الجمعة، 28 ديسمبر 2012

الربيع العربي ـ2: موسم القطاف السوري



http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=552982

لمستقبل - السبت 29 كانون الأول 2012 - العدد 4560 - ملف - صفحة 11



أنيس محسن
عامان مرا على الحراك الشعبي العربي، الذي عرف بـ"ربيع العرب" المسمّى الذي اتفق عليه الجميع، حتى مر الحراك في سوريا، أحد أضلع محور ما يسمى بـ"الممانعة"، فاستحال عند مريدي هذا المحور "شتاء اسلامياً". إلا أن ما جرى خلال العام الفائت وما زالت تداعياته تتردد، خصوصا في تونس ومصر، وكذلك في ليبيا، يجعل من هذه التسمية، موقفاً سياسياً، أكثر منه واقعاً معاشاً، مع عدم التقليل من قوة أحزاب "الإخوان المسلمين" وقدرتها على قطف ثمار الثورات، لأسباب عدّة، أهمها: أن المجتمع العربي مجتمع محافظ بطبيعته ومسلم بانتمائه الديني، وأن تلك الأحزاب بتركيبتها الذكورية الشرقية، المتماهية مع المجتمعات الإسلامية المحافظة، تمتلك القدرة على بناء علاقات هرمية أقرب إلى تركيبة الأحزاب الشمولية اليسارية منها واليمينية، وأن المرحلة السابقة طبعت بالعلمانية لأن حكامها كانوا يدّعون العلمانية، فمال الشارع الى من يرفع لافتات الإسلام السياسي.
يقود التوصيف هذا إلى الحديث عن أحد أكثر فصول "الربيع العربي" شدّة وصعوبة، أي الوضع الدموي في سوريا حيث تنبئ كل التطورات بأنها ستكون بمثابة موسم القطاف التالي في هذا الربيع الصعب، وخصوصا أن طاغية دمشق بشار الأسد يزعم انتماءه العلماني أيضا، فيما يرفع "ممانعون" وحتى روسيا وأميركا وبعض أوروبا، فزاعة دخول المتطرفين الإسلاميين بقوة على خط الثورة بعدما تأخر الشرق والغرب في مد يد المساعدة لثوار سوريا.
على أن التطورات منذ انطلاق باكورة الحراك الربيعي في نهاية 2010 في تونس، وانتقاله في 2011 الى مصر والقطاف السريع في تلك الدولتين، ثم في اليمن وليبيا، ومجريات الأحداث في 2012، تشير إلى أن كثيرا من التوصيفات السلبية، المقصودة أو غير المقصودة، التي الصقت بـ"الربيع"، تدحضه النتائج التي تحققت، وتلك التي يُنتظر تحققها، في درب تغيير طويل، بدأ ولن يتوقف قبل أن تتحقق أهدافه.
ففي ليبيا التي عانت مخاض ولادة صعبة، لم تبرأ بعد من آثارها الجانبية وآلامها، ما جرى مثل صفعة لكل الندّابين ، فـ"القاعدة" لم يعلن إمارته الليبية بعد سقوط القذافي، بل إن الليبيين أنفسهم مالوا في غير حادث إلى مواجهة المتشددين الإسلاميين، السائرين على خطى "القاعدة"، خصوصا في بنغازي، حيث هاجم مدنيون مسلحون ثكنتين على مرحلتين، كانت تشغلهما مجموعات متشددة، شاركت في القتال ضد كتائب القذافي، وأجبرتها على التخلي عن الثكنتين، والإنسحاب بعيدا.
وعندما حان وقت الانتخابات العامة، انقسمت ليبيا، سياسيا، بين فريقي ائتلف كل منهما وفق ميوله العقائدية: الإسلاميون من جهة والعلمانيون من جهة أخرى. ولأن الانتخابات جرت بنظام مختلط؛ أي انتخاب على أساس اللوائح الحزبية، وعلى أساس الترشيح الفردي، فإن النتيجة جاءت على المستوى الحزبي وبفارق كبير لمصلحة العلمانيين في الانتخابات التي جرت في 7 تموز 2012. وعلى المستوى الفردي، حيث جرت عملية انتخاب 120 عضوا في "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان)، كانت قد غلبت المصالح الذاتية وجرت الانتخابات على أسس شخصية محضة، بطابع عشائري في معظم الأحيان، ما خفف من وهج انتصار العلمانيين، ومكن الإسلاميين، وهم خليط بين السلفية و"الإخوان"، من اللعب على المصالح الشخصية، مستفيدين من دعم مالي عظيم من دولة تؤازر "الإخوان" في كل دول "الربيع"، فعرقلوا قدرة العلمانيين على ترؤس البرلمان لكنهم فشلوا في تشكيل الحكومة الانتقالية التي آل تشكيلها إلى شخصية ليبرالية.
وبخلاف ليبيا التي حكمها معمر القذافي منفرداً، بعدما دمر كل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، في تونس، وعلى الرغم من فساد السلطة الحاكمة خلال عهد زين العابدين بن علي، فإن مساحة ولو كانت ضيقة من الديموقراطية الشكلية، أتاحت لبعض الأحزاب أن تنشط، ومنها "حركة النهضة"، النسخة التونسية لأحزاب "الإخوان المسلمين"، التي شهدت أشهر عسل مع الحكام في بعض المراحل، ومواجهات عنيفة في مراحل أخرى، سواء في عهد الحبيب بورقيبة أو عهد الرئيس المخلوع بن علي.
حركة "النهضة" وريثة "حركة الاتجاه الإسلامي"، هي ممثلة التيار الإسلامي في تونس التي تأسست في سنة 1972 وأعلنت رسميا عن نفسها في حزيران 1981 ولم يتم الاعتراف بها كحزب سياسي الا في سنة 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي المؤقتة بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلاد على إثر اندلاع الثورة التونسية. وقد تمكنت من الفوز في الانتخابات العامة في تشرين الأول 2011، مكتسحة مقاعد المجلس التأسيسي. على أن "النهضة" سعت الى تثمير هذا الفوز بفرض نموذجها على المجتمع التونسي المنفتح، وإن بمرونة. هذا المسعى جوبه برفض شعبي، خصوصا مع قيام سلفيين متطرفين، وعناصر مؤيدة لـ"النهضة" طيلة العام 2012 بممارسات قمعية تجاه المجتمع المدني التونسي، فيما كانت السلطة "النهضوية" تفشل في حل المشكلات الاقتصادية التي سقط بن علي بسببها، وهكذا انتهت سنة 2012 بمشهد يشبه كثيرا نهاية سنة 2010، عندما بدأت تظاهرات خجولة ضد السلطة السابقة، وتحولت تدريجا الى ثورة عارمة.
في مصر، كان الحراك أكثر وضوحاً. فاز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة بدعم من القوى العلمانية في الثورة، في مواجهة منافسه المحسوب على النظام السابق اللواء أحمد شفيق، وبفارق ضئيل. سعى "الإخوان" إلى فرض سيطرتهم المطلقة.. أصدر مرسي إعلاناً دستورياً جديداً يعطي لنفسه فيه صلاحيات تفوق تلك التي امتلكها مبارك. ثار الشارع، وحصلت مواجهات. أقرت لجنة مكلفة وضع دستور جديد، يسيطر عليها "الإخوان" كان قد انسحب منها ممثلو الاحزاب العلمانية والمجتمع المدني، دستورا جديدا للبلاد. حصل اشتباك سياسي ثان، وحدد مرسي موعدا للاستفتاء على الدستور رغم اعتراض القوى المعارضة. جاءت نتيجة الاستفتاء لمصلحة "الإخوان" لكن بغالبية 63% من اقل من ثلث المصريين، حيث المقاطعة كانت هي الراجحة.
أثبت المصريون أن الثورة لن تتوقف، وأن مواسم القطاف فيها كثيرة، وأن لا عودة إلى الوراء واستنساخ عهود ثاروا عليها. والموسم المقبل سيكون في غضون شهرين عبر انتخابات مجلس الشعب.
في اليمن، حيث التغيير كان جزئياً، إذ أزيح الرئيس علي عبدالله صالح عن سدة الحكم، لكن من دون تغيير جوهري في مفهوم الحكم، ولا في شكل النظام. لكن المشاكل لا تزال قائمة؛ في الشمال المضطرب كما في الجنوب المطالب بالانفصال.
في فلسطين، حيث الاحتلال الاسرائيلي جاثم في قلب الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحول قطاع غزة المحاصر برا وبحرا وجوا. لا يزال الربيع بحاجة إلى أكثر من فصل كي يعلن أن الثمار أينعت وحان القطاف. نصران تحققا في سحابة العام 2012؛ فشل الحرب الإسرائيلية الثانية على غزة "حماس" في تحقيق أهدافها خصوصا مع التضامن الواسع الذي ابدته خصوصا دول "الربيع العربي" معلنة أن الربيع ذاك إنما هو "ربيع فلسطيني" أيضا، وفوز فلسطين بمركز عضو مراقب في الأمم المتحدة على الرغم من كل التهديد والوعيد الإسرائيلي والأميركي. لكن النصرين يحتاجان الى تثمير أقله تحقيق المصالحة والوحدة ونبذ الانقسام.
أما سوريا، التي تعاني منذ نحو عامين، وتنزف دماً بسبب "ممانعة" نظام عائلة الأسد لعملية التغيير، فإن الثورة بلغت حد اللاعودة، وإن طال التغيير، فإنه واقع لا محالة، وربما بشكل جذري أكثر مما شهدته باقي دول "الربيع". تغييراً يعيد سوريا الى مجدها، ويعلن عبرها قيام ديموقراطية عربية ذات شأن.
إن التدخلات والتداخلات في الأزمة السورية، ودخول عامل العنف أساسيا في حركة الصراع بعدما ترك الشعب الناشط سلميا في الشوارع وحيدا أمام آلة القتل، إنما تعبير عن أن التغيير بات قدراً لا مهرب منه ولا رجوع عنه.
وإذا كانت مواسم فصول "الربيع" في دنيا العرب لا تزال مستمرة، وتعلن كل يوم جديدا منذ سنة 2011 وعبورا الى سنة 2012.. فإن موسم قطاف لا بد سيكون الأكثر تميزا، قادم في العام 2013 إلى سوريا ومنها، وبعدها يمكن البدء في إعادة بناء العلاقات العربية ـ العربية، والعربية ـ العالمية، بعيدا عن ارتهان حكام العهود السابقة للغرب أو الشرق، في مواجهة شعوبهم، بهدف البقاء في سلطة.. لو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم.

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

عن تهافت الإعلام مجدداً.. لكن في غزة


أنيس محسن


وأنا اتصفح موقع "فلسطين الآن"، وهو موقع إلكتروني تابع لحركة "حماس"، كي اتعرف على التطورات في غزة، لفتني خبر على شريط الاخبار، يقول: "ك. [كتائب] أبو علي مصطفى تقر: ما نشرناه عن تدمير جيب عسكري شرق غزة مفبرك" ولأن تدمير الجيب العسكري وسقوط جنود إسرائيليين قتلى كان واحدا من الأسباب المباشرة للعدوان الأخير على غزة، انتقلت الى موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الالكتروني لأتحرى الأمر، فتفاجأت أن بيانا لكتائب أبو علي مصطفى قد صدر ونشره الموقع عن الحادثة هذه، لكن على النحو التالي، نصاً:
"بيان صحفي توضيحي
صادر عن كتائب الشهيد أبو علي مصطفى
يا جماهير شعبنا البطل
نحييكم وأنتم تواجهون العدوان الصهيوني الهمجي بصمودكم وتحديكم، فإننا في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى معكم وبكم سنبقى قابضين على الزناد حتى دحر الاحتلال الغاصب، وفي هذا الإطار فإننا نؤكد على ما يلي:
- الاستمرار بالمقاومة بكافة أشكالها حتى تحرير فلسطين، فحق شعبنا في المقاومة ليس موضوعاً للمساومة.
- إننا إذ نؤكد على مسؤوليتنا الكاملة عن العملية النوعية التي استهدفت الجيب الصهيوني المصفح يوم السبت 10/11/2012، صوناً لحق رفاقنا ومقاتلينا في الاعتراف بإنجازاتهم وتضحياتهم، فإننا في نفس الوقت نعتذر عن انجرار بعض رفاقنا للعبة الفيديوهات المفبركة التي مارسها الآخرون.
- إن توضيحنا هذا يأتي في سياق الحرص الشديد من كتائبنا على المصداقية والشفافية والوضوح مع جماهيرنا، وعليه فإننا نعدكم أن نبقى دائماً وأبداً في خندق المقاومة ندافع عن شعبنا ووطننا.
كتائب الشهيد أبو علي مصطفى
14/11/2012"
أي أن "كتائب أبو علي مصطفى" لم تقر بأن ما نشرته "عن تدمير جيب عسكري شرق غزة مفبرك"، بحسب موقع "فلسطين الآن"، إنما أكدت تبنيها العملية، إنما اعتذرت عن "انجرار بعض رفاقنا للعبة فيديوهات مفبركة".
لو كان الوضع ليس متوترا، وتمارس إسرائيل كل هذا القتل الذي يطاول أهل غزة، من حماس والشعبية والجهاد، ومن المنتمين وغير المنتمين، وخصوصا المدنيين، لكان الأمر محمولا، فعلاقة حماس والشعبية شابها توتر قبل بدء العدوان، لكن أن يحصل هذا فيما إسرائيل تشن عدوانها، فمن المستغرب، بل المستنكر أن يثار سجال اعلامي رخيص كهذا.
 خبر اخر كان موقع "حماس" يبثه في الوقت ذاته في شريط الاخبار ايضا، ينقل عن رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية، تصريحا يقول فيه: "أنا من الجورة وسأعود اليها ومن لا يستطيع التحرير لا يحق له التنازل"، في غمز من قناة أعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرا عن تنازله عن حقه في مسقط رأسه، مدينة صفد، وهو تصريح أدانه فتحاويون قبل أن تدينه حماس وباقيا الفصائل.
خطر ببالي أيضا موقفان اطلقهما أمس خالد مشعل من القاهرة، تحدث عن وحدة في الموقف الفلسطيني ازاء العدوان، وموقف اخر سبقه بيوم لعباس، يؤكد الاتجاه نفسه ويعلن انه يتواصل مع مشعل وقيادات اخرى من حماس، فضلا عن المبادرة بين كوادر ومسؤولين من حماس وفتح في الضفة يطالبون فيها بانهاء حالة الانقسام فورا.
هالني هذا الاستهداف في موقع اخباري تابع لحماس للجبهة الشعبية، التي تعد من المقاومين الاشداء مع الجهاد الاسلامي في غزة، الى درجة ان وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك قال اليوم ان الجبهة والجهاد هما اعداء اسرائيل، فيما بعض من اعلاميي حماس يتلهون بفبركة خبر عن الشعبية، يمكن تبيان صحته من خلال مراجعة موقع الجبهة الالكتروني وهو ما حصل معي، لاتبين ان الخبر عن التلفيق هو الملفق
اما التصويب على محمود عباس في اللحظة هذه فهو امر يضاف الى التهافت السياسي والاعلامي هذا الذي لا يتورع عن دس السم في العسل فيما القتل يُقتل بالسم ذاته.
كنت قد كتبت في ليل الأحد – الإثنين 21 - 22/10/2012، عن تغطية وسيلة اعلام محلية للاشتباكات التي شهدتها طريق الجديدة في بيروت، عقب تشييع رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبنانية اللواء وسام الحسن، الذي اغتيل قبل يومين من ذلك، وبدى فيه مشهد التغطية غاية في الكاريكاتورية لما احتواه من التباسات. اعتقدت أن في لبنان مثل هذا الإعلام المراهق، لكني ادركت اليوم ان الإعلام المراهق هذا بات صفة عربية.

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

فداء عيتاني الذي أعرفه


أنيس محسن

أعرف فداء عيتاني منذ كان متدرباً في جريدة النداء، وأعرفه فيما بعد صحافياً هجومياً إلى حد لا يحتمل.
كنت أختلف معه في بعض التفاصيل، وربما كثيراً في الاسلوب... لكن كنت أعرفه أنساناً صادقاً مع نفسه ومعتقداته.
اليوم ولجت مدونته الجميلة "صحافة غير منضبطة" للمرة الأولى، فاستعدت فيها ذاك الشاب، الثائر والمتمرد وغير المنضبط، وإلى جانبه زميلنا وصديقنا وائل يهجران اليسار الكلاسيكي نحو يسار جديد... ويفشلان، مثلما فشلنا نحن من سبقهم في اليسار.
في كل كلمة من مقالاته التي نشرها على المدونة.. رأيت إنساناً عاد إلى زمننا الثوري الجميل، مندفعاً نحو ثورة جديدة، وكأنه لا يتعب من البحث عن حلمنا المفقود، عله يصحح أملنا المنكسر.
يسأل كثر عن سبب تأييده للثورة السورية وهو المدافع العنيف عن قوى 8 آذار والهجّاء إلى درجة "الصلافة" لقوى 14 آذار ورجالاتها... إذ يصنف من هو في هذا الموقع على أنه "ممانع" و"الممانع" يجب أن يصطف إلى جانب نظام آل الأسد ظالماً (كل الوقت) أو مظلوماً (ولا اعتقد ذلك)، ومداه الاستراتيجي الإيراني، و"المقاومي" في غزة وجنوب لبنان.
لم أجد في هذا التساؤل سوى ترهات "ثقافوية" وصحافة "تسطيحية"، هي سمة هذه الأيام من التهافت، وتعدي جهلة ومنتفعين ومتملقين وسماسرة على مهنة "الحقيقة.. كل الحقيقة للجماهير" واغتصابهم لها.
لكن ما لا يعرفه أولئك، ان فداء، هو... هو ذلك الشاب الذي ينتشي بالثورة والتمرد... بل أسمح لنفسي القول أنه لو لم يسبر غور الثورة السورية في ميدانها، لأيقنت حينها أنه قد تبدل وتغير ولم يعد فداء الذي أعرفه.
 إن الموقع الطبيعي لفداء هو تأييده الثورة السورية، أما نقده لبعض الممارسات، فهو نابع من شخصيته الصادقة، التي قد نختلف معها وعليها، لكن ما لن اتفق معه، هو التشكيك بصدقه وإنسانيته التي تنساب في ثنايا كل حرف كتبه من ريف حلب.
أيها المتهافتون الشامتون الشتامون... اذهبوا إلى مدونة "صحافة غير منضبطة" لتعرفوا فداء اليوم كما عرفته قبل عشرين سنة.
بيروت 31/10/2012

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

أيها اللبنانيون كفّوا عن زج الفلسطينيين في مشاكلكم

أنيس محسن

الفلسطينيون يفضلون قراءة جريدة "الأخبار" اللبنانية عن غيرها.. لأنها "ممانعة" وتشتم إسرائيل وأميركا.
في "الأخبار" في 29/10/2012 كان ثمة من يشيد بموقف وزيرة الخارجية الأميركية والسفراء الأوروبيين الرافضين لتغيير حكومة نجيب ميقاتلي، الممثل فيها بقوة "حزب الله" وأطراف أحزاب من بقايا "الحركة الوطنية اللبنانية" و"انعزاليين تائبين".
بل أن الصديق إبراهيم الأمين في مقالته "أزمة 14 آذار: إحباط على الطريقة المارونية" يرى أن "هناك أعدادا إضافية من المشاركين غير اللبنانيين، من فلسطينيين وسوريين" شاركوا في نشاطات 14 اذار في وسط بيروت...
لماذا هذا الزج بالفلسطينيين دائما تارة من قبل صحافة 14 آذار وتارة اخرى بواسطة اعلام 8 آذار- يا عمّي فكّوا عنّا- نحن لا نريد وغير راغبين ومستنكفين ورافضين لأي دور في المشاكل اللبنانية، وان شارك فلسطيني ما في اي تحرك، سواء لمصلحة 8 او 14 اذار والكل يعرف ان ثمة فلسطينيين مؤيدين لـ"الممانعة" أو لـ"الاعتدال"، هذا التحرك لا يمثل سوى من شارك به، علما ان مشاركات كتلك هي نادرة.
مثلا خلال احداث طريق الجديدة يوم الأحد قبل الماضي، اتهم الفلسطينيون بالمشاركة بالسلاح الثقيل في الاشتباكات... الكل يعلم انه ليس لدى الفلسطينيين سلاحا ثقيلا!! ثم قتل فلسطيني كان على دراجة، لم يكن مسلحا، انما وجد في زمان ومكان خاطئين، فسارع رسميون واعلاميون باعلان مقتل فلسطينيين حاولوا مهاجمة قوة من الجيش اللبناني.. كل التحقييقات، رغم بيان رسمي من جهة امنية، تشير الى انه مدني يعمل جزارا في صبرا وكان متوجها الى مسلخ بيروت. الفيديو المسرب يؤكد انه اصيب برأسه وكان ممدا على الارض ولا يوجد سلاح الى جانبه!!
رئيس "التيار العوني" ميشال عون اعلن في "مانيفيستو" عقب اجتماع لتكتله، ان 70 فلسطينيا و30 عنصرا من الجيش السوري الحر شاركوا في اشتباكات طريق الجديدة. بيان الجيش اللبناني تحدث عن اعتقال 4 فلسطينيين يشتبه بمشاركتهم في احداث طريق الجديدة ليل 21 - 22 تشرين الأول الجاري.
بات من المطلوب، بل الملح ان يتحمل قادة الفصائل وهيئات المجتمع المدني الفلسطينية المسؤولية وان يتصدوا بكل وسيلة سلمية ممكة، عبر الاتصالات المباشرة، و/أو فضح الجهات المحرضة، اعلاميا وشعبيا بغض النظر عن موقعها في "الممانعة" و"الاعتدال"، التي تعمل على زج الفلسطينيين في احداث ليس لهم فيها ناقة او جمل، انما فقط لإثارة الغرائز ودائما لاتهام طرف محلي بأنه لا يمتلك شعبية، ولذلك فهو يجند "الأغراب"... و"أغراب" لبنان منذ عقود هم الفلسطينيون، ثم السوريون، وقد نجد لاحقا "أغرابا" من جنسيات اخرى.
29/10/2012


الأحد، 21 أكتوبر 2012

الإعلام عندما يصبح لعبة أولاد يقودها هواة




عن تغطية تلفزيون الجديد للاشتباكات في طريق الجديدة بعد تشييع اللواء الحسن


أنيس محسن

من يستمع إلى تغطية تلفزيون "الجديد" ليل الأحد – الإثنين 22/10/2012، للاشتباكات التي شهدتها طريق الجديدة في بيروت، يقتنع بأن حرباً أهلية قد اندلعت، وأن الصباح سيكشف عن دمار رهيب، وبالتالي لا مدارس ولا أشغال ولا حياة في العاصمة!
الحوار كان بين "مراسل" تلفزيون "الجديد" و"المذيعة" – المكان: طريق الجديدة. الزمان: بعد منتصف ليل ا لأحد – الإثنين 22/10/2012 على شاشة "الجديد".
المراسل ينقل مشاهداته، ويلعب دور المراسل الحربي: "معارك عنيفة تدور على محور الجامعة العربية (كلية الهندسة) – مبنى كلية الإعلام السابق في الجامعة اللبنانية مقابل الجامعة العربية وبمحاذاة نقابة المهندسين، خلف تعاونيات لبنان..الخ. يسمع المراسل صوت انفجارات ويؤكد أن سلاحا خفيفا ومتوسطا، وربما ثقيلا يستخدم في المعركة وهي باتجاه واحد من كلية الهندسة – الجامعة العربية (التي يسيطر عليها انصار تيار المستقبل) باتجاه الكولا والمبنى القديم لكلية الإعلام – الجامعة اللبنانية (حيث ثمة وجود لحركة أمل). المراسل نفسه ينقل عن شهود عيان يشكلون مصدرا موثوقا له ان اشتباكات تدور في الشياح.. مصدر اطلاق انار مخيم صبرا!! وقد دخل سلاح ثقيل على ساح المعركة عبارة عن رشاش مضاد للطائرات عيار 23 ملم. الفلسطينيون (السنّة) [بالتأكيد] دخلوا [الى جانب انصار "المستقبل" (السنّة أيضا)] المعركة، بدليل استخدام هذا السلاح الثقيل... المذيعة تردد صدى معلومات المراسل، وتنقل عن مصادر خاصة بـالجديد دخول فلسطينيي صبرا المعركة بسلاح ثقيل". [هذا هو مضمون الحوار الذي كان يدور بين المراسل والمذيعة على مدى أكثر من ساعة، (وهو ليس نصاً دقيقاً وحرفياً)]
ننهض صباح الإثنين 22/10/2012، على باب الله نحو أعمالنا، بالطبع حركة الشارع في بيروت خفيفة، فاليوم السابق شهد تشييع رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن، وما رافقه من توتر أمام مقر الحكومة (السراي الكبير) في وسط بيروت (ساحة رياض الصلح). لكن لا حرائق ولا قتلى ولا سيارات مدمرة في الشوارع.. والتلاميذ يتأبطون هذا الكم الهائل من الكتب والكراسات اليومية في حقائبهم ويسيرون محنيّو الظهور من ثقل ما يحملونه.. سيراً باتجاه المدارس القريبة، أو انتظاراً للحافلات التي ستنقلهم الى المدارس البعيدة.
لكن لا حرائق ولا قتلى في الشوارع، والسيارات نظيفة تماما، لا بقايا معارك عليها.. سوى أن الوجوه مقفهرة "قرفاً" مما يحدث في "سويسرا الشرق".
اذا، إما أن الناس تآمروا ونظّفوا آثار المعركة عن سياراتهم وبيوتهم ومن الشوارع التي لا أثر لركام الدمار فيها، أو أن "الجديد"، للأسف: كاذب!!.
بالطبع، بالنسبة لي، كوني صحفي "عتيق" وقد غطيت معارك عسكرية عندما كنت بعمر مراسل "الجديد" (الحربي)، بل وكوني من جيل خبر واختبر الحرب الأهلية وحروب الإسرائيليين على لبنان، لم اكن محتاجاً إلى انتظار الصباح لأدرك أن ما كان يذاع ليلاً لم يكن سوى مثالا آخر على تهافت الإعلام.. واعلاميي "المرئي والمسموع" الجدد.
ما كنا نسمع من إطلاق نار، لم يتعد بالتأكيد السلاح المتوسط، أي الـ"بي كي سي"، حداً أقصى، وهو بغالبيته سلاح خفيف يتراوح بين كلاشنكوف وM16 وربما "ناتو فال".
ثم أن من يعرف صبرا وشاتيلا، ديموغرافيا وجغرافيا الآن، لا يحتاج إلى إجراء اتصالات ميدانية ليعي أن المخيم [المشهور بالمجزرة الإسرائيلية المرتكبة فيه في العام 1982 وحصاره الذي دام عامين 1986 – 1987 على يد حركة "أمل"]، بات ساكنوه الفلسطينيون أقلية ليس في المحيط، انما في الداخل، حيث بعض من فقراء لبنان والعمال السوريين والعمال الأجانب يشكلون غالبية في هذا المخيم. كما أنه جغرافيا لم يعد متصلاً بشكل مباشر مع الضواحي والأحياء التي يسكنها شيعة لبنانيون (فيما عدا منطقة الحرش البعيدة عمليا وجغرافيا عن المدينة الرياضية وكذلك الشياح) بل مع أحياء يسكنها لبنانيون سنّة.
ومن يعرف قليلاً التاريخ الحديث جدا في لبنان، والذي لا يحتاج الى تدوين كونه لم يمض عليه زمن كي يصبح تاريخا مدونا، يعرف أن المخيمات، وخصوصا مخيمات بيروت، ليس فيها أي سلاح ثقيل، كونها كانت قد بادرت بعد اتفاق الطائف الى تسليم سلاحها، بعدما انسحب المقاتلون الفلسطينيون من كل المواقع خارج المخيمات وسلموا طوعا كل سلاح كان بحوزتهم، الى الجيش اللبناني في شرق صيدا، ومن داخل مخيمات بيروت تم تسليم السلاح اما الى الجيش اللبناني او الى "حزب الله" [بعض الفصائل، كما استطيع أن أؤكد نقلا عن نفسي وليس عن أحد اخر، قد سلمت سلاحها الثقيل وما كانت تملكه من متفجرات الى "حزب الله"].
السؤال الذي يمكن أن يطرحه من لا يعرف "تضاريس" الإعلام في لبنان في هذه الأيام، هو: هل ثمة تحريض وراء ما كان "الجديد" يذيعه ليل الأحد – الإثنين، بقصد توريط الفلسطينيين في الأمر، أو خلق فتنة سنّية – شيعية؟
أستطيع الإجابة بضمير مرتاح، نفياً، بـ"لا".
إذاً، لماذا تورط "الجديد" بهذا الهراء؟...
الإجابة بسيطة جداً: بما أن ألإعلام أصبح لعبة أولاد يقودها هواة، اختلط أمر "السبق الصحافي" على هؤلاء، مع مبدأ التدقيق في المعلومات قبل بثها، وهو أمر ليس جديداً البتة، فلم يمض كثيراً على حادثة إعلان "الجديد" و"LBC" مقتل المخطوفين اللبنانيين في سوريا، وهو ما تسبب في فوضى أمنية كبيرة في حينه، وغيرها من أخبار تبث من المراسل/ة، الجاهل/ة مباشرة للمستمعين/المشاهدين.

صورة كاريكاتورية
الحوار الذي كان يدور بين المراسل والمذيعة، لم يكن بين الميدان وغرفة التحرير، انما من المبنى نفسه. المراسل على سطح مبنى تلفزيون "الجديد" في شارع جبل العرب في محلة وطى المصيطبة، الذي يبعد نحو كيلومتر واحد تقريبا عن المدينة الرياضية وليس على تماس ابداً مع منطقة الشياح، أما غرفة التحرير فهي في المبنى نفسه على بعد نحو 5 طبقات، فقط!!
.... عيب!!!!!!!!!!