رغبتهم في تغيير حياة الفئات الاكثر بؤسا".
ويتابع استاذ علم الاجتماع السياسي السوري الاصل "انه افلاس نموذج يجمع بين الانفتاح العشوائي على الاسواق وطغيان العصور الوسطى. بالاضافة الى ذلك، هناك قادة يتمسكون بالسلطة منذ ثلاثين عاما ويريدون ان يخلفهم اولادهم (...) الامر الذي يثير الاستفزاز".
وقد خلف الرئيس السوري بشار الاسد والده في حزيران (يونيو) العام الفين. ويتمنى الزعيم الليبي معمر القذافي ان يخلفه ابنه سيف الاسلام، كما يأمل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ان يخلفه ابنه احمد، قائد الوحدات الخاصة، وكان الرئيس المصري حسني مبارك يامل ان يخلفه ابنه جمال.
وفي مقابلى مع صحيفة "وول ستريت جورنال" نشرت الإثنين 13 كانون الثاني (يناير) 2011، نفى الاسد احتمال ان يمتد الاضطراب السياسي الذي يهز تونس ومصر الى سوريا وقال ان الاولوية بالنسبة له تبقى الاستقرار والانفتاح التدريجي للاقتصاد.
وقال الاسد ان التسلسل الهرمي الحاكم في سوريا يرتبط ارتباطا وثيقا بمعتقدات الشعب وانه لا يوجد سخط جماهيري ضد الدولة التي يسيطر عليها حزب "البعث" على مدى العقود الخمسة الماضية.
وتابع الاسد: "هذه هي القضية الاساسية. عندما يكون هناك اختلاف بين سياستكم ومعتقدات الشعب ومصالحه سوف تكون هذه الفجوة التي تخلق الاضطرابات". اضاف: "وهكذا يصبح الامن اولا. وكيف يمكنك تحقيق استقرار بلدك وكيف يمكنك حماية مجتمعك من المتطرفين... ثانيا الاقتصاد هذه الاولوية الثانية الملحة".
وقال الاسد، الذي ورث الرئاسة في سوريا عن والده قبل 11 عاما، ان الحكومة بدأت باشراك الشعب في صنع القرار من خلال السماح بالجامعات الخاصة وفتح القطاع المصرفي والسماح لوسائل الاعلام الخاصة. وأضاف "انه افضل من ست سنوات مضت ولكنه ليست الوضع الامثل. لايزال امامنا طريق طويل لنقطعه... لكي نكون واقعيين علينا ان ننتظر الجيل القادم لتحقيق هذا الاصلاح".
ولفت الاسد الى ان مشروع قانون للاعلام يمكن ان يخفف بشكل اكبر من القيود في هذا القطاع، لكنه لم يقل ما اذا كان سيتم الغاء حظر "الانترنت" بما في ذلك "الفيس بوك" وعشرات المواقع الاخبارية والذي كثف في اعقاب الثورة التونسية.
وقال الأسد إنه سيجري إصلاحات سياسية هذا العام من خلال إجراء انتخابات بلدية ومنح المنظمات غير الحكومية المزيد من السلطات وسنّ قانون جديد للإعلام.
غير أن الأسد استبعد تبني إصلاحات سريعة وجذرية مثل التي ينادي بها المتظاهرون في شوارع القاهرة تونس، لأن بلاده تحتاج إلى بناء المؤسسات وتحسين التعليم قبل انفتاح النظام السياسي في سوريا، محذراً من أن المطالب بالإصلاحات السياسية السريعة قد يكون لها ردة فعل سلبية في حال لم تكن المجتمعات العربية جاهزة لها. وقال "ستكون حقبة جديدة باتجاه المزيد من الفوضى أو المزيد من المؤسساتية؟ هذا هو السؤال".
ولم يتناول الأسد قضية الاف السجناء السياسيين في سوريا والقيود الحكومية التي تشمل حظر سفر مئات من منتقديه وقانون الطوارىء وحظر اي معارضة وهو امر سار منذ 50 عاما.
وقال الأسد، من جهة أخرى، إنه يشارك الولايات المتحدة هدفها في القضاء على تنظيم "القاعدة"، غير أنه شدد أن إيران حليف أساسي لسوريا، وقال "لا يمكن لأحد أن يتغاضى عن إيران، أعجبك ذلك أو لا".
وفي ما يتعلق بمحادثات السلام، قال إن سوريا منفتحة على المفاوضات مع الإسرائيليين حول هضبة الجولان، غير أنه قال إنه لا يظن أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستعدد للانخراط في العملية مثل سلفه إيهود أولمرت الذي قال إنه اقترب معه من التوصل لاتفاق في العام 2008. وأضاف: "كلا (عملية السلام) لم تمت لأنه لا يوجد أي خيار آخر"، وفي حال التحدث عن موت محادثات السلام "يعني ذلك أنه على الجميع الاستعداد للحرب التالية".
واستبعد الأسد من ناحية أخرى احتمال منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولوجاً أكبر للتحقيق بمشاريعها النووية، قائلا إن ذلك "سيساء استخدامه".
وتطالب الوكالة الدولية بالسماح لمراقبيها بزيارة موقع في بلدة دير الزور الذي قصفته القوات الإسرائيلية بحجة أنه كان يحتوي على مفاعل نووي.
ويقول سالم "من المهم ملاحظة ان القوة الوحيدة المعارضة لهذه الانظمة خلال ثلاثين عاما كانت الحركات الاسلامية. لكن في واقع الامر، فإن العصيان في تونس ومصر نجح خلال اسابيع في تحقيق ما عجزت عنه الاحزاب الاسلامية طوال عقود من الزمن".
ويختم "هذا الامر يؤكد ان لدى الديموقراطية حاليا اصداء اكثر قوة من الاسلاموية او القومية العربية او الافكار اليسارية".

(وكالة الصحافة الفرنسية، وكالة رويترز، وكالة يونايتد برس إنترناشونال)

السبت، 15 يناير 2011

تونس: دروس للشرق وللغرب


أنيس محسن


عندما أحرق شاب جامعي تونسي نفسه في سيدي بوزيد في كانون الأول (ديسمبر) احتجاجا على منعه من العمل كبائع متجول بعدما حالت البطالة دون تمكنه من العمل وفقا لتحصيله العلمي، لم يكن أحد في داخل تونس أو في خارجها يتوقع أن تصل الأمور إلى حد الإطاحة برجل البلاد القوي والرئيس القادم من أجهزة الأمن والطامح إلى رئاسة أبدية وراثية (الأغلب لزوجته ليلى طرابلسي كما كان يشاع كثيرا).
لم يخامر ظنا أي مسؤول تونسي، أو ضابط أمن متمرس في تعذيب المعتقلين السياسيين، أو مثقف موظف لدى أجهزة الأمن، بأن إحراق محمد البوعزيزي نفسه ليس سوى حدث سيمر مرور الكرام. وبالتأكيد لم ينتبه للحادث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حامي بن علي الأول، ولا كل من يعتقد في الغرب، أن الشعوب العربية شعوب خاملة، لا تتحرك سوى بأمر من قياداتها الفاسدة أو من قياداتها "الإرهابية"، ذلك الغرب الذي اخترع معادلة دعم الأنظمة الفاسدة في مواجهة "الإرهاب الإسلامي".
لكن شعب أبو القاسم الشابي أحال قصيدة "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر" إلى واقع، وقلب المعادلات.. نبض الشارع لم يكن "إسلامويا" بل انتظم الكل تحت شعار "خبز وحرية".. ورفعت في تظاهرات الساعات الأخيرة قبل فرار بن علي صور تشي غيفارا وأعلام فلسطين، التي أهدت كل أحرار العالم وألهمت الشعوب العربية من خلال انتفاضة الحجر ضد البندقية والجسد في مواجهة الدبابة (الحديث هنا عن إنتفاضة الحجارة وليس عن انتفاضة "الأقصى" التي تحولت إلى عمل مسلح قوض الإنتفاضة الثانية، برأيي).
تونس التي لم تقبل أمس، فقط برحيل بن علي وتبوء رئيس وزرائه محمد الغنوشي سدة السلطة مؤقتا، بل طالبت تظاهرات تواصلت ليلا برحيل النظام، لأن "للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق" كما قال الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي، وقد ضرجت انتفاضة "الخبز والحرية" بدم عشرات الشهداء والجرحى خلال شهر من التظاهرات، كان عصارة 23 عاما من احتمال القهر وقضم الغيض.
تونس، التي كشفت عن بالأمس عن شعب حيوي، حضاري، متشبع بالثقافة الغربية الرفيعة المستوى، لكنه عربي الانتماء، وقد رفع المتظاهرون شعارات العروبة ايضا في تظاهراتهم، تونس تلك أعطت دروسا للغرب كما للشرق، أراها كما يأتي:
1- للغرب: أن الشعوب العربية ليست أقل حيوية من شعوب وسط أوروبا التي قوضت انظمة ديكتاتورية تلطت خلف عدالة الماركسية لتقمع شعوبها وتضعه داخل قوالب فولاذية، وأن استخفاف العقل السلطوي الغربي بعقول الشعوب العربية وبحيويتها، انما ينم عن جهل بالأمور وتبسيط سيقودها الى مزيد من المآزق في الشرق، وليس مع متخلفي "الإسلاموية السياسية" مثل "القاعدة" وأخواتها (شيعة وسنة)، بل مع شعوب تتمتع بمستوى تعليمي راق، وبثقافة حقوق إنسان عميقة، أساسها وعيها بحقوقها ووعيها بذاتها ووعيها بوعيها.
من نافل القول، أن نظام بن علي، كان طفل الغرب المدلل، وخصوصا طفل جمهورية ساركوزي في فرنسا، تحت بند ثقافة "محاربة الإرهاب" الأميركية. فبن علي كان يساوم الغرب على قمع "التطرف الإسلامي" من خلال قمعه (بعد استيلائه على السلطة في العام 1987 وإزاحته الرئيس "الجاهد الأول" الحبيب بورقيبة)، الحركات الإسلامية، خصوصا حركة النهضة، فيسكت الغرب عن قمعه الحريات العامة كلها، من خلال تقويض النقابات وملاحقة كل وطني ويساري وديموقراطي في البلاد وزجهم في السجون او دفعهم الى مغادرة البلاد، بل وعلى دعم مالي عبر عملية توجيه رأس المال الإستثماري "مدروسة" الى السوق التونسية، لتستفيد منها فئة من ازلام النظام ومحيط بن علي العائلي، وخصوصا عائلة زوجته آل الطرابلسي ومحيط العائلة هذه ايضا.
جاءت انتفاضة تونس التي اطاحت بن علي بدرس لا بد للغرب من تراجعته بعمق شديد:
أ – أن كل الدعم الذي يمكن ان يقدم لطاغية تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، لن يجدي "إذا الشعب يوما أراد الحياة" لأنه "لا بد أن يستجيب القدر.. ولا بد للقيد أن ينكسر".
ب – أن الإستهانة بحيوية الشعوب العربية، ووصمها بالتخلف، إنما ينم عن عقلية تسلطية متخلفة، نمطية، تعيش أزمة بداخلها، سوف تودي إلى تقويض النموذج الغربي بكامله، الصالح منه والطالح.
ج – أن التغيير في الشرق العربي الذي رفعت شعاره الولايات المتحدة، عبر التغيير بالقوة زمن جورج بوش الإبن، والتغيير بالضغط الناعم حاليا مع إدارة باراك أوباما، لا يجدي نفعا، وأن التغيير ما لم يأت من الداخل لا يعول عليه.
د – أن التغيير عبر الشارع، ليس بالضرورة "إسلامويا" إنما قد يحمل، وهو حمل، بعدا شعبيا وطنيا حضاريا، فتظاهرات تونس وضعت الخبز والحرية وفلسطين والعروبة في سلة نضالية واحدة.
2 – للشرق: في الشرق العربي عقلية سلطة هي الأكثر دونية بين كل جهات الأرض. تعتقد أن "المتسلط" قابع في سلطته الى ما لا نهاية.. شرق، قابل تحويل الغرب أنظمته الملكية إلى "ملكيات دستورية" فيها الملك صورة لا أكثر، إلى رئاسات وراثية، فيها الرئيس ملك يورث مملكته إلى خلفه، وهو حتى لم يرثها من سلف أصلا. لهذه السلطة المتخلفة في شرقنا العربي قالت تونس:
أ – إن اقبية القمع زائلة فـ"لا غرفة التوقيف باقية ولا زردالسلاسل.. وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل" كما قال شاعر فلسطين الراحل محمود درويش. وبالتالي على كل الطغاة، سواء أولئك الذين لا يستحون بطغيانهم فيعلنونه، أم الذين يغلفون طغيانهم بعملية تمويه عبر تزوير أرقام النمو وصناديق الإقتراع، أن يدركوا ما حصل ويستدركوا ما هو قادم عليهم، وينزاحوا عن كراسيهم قبل أن تجتاحهم انتفاضة لا بد أن تتعمم.
ب – إن عملية التعمية والتمويه باتت غير مجدية على طريقة بن علي، عبر مزاعم النمو الإقتصادي، المستندة الى كل تزوير ممكن في الأرقام، واستئجار الأقلام من مشرق العرب ومغربهم، لكتابة قصائد الغزل بالنمو الإقتصادي والبحبوحة ورغد العيش، وبالحرية والليبرالية. لأن كثرة الضغط لا بد ان تولد انفجار، قد يكون انفجار تونس بردا وسلاما قياسا بما يمكن ان يحدث في أمكنة أخرى.
ج – إن "التوريث الرئاسي" ما عاد ممكنا، ورفع شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" و"لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة"، وهذان الشعاران يرفعهما البعض ضد اسرائيل وأميركا فقط للمقايضة داخليا وخارجيا ببقائهم في السلطة، فيما الأفعال تنفي الأقوال، حيث لا معركة الى ضد الشعوب ولا مقاومة الا لحركة التغيير.
د – إن رفع شعار "محاربة الإرهاب الإسلامي" بات غير مجد بعد انتفاضة تونس، لأن الغرب سوف يتأنى كثيرا اعتبارا من 15 كانون الثاني (يناير) }أي اليوم التالي لسقوط بن علي{ في غباوة تصديق هذا الشعار ودعم الطغاة.
ه – إن التلطي خلف فلسطين و"المقاومة" لتغطية مشاريع سلطوية وطوائفية وأحلام مواقع متقدمة في عملية اعادة تنظيم النظام الدولي ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وترنح الأحادية الأميركية، غير مجدية، ووحدها انتفاضة مثل انتفاضة "الخبز والحرية" في تونس، لها شرف رفع شعار "فلسطين" و"العروبة" ووضعها في مصافيها السامية الحقيقية.
و – إن من هم في السلطة المباشرة، أو في سلطة غير مباشرة عبر التسلط على المجتمعات، أو الطامحين الى تولي السلطة، عليهم التفكير مليا بأنه يمكن لهم أن يستلبوا عقول فئة ما طوال الوقت، لكنهم لا يستطيعون استلاب ارادة الشعوب كل الوقت.
ز – إن حماة الطغاة في الغرب، يفضون أيديهم عندما يسقط الطغاة، فساركوزي رفض استقبال بن علي، والرئيس الأميركي باراك أوباما حيا انتفاضة الشعب التونسي الذي يحق له اختيار سلطته.
تلك هي بعض من الدروس التي نثرتها انتفاضة "الخبز والحرية" في تونس في مروج أرض العرب الخصبة لبذار الحرية، ورياحين الإرادة الحرة التي نسمتها صوب الغرب ليستفيق من غيبوبة الصورة النمطية للشعوب العربية، وإلا فإن رياح التغيير ستضرب شرقا كما غربا.. وهي لا بد أن تضرب ولو بعد حين.

الاثنين، 10 يناير 2011

الإستخدام الفصائلي لمصطلح "الجمعيات الأهلية" و"هيئات المجتمع المدني"

المستقبل - الاحد 9 كانون الثاني 2011 - العدد 3877 - نوافذ - صفحة 12



أنيس محسن
في 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، دعت "منظمة ثابت لحق العودة"، وهي من التشكيلات "الأهلية" لحركة "حماس"، منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وممثلين عن الفصائل ومهتمين واكاديميين.. الخ، لجلسة نقاش بمناسبة مرور 4 سنوات على تأسيس "ثابت" تحت عنوان: "الجمعيات الأهلية الفلسطينية في لبنان ودورها في دعم القضايا المدنية للاجئين وتحصين حق العودة".
استغرق الأمر قرابة نصف ساعة، هو الوقت المخصص للجلسة الإفتتاحية التي القى كلمات خلالها كل من مدير عام "ثابت" علي هويدي والمدير العام للأونروا في لبنان سلفاتوري لومباردو ورئيسة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مايا مجذوب وراعي حلقة النقاش الوزير وائل أبو فاعور. وقد تبيّن للمدعوين أن لا جلسة نقاش، إنما عرض إنجازات لـ"ثابت" و"واجب" و"مجلس العلاقات الفلسطينية الأوروبية"، وكلها تابعة لـ"حماس"، التي سعت إلى إظهار أن كل ما سبق العام 2006، أي تاريخ تأسيس الهيئات الثلاث، كان صفرا وأن تاريخ العمل الشعبي الفلسطيني بدأ مع "حماس" وتشكيلاتها "الأهلية"، الأمر الذي أوجد امتعاضا بين المشاركين وتوترا في أجواء الجلسة النقاشية.
بكل الأحوال، وفي نقاش عنوان حلقة النقاش: "الجمعيات الأهلية الفلسطينية في لبنان ودورها في دعم القضايا المدنية للاجئين وتحصين حق العودة"، يبدو واضحا الزج النفعي الذاتي لمصطلحين، هما أداتان وليستا مفهومين: "المجتمع الأهلي" من جهة و"المجتمع المدني" من جهة أخرى.
فمصطلحات هيئات "مجتمع مدني" أم "هيئات مجتمع أهلي" له علاقة بالبعد الأيديولوجي السياسي، على الطريقة الفلسطينية.
وللخروج من عملية تطويع المصطلحات على أساس استخدامي مصلحي حزبي ضيق، يضع تلك التشكيلات في صدام تناحري، يتوجب القيام بنقاش أكاديمي للمصطلحين، وبالتالي تفكيكهما تسهيلا للوصول الى اعادة الصهر في إطار التناقض ضمن الوحدة، والسماح للطاقات المجتمعية الكامنة بالانطلاق خدمة لمشروع وطني واحد جامع، هو المشروع الوطني الفلسطيني:
1 "المجتمع الأهلي": من العنوان يستقى المضمون: الروابط تعتمد على العلاقات العائلية والعشائرية والجهوية. وسائل الإنتاج ريفية صغيرة، بالتالي هو تعبير ما قبل حداثي، وسياسيا يرتبط "المجتمع الأهلي" بالنسق السياسي السلطوي التقليدي من حيث المفاهيم.
2 "المجتمع المدني": تعبير عصري مرتبط بتطور المجتمعات في الغرب الصناعي وينزع نحو الانفصال عن السلطة السياسية المباشرة. لا تعتمد هيئات المجتمع المدني (الـNGOs)، أو المفروض أن لا تعتمد، على الانتماءات العائلية والعشائرية والجهوية، بل على تقاطع المصالح داخل المجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية، وهي وحدة متكاملة، كما يرى المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، وهو أول من استخدم مصطلح "المجتمع المدني": وتشكيلات المجتمع المدني كما يراها غرامشي هي الحزب السياسي والنقابة والجمعيات الخيرية وذات المنفعة العامة كلها تمثل المجتمع المدني، ولكل دوره في العملية السياسية الاجتماعية الاقتصادية العامة.
أساسا الحديث، أو النقاش، أو الخلاف يدور هنا حول "المجتمع المدني"، كأداة تعزز استخدامها فلسطينيا خصوصا بعد العام 1982، نتيجة لغياب او ضعف السلطة السياسية الفصائلية وتاليا تلاشي الهيئات النقابية المرتبطة بها كما يقول البعض، أو جراء محاولة استغلال الدول الغربية الفراغ في الوضع الفلسطيني الشعبي مع ضعف تأثير الفصائل كما يرى بعض آخر.
يجب الإعتراف، نظريا، بأننا اقرب الى "المجتمع الأهلي" كوننا لا نزال مفهوميا، في السياق الاجتماعي، محكومين بالعلاقات الأبوية المعتمدة اساسا على النسق العائلي العشائري الجهوي.
لكن الإعتراف هذا الذي قد يرضي البعض ولا يرضي البعض الآخر، يبقى مبتسرا ما لم نتابع الاعترافات:
ان علاقات ما قبل الحداثة تصطدم بعنف، وداخل مجتمعاتنا في الشرق العربي، وخصوصا فلسطينيا، مع التطور العالمي الحاصل. ان علاقاتنا الإجتماعية، المبني على اساسها مصطلح الهيئات الأهلية، تتواجه وتتصارع داخل كل فرد وكل جماعة ومجتمع، مع التقدم العلمي والتكنولوجي والإجتماعي المنقول اكثر واكثر عبر ثورة العولمة، ومع الأشكال الإجتماعية المتوالدة في الدول المتقدمة عن هذا التقدم، وهي ما يعبر عنها المفكر الأميركي ألفين توفلر بفكرة تصادم موجات التطور، وهي ثلاث الى الآن، طبعا وفق توفلر: الموجة الأولى المتأتية عن الانتقال من مجتمع الرعي الى الزراعي والثانية من المجتمع الزراعي الى الصناعي، والآن من المجتمع الصناعي الى "مجتمع الإعلام والمعلوماتية"، وما يتأتى منها من متغيرات مجتمعية. والصدام هذا ليس فقط صداما لحظيا، انما قد يستمر في كل المراحل ويتداخل، وفي حالتنا، فإننا نعيش حالة تصادم بين تداعيات الموجات الثلاث في آن واحد.
في التجربة الفلسطينية، وعودة الى النقاش حول "الأهلي" و"المدني"، فإن الأول مرتبط بالفصائل، التي تعتمد اساسا على البعد البترياركي او ما قبل الحداثي في العملية السياسية على المستوى القيادي، اي الشكل الأبوي، ولذلك فإن الأسهل لها التعامل مع هيئات "أهلية" ضمن هذا النسق المستقر على التعامل مع هيئات "مدنية" يجب الا تكون معتمدة على النسقية تلك المرتبطة بالعائلية والعشائرية والجهوية.
إن خلق صراع افقي فلسطيني: "هيئات أهلية" و"هيئات مدنية"، يعزز التناحر العمودي السياسي بين الفصائل بعضها مع بعض، فيما المطلوب توحيد كل الجهود في اطار المشروع الوطني الفلسطيني العام، عبر تعزيز ثقافة المقاومة، وعندما نتحدث عن ثقافة هنا، لا بد من التأكيد ان الجمود لا يولد ثقافة، انما تتولد الثقافة من دينامية مجتمعية تكون طاقات المجتمع فيها متحررة من التحكم والسيطرة بالمفهوم الأيديولوجي او الفصائلي الضيق، الى رحاب المجتمع المدني الديناميكي بكل أدواته: السياسية كفصائل والمدنية كهيئات أهلية او NGOs.
[المقالة جزء من مداخلة كانت أعدت لمصلحة "المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان" (حقوق) لتقديمها خلال جلسة نقاش "منظمة ثابت"، لكن تحول جلسة النقاش عن عنوانها حال دون تقديمها.

الاستخدام الفصائلي لمصطلح

"الجمعيات الأهلية" و"هيئات المجتمع المدني"
المستقبل - الاحد 9 كانون الثاني 2011 - العدد 3877 - نوافذ - صفحة 12

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?storyid=448005
المستقبل - الاحد 9 كانون الثاني 2011 - العدد 3877 - نوافذ - صفحة 12



أنيس محسن
في 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، دعت "منظمة ثابت لحق العودة"، وهي من التشكيلات "الأهلية" لحركة "حماس"، منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وممثلين عن الفصائل ومهتمين واكاديميين.. الخ، لجلسة نقاش بمناسبة مرور 4 سنوات على تأسيس "ثابت" تحت عنوان: "الجمعيات الأهلية الفلسطينية في لبنان ودورها في دعم القضايا المدنية للاجئين وتحصين حق العودة".
استغرق الأمر قرابة نصف ساعة، هو الوقت المخصص للجلسة الإفتتاحية التي القى كلمات خلالها كل من مدير عام "ثابت" علي هويدي والمدير العام للأونروا في لبنان سلفاتوري لومباردو ورئيسة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مايا مجذوب وراعي حلقة النقاش الوزير وائل أبو فاعور. وقد تبيّن للمدعوين أن لا جلسة نقاش، إنما عرض إنجازات لـ"ثابت" و"واجب" و"مجلس العلاقات الفلسطينية الأوروبية"، وكلها تابعة لـ"حماس"، التي سعت إلى إظهار أن كل ما سبق العام 2006، أي تاريخ تأسيس الهيئات الثلاث، كان صفرا وأن تاريخ العمل الشعبي الفلسطيني بدأ مع "حماس" وتشكيلاتها "الأهلية"، الأمر الذي أوجد امتعاضا بين المشاركين وتوترا في أجواء الجلسة النقاشية.
بكل الأحوال، وفي نقاش عنوان حلقة النقاش: "الجمعيات الأهلية الفلسطينية في لبنان ودورها في دعم القضايا المدنية للاجئين وتحصين حق العودة"، يبدو واضحا الزج النفعي الذاتي لمصطلحين، هما أداتان وليستا مفهومين: "المجتمع الأهلي" من جهة و"المجتمع المدني" من جهة أخرى.
فمصطلحات هيئات "مجتمع مدني" أم "هيئات مجتمع أهلي" له علاقة بالبعد الأيديولوجي السياسي، على الطريقة الفلسطينية.
وللخروج من عملية تطويع المصطلحات على أساس استخدامي مصلحي حزبي ضيق، يضع تلك التشكيلات في صدام تناحري، يتوجب القيام بنقاش أكاديمي للمصطلحين، وبالتالي تفكيكهما تسهيلا للوصول الى اعادة الصهر في إطار التناقض ضمن الوحدة، والسماح للطاقات المجتمعية الكامنة بالانطلاق خدمة لمشروع وطني واحد جامع، هو المشروع الوطني الفلسطيني:
1 "المجتمع الأهلي": من العنوان يستقى المضمون: الروابط تعتمد على العلاقات العائلية والعشائرية والجهوية. وسائل الإنتاج ريفية صغيرة، بالتالي هو تعبير ما قبل حداثي، وسياسيا يرتبط "المجتمع الأهلي" بالنسق السياسي السلطوي التقليدي من حيث المفاهيم.
2 "المجتمع المدني": تعبير عصري مرتبط بتطور المجتمعات في الغرب الصناعي وينزع نحو الانفصال عن السلطة السياسية المباشرة. لا تعتمد هيئات المجتمع المدني (الـNGOs)، أو المفروض أن لا تعتمد، على الانتماءات العائلية والعشائرية والجهوية، بل على تقاطع المصالح داخل المجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية، وهي وحدة متكاملة، كما يرى المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، وهو أول من استخدم مصطلح "المجتمع المدني": وتشكيلات المجتمع المدني كما يراها غرامشي هي الحزب السياسي والنقابة والجمعيات الخيرية وذات المنفعة العامة كلها تمثل المجتمع المدني، ولكل دوره في العملية السياسية الاجتماعية الاقتصادية العامة.
أساسا الحديث، أو النقاش، أو الخلاف يدور هنا حول "المجتمع المدني"، كأداة تعزز استخدامها فلسطينيا خصوصا بعد العام 1982، نتيجة لغياب او ضعف السلطة السياسية الفصائلية وتاليا تلاشي الهيئات النقابية المرتبطة بها كما يقول البعض، أو جراء محاولة استغلال الدول الغربية الفراغ في الوضع الفلسطيني الشعبي مع ضعف تأثير الفصائل كما يرى بعض آخر.
يجب الإعتراف، نظريا، بأننا اقرب الى "المجتمع الأهلي" كوننا لا نزال مفهوميا، في السياق الاجتماعي، محكومين بالعلاقات الأبوية المعتمدة اساسا على النسق العائلي العشائري الجهوي.
لكن الإعتراف هذا الذي قد يرضي البعض ولا يرضي البعض الآخر، يبقى مبتسرا ما لم نتابع الاعترافات:
ان علاقات ما قبل الحداثة تصطدم بعنف، وداخل مجتمعاتنا في الشرق العربي، وخصوصا فلسطينيا، مع التطور العالمي الحاصل. ان علاقاتنا الإجتماعية، المبني على اساسها مصطلح الهيئات الأهلية، تتواجه وتتصارع داخل كل فرد وكل جماعة ومجتمع، مع التقدم العلمي والتكنولوجي والإجتماعي المنقول اكثر واكثر عبر ثورة العولمة، ومع الأشكال الإجتماعية المتوالدة في الدول المتقدمة عن هذا التقدم، وهي ما يعبر عنها المفكر الأميركي ألفين توفلر بفكرة تصادم موجات التطور، وهي ثلاث الى الآن، طبعا وفق توفلر: الموجة الأولى المتأتية عن الانتقال من مجتمع الرعي الى الزراعي والثانية من المجتمع الزراعي الى الصناعي، والآن من المجتمع الصناعي الى "مجتمع الإعلام والمعلوماتية"، وما يتأتى منها من متغيرات مجتمعية. والصدام هذا ليس فقط صداما لحظيا، انما قد يستمر في كل المراحل ويتداخل، وفي حالتنا، فإننا نعيش حالة تصادم بين تداعيات الموجات الثلاث في آن واحد.
في التجربة الفلسطينية، وعودة الى النقاش حول "الأهلي" و"المدني"، فإن الأول مرتبط بالفصائل، التي تعتمد اساسا على البعد البترياركي او ما قبل الحداثي في العملية السياسية على المستوى القيادي، اي الشكل الأبوي، ولذلك فإن الأسهل لها التعامل مع هيئات "أهلية" ضمن هذا النسق المستقر على التعامل مع هيئات "مدنية" يجب الا تكون معتمدة على النسقية تلك المرتبطة بالعائلية والعشائرية والجهوية.
إن خلق صراع افقي فلسطيني: "هيئات أهلية" و"هيئات مدنية"، يعزز التناحر العمودي السياسي بين الفصائل بعضها مع بعض، فيما المطلوب توحيد كل الجهود في اطار المشروع الوطني الفلسطيني العام، عبر تعزيز ثقافة المقاومة، وعندما نتحدث عن ثقافة هنا، لا بد من التأكيد ان الجمود لا يولد ثقافة، انما تتولد الثقافة من دينامية مجتمعية تكون طاقات المجتمع فيها متحررة من التحكم والسيطرة بالمفهوم الأيديولوجي او الفصائلي الضيق، الى رحاب المجتمع المدني الديناميكي بكل أدواته: السياسية كفصائل والمدنية كهيئات أهلية او NGOs.
[المقالة جزء من مداخلة كانت أعدت لمصلحة "المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان" (حقوق) لتقديمها خلال جلسة نقاش "منظمة ثابت"، لكن تحول جلسة النقاش عن عنوانها حال دون تقديمها.