الاثنين، 27 يونيو 2011

مقابلة مع موقع الكرمل الاخباري

http://www.karmelpcyi.com/news.php?action=show&id=315
27.6.2011
مقابلة
يسرنا أن نستضيف الأستاذ أنيس محسن في مقابلة خاصة على موقعنا لنتحدث معه عن مستقبل الواقع العربي والفلسطيني وعن حياته مع الصحافة والاعلام ، ودور الاعلام حول القضايا العربية وما تحقق من خلاله.

الأستاذ أنيس محسن هو صحافي فلسطيني متخصص في الملف الإسرائيلي -الفلسطيني واللبناني واللبناني - الفلسطيني تاريخ ومكان الميلاد صور جنوب لبنان 1985
محرر شؤون الشرق الأوسط في جريدة المستقبل
في القسم العربي والدولي
كاتب مقال أسبوعي عن الفلسطينيين في لبنان في الصفحات المحلية في جريدة المستقبل
أستاذ أنيس محسن كاتب وصحافيا فلسطينيا يعمل في جريدة المستقبل اللبنانية

السؤال الأول :

كيف بدأت سيرتك مع الاعلام والصحافة ؟ ولماذا فضلت مهنة الصحافة بالذات في دراساتك ؟ وككاتب وصحافي فلسطيني يعمل في جريدة المستقبل اللبنانية ، هل أنت راض عن تجربتك في الجريدة ؟

جواب 1:

انا من جيل نشأ في طفولته على المد الثوري العربي، من ثورة الضباط الأحرار في مصر إلى نجاح ثورة الجزائر وانتصار فيتنام على الولايات المتحدة وتجربة حرب العصابات التي قادها تشي غيفارا والحراك الثوري في اميركا الجنوبية وافريقيا وبعض دول اسيا وحتى في دول خليجية عربية وعربية مغاربية، الى نشوء اليمن الديموقراطي كتجربة اشتراكية علمية عربية في الحكم، وسلسلة الإنقلابات في شرق المتوسط العربي على اسم فلسطين، مرورا بزمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي من جهة والولايات المتحدة والغرب الرأسمالي من جهة اخرى.

وبالطبع والاثر الاكبر كان من هزيمة 1967 وبروز تجربة الكفاح المسلح الفلسطيني، وتفجر الحرب الأهلية اللبنانية وما رافقها من متغيرات اجتماعية، ازاء المفاهيم والتصرفات، وكان قبل ذلك لمرحلة النهوض اليساري القومي والماركسي في لبنان اثر كبير علي، اذ كانت شقتنا في مدينة صور، الواقعة في بناية يملكها الوزير محمد صفي الدين، ملجأ لكوادر من حركة القوميين العرب والبعث والشيوعيين، عند حملات الملاحقة من قبل المكتب الثاني ضد النشطاء السياسيين، كون دخول المكتب الثاني الى شقق البناية ممنوع، ما جعلني منذ نعومة اظفاري اتعرف على اتجاهات سياسية متنوعة واتثقف بطريقة غير مباشرة عبر ما اسمع من النشطاء السياسيين الملاحقين من قبل المخابرات والمتصارعين مع بعضهم البعض ايضا.

على أن الأثر الأكبر في ثقافتي السياسية، جاءت من انخراطي المبكر في العمل السياسي الفلسطيني، طبعا عبر العمل الفدائي، كشبل في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ثم تفجر الحرب الأهلية اللبنانية، وتعرفي خلالها على عدد من المثقفين العضويين، والكوادر والقيادات السياسية من مشارب مختلفة، وبالتأكيد التزامي السياسي ايضا الذي انتقل من العمل ضمن اشبال فتح ومن ثم الاعلام الموحد، الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان التثقيف الايديولوجي والسياسي لكادرها مكثفا جدا.

اما ذاتيا، فإن والدي، استاذ المدرسة، والمثقف ايضا على طريقته، اثر فيّ اكبر تأثير، فكان خياري أدبيا وليس علميا، وتقدمت بالتالي الى البكالوريا فرع الفلسفة، وكنت في الصفوف الاعدادية اتفوق عادة في مادة الانشاء العربي.

بكل الاحوال، في العام 1980 خيرت بين منحة دراسة طب في روسيا ومنحة دراسة صحافة في رومانيا، فاخترت الثانية، وعدت في العام 1984 لأعمل في مجلة الهدف في دمشق حتى العام 1988 ثم في اذاعة صوت الشعب في بيروت بين 1988 و2000، اولا كمعد لبرنامج ثورة الحجار، وكان برنامجا يوميا، ثم برنامج فلسطين اليوم، يومان في الأسبوع. وفي العام 2000 انتقلت للعمل في جريدة المستقبل، وانا لا زلت اعمل فيها الى الان، لكن اول سنتين كنت محررا لشؤون الاقتصاد العربي والدولي في القسم الاقتصادي، ثم بعد ذلك انتقلت الى قسم العربي والدولي وتسلمت ملف الشرق الاوسط عامة والملف الفلسطيني خصوصا، وتسلمت المسؤولية بالوكالة عن القسم كله خلال العام 2008.

بالنسبة للشق الاخير في السؤال، اعتقد ان الرضى نسبي، ففي كل مرحلة من مراحل عملي كنت راض: فمثلا عملي في الاعلام الموحد في 1976 و1977 عرفني على مجموعة من الكوادر المثقفة والادباء الفلسطينيين الكبار مثل الأديب والشاعر عز الدين المناصرة الذي عرفني على اليسار الفلسطيني وكان سبب انتقالي حزبيا الى الجبهة الشعبية. وعملي في مجلة الهدف، عرفني على العمل في الاعلام الايديولوجي، او ما كان يطلق عليه في الكلية التي درست فيها "الاعلام الاشتراكي"، ثم في صوت الشعب، تعرفت على العمل في الاعلام المسموع، والانتقال جزئيا من الاعلام الموجه جدا الى الاعلام الاقل توجيها والاكثر احترافا، وفي جريدة المستقبل انتقلت تماما الى الصحافة الاحترافية، وهجرت عن قناعة الاعلام الايديولوجي الموجه.

استطيع القول وعن قناعة انني راض عن كل مرحلة من مراحل تطوري السياسي والثقافي والمهني، وغير نادم على اي من خياراتي.



السؤال الثاني :

كيف تقرأ الواقع الفلسطيني بشموليته والى اين تتجه قضيته اليوم؟؟ في ظل التطورات الاقليمية والعربية ولا سيما الثورات التي هبة في بعض البلدان العربية التي لها تأثير على القضية الفلسطينية ، على سبيل المثال ما يحدث في سوريا اليوم ، وما حدث في مصر سابقا من تغيير وتجديد وإعادة صياغة الحكم؟؟
جواب 2:

يجب الاعتراف اولا اننا كجيل الستينيات والسبعينيات، اي جيل ما بعد النكبة، كان معظمنا وصل الى شيء من الاحباط بسبب سلسلة الانكسارات التي عشناها، من التورط بالحرب الأهلية اللبنانية وما الت اليه الاوضاع من حروب زواريب بعد ان كانت حلم تغيير، وانحسار حلم الثورة من تحرير فلسطين من النهر الى البحر الى دولة على بعض اراضي الضفة وغزة، او قل حتى على معظمها، وهزيمة الدولة الاشتراكية بانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، وقبلها وخلالها انتقال الثورة من حلم تغيير الى مؤسسات فساد واسترزاق.

وعلى الطرف الاخر من المعادلة، فإن الجيل الذي جاء بعدنا، سادته الفوضى الفكرية بسبب الانهيارات الكبرى والصغرى وحشر الفلسطينيين داخل المخيمات وتهميشهم اكثر والتمييز الموصوف ضدهم من منعهم من العمل ومنعهم من التملك واعتبارهم دائما زورا عامل عدم استقرار، وترهل مؤسسات منظمة التحرير وكل فصائلها بلا استثناء، وفشل تجربة الاسلام السياسي الفلسطيني، التي استحالت الى امارة في غزة، وتقليدا غير موفق من قبل حماس لتجربة فتح، وفشل اليسار من احتلال اي موقع متقدم، انتخابيا وكامتداد في الاوساط الشعبية.

اما عربيا، فكان الوضع يقود الى فضاء واسع من الاحباط والفوضى، بسبب الفساد المستشري للفئات الحاكمة، وارتهانها الكامل للغرب، او ارتباط انظمة اخرى بمحاور مقابلة، فاستوى الوضع على محوري "الاعتدال" و"الممانعة"، الاول ينادي بالازدهار والثاني بالمواجهة وفلسطين عنوانها، لكن على الارض كانت كل المجتمعات تعيش تهميشا فظيعا فلا ازدهار ولا تحرير.

عالم الاحباط المدلهم هذا، انفجر في لحظة واحدة، فاجأ الجميع، كبارا محبطون وصغارا فوضويون، فاجأ انظمة المنطقة، ودول العالم.. بل نحن فاجأنا انفسنا بثورة بيضاء في تونس ومصر، وحراك دموي في ليبيا واليمن وسوريا، وفيما هذه الثورات وهذا الحراك لم يشرع بعد بعملية التغيير المنتظرة، بدأ الغرب دراسة ما جرى، فأنب السياسيون الاسرائيليون اجهزة مخابراتهم لعدم توقعهم الحدث، وكذلك الغرب، الذي فضلا عن عملية التأنيب باشر تفكيك الحدث لمعرفة كيفية تكون الثورة غير المتوقعة لا شكلا ولا مضمونا، وبالتلي وضع استراتيجية جديدة، لن تكون على غرار القديمة عبر افساد الطبقة الحاكمة لاستغلالها، انما عبر التعامل المباشر مع الشعب، وهذا التعامل لن يكون ايجابيا، اذ ان الغرب مركب على استغلال موارد الشعوب الاخرى، المادية منها سابقا وحاليا، والبشرية حاليا ومستقبلا، وبالتالي فإن المرحلة في منطقتنا هي لاعادة تركيب انظمة حكم جديدة اكثر ارتباطا بالواقع الشعبي، وفي الغرب اعادة النظر بأسلوب العمل القديم والتفكير بوسائل اخرى للعمل مع منطقتنا.

في اطار هذا الحراك، اتوقع مرحلة جديدة عربيا، اما فلسطينيا، فإننا ذاتيا لن نتمكن من القيام بالكثير من دون تبيان خط التطور العربي، والى حينه يقع على عاتق من يسميهم انطونيو غرامشي "المثقفون العضويون" نسج علاقة وثيقة مع الواقع مجددا، مع جيل الشباب من الفلسطينيين، في محاولة لايجاد ارضية انطلاق جديدة لثورة تلاقي الثورات العربية: وفي ان واحد على الذات وعلى الواقع المحيط. تغيير في اليات النضال ووسائله، وتغيير في المحتوى الفكري لهذا النضال.

السؤال الثالث:

مسيرة العودة التي رسمت الهوية الفلسطينية والحق الفلسطيني المنشود في العودة الى اراضيه المحتلة في فلسطين في دكرى نكبته ، ككاتب واعلامي فلسطيني وكلاجىء فلسطيني في لبنان ، من هدا المنظور الرؤيوي ادا صح التعبير ، ما هو الدور الذي لعبه الاعلام العربي المرئي والمسموع والورقي والاكتروني طبعا في مسيرة العودة ؟ وما تحقق من خلاله ؟؟

جواب 3: من الاشياء العديدة التي غيرتها ثورة الشباب العربي، او "ربيع العرب"، الاعلام. فالثورات العربية تمكنت من استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي: فيسبوك وتويتر والرسائل النصية على الهواتف المحمولة، بشكل ثوري. فمثلا فيما المعارضة الايرانية اكتفت باستخدامها لنقل ما حدث من تظاهرات وصدامات، استخدمها المصريون خلال ثورتهم الشبابية، والسوريون حاليا، كوسائل لتنظيم الاحتجاجات وكوسائل اعلام لنقل الحدث في ان واحد.

حاول الشباب الفلسطيني تقليد ما حصل في مصر ويحصل في سوريا، وتحاوروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني، وقرروا التحرك، لكن ولأكثر من سبب، ربما اهمة تأثرنا بواقع الشتات والاحتلال في ان واحد والتأثيرات الداخلية والخارجية، لم يكن ممكنا التحكم بالحراك هذا من دون دخول الغير على الخط، فسعى كثيرون الى استغلالها، وكما هو الحال دائما مع القضية الفلسطينية، جعلها وسيلة اما لتصوير الفلسطيني على انه عنيف وارهابي، او انه مجرد حجر شطرنج يحركه لاعب في وجه لاعب اخر.

وعلى الرغم من كل ذلك، وبدماء شبان وشابات اعمار معظمهم تحت العشرين والباقون تحت الثلاثين، فرضت معادلة جديدة، هي ان لا حل من دون اشراك الشباب، ولا حل من دون اللاجئين، وهذا انجاز مهم جدا، كان ان يتوارى بسبب مسيرة الخامس من حزيران، التي افتقدت عنصر المفاجئة الذي امتلكه تحرك 15 ايار، وكان اكثر قابلية للاستغلال من قبل الغير، وبالتالي الدم الذي اريق في 5 حزيران لم يعط النتيجة التي اعطاها دم شباب الخامس عشر من ايار.

اما عن الاعلام العربي، فإنه كان صورة عن الانقسامات العربية، فمن وقف ضد التحرك، كان يخشى النهوض الفلسطيني مجددا، ومن وقف معه، كان يسعى الى استغلال التحرك لغايات اخرى لا علاقة لها بفلسطين.





السؤال الرابع:

كيف ترى في مستقبل الاعلام العربي ؟ ما هو الدور الذي حققه اتجاه القضايا العربية ؟ ولا سيما في الاحداث الأخيرة التي شهدت اتجاهات مختلفة وتضليل للحقيقة وراء المصالح السياسية ؟؟ هل هناك اعلام عربي يؤدي دوره الوطني الحقيقي اتجاه شعوب المنطقة ؟؟


الجواب 3: اولا يجب ان ننطلق من حقيقة ان الاعلام الحر ضعيف، وان ما نراه هو تعدد اعلامي وليس حرية اعلامية. التعدد نابع من تعدد الاتجاهات السياسية. فلطالما كان هناك اعلام تابع لمحور "الاعتدال" واخر لمحور "الممانعة" كل منهما يغني على ليلاه، ولمصلحته، ويستخدم قضايا العرب المحقة وعلى رأسها قضية فلسطين لمصلحة ذاتية وفي الحرب ضد الاخر، لكن حلول "الربيع العربي"، الذي هو مجرد براعم الى الان لم تتفتح، غير كثيرا من مفهوم الاعلام التقليدي، بل دفع هذا الاعلام التقليدي الى استخدام الاعلام البديل، من مواقع تواصل الكترونية ورسائل نصية وصور فيديوات مرسلة عبر الهواتف النقالة من قبل "المواطن الصحفي".

وكما غيرت احداث الستينيات ومطلع السبعينيات من المفاهيم الاجتماعية، فإن ثورة "ربيع العرب"، وعصر "الإعلام والمعلوماتية" الذي ينظر له المفكر الاميركي الفين توفلر، قد باشر في الواقع تغيير المفاهيم الاعلامية والصحافية والسياسية والاجتماعية، لذلك اعتقد ان الاعلام البديل، بكل حسناته وشوائبه، غير الصورة، من اعلام متعدد، الى اعلام متعدد وحر ومستقل.



السؤال الخامس:

ما هو مصير الفلسطيني في لبنان ؟؟ حقوقه ، معيشته ، وهل ما زال هناك أفق لتحسيين أوضاعه ؟؟

الجواب 5: اولا مصير الفلسطيني في لبنان مرتبط به، فإذا تمكن من تكريس قيادة مرتبطة بمصالحه وقادرة على الضغط على القيادة المركزية للفصائل ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وواعية للتحديات اللبنانية الداخلية، وقادرة على استخدام كل وسائل الضغط الناعم على السلطات في لبنان، من حكومة واحزاب سياسية، وعبر عملية حوار جدي متواصل مع المجتمع اللبناني، فإنه يمكن ان يفرض اعطاءه حقوقه كلها من معيشية وسياسية ووطنية. فمن فضائل دماء شباب 15 ايار التأكيد المعمد بالدم ان الفلسطيني يرفض التوطين، وانه لن يكون خيارا مهما ندرت الخيارات، وبالتالي فإن هذه التهمة "النمطية" سقطت. اذن الامر بيد الفسطينيين في لبنان، ان يوحدوا طاقاتهم ويفرضوا قيادات بديلة، في زمن نشأت فيه ثورات بديلة وثقافة بديلة ومثقفون بديلون واعلام بديل في فجر عربي وربيع بديل بأشجار مزهرة تنتظر التحول الى ثمار، ويبدأوا اذن ثورة خاصة داخلية، تؤسس لثورات داخلية اخرى في الجسم الفلسطيني المترهل، وتطلق المارد الفلسطيني مجددا.

كلمة أخيرة :



ماذا تقول لموقع الكرمل ، النشرة الاعلامية الفلسطينية في لبنان ، كجزء من اعلام فلسطيني اكتروني يصور قضية اللاجئين؟؟
جواب اخير: رافقت النشرة منذ بداياتها، واعتقد انها تثمر ويجب ان تثمر وان تنتقل التجربة الى فضاء اوسع من الشمال الى فضاء الفلسطينيين في لبنان، مثلما انتقلت من حدود نهر البارد المحاصر الى كل الشمال. انتم جزء من الاعلام البديل، فكونوا على مستوى "الربيع العربي".

أجرى المقابلة / باسل عبد العال
27.6.2011

السبت، 25 يونيو 2011

السفارة الفلسطينية.. حرب طوابق!

المستقبل - السبت 25 حزيران 2011 - العدد 4037 - شؤون لبنانية - صفحة 5
http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=473281

أنيس محسن
شهدت السفارة الفلسطينية أمس، توتراً بلغ حدّ إشهار الأسلحة، وإقفال المبنى قبل أن يتدخل قادة من "فتح" ويخففوا من حدة التوتر ومن الإستنفار الذي كان قائما حتى ظهر أمس، ومن ثم يتوجه المتخاصمون معاً الى أداء صلاة الجمعة.
وإن كان خلاف الأمس ارتدى طابعا شخصيا، حول القرارات الإدارية، بين السفير عبدالله عبدالله والقائم بأعمال السفارة أشرف دبورة، وكانت شرارته منع أحد مساعدي السفير أول من أمس من دخول السفارة، ودخوله المبنى أمس برفقة السفير، فإن القضية أكبر وتتصل بما يجري في "فتح" وعلى مستوى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
ويقول متابعون لتفاصيل المشكلات القائمة، ان الأزمة يمكن تلخيصها بأمرين: تركيز الرئاسة الفلسطينية وقيادة السلطة على تهيئة مؤسسات السلطة لتكون جاهزة عند إعلان "الدولة" على حساب مؤسسات منظمة التحرير و"فتح" خارج الأراضي الفلسطينية، والسباق على تمهيد الأرض "الفتحاوية" لخلافة الرئيس محمود عباس، الذي أعلن غير مرة أنه لا يريد ان يستمر على رأس السلطة.
والفوضى الحالية في سفارة فلسطين في بيروت، تعود شكلا إلى مرحلة ما بعد مغادرة السفير الفلسطيني السابق عباس زكي في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، حيث شهدت السفارة فراغا دام 9 أشهر وتخلله نوع من الاستقطابات ذات الصلة باستقطابات "فتح" ارتباطا ايضا بالحراك الذي سبق المؤتمر الوطني السادس للحركة.
الوضع، وفق غير مصدر مراقب لما كان يجري في حينه، كان عبارة عن فوضى تامة.. كل طابق فيه مسؤول، وكل مسؤول لديه مرافقون، والخطوط بين الطوابق مقطوعة، الى درجة جعلت بعض المتهكمين يصفون الأمر بحرب الطوابق.
خلال الأشهر التسعة، وحتى قدوم السفير الجديد عبدالله عبدالله في تموز (يونيو) 2010 كان القائم بالأعمال هو المسؤول الفعلي في السفارة، التي برزت فيها حزمة من المشكلات ذات الصلة بتركيبة "فتح" الاستقطابية على أسس شخصية.
كان المأمول مع وصول السفير عبدالله أن تحل بعض هذه المشكلات على الأقل، وأن ينطلق العمل الديبلوماسي مجددا، خصوصا وأن السفير السابق عباس زكي، أظهر حيوية ملحوظة، سواء في العلاقات "الفتحاوية - الفتحاوية" أو الفلسطينية - الفلسطينية، وكذلك الفلسطينية - اللبنانية، وربما معايشته أزمة نهر البارد والحرب التي دارت بين الجيش اللبناني ومجموعة "فتح الإسلام"، كانت اكبر تلك الأزمات التي تعامل الفلسطينيون معها، وتجنبوا الدخول في صدام مع الجيش اللبناني وحصروه بين جيش شرعي ومجموعة إرهابية. وقبل ذلك، أطلق زكي ما سمّي "إعلان فلسطين في لبنان" الذي حدد الخطوط السياسية العامة للتعامل مع لبنان، من خلال الإعتذار عن أخطاء الماضي ورفض ان يكون الفلسطينيون جزءاً من أي أزمات لبنانية - لبنانية، وهو أمر ثبتت جدواه في كل المراحل اللاحقة.
لكن المأمول ليس هو الواقع، فالخلافات التي عرفتها السفارة، والمتاريس التي نصبت بين الطوابق، شارفت أمس على استخدام السلاح، وحصار السفير في مكتبه في الطابق الرابع، وهو أمر مرشح للتكرار ما لم يتم وضع حد له بقرارات واضحة المعالم، واكتفى المعنيون بالحلول الموضعية.
فما يجري الآن بين السفير والقائم بأعمال السفارة، يشبه إلى حد بعيد ما كان يجري بين عباس زكي وأمين سر الحركة في لبنان سابقاً سلطان أبو العينين، الذي حُل موضعيا، عبر استدعاء الرجلين إلى رام الله وابعادهما عن لبنان.
ما جرى تداوله أمس في أروقة مكاتب "فتح" والفصائل، وكثر الحديث حوله بين المسؤولين الفلسطينيين في المخيمات، كان حلاً مماثلاً لما جرى زمن عباس - أبو العينين، إذ ثمة من أكد أن الرئيس محمود عباس قرر سحب عبدالله ودبورة إلى رام الله.
ويرى عدد من كوادر "فتح"، ومسؤولون في الفصائل، ان المطلوب أكثر من حل موضعي، فعلى عباس أن يولي المؤسسات الفلسطينية في الخارج أهمية توازي اهتمامه بمؤسسات السلطة، ويأمر بتطبيق الأنظمة الداخلية، الخاصة بـ"فتح" بالنسبة الى صراع مراكز القوى في الحركة، وتلك الخاصة بوزارة الخارجية الفلسطينية في ما يتعلق بالسفارة، وبالتالي فصل العمل الديبلوماسي في السفارات عن الصراعات "الفتحاوية - الفتحاوية".
يبقى أن الحديث يدور حاليا عن صراع بين قطبين "فتحاويين" لخلافة عباس. فبعد إبعاد محمد دحلان يرى كل من عضوي اللجنة المركزية لـ"فتح" عباس زكي وعزام الأحمد، أنهما مؤهلان للمنصب، وثمة من يقول إن فضيحة السفارة بالأمس يمكن وضعها في سياق الصراع الصامت هذا.

الخميس، 23 يونيو 2011

رسالة من فلسطيني إلى لاجئ سوري

ليست عاطفية.. ولن تحلّها زيارة «أنجلينا جولي»
http://www.emaratalyoum.com/life/four-sides/2011-06-22-1.404849
• إبراهيم جابر إبراهيم
22 يونيو 2011
قد تُضيعك أمّك في الحقول ـ التركية»، وسيكون مُضحكاً أن يقول لاجئ ـ في معرِض حديثه لاحقاً ـ أنه قد ضاع!
وحده الذي كان يعرف وجهته، هو الذي يضيعُ يا صديقي، وأنت وجهتك كانت مُجرّد النجاة من الموت، وها أنت لم تمت على كل الأحوال!
ولا تَخف، فكلّ شيءٍ في البيت، هناك، سيظلّ على حالِه، أواني المطبخ، ألعاب الأولاد، الشجرة العاقر خلف النافذة.. كلّ شيءٍ سيظلّ على حالِه، لكن عليك بدءاً من هذا الصباح أن تعتاد أشياءك الجديدة: أنت الآن رقمٌ في سجلات اللاجئين، وفي نشرات الأخبار، وفي اجتماعات اللجان ومساعي الوفود، وفي قصائد الشعراء الذين يستفيدون من قتلى المعارك أكثر مما يستفيد عُمّال المقابر!
ستكون الخيمة مزعجة في الليلة الأولى، ثم في السنة الأولى، بعد ذلك ستصير ودودةً كواحدٍ من العائلة، لكن حاذر أن تقع في حبها، كما فعلنا!
لا تبتهج إن رأيتهم يقيمون لكم مركزاً صحياً، أو مدرسةً ابتدائية، هذا خبرٌ غير سارّ أبداً!
وإيّاك أن تتورط بمطالبات غبية مثل بناء بيوت بسيطة بدل الخيام، أو بخطوط مياه وكهرباء، ذلك يعني انك بدأت تتعايش.. وهنا مَقتلُ اللاجئ، وهنا أيضاً مَقبرته!
انتبه دائماً أن لا تترك غضبك في الخيمة حين تخرج، كُن غاضباً دائما، غضبك هو الذي سيجعلك حيّا، غضبك مَعدات بقائك، وإن استرحتَ يوماً فهذا يعني أنك لم تعد تلهثُ باتجاه «العودة»!
ولا تُدرّب أولادك على الصبر، الصبر حيلة العاجز، وذريعة مَن تَخلّى، واللاجئ يموت إن لم ينظر خلفه مرّتين في اللحظة الواحدة.
أنت لستَ ابن «هناك»، تَذَكّر هذا دائما، أنت لك «هنا» جميل ولا يُخان .. لا تنم ليلةً دون أن تُعدّد محاسنه لأطفالك، واقرأ عليهم كيف مات الناس، وكيف ذُبحوا على شاشات التلفزيون لأنهم لم يُصفّقوا للخِطاب، وقل لهم أنك تنام بين أشجارٍ غريبة، لأنك لم تشأ أن تُلدغَ من جُحر واحدٍ مَرّتين!
سيبيعك الناس لبعضهم، تلك هواية السياسيين، وسيجيئك المتضامنون من كل البلاد، ستصير أنتَ شعارهم الانتخابي، ويتقربون بك إلى الله، وستزداد همّة الناس في تفقّدك في «رمضان» وفي الأعياد والمناسبات الدينية!
والبعض سيصوّر أطفالك منهكين وجائعين لمجرد أن يحصل على مكافأة من رئيس التحرير أو مدير المحطّة، وزوجتك النائمة الآن في الظلّ قد تكون موضوعاً لصورةٍ تفوز بجائزةٍ دولية!
تلك حياتك الجديدة: سينشب حبٌ في الخيام، ويولد رَسّامٌ موهوب، وسيولد أيضاً عميلٌ وعاهرة، وسيولد فدائي مهنته أن يصنع (من جزمةٍ أُفقا)!
ستتعلّمون لغات جديدة، ومشاعر جديدة، وستنشأ علاقةٌ مُلتبسةٌ مع المنفى، وقد تشعر في ليلةٍ ماكرةٍ بأنه لا ينقصهُ شيء ليكون كافياً كوطن.. لكنك سرعان ما ستنتبه: الأشجار هنا لا تخضرّ كما يجب، والملح ليس مالحا، والذين ماتوا لن يغفروا لي، وتعود تنظر للوراء مرّتين!
وهنا سيتقدمُ ابنك الذي صار رجلاً دون أن تنتبه ليحمل عنك الذاكرة.. ليحمل حُلمك الذي أنقض ظهرك!
ربما يا صديقي أن الأمر سيبدو مُعقّداً في البداية، لكنّه واضحٌ: أنت «هناك» لأن الـ«هن» متوعكة، وقد يطول غيابك ليلتين، لكنك لستَ في رحلةٍ للبحث عن هويّة جديدة، ولن تُفكّر حتماً في مدّ سلك كهرباء الى الخيمة.. تلك خطيئتنا نحن، حين قُلنا: الخيمة ضيّقةٌ ونحتاج خيمتين إضافيتين!
يا صديقي لا تُفكّر في الأمر إلا وأنت تنظرُ خلفك، وتذكر أيضاً أنك أدرتَ خدّك الأيسر مرّتين، أيّ خدّ ستدير الآن؟!
...
واسمعني، فأنا أفوقك خبرة بـ63 عاماً في هذه «المهنة»: لا تلتقط الصور التذكارية مع سفراء النوايا الحسنة، ولا تشكو لهم حرارة الطقس أو من الحصى في الخبز، وحاذر أن تطالب بخيمةٍ أفضل، ليس ثمة خيمة أفضل من خيمة، وقل لهم أن مشكلتك ليست عاطفية ولن تحلّها زيارة «أنجلينا جولي».

الأربعاء، 22 يونيو 2011

مؤتمرات "فتح": صور تتخلص من سطوة "أبو العينين"

المستقبل - الخميس 23 حزيران 2011 - العدد 4035 - شؤون لبنانية - صفحة 5
http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=472919
أنيس محسن

قبل عامين، وعشية انعقاد المؤتمر العام السادس لحركة "فتح" في رام الله، ارتفعت على مداخل مخيمات صور، خصوصاً الرشيدية والبص، صُوَر عضو اللجنة المركزية الحالي للحركة وأمين سرها في لبنان سابقاً اللواء سلطان أبو العينين، وإلى جانبه صور عضو اللجنة المركزية المقال محمد دحلان، وكان الرجلان تحالفا في ذلك المؤتمر.
الأحد الماضي، كان مشهد صور مختلفاً تماماً.. 22 فتحاوياً ترشحوا لعضوية قيادة المنطقة في انتخابات مناطق اقليم لبنان في مرحلتها الثالثة للتنافس على 9 مقاعد، لم يتمكن أنصار أبو العينين من شغل سوى 3 منها، وهم من أصل 13 عضواً في المنطقة السابقة كان أبو العينين عيّنهم في منصبهم، وترشحوا جميعاً للانتخابات الأخيرة وفشلوا فشلاً ذريعاً.
تتفاوت التقديرات والتحليلات لسبب هذا التراجع الواضح لسطوة رجل حكم حركة "فتح" في لبنان أكثر من عقدين، وأبعد عنها إلى رام الله، لكن بترفيعه الى منصب عضو لجنة مركزية منتخب، من دون أن يفقد تأثيره على الساحة، الأحب إلى قلبه، وفق مقربين سابقين منه.
بعض الفتحاويين المتعصبين لحركتهم والذين يرفضون البوح بخفايا الأمور، أشاروا إلى أن ما حصل طبيعي، الانتخابات جرت وهناك من فاز بسبب شعبيته ومن خسر بسبب عدم تقبل الأعضاء له.
آخرون يشيرون تلميحاً الى وجود تكتلات و"حرتقات" انتخابية، وحسابات شخصية، لعبت دوراً في إبعاد أشخاص كفوئين، ومن بينهم قادمون من فصائل أخرى، ولا زال جسم الحركة ينظر إليهم على أنهم دخيلون عليها، كما أن الناخبين ملزمون باختيار 9 أعضاء من بينهم امرأة كحد أدنى، حكماً، وأي خطأ في هذا الترتيب، يعني إلغاء الورقة الانتخابية وخسارة أصوات لمرشح ما.
فئة ثالثة، جلها من كادر "فتح" القديم، الذي رافق الكثير من المتغيرات والتحديات، وتسلم مناصب قيادية، وأبُعد أو كُفت يده، أو عانى من سطوة أبو العينين خلال قيادته إقليم لبنان، تبوح أكثر من الفئتين آنفتي الذكر، ويمكن تلخيص موقفها على النحو التالي:
"الانتخابات بغض النظر عما حملته من شوائب تبقى ايجابية بحد ذاتها، كونها الأولى التي تحصل على مستوى المناطق منذ ما قبل الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، وما حصل أن الفتحاويين تمكنوا للمرة الأولى من اختيار ممثليهم في المنطقة بعيداً عن الإلزام، كما حصل في المؤتمر السابق، الذي صادق المندوبون على 11 مرشحاً اختارهم أبو العينين، قبل أن يضيف إليهم عضوين آخرين عيّنهما تعييناً مباشراً، علماً أن الأعضاء هؤلاء، بغالبيتهم من غير المحبوبين، وهو ما يفسر فشل 9 منهم في المؤتمر الأخير". ويستخلص الكوادر هؤلاء أن "زمن سطوة أبو العينين في لبنان قد سقطت فعلاً، وباتت فتح أكثر حرية في خياراتها الداخلية، وإن كانت العملية تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تصبح المؤتمرات تجديدية في النهج وليس فقط على مستوى المراكز القيادية". ويصف أحدهم ما جرى بأنه "محاكمة لمرحلة سابقة ومؤشر للمرحلة المقبلة".
وهكذا فإن المؤتمرات التي تجري حالياً، "ستحدد نتائجها أشخاص قيادة إقليم لبنان، ومنهم من بات حظه شبه عاثر، مثل أمين سر إقليم لبنان محمد زيداني (أبو أحمد) الذي فشل في إيصال حتى مرشح واحد إلى قيادة المنطقة".
ويقول أحد الخاسرين في الانتخابات، إن الانتخابات محسومة الاتجاه، "فمن يمتلك القرار المالي يمتلك القدرة على تحديد الاتجاهات، وفيما أن سلطان أبو العينين محبوب من قبل كل الفتحاويين في صور خصوصاً، إلا أنه لم يعد يمتلك القرار المالي، وكذلك أنصاره الذين يعتبر محمد زيداني أحدهم، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن لا تكون النتائج لمصلحتهم".
يُذكر أن الانتخابات كانت جرت في مرحلتين على أحدين متتاليين سابقين في البقاع وبيروت، وتتبقى مرحلتان في صيدا والشمال الأحدين المقبلين.

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الثورات تُسقِط أنظمة الأفكار أيضاً!

فواز طرابلسي*

«هذا أوان الحرائق، لا ينبغي أن يُرى غير النُّور»...(هوسي مارتي) وصف الفيلسوف الماركسي سلافوي جيجك الانتفاضات الشعبية التي تشهدها المنطقة العربية بالمعجزة. الوصف دقيق ما دامت الحالة التي يتحدّث عنها ينطبق عليها التعريف المألوف للمعجزة، بما هي حدث خارق لم يتنبّأ بحدوثه أحد.
قد يقال ردّاً على هذه المفرقعة التي أطلقها جيجك، إنّ الثورات تأتي دوماً على غفلة. وهو بذلك أدرى. ومع أنّ هذه ليست بقاعدة عامّة، فإنّها لا تعفي من ضرورة التساؤل والتأمّل في المغافلات الكبرى التي نعيشها منذ أشهر. فليس غريباً مثلاً أن تعترف وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية بأنّها تضرب أخماساً بأسداس، لتفسير عجزها عن توقّع الانفجارات التي زعزعت «الأمن والاستقرار» في المنطقة، وشبّهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بالزلزال.
ثمّة تفسير أكثر زمنيّة من التدخّل الربّاني. فأحد الأسباب التي حالت دون استشعار الانتفاضات ـ في توقيتها وزخمها وتزامنها وعفويّتها وأهدافها والوسائل ـ هو أنّ البحث في أزمات المنطقة كان يجري في حقل آخر، وبأدوات بحث واستخبار لا تصلح لمثل ذلك الرصد. وهذا الحقل هو حقل خطاب عالميّ مُهيمن، تَبلور بعيد نهاية الحرب الباردة، وتكرّس بعد هجمات ١١ ايلول ٢٠٠١. إنّه خطاب النيوليبرالية المُتَعَوْلمة و«أجنداتها» المتكاملة والمستبطنة في المنطقة من سلطات ومؤسسات وقوى مدنية وأهلية وأحزاب ومثقّفين:
- في الهويّة: التعريف الثقافوي ـ الديني للشعوب والمجتمعات؛ وتعميم مقولة «الاستثناء الإسلامي».
- في السياسة: نظرية المجتمع المدني/ الدولة، و«النقصان الديموقراطي».
- في الاقتصاديات: تفكيك الدولة التنموية، وفرض الخصخصة ودكتاتورية الأسواق، والتسليف الجزيئي (الميكروي) والتربية على «الريادة في الأعمال».
- في الاجتماعيات: احتساب معدّلات الفقر، لا الفروقات الاجتماعية، والتبشير بالشفافية ضد الفساد وطمس كلّ منوعات الاستغلال.
- وفي العلاقات الدوليّة: وحدانيّة الأمن و«الحرب ضد الإرهاب» وأولويّتهما.

حقيقة الأمر، أنّ الجهد البحثي والفكري عن المنطقة وفيها، لم يخلُ من استشعار الأزمات والتحذير من مخاطر انفجارات اجتماعية وسياسية. وهذا مثال. نبّه خبراء الديموغرافيا باكراً من خطورة «القنبلة الديموغرافية» في العالم العربي الذي سوف يبلغ عدد سكّانه ٣٩٥ مليون نسمة في ٢٠١٥، ٦٠٪ منهم دون الخامسة والعشرين، وحيث لا أقلّ من ٢٥٠ مليون نسمة باتت تسكن المدن. وأشارت «تقارير التنمية البشرية العربية»، التي أصدرتها «وكالة الأمم المتحدة للتنمية» إلى كون المنطقة تملك أعلى معدّلات للبطالة في العالم. من جهتهم، لاحظ علماء الاجتماع والسياسة ما سوف يترتّب على الانفجار السكاني والهجرات الريفية من اختلالات على كل الصعد، من ولادة «العشوائيّات» حول المدن أو داخلها، إلى تفكك البنية البطريركية عند الشباب.لكن معظم هذه الأبحاث حكمتها المشكلة المهيمنة ـ خصوصاً وجهها المتعلّق بـ«الاستثناء الإسلامي» قياساً إلى ما يمكن اعتباره «قاعدة غربية» كونية ـ فاتّجهت وجهة الخلاصات التي تمليها تلك المشكلة. توقّعت الدراسات أن يكوّن الوافدون الجدد من الأرياف والشباب العاطل من العمل، تربة خصبة للتعبئة من أجل العنف الجهادي، أو أن يتحوّلوا إلى جمهور للخدمات الخيرية والتربوية والصحية التي توفّرها الحركات الإسلامية لأغراض الكسب السياسي، أو أن يضافوا إلى عديد مشاهدي محطات التلفزيون «الراديكالية»، مثل «الجزيرة» القطرية.
تبيّنت جزئية هذا التوقع وانحيازه، عندما ألّف هذا الفائض من الشباب المتعلم والعاطل من العمل، الخليط المتفجّر الذي أطلق الانتفاضات الحالية، وأدى الدور البارز فيها. لم تنطلق الانتفاضات باتجاه سلفي أو جهادي، بل اتخذت وجهة الديموقراطية التي تتحقّق باسم الشعب ـ لا «الأمّة» ـ في ظلّ شعارات «العمل والحرية والخبز». وبدلاً من أن يصبّ الانفجار الديموغرافي والبطالة المستشرية في تعزيز تيّار العنف بين الشباب، جنحا به نحو تظاهرات واعتصامات وإضرابات اتّسمت جميعها بالطابع السلمي.

■ ■ ■

لكن، قبل ذلك، تسعى هذه المقالة إلى البرهنة على أنّ الانتفاضات الشعبية أشارت إلى مكامن خلل أساسية في الخطاب المهيمن، وما استتبعه من ممارسات، وأنّها شكّلت نقداً بالممارسة ــ وبالدماء ــ لمقولاته الرئيسة.وسوف نتناول أربعاً من هذه المقولات عن الديموقراطية، والمجتمع المدني والدولة، والشباب وفرص العمل، والفساد. لا بد من الإشارة إلى مفاجأتين حملتهما الانتفاضات في موضوع الديموقراطية (يمكن ترك موضوع المفاجأة للنظريّات «الثقافويّة» لمعالجة أخرى).
المفاجأة الأولى هي لنظريّة «النقصان الديموقراطي»، الوجه الآخر المكمّل لـ«الاستثناء الإسلامي». فقد فُرضت، خلال ربع قرن، إشكاليةٌ استشراقيّة قضت على الجهد الفكري والبحثي، لتغرق في تفسير «غيابات» و«فجوات» وحالات «عجز » و«نقصان»، تعانيها المنطقة قياساً إلى النموذج الغربي للديموقراطية الليبرالية.
مثّل عشرات الملايين من العرب النازلين إلى الشارع لتقويض أنظمة الاستبداد، فائضاً في الديموقراطية، لا نقصاناً فيها. لكنّنا مع ذلك نقف مشدوهين إزاء حجم ما هدرنا من وقت وجهد في تفسير «غيابات» الديموقراطية، فغاب عنّا حضور طبائع الاستبداد، آليّاته ومؤسّساته وركائزه وعوامل استمراره وإعادة إنتاجه وطرائق الانتقال من الاستبداد إلى الديموقراطية. وها نحن في خضمّ الانتفاضات، نقيس مدى جهلنا بالأنظمة التي تحكمنا، ما يترك آثاره السلبية على كلّ استراتيجيات التغيير ووسائله.
المفاجأة الثانية أنّ الانتفاضات انطلقت من الداخل، على عكس ما التقى عليه أو توقّعه، كلٌّ من موقعه، ليبراليّون محليّون مثلهم مثل خصومهم من إسلاميين وقوميين ويساريين. قال الأوّلون، في امتداد الاحتلال الأميركي للعراق، بأنّ لا إمكان لبناء الديموقراطية في بلادنا، إلا إذا فُرضت من الخارج. وإذ أقرّ القانون بـ«خارجيّة» التغيير الديموقراطي، رفضوا الديموقراطية لاعتبارها جزءاً من «مشروع الشرق الأوسط الجديد». إنّ توقيت الانتفاضات جدير الملاحظة والتوكيد. حصل بعد انقضاء عهد بوش الابن، وبعدما تخلّت الإدارة الأميركية حتّى عن رطانتها «الديموقرطية»، دون أن تحقّق أيّ إنجاز على كل حال. والأهمّ أنّ الانتقاضات اندلعت بعد الانسحاب العسكري الأميركي والحليف (غير المكتمل) من العراق. على عكس التوقّعات، قامت الانتفاضات دون مساعدة من الخارج، بل قامت ضدّ هذا «الخارج». فقد حضنت القوى الغربية ودعمت، أو تواطأت مع، أنظمة الاستبداد، من ديكتاتوريات جمهورية توريثية أو أنظمة سلاليّة نفطية أو غير نفطية، في طول العالم العربي وعرضه، على امتداد ثلاثة أو أربعة عقود من الزمن. ومهما يكن حجم التدخّل الخارجي الحالي، ومدى المساعي للتعويض عمّا فاتها من ادّعاء أبوّة الديموقراطية، فلا مفعول رجعياً هنا يسمح بالادعاء أنّ قوّة غربية ما، كان لها أيّ دور في إطلاق الانتفاضات أو تشجيعها أو تسييرها. كل ما يمكن قوله إنّها تسعى الآن إلى احتوائها، أو تحجيمها، أو الارتداد عليها، أو خنقها في المهد، بكل الوسائل.

«الشعب يريد»: ثورة في المفاهيم
لا حاجة لكبير جهد فكري للبرهنة على أنّ منبت شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» يقع خارج منظومة المفاهيم والافكار والارشادات التي قامت عليها، وروّجت لها الإيديولوجيا النيوليبرالية المهيمنة. انطلقت الصيحة من تونس، مستلهمة قصيدة شاعرها الوطني أبو القاسم الشابي التي يتعلمها الشباب العربي ويحفـظونها عن ظهر قلب من المحيط الى الخليج. ولعلها اختلطت أيضاً بأصداء من مرويات الثورة الفرنسية. أحيا الشعار مصطلحي «شعب» و«نظام » اللذين ينتميان الى عهود حركات التحرر الوطني، وقد باتا خارج التداول عملياً، منذ الربع الاخير من القرن الماضي. فانطوى هذا الإحياء على نقض وانقلاب في المفاهيم والقيم، بقدر ما انطوى على تعيين هدف للتغيير ومساراته. وفي ما يأتي بعض أوجه هذا النقض والانقلاب.
أولاً، اعاد الشعار الاعتبار لمفهوم «الشعب»، بما هو الهوية الرئيسية للسكان في مقابل التعريفات الانتمائية والثقافوية المهيمنة، بمركباتها الإثنية والأقوامية والطائفية والمذهبية والأقلوية التي روّجت لها ايديولوجيا العولمة الاميركية خصوصاً. «واحد، واحد، شعب واحد»، هو الشعار الطاغي من الخليج إلى المحيط الذي عبّر عن الرغبة في التركيز على الهوية الوطنية والوحدة الشعبية، في وجه كل تلك الانتماءات والهويات التي يستغلّها الحاكم المستبدّ والعدو الخارجي على حد سواء.
ثانياً، «الشعب يريد» هو إعلان عن تطلّب لمصدر جديد لشرعية السلطة، يحل محلّ «الشرعيات» السائدة: «الشرعية القبليةـ السلالية»، و«الشرعية العسكريةـ العقائدية»، و«الشرعية الثيوقراطية»، أو «شرعية» تأويل النص الديني في أمور السياسة والدولة، فضلاً عن «شرعية» الاحتلالات الأجنبية أو «الشرعيات الخارجية» التي استعاضت بها الأنظمة الاستبدادية العربية عن شرعية داخلية رفضت شعوبها منحها اياها. في مقابل هذه جميعاً، يطمح شعار «الشعب يريد» الى تحقيق مبدأ السيادة الشعبية، وحكم الشعب، اساساً لأية سلطة وأية شرعية.

الشعب والنظام مقابل المجتمع المدني
ثالثاً، مثّلت وتمثّل مقولة «الشعب يريد إسقاط النظام» مراجعة جذرية لنظرية «الدولة/ المجتمع المدني». لنضع جانباً البلبلة في فهم هذه النظرية وتطبيقها، وتخلّي اصحابها الغربيين عنها، فيما لا يزال يدمنها إدماناً قطاع واسع من المثقفين والمنظمات غير الحكومية، اضافة الى عديد من الاحزاب والحركات القومية واليسارية وحتى الاسلامية التي رأت فيها دَرْجة (موضة) دولية جديدة لا بد من مجاراتها، فصارت حالتها مثل حالة الغراب الذي أراد أن يقلّد نقلة الحجل.لا يمكن النظر الى نظرية «الدولة/ المجتمع المدني» الا بما هي الوجه السياسي للنيوليبرالية الاقتصادية، تقيم التعارض بين كتلتين متجانستين: الدولة، وهي مستبدة تعريفاً، يقابلها «مجتمع مدني» قوامه القطاع الاقتصادي الخاص والنقابات المهنية والمنظمات غير الحكومية، ويمثل الولاءات والانتماءات الاختيارية. ويضارع المجتمع المدني هذا «مجتمع اهلي» اكتُشف متأخراً، هو مرقد «الولاءات التقليدية». والوصفة الجاهزة: بقدر ما يضعف دور الدولة، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة، بذاك القدر تنمو حريات الافراد.
سال حبر كثير في نقد تلك النظرية، انصبّ على محاور عدّة تستحق التسجيل. الأول، طمسها التراتب الاجتماعيـ بما فيه من فوارق بين الطبقات، وبين مدينة وريف، وبين عمل ذهني وعمل يدوي وسواها. ثانياً، خلطها المستمر بين «الدولة» من جهة، وبين النظام السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي والثقافي المسيطر على الدولة من جهة اخرى. ثالثاً، القطيعة التي تفرضها بين الدولة والمجتمع، ما يسطّح جدل العلاقة بينهما، ويحجب مرتكزات السلطة وخطوط دفاعها، وآليات اعادة انتاجها، وكلّها كامنة في داخل المجتمع ذاته. رابعاً، العداء لأي دور للدولة في اعادة التوزيع الاجتماعي لصالح الفئات المحرومة أو المهمشة أو المتضررة من اقتصاد السوق الرأسمالي الاحتكاري. خامساً والأهم، تطمس هذه النظرية الأهمية الاستثنائية للدور الذي تؤديه الدولة، بما هي لحمة المجتمع ذاته، ولحمة الاجتماع السياسي، في البلدان المستقلة حديثاً، على وجه الخصوص.
وقد قدّم الاحتلال الاميركي للعراق التطبيق العملي الفاجع لهذا الوجه الأخير من النظرية، إذ لم يكتف بإسقاط نظام البعث الديكتاتوري، بل فكك، إن لم نقل دمّر، الدولة العراقية ذاتها. فماذا كانت النتيجة؟ بدلاً من ان يستولد هذا التدمير «المجتمع المدني» المنشود، ويؤدي الى تفتّح «حريات الافراد»، أخرج شياطين «المجتمع الأهلي» من جحورها، متمثلة بالمناطقية والإثنية والمذهبية.
على العكس من ذلك، انطوت اعادة الاعتبار لمفهوم «الشعب»، على تعريف المجتمع بما هو كتلة من القوى والمصالح والجماعات المتفاوتة والمتفارقة، تتكوّن في مرحلة تاريخية معيّنة حول ارادة واحدة وهدف تاريخي مشترك. وهي رؤية بعيدة كلّ البعد عن مقولات العولمة الدارجة الملونة كلّها بالريبة والشك تجاه كل ما له علاقة بالوطنية والقومية وتبشّر علناً بضرورة زوال «الدولة ـ الامة».
رابعاً، ترافقَ استرجاع مقولة الشعب وإرادته، مع تقديم هوية المنطقة العربية الى الواجهة، في وجه سلسلة الهويات التي فرضت عليها من الخارج، عن طريق تقاسيم الهوية الجيوستراتيجية على مقام «الشرق الاوسط»، كبيره ومتوسطه وجديده وأكبره، مندمجاً بشمال افريقيا او غير مندمج، فضلاً عن دمجه في العالم الاسلامي او أسلمته. هكذا، أعيد تعريف المنطقة من جديد بأنّها «عربية» ـ فصار العالم يتحدث عن «الثورات العربية» أو عن «الربيع العربي»، لوصف المسارات التي نتحدث عنها.

الأولوية للسياسة
خامساً، مثّل شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» نقداً من نوع آخر، لنظرية المجتمع المدني/ الدولة، ولسلوك المنظمات غير الحكومية والأهلية، القائم على فصل قطاعات المجتمع بعضها عن بعض، في تذرير «بعد حداثي» يحيلها الى جندرة، بيئة، تنمية بشرية، مكافحة الفساد، مساءلة، حوكمة، حقوق انسان، تمكين المرأة، تسليف جزيئي («الميكروي»)، ريادة، الخ. وعند الحاجة، يجري الربط بين قطاعين او قضيتين واكثر، بواسطة «واو» العطف. تلك مثلاً آخر توليفة في زمن الانتفاضات: «الفقر والحرية والأمن » ـ هو عنوان مؤتمر تنظمه كليّة العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة بالأردن، في شهر تموز. في مقابل التذرير بعد الحداثي للقطاعات والقضايا، والمجاورة بينهما، يعيد شعار الثوار العرب الاعتبار لوحدة النظام، في مكوناته السلطوية والامنية والعسكرية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية، والترابط بين مؤسساته المختلفة. هذا هو «النظام» المطلوب تفكيكه وقلب معادلات القوى بينه وبين الشعب، من اجل استبداله بنظام ديموقراطي، اي نظام يمثل «ارادة الشعب».ماذا يعني ذلك؟ يعني اكتشاف الحلقة المركزية للنظام التي يجب أن ينصبّ الضغط عليها والفعل فيها: السلطة السياسية. إنّ المعنى العميق لشعار وممارسة «الشعب يريد اسقاط النظام » هو توجيه هدف التغيير نحو اعادة صياغة جذرية للعلاقة بين الحكام والمحكومين. وهذا ما يفسّر الاهمية الاستثنائية التي توليها الانتفاضات لقيام مجالس تأسيسية وانتقالية، ولصياغة دساتير جديدة، وتغيير نمط العلاقة السائدة بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية لصالح الاولى.
اين المنظمات غير الحكومية والجمعيات الاهلية من كل هذا، وهي التي تقوم افكارها وممارساته على منظومة الافكار النيوليبرالية المهيمنة؟
اقل ما يقال إنّ الانتفاضات تفرض على هذا التيار الواسع من الرأي العام، والفاعل في الحياة العامة، أن يقف وقفة مراجعة لتجاربه على امتداد ربع قرن، للدفع في هذا الاتجاه، مع وعي المجازفة الكبيرة التي ينطوي عليها تعميم هذه الملاحظات النقدية المقتصرة على المجال الديموقراطي، على امتداد العالم العربي.
اولاً، لا يمكن اغفال الدور الكبير الذي أدّته المنظمات غير الحكومية في نشر الوعي، والتنبيه الى الحقوق في مجالات حقوق الإنسان والحريات، وبالقدر ذاته، لا يمكن إغفال حقيقة انها نادراً ما مارست الديموقراطية، بما هي الانتخابات الحرة والمنافسة البرنامجية وتداول السلطة، في حياتها الداخلية.
ثانياً، بسبب تذريرها حقول الدعوى والفعل، وتكاثر هيئاتها، إذ تبلغ المئات من المنظمات العاملة في الحقل الواحد في البلد الواحد، ونتيجة غلبة المنافسة بينها على مصادر التمويل من المنظمات غير الحكومية الدولية (ومعظمها تحضر الحكومات الغربية فيها حضوراً وازناً)، اضعفت المنظمات غير الحكومية نفسها بنفسها، وشتتت جهود الناشطين فيها، وبددت فرصاً كثيرة للإنجاز الديموقراطي.
ثالثاً، أثبتت الانتفاضات العكس تماماً من الفرضية التي قام عليها القسم الاكبر من العمل الاهلي، وهي أنّ تجزئة حقول الدعوى والفعل، وتغليب الجهد التربوي، وتواضع المطالب، يجعلها اوفر حظاً من التحقيق. وهذا ما عبّر عنه العديد من ناشطي المجتمع المدني الذين انخرطوا في الانتفاضات الشعبية، وفسروا مشاركتهم في التظاهرات والاعتصامات بأنّهم اكتشفوا، بعد سنوات من الدعوى والضغط من اجل مطلب جزئية لحقل واحد من حقوق المجتمع المدني، أنّ الحظ الوحيد في تحقيق ذلك لن يكون إلا بتغيير النظام السائد بمجمله.

بطالة الشباب وفرص العمل
لعل «العجز» الأكبر في الرؤية المهيمنة، كامن في رؤيتها وبرامجها المتعلقة بالشباب. دأبت هيئات رسمية وخاصة، على الدراسة والتخطيط لتطوير الأنظمة التعليمية، وقد طغى عليها هَمّ استيلاد «الاسلام الرشيد». هذا فيما كان الانتشار الأفقي للتعليم، المترافق مع التقليص المتزايد للقطاعات الانتاجية والترييع المتزايد لاقتصاديات العربية، يستولد اعلى معدلات بطالة للشباب في العالم. وفيما تكاثرت البرامج والندوات وورشات العمل والتدريب، لتكوين نخب من رجال الاعمال، المشبعين بالأنانية والنيوليبرالية، باسم «الريادة في الاقتصاد»، شحّت، حتى لا نقول انعدمت، الرؤيات والتصورات لاقتصاديات توفر العمل والخبز والكفاءة والمستقبل.
اضطرت الانتفاضات العربية المسؤولين عن توجيه الاقتصاديات العالمية الى الاعتراف بأنّ تأمين فرص العمل كان غائباً عن برامجهم المتعلقة ببلدان الجنوب، والبلدان العربية خصوصاً. اعترف الرئيس السابق لـ«صندوق النقد الدولي» دومينيك ستروس ـ كان (قبل ايام من اعتقاله في الولايات المتحدة بتهمة اغتصاب عاملة فندق افريقية) بأنّه لا بد من إدراج بند خاص، يتعلّق بإيجاد فرص عمل في برنامج مؤسسته. ولحق به زميله روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، ففصّل أكثر. تساءل زوليك عن جدوى ما سمّي «التعافي الاقتصادي» في تونس ومصر، طالما انّه لم يولّد فرص عمل جديدة. افادنا عن تونس بأنّ نسبة البطالة فيها تصل الى ٣٠٪ بين الشباب، فيما يتمتّع البلد بمعدلات نمو اقتصادي عالية بلغت ٤،٥٪ بين السنوات ٢٠٠٥ و٢٠١٠. وفي الفترة ذاتها، بلغت معدلات النمو الاقتصادي المصرية ٦٪، فيما بلغ عدد الفقراء ٤٠٪ من السكان، وبلغت البطالة عند الشباب ٢٦٪ ( الصحافة، ١٨ نيسان/ ابريل ٢٠١١). الغريب في الأمر أنّ المسؤولين عن توجيه سياسات العالم الاقتصادية يتحدثان عن تقديم نمو الناتج المحلي بما هو المقياس الأبرز للجدوى الاقتصادية، وكأنّه من وضع مؤسسات تنتمي إلى المريخ، وليس من بنات افكار «الخبراء» في «صندوق» السيد ستروس ـ كان، وفي «بنك » السيد زوليك! والطريف في الامر انّ السيد زوليك ما لبث ان «صحح» تصريحه السابق، فأعاد «تطعيمه» بحقنة من النيوليبرالية، فطلع علينا بنظرية تقول إنّ الشهيد محمد بوعزيزي انما هو ضحية «البيروقراطية»!

لصوصية لا مجرد «فساد»
كشفت الثروات الخيالية التي جمعتها أسر المجمع المافيوي ـ الريعي ـ الأمني العربي، عمق العلاقات بين السلطات الاستبدادية العربية، وبين مؤسسات الرأسمالية المتعولمة الدولية، وشركاتها المتعدية الجنسيات، والسلطات السياسية التي تمثلها. جُمعت تلك الثروات من خلال استغلال المواقع في السلطة لسرقة المال العام، والاستحواذ على الأراضي الاميرية، وتبييض الاموال، وجني الأرباح الطائلة من بيع مؤسسات القطاع العام او الاستيلاء عليها، وتنظيم الاحتكارات وحمايتها، وقبض العمولات، وفرض الخوات، ونيل الرشى المليارية على صفقات السلاح والعقود والمقاولات مع الشركات الاجنبية. يجري ذلك في ظل نظام اقتصادي عالمي، وظيفته الرئيسية فرض ديكتاتورية اسواق يجري في ظلّها شفط الثروات والمداخيل من اسفل الى اعلى، ومن الجنوب الى الشمال، ومن الافقر والمتوسط الى الاغنى، على عكس ادعاء تسرّبها من اعلى الى اسفل. هذا السحت هو ذروة الاستغلال الرأسمالي للشعوب. وهو الفساد الفعلي، وليس الفساد فقط فساد الموظف الصغير المرتشي الذي يراد معاقبته وتبرئة المفسِدين ممن يملك المال اللازم للإفساد.


والحكام الغربيون على علم بكلّ ذلك. تعرف الإدارة الأميركية أنّ الصفقة الاخيرة لتزويد المملكة العربية السعودية بطائرات وسمتيات حربية اميركية بقيمة ٦٠ مليار دولار، غرضها تعزيز ميزان المدفوعات الاميركية، اكثر من تلبية ضرورات استراتيجية في وجه ايران. ويعرف الرئيس اوباما تماماً ـ وهو الذي قال بوجوب العمل على خلق فرص عمل للشباب العربي في خطابه يوم ٢٠ ايار الماضي ـ انّ المليارات السعودية الستين سوف تسهم في تأمين فرص عمل لأكثر من ١٢٠ الف من عمال الصناعة الحربية الأميركية، وتحرم في المقابل عشرات الألوف من الشباب السعودي من فرص عمل. وفي مجال ما يسمّى تأدباً «استغلال النفوذ»، تعرف الادارة الاميركية، وسائر حكام اوروبا واميركا، انّ ستة امراء سعوديين تعود إليهم عائدات مليون برميل من النفط يومياً من انتاج اجمالي يومي يبلغ ٨ ملايين برميل. ومن جهة ثانية، تعرف السلطات الفرنسية انّ سيف الاسلام القذافي يتقاضى حصة مباشرة من عائدات حقل النفط الليبي الذي تستثمره شركة «توتال» الفرنسية. والآن، يعرف الجميع انّ جمال مبارك كان يتقاضى لجيبه الخاص ٥٪ من عائدات شركات بيع الغاز المصري الى اسرائيل. بقي لمن يريد ان يعرف كيف يتمكن حكامنا من جمع عشرات المليارات من الدولارات خلال ولاياتهم، ان يعودوا إلى اعتراف مليك المغرب بأنّ ارباح احدى شركاته المجمّعة لعام ٢٠١٠، بلغ ٢،٥ مليار دولار. هذا مع العلم انّ الدستور المغربي يمنع على السياسيين تعاطي التجارة. لكن المليك فوق الدستور وفوق السياسة، أليس كذلك؟
هذه اللصوصية هي الفساد الحقيقي في بلادنا.حاوِل إحصاء كم دُفع من المال لإقامة المؤسسات والجمعيات والهيئات، وكم نُظمت مؤتمرات ومشاغل وندوات ودورات تدريب، تحت عنوان مكافحة الفساد والبتشير بـ«اخلاقيات الأعمال (البزنس)». اسمع ما شئت من العزف على مقامات الحوكمة، والحكم الرشيد، والمساءلة واخواتها، تنخر العقول منذ ربع قرن. ثم قارن بما فرضته الجماهير في الشارع في غضون اشهر معدودة. فلأول مرة منذ ١٩٥٢، يسقط رئيس عربي (بل رئيسان، والتالون على الطريق) تحت ضغط انتفاضة شعبية. وعام ١٩٥٢ هو تاريخ استقالة رئيس الجمهورية اللبنانية، تحت ضغط اضراب شعبي سياسي عام. ولأول مرة في التاريخ العربي الحديث قاطبة، يحال حاكم عربي (بل اثنان، والتالون على الطريق) للمحاكمة، ليس فقط بتهمة قتل ابناء شعبه، بل ايضاً بتهمة سوء استغلال السلطة، ونهب الموارد، وهدر الأموال العامة.
ومع ذلك، لا يريد مكافحو الفساد من دعاة النيوليبرالية وخبراء الهيئات الدولية، ان يروا الهدر إلا في تضخم جهاز الدولة، وفي نفقات الموازنات على الخدمات الاجتماعية. وها هم يتحفظون على فتات الأموال الذي بدأت بعض الأنظمة العربية تنفقها، حفاظاً على رؤوس حكامها وكراسيهم، عن طريق الاستمرار في دعم المواد الغذائية الرئيسية والمحروقات، او عن طريق رشى رسمية موصوفة، من مثل رفع رواتب الموظفين وبناء المساكن الشعبية. في مقالة ذات عنوان معبّر ـ «رمي المال في الطرقات » ـ تحذّر «الايكونوميست» البريطانية (عدد ١٢ آذار ٢٠١١) من تلك الاجراءات، لانتمائها الى عهد مضى من تدخل الدولة في الاقتصاد، حسب تعبيرها. اما رمي ابناء معمر القذافي أموال الشعب الليبي لنجمات الغناء الانكليزيات والاميركيات بالمليون للحفلة الواحدة، فلا يقلق. ولا يقلق الاسبوعية الاقتصادية الرصينة، رمي الاموال داخل القصور، إذ إنّ المخصص الشهري لأفراد قبيلة آل سعود، الذين يزيد عددهم على ستة آلاف، يصل الى ٢٧٥ الف دولار، للأمير الواحد. لكنّ اعلان سقوط منظومة فكرية، لا يكفي بذاته لإسقاطها. مثلما تتحدى الانتفاضات الانظمة السياسة ـ الاجتماعية السائدة، وتخلخلها وتسقط اركاناً منها، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأنظمة الفكرية السائدة. ما حاولناه اعلاه مجرد وضع عدد من مقارنات، قد تصلح علامات استدلال للشروع في بلورة رؤية واهداف ومسارات ووسائل نضال بديلة.

* كاتب وأستاذ جامعي لبناني

الأربعاء، 15 يونيو 2011

مؤتمرات المناطق لـ"فتح" ـ إقليم لبنان: بداية ديموقراطية ناجحة في الشكل

المستقبل - الخميس 16 حزيران 2011 - العدد 4028 - شؤون لبنانية - صفحة 5
أنيس محسن

انجزت حركة "فتح" - إقليم لبنان المرحلة الأولى من مؤتمراتها المناطقية، في البقاع وبيروت، ولفت التجديد الكبير في قيادة المنطقتين، خصوصا في البقاع حيث فاز 8 أعضاء جدد من 9، وفي بيروت 3 اعضاء جدد من أصل 9.
ما لفت في التحضيرات لمؤتمرات المناطق الفتحاوية في لبنان (بيروت والبقاع وصيدا والجنوب والشمال) الحركة النشطة التي سبقت بدايتها وانجاز مرحلتها الأولى، وتمثلت بحملات انتخابية وزيارات للمرشحين وحلقات نقاش وتجيير اصوات، هي الأولى من نوعها، حيث كانت المؤتمرات عادة مرحلة منظمة ومعدة مسبقا لا تحتاج الى هذا الكم من الحراك، وربما التجديد الذي شهدته منطقتي البقاع وبيروت، بنسبة 89% في الأولى و33% في الثانية، دليل على مسار جديد بدأته حركة "فتح" وهي بأمس الحاجة له، لكنه تغيير يبقى في الشكل، ويحتاج الى تغيير في المضمون لن يكون متاحا الا في ختام تلك المؤتمرات، وخصوصا مؤتمر صيدا نهاية الأسبوع الجاري.
وتعد المؤتمرات المناطقية الجارية فصولها في لبنان امتدادا للمؤتمر العام لـ"فتح" في العام 2009، وهو وإن جاء بـ14 شخصية جديدة واطاحت بشخصيات تقليدية، فإنه كرس مراكز قوى جديدة، وعزز سلطة رئيس الحركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على الرغم من فوز شخصيات معارضة له مثل محمد دحلان، الذي أبعد اخيرا بسبب اتهامات بالفساد، وجرى إحالته على القضاء، الأمر الذي فتح صراعا جديدا في الحركة، تبدو ملامح نتائجه لمصلحة الرئيس عباس هذه المرة.
في المرحلة الأولى من انتخابات مناطق اقليم لبنان، بدا بعض هذا التغيير نموذجا عن الصراع المركزي في "فتح"، فبعض من فشل في الوصول الى قيادة المنطقة، انما خسر بسبب الاصطفافات المحلية ذات البعد العابر للإقليم، وفي البقاع ثمة من يقول داخل حركة "فتح" انه كان انقلابا تاما على تحالف محمد دحلان ـ سلطان أبو العينين، وخصوصا ضد أبو العينين الذي كان مسؤولا لإقليم لبنان على مدى أكثر من عقدين من الزمن، حيث ان الثمانية الجدد هم من خارج اللائحة التي دعمها سلطان.
وإذا سارت الأمور على المنوال نفسه، فسوف يفقد أبو العينين أي تأثير في إقليم لبنان، فيما سيكون بمقدور القيادة الجديدة للفرع وخصوصا رأسها فتحي أبو العردات (أبو ماهر) التحرك بثقة أكثر بعدما يكون قد أزيح أنصار سلفه عن مراكز القرار المناطقي، خصوصا أن أبو العردات كان مسؤولا سابقا للمكاتب الحركية (النقابات والمنظمات الشعبية). فأعضاء مؤتمر الإقليم هم اعضاء المناطق الحاليين واعضاء المناطق السابقين ومسؤولي المكاتب الحركية، فضلا عن كفاءات عادة ما تعينهم قيادة الفرع، وبالتالي فإن أي معارضة ستنحصر في اعضاء المناطق السابقين، ولن تكون معارضتهم ذات شأن.
وبغض النظر عن صراعات مراكز القوى داخل "فتح"، وهو صراع بدأ مع التأسيس ولن ينتهي، لأن الحركة مركبة على اساس اصطفافات سياسية وعلى برنامج سياسي، وليس على قواعد أيديولوجية، وربما كان ذلك سبب لحيوية "فتح" وقدرتها على البقاء، أما تطورها فبحاجة إلى إرساء المفاهيم الديموقراطية الحقيقية، التي شهدت انتخابات منطقتي بيروت والبقاع ملامح منها، خصوصا مرحلة التحضير والحملات الانتخابية التي رافقتها، وصدور النتائج، وتقبلها على الرغم من بعض التبرم.
تلك كانت ملامح وملاحظات أولية، انما المحك سيكون في نتائج باقي المناطق، في حينه فقط يمكن تقديم قراءة واعية، وإدراك ما إذا كان التجديد ليس سوى اعادة صياغة مراكز القوى تبعا لنتائج الصراع المركزي، أم أن ثمة ديموقراطية ناشئة في "فتح" تأثرت بالثورات الشبابية العربية.

الخميس، 9 يونيو 2011

الغرفة السوداء" من مارون الراس إلى القنيطرة

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=470584
http://www.almustaqbal.com/Issues/AsISPDF/09-06-11/f3.html
المستقبل - الخميس 9 حزيران 2011 - العدد 4021 - شؤون لبنانية - صفحة 3
أنيس محسن

أثار ما حدث يوم الأحد الماضي، 5 حزيران في الجولان السوري، وحجم الضحايا الذين سقطوا اذ بلغ 23 شهيدا ومئات الجرحى، مشاعر أسى في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأثار تساؤلات عمّا كان يمكن أن يحدث لو لم تستدرك القيادات السياسية والشبابية الفلسطينية، الأمر وتتخلى عن الدعوة الى مسيرة على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وما رفع منسوب الأسى لدى فلسطينيي لبنان، عمليات القتل التي حدثت عقب تشييع بعض الشهداء في مخيم اليرموك قرب دمشق الإثنين الماضي، وعلى أيدي فصيل فلسطيني، علما أن الإتهامات التي وجهت ضد بعض الفصائل باستثارة مشاعر الشباب وقيادتهم الى الموت لمصالح ليست فلسطينية، يشترك بها الفلسطينيون في كلا البلدين.
ويوضح قيادي شبابي شارك في التحضير لمسيرة "العودة" في 15 ايار الماضي وفي الاجتماعات التي سبقت 5 حزيران الجاري، أن "غرفة سوداء" كانت تعمل بمعزل عن المنظمات الشبابية، "وتمكنت القيادات الشبابية بعد اجتماعات محدودة، من دفع القوى الإسلامية الفلسطينية وحزب الله إلى كشفها والعمل بالتالي في فضاء رحب".
ويقول القيادي الشبابي الفلسطيني، وهو من أنصار أحد فصائل "منظمة التحرير": "طلبنا من الطرف الآخر أن يحدد لنا من سيمول المسيرة ولماذا، قبل ان نوافق على أي شيء، وبعد اخذ ورد، اعترف القياديون الشبابيون ذوي المشارب الإسلامية، أولا بأنهم ينتمون الى الفصائل الإسلامية الفلسطينية، وثانيا أن الممول هو "حزب الله".
ويتابع: "مكننا الكشف عن مصدر التمويل الى الانتقال، كقوى شبابية تابعة او تدور في فلك فصائل منظمة التحرير أو مستقلة، الى مرحلة ثانية، وهي محاولة الحؤول دون تمكين الطرف المقابل، الفلسطيني واللبناني، من تجيير التحرك لمصلحة ذاتية أو اقليمية، فجرى الاتفاق على سلسلة من الاجراءات، مثل ضرورة وجود عناصر انضباط، اصر الإسلاميون و"حزب الله" ان تكون بعهدة الحزب، والاكتفاء عند افتتاح المهرجان في مارون الراس بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني، وعدم القاء خطب ممكن ان تدفع الشبان الى القيام بعمل متهور". لكن المصدر الشبابي، يشير إلى أن "كل ما اتفقنا عليه لم يتم الإلتزام به، فافتقدنا عناصر الإنضباط علما اننا كنا طالبنا ان يكون الانضباط من مختلف الفصائل والاحزاب المشاركة، وقبل ان نصل الى مارون الراس كانت المنصة قد امتلأت برجال الدين الذين عملوا على تعبئة الشبان وصولا الى الدعوة الى الجهاد، الأمر الذي احدث انفلاتا لم يكن بمقدور قوة صغيرة من الجيش اللبناني، مثل تلك التي تواجدت في الموقع، من السيطرة على الموقف".
وعلى هذا الأساس، يضيف، أن "ما جرى في 15 أيار تم استدراكه والتنبه له في 5 حزيران حيث كانت النيات واضحة لدى البعض بتوريط الفلسطينيين بصدام مع الجيش اللبناني، وقد انضمت حماس الى المتوجسين من اي نشاط حدودي في 5 حزيران وبالتالي كان النشاط محكوما بالإلغاء حتى قبل ان يعلن الجيش اللبناني جنوب الليطاني منطقة عسكرية، اذ كان القرار اتخذ برفض التورط الفلسطيني في اي مواجهة، خصوصا مع الجيش اللبناني".
ويؤكد قيادي فلسطيني شارك في اجتماعات لجنة المتابعة الفلسطينية ـ اللبنانية، وجود "الغرفة السوداء" واستشعار القوى السياسية والشبابية على حد سواء بما كان يخطط له، ويقول انه سأل: "5 حزيران مناسبة عربية، وليست فلسطينية فقط، فلماذا لا يكون الحشد لبنانيا ونحن نشارك فيه، فهناك ارض لبنانية محتلة في شبعا وتلال كفر شوبا.. لكن أحد لم يقدم جواباً".
ويلفت قيادي فلسطيني رفيع المستوى الى أن قرار عدم المشاركة في مسيرات 5 حزيران كان اشمل من لبنان، وقد اتخذ على مستوى لبنان وسوريا، متسائلا: "من حرك بالتالي تظاهرات الجولان ولمصلحة من، ومن يتحمل مسؤولية الدم الذي هدر بلا جدوى، ومن يتحمل كذلك ما جرى في مخيم اليرموك عقب ذلك"؟.
ويخلص القيادي الفلسطيني الى التأكيد أن "الغرفة السوداء كانت ممتدة من مارون الراس الى القنيطرة، وفيما تنبهت الفصائل الفلسطينية للأمر في لبنان، وقع البعض الآخر في سوريا في الفخ، فخسر هو، ولم يربح النظام السوري الذي فقد حياد مخيمات سوريا في الأزمة الدائرة، ولم يغطي الدم الفلسطيني المهدور في الجولان واليرموك، الدم السوري الذي يهدر ايضا في مكان بعيد عن دائرة الصراع العربي - الإسرائيلي".

أحداث مخيم اليرموك تكشف الفخ الذي نصب في الجولان ومخاوف من توريط الفلسطينيين بما يجري في سوريا

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?issueid=2996&categoryid=5
المستقبل - الجمعة 10 حزيران 2011 - العدد 4022 - شؤون عربية و دولية - صفحة 14
أنيس محسن
ما جرى في الجولان في 5 حزيران (يونيو) كان فخاً كبيراً نُصب للفلسطينيين. جرى الدم غزيراً في مرحلته الأولى وكاد يطيح بالنسيج الإجتماعي الفلسطيني في مخيم اليرموك في مرحلته الثانية، على ما يقول مسؤول فلسطيني رفيع المستوى.
يطرح المسؤول الفلسطيني سؤالاً عن الدور الذي لعبه الشاب الفلسطيني المثير للجدل المدعو ياسر قشلق في التحضير لـ"فخ الجولان"، وهو اشتهر في أنه مول السفينة "مريم" في حزيران (يونيو) 2010 لخرق الحصار على غزة انطلاقاً من لبنان، لكن الرحلة التي تأجلت في حينه لم تمخر عباب البحر نحو غزة.
كانت فصائل منظمة التحرير و"حماس" قررت عدم الذهاب إلى الجولان في ذكرى النكسة، لأن تكرار ما حدث في 15 أيار (مايو) فقد عنصر المفاجأة، ولن تصب نتائجه في مصلحة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وسيكون تجييره سهلاً. وقد عممت قرارها هذا على قواعدها، واستكانت بعد ذلك لتتفاجأ بحملة كثيفة على موقع "فايسبوك" وعبر الاتصالات المباشرة بالهاتف، تُخَوِّن الفصائل وتتهمها بالتخلي عن فلسطين وبأن "الربيع العربي" يجب ان يطاولها.
يقول المسؤول الفلسطيني إن قشلق كان وراء تلك الحملة، تجييشاً وتمويلاً، وقد وظف عدداً كبيراً من الشبان للقيام بتلك الحملة، وتحت أعين اجهزة أمنية سورية وبتعاون من قبل فصائل موالية لسوريا مثل "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة".
في 4 حزيران، كان كل شيء قد أعد: الحافلات جاهزة لنقل مئات الشبان الذين لبوا الدعوات على الفايسبوك وعبر الرسائل النصية على الهواتف الجوالة، وتوزعت على مخيمات اليرموك وخان الشيح وجرمانا وغيرها من المخيمات، ومنها انطلقت قبل 24 ساعة من احياء المناسبة، ليجد المشاركون حجوزات لهم في فنادق ونزل في مدينة القنيطرة السورية، فباتوا ليلتهم هناك، وفي اليوم التالي، في 5 حزيران (يونيو) توجهوا الى الشريط الحدودي نحو المجزرة، التي سقط فيها 23 شهيدا ومئات الجرحى برصاص الجنود الإسرائيليين.
ولكي يكتمل الكمين، فتح التلفزيون السوري برامجه لتغطية المسيرة واستصراح مسؤولين في الفصائل، في مقدمتهم، واساسا، مسؤول القيادة العامة الإعلامي أنور رجا، ثم مسؤول الجبهة الشعبية ماهر الطاهر، وفتحت عقب ذلك قنوات عربية مساحة للمسؤولين المذكورين.
لكن اذا كان مفهوما ظهور أنور رجا على الشاشات، وخصوصا شاشة التلفزة السورية، فما لم يكن مفهوما او في مكانه ظهور ماهر الطاهر على الشاشات، بل مشاركته مباشرة في المسيرة، وتواجده بالقرب من الشريط الحدودي عند قرية مجدل شمس. فـ"الشعبية" كانت قررت، مثلها مثل باقي فصائل المنظمة، وحتى "حماس" عدم المشاركة في تلك المسيرة، فما هو السبب الذي دفعه إلى المشاركة في المسيرة، والظهور الكثيف على الشاشات؟.
من نافل القول، ان جزءاً لا يستهان به من الفلسطينيين في سوريا، يعتبرون ان النظام البعثي، منذ ما قبل تولي الأسد الأب ثم الإبن السلطة، عاملهم أسوة بالمواطنين السوريين، فكانوا احراراً اقتصاديا، وتمكنوا من العمل في السياسة كفصائل فلسطينية علناً وسمح لهم بفتح المكاتب والجمعيات والاندية والانتظام في النقابات الخاصة وحتى النقابات السورية، بل سمح للفلسطيني بالعمل في القطاع العام، بخلاف القيود التي فرضت عليهم في لبنان ومصر ومعظم الدول العربية. لهذا السبب، يتجنب الفلسطينيون معاداة هذا النظام. ومسؤولو الفصائل هناك متأثرون بهذا العامل من جهة، كما انهم كانوا ينسقون مع الأجهزة الرسمية السورية، أمنية وسياسية، ما أوجد علاقات شخصية بين المسؤولين الفلسطينيين والآخرين السوريين.
لكن هل هذا كاف ليجعل فلسطينيي سوريا يصطفون الى جانب النظام، وبالتالي يُحسبون وكأنهم في مواجهة مع الشعب السوري؟.
يؤكد المسؤول الفلسطيني ان العامل الأول صحيحاً، لكن بالمطلق ليس سبباً او مبرراً للسير في خطة قد تكون اجهزة الاستخبارات وضعتها، أما السبب الحقيقي لمشاركتهم في مسيرات العودة، فهو عفوية الشباب وحماسهم وتأثرهم بنظرائهم العرب في تونس ومصر على وجه الخصوص.
لكن اذا سلمنا جدلاً ان "القيادة العامة" ترتبط مباشرة بالنظام الأمني السوري، وبالتالي ليس مستغرباً ان تشارك لوجستياً ودعائياً واعلامياً، فكيف لمسؤول في الجبهة الشعبية من الصف الأول مثل ماهر الطاهر، ان يشارك علماً أن جبهته ليست مرتبطة امنياً بسوريا، وهو مفترض ألا ينقاد خلف "العفوية" فيفقد بالتالي دوره القيادي. هنا يكتفي المسؤول الفلسطيني بالقول أنه من الممكن ان يخدع القائد أيضا، أو أن ينقاد خلف "تقديس العفوية" وبالتالي يكون مشاركاً في الخطأ، بل الخطيئة، حتى ولو لم يكن من منظمي المسيرة. اذ يؤكد المسؤول ان الطاهر تفاجأ بوجود شباب من انصار الجبهة الشعبية، خرجوا على قرار عدم المشاركة، وربما أراد أن لا يترك المناسبة للاستغلال من قبل مسؤولي فصائل آخرين، فارتكب الخطأ مرتين.
الجزء الأول الدموي من "فخ الجولان" يكون قد أنجز، لكن ماذا عن الجزء الثاني، الذي لا يقل عنه دموية، لكن يفوقه من حيث الأثر النفسي، لكون من سقط أُردي برصاص، واجهته فلسطينية؟.
تفاصيل الحادث الذي وقع في مخيم اليرموك باتت معروفة: يصل ماهر الطاهر الى حيث يقام عزاء لشهداء الجولان. يُطلب منه المغادرة لأن أهل الضحايا لا يريدون وجوداً لقيادات الفصائل، من دون ان يمانعوا في وجود عناصر منها، وهم اصلا من ابناء المخيم، خصوصا وأن هناك من جاء ليرفع صور بشار الأسد في الجنازة. يحاول الطاهر التحدث مع الحضور عبر مكبر للصوت، فيحدث هرج ويرشق بالحجارة.. يطلق مرافقه طلقة في الهواء ويجري سحب الطاهر الى احد المنازل فيحاصره بعض الناس لكن يمكن سحبه من المنزل الى مكان آمن اخر.
لم ينته اليوم عند هذا الحد، وباقي تفاصيل الحادث ايضا معروفة، فقد عمد سكان اليرموك بعدما شيعوا الشهداء الى مثواهم الأخير، الى التوجه نحو المقر الرئيسي لـ"القيادة العامة" في اليرموك ورشقه بالحجارة، بعدما قال البعض ان الأمين العام لـ"القيادة العامة" أحمد جبريل متواجد هناك، وباشروا برشق المقر بالحجارة وهم يهتفون ضد جبريل و"القيادة العامة" ورد عليهم الحراس بالرصاص، لتتطور المواجهة، فيسقط قتلى في صفوف السكان الذين ازرهم مسلحون من ابناء المخيم فقتلوا عددا من عناصر القيادة العامة واحرقوا المركز والسيارات المتوقفة امامه، وبقيت الأجواء متوترة حتى اليوم الثاني.
ما لم يعلن، أن مسؤولي الفصائل وبعض وجهاء المخيم حاولوا مراراً وتكراراً الاتصال بالشرطة السورية وبأجهزة الأمن من دون جدوى، "وكأن السلطة السورية تريد للتوتر ان يستمر"، كما يقول المسؤول الفلسطيني، الذي يتساءل عن سبب عدم التدخل واعتبار ان المسألة "فلسطينية داخلية"، فيما لو اكتشف وجود بندقية واحدة غير مصرح بها لدى احد الفصائل فإن تحقيقاً طويلاً عريضا يجري واستدعاءات لا تنتهي لكل من له شأن مباشر او غير مباشر.
يؤكد المسؤول نفسه، ان السلطة السورية كانت تريد تكريس "القيادة العامة" مسؤولة عن الأمن في مخيمات سوريا، وبالتالي التسبب بصراع داخلي فلسطيني من حيث الشكل، وجوهره إشاعة فوضى اضافية تسهم في التغطية على ما يجري في سوريا، وهو امر تنبه له الفلسطينيون واصروا على رفض اي امن ذاتي وطالبوا بأمن سوري شرعي، لأنهم تحت سقف القانون وضيوف على سوريا وسيبقون كذلك في انتظار العودة.
ثم يرى المسؤول مؤشرات الى محاولات خلق صراع في المخيمات، وأبرزها تعزيز مراكز "القيادة العامة" في اليرموك وكل المخيمات في مختلف المناطق السورية، بعناصر من جيش التحرير الفلسطيني في سوريا وعناصر من الأمن السوري، ما يشي بنزوع نحو اشاعة فوضى في المخيمات، "خصوصا وانه ما من مرة حضر جيش التحرير الى المشهد الفسطيني الا وتبعه سيل من الدم الفلسطيني"، كما يقول المسؤول نفسه.
ويلفت المسؤول الى حوادث حصلت في مختلف المخيمات، واستهدفت فيها عناصر "القيادة العامة" عناصر وأنصار ومكاتب حركة "حماس"، الذي جرت مضايقتهم من خلال السؤال عنهم في منازلهم، او عبر الدخول عنوة الى المكاتب، وحتى توقيف بعضهم في الشوارع.
والخلاصة، يقول المسؤول الفلسطيني الرفيع المستوى "إن ما جرى اعتبارا من 15 ايار (مايو) مرورا بـ5 حزيران (يونيو) وقبل ذلك، كان يشي بعملية توريط للفلسطينيين في الشأن السوري، وكان بالتالي اجدى بمسؤولي الفصائل في سوريا، وخصوصاً من تورط منهم، تقدير الموقف تقديراً صحيحاً وعدم الانقياد خلف تقديس عفوية الجماهير".

الجمعة، 3 يونيو 2011

المسيرة ألغيت لأن الفلسطيني يرفض أن يكون متراساً

المستقبل - السبت 4 حزيران 2011 - العدد 4016 - شؤون لبنانية - صفحة 6
أنيس محسن

أكد مصدر فلسطيني مطّلع أن فكرة المسيرة التي كانت الفصائل الفلسطينية واحزاب لبنانية تتداول إمكانية تنظيمها الأحد لمناسبة ذكرى هزيمة حزيران (يونيو) 1967 "ألغيت لأسباب موضوعية"، وأن أي تحرك آخر يشارك فيه الفلسطينيون سيكون داخل المخيمات أو في أماكن لا تثير أي إرباكات في الداخل اللبناني، وكذلك لأن "الفلسطينيين يرفضون أن يكونوا متراساً لأي كان، فيما هم مستعدون لبذل الدم في فلسطين ولفلسطين فقط".
وأشار المصدر المواكب لاجتماعات لجنة التنسيق اللبنانية - الفلسطينية، إلى أن السبب المباشر لإلغاء فكرة المسيرة كان "إصرار الجيش اللبناني على رفض تنظيم أي نشاط يمكن أن تنتج عنه مشاكل في منطقة عمل اليونيفيل وتتعارض بالتالي مع القرار 1701".
أما عن الأسباب غير المباشرة، وذات البعد السياسي الإستراتيجي الفلسطيني في لبنان، يقول المصدر نفسه: "لقد اتفق الفلسطينيون في لبنان منذ فترة طويلة على رفض التورط في أي مشاكل داخلية لبنانية، وقد اثبتوا ذلك خلال الأزمات المتلاحقة منذ العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما جرى في مخيم نهر البارد كان أبرز دليل على هذا التوجه الإستراتيجي، حين اتخذ قرار بإخلاء المخيم واتاحة الفرصة أمام الجيش اللبناني لإنهاء حالة فتح الإسلام هناك".
ويتابع: "ومنذ اندلاع الثورات الديموقراطية في العالم العربي، سعى كثيرون إلى توريط الفلسطينيين هنا وهناك بادعاءات تشركهم في تحركات معينة، أو وضعهم ضمن اصطفاف إقليمي، حتى أن مسيرة العودة التي دعا اليها الشباب الفلسطيني لمناسبة الذكرى 63 لنكبة العام 1948، متأثرين بالبعد الشبابي للثورات العربية، وواكبتها الفصائل ولم تصنعها، جرت محاولات لتجييرها، وهي محاولات لم تنجح لأن الجميع تفاجأ بحجم المشاركة كمياً الذي تجاوز عشرات الآلاف، ونوعياً من حيث بروز جيل الشباب ممن ولدوا في تسعينيات القرن الماضي، الذين بذلوا أرواحهم لتكريس حق العودة".
ويعتبر المصدر أن "هذا الأمر فرض على المفاوض الفلسطيني عدم تجاوز هذا الحق وعدم تجاوز ملايين اللاجئين خارج الأراضي الفلسطينية في أي حل، وأفشل مساعي التجيير الإقليمية، وأرعب إسرائيل التي تحركت سياسياً وديبلوماسياً وحاولت تكبير الأمر أمنياً على الحدود مع الدول العربية، وحركت حتى الولايات المتحدة التي نقلت رسائل تحذير من أي تحركات شبيهة بمسيرة العودة".
وعليه، يشدد المصدر الفلسطيني، على أن "زمن حشر الفلسطينيين في ممرات إلزامية، يستفيد منها اللاعبون صغاراً أو كباراً، في قضايا عنوانها فلسطين ومضمونها سلطوي وحزبي ضيق، هو زمن ولّى ولن يعود.. فالفلسطيني تعلم الدرس، وبات يعي مصلحته، وهو لن يرضى أن يكون كيس رمل في متراس أحد، وباتت فلسطين الممر الإلزامي للآخرين، ليس عبر الشعارات، إنما عبر الأفعال، وبالتالي فإنه لن يكفي أن يكون الآخرون مع فلسطين لكن ضد الفلسطينيين، فمن يكون مع فلسطين يجب أن يؤيد حقه الطبيعي في العمل والتملك وتشكيل الجمعيات وحرية العمل السياسي.. وكما يقال: فإن ما قبل مسيرة 15 أيار (مايو) ليس كما قبلها، ومن كانت لديه شكوك بأن الفلسطيني هو من يرفض التوطين قبل أي أحد آخر نحيله إلى شهادة 6 شباب واصابة اكثر من 130 اخرين بجروح في سبيل حق العودة الذي هو رفض للتوطين، معمد بالدم ".
وعودة إلى ذكرى "هزيمة 1967"، يقول المصدر، "إن البعض اقترح بدلا من المسيرة الحدودية، أن ينظم اعتصام أمام الإسكوا، لكن ممثلي الفصائل كلهم توافقوا على أن الفلسطينيين يجب ألا يكونوا في موقع يمكن ان يحملهم تبعات أبعد من توجهاتهم المحقة في التذكير الدائم بقضيتهم، وبالتالي مثلما رفضوا في نهر البارد أن يكونوا بمواجهة الجيش الوطني اللبناني ورفضوا ان يكونوا في مواجهة معه الأحد المقبل فيما لو كان اصرار على المسيرة، هم يرفضون ان يكونوا في مواجهة مع اي طرف لبناني او اقليمي او دولي فلا مصلحة لهم في معاداة أحد، كون العدو الوحيد هو إسرائيل، وعليه رفضت فكرة الاعتصام امام الإسكوا وطرحت في المقابل نشاطات داخل المخيمات سلمية ومتنوعة".
ويخلص المصدر الى التأكيد أن "هذه هي الإستراتيجية الفلسطينية المتبعة، خصوصا في لبنان، والتي انعكست ايجابا حتى على العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، فلم يتأثر الفلسطينيون في لبنان جراء الإنقسام السياسي بين فتح وحماس الذي قسم السلطة الفلسطينية سلطتين واحدة في الضفة والثانية في غزة، فكانوا بالتالي داخل مخيماتهم بمنأى عن أي مشاكل انقسامية، مع الإبقاء على الإختلافات السياسية والفكرية، واحترامها".

الأربعاء، 1 يونيو 2011

مسيرة حزيران بحكم الملغاة والعين على أيلول

المستقبل - الخميس 2 حزيران 2011 - العدد 4014 - شؤون لبنانية - صفحة 5
أنيس محسن

في اليوم التالي للتظاهرات الحاشدة في 15 أيار (مايو) الماضي لمناسبة ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، زخرت مواقع التواصل الإجتماعي، خصوصا "الفيسبوك" بالحديث عن تحرك لاحق، اقترح أن يكون في 5 حزيران (يونيو) احياء لمناسبة هزيمة العام 1967، بالتوازي مع جدل حول الجهد الكبير الذي بذل اقليميا ولبنانيا لتجيير نشاط ذكرى النكبة لأهداف غير تلك التي دعا إليها شباب "الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة"، الا وهي اعادة تنشيط الصراع مع إسرائيل، وخصوصا الجانب المدني منه، استفادة من عاملين: نجاح ربيع الثورات العربية في تونس ومصر وحراكها في اليمن وليبيا وسوريا، واستقطاب التظاهرات المناهضة لجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية مزيدا من الجمهور الفلسطيني والمتضامنين الأجانب والإسرائيليين المؤيدين للحقوق الفلسطينية.
الجدل الذي دار، ذهب فلسطينيا باتجاهين: اتجاه شبابي حماسي اندفاعي عاطفي، واخر تساءل عن فائدة هدر مزيد من الدم ولمصلحة من؟، وفصائليا ايضا باتجاهين: متأن تمثله فصائل منظمة التحرير، ومائل نحو تحرك مدروس تمثله "حماس" و"الجهاد" والفصائل الأخرى.
لجنة التنسيق الفلسطينية ـ اللبنانية التي عملت على "مسيرة العودة" في 15 ايار (مايو) الماضي، تداعت الى سلسلة اجتماعات قيمت المسيرة تلك، وناقشت المسيرة اللاحقة. كان ممثل "حماس" في لبنان علي بركة أكد لـ"المستقبل" الأسبوع الماضي، أن اجتماعات تعقد لمناقشة الخطوة التالية "وسوف نستفيد من اخطائنا اذا حدثت اخطاء في مسيرة 15 أيار (مايو) وسنسعى الى عملية ضبط اكثر جدوى"، والكلام واضح هنا، ويقرأ بين سطوره، ان "حماس" تريد ان يستمر الحراك، لكنها تحاول تلافي اي صدام.
فصائل منظمة التحرير كانت اكثر تحفظا. عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" وأمين سرها في لبنان فتحي أبو العردات، كان اشار ايضا الى ان اجتماعات تعقد، لكن لا شيء نهائي، وهو ما أكده أيضا عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الديموقراطية" لتحرير فلسطين علي فيصل، فيما اوضح عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" مروان عبدالعال، ان ما تريده "الشعبية" استراتيجية تحرك مبرمجة تخرجها عن طابع "المناسباتية".
الأسبوع الجاري كان أكثر وضوحا.. وخصوصا خلال الإجتماع الذي عقد مساء الثلاثاء، ونوقشت فيه الخيارات، التي اجمعت فلسطينيا ولبنانيا على رفض اي صدام مع الجيش اللبناني، علما أن موقف الجيش، وكما قال مشاركون في الاجتماع، يبدو رافضا لأي نشاط يجري على الحدود. وبالتالي طرحت فكرة مسيرة بالسيارات تمر على الطريق قرب الشريط الحدودي، وتستقر في بلدة الخيام بعيدا عن الشريط، والتزم "حزب الله" الإتصال بالجيش على أن يطلع اطراف اللجنة على الجواب مساء اليوم (الخميس).
ويقول مصدر فلسطيني متابع أن "النية تتجه الى الغاء تحرك 5 حزيران (يونيو)، خصوصا ان الأجواء لا توحي بموافقة الجيش على المسيرة السيارة المقترحة، وأن "حزب الله" ليس بصدد الضغط على الجيش، لثلاثة أسباب رئيسية: أولها انه غير معني بتوتير في منطقة عمل القوات الدولية حاليا، وثانيا لعلم الجميع: فلسطينيين ولبنانيين ان السلطات السورية لن تسمح بمسيرة مماثلة في الجولان، وبالتالي لا أحد يود أن يكون الطرف الذي يوجه رسالة اقليمية، وخصوصا الجانب الفلسطيني، وثالثها، أن "حزب الله" في موضوع المسيرة غير مغطى لبنانيا، اذ ان كل حلفائه وخصوصا المسيحيين لا يريدون تلك المسيرة".
وبالتالي، وعلى الرغم من الإستنفار الإسرائيلي والحديث الاعلامي عالي النبرة عن مخاوف من مواجهات عنيفة على الحدود في ذكرى هزيمة 5 حزيران (يونيو) 1967، فإن العين حقيقة على موعد أيلول (سبتمبر) حين تطلب منظمة التحرير اعترافا كاملا من الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فترفض اسرائيل واقرب حلفائها، وتتحفظ بعض الدول الغربية، وتستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، فيتحرك الشارع الفلسطيني وتشتعل مواجهات عنيفة، لكن في داخل الأراضي الفلسطينية وليس خارجها، كما تشير كل التوقعات، وهي مواجهات يستعد الفلسطينيون كما الإسرائيليون لها، وهنا ستكون مواكبة فلسطينية خارج الأراضي المحتلة، لكن ليست حدودية، انما مدروسة ومنتقاة تعطي نتائج ايجابية ولا تحرج أحدا من الأصدقاء والأشقاء والحلفاء، ولا يستخدم فيها الفلسطيني كصندوق بريد، خصوصا بعد المصالحة التي تمت بين "فتح" و"حماس" برعاية مصرية، ومع التشدد الإسرائيلي الذي الغى اي إمكانية حل سلمي كان ينشده قسم من الفلسطينيين ويرفضه قسم آخر.