الخميس، 24 نوفمبر 2011

"ميدان التحرير 2"

نيس محسن

منذ "مليونية" يوم الجمعة الماضي، لم يهدأ ميدان التحرير في القاهرة، وميادين ثانية في مدن اخرى في مصر، رغم أن المكونات الحزبية لـ"جمعة حماية الديموقراطية"، فضت يدها بعد سحابة نهار 18 تشرين الثاني (نوفمبر) واعلنت العودة الى المنازل، بعدما ظنت أن المنازلة انتهت هناك، لتتفاجأ مثل السلطة القائمة حاليا المتمثلة بالمجلس العسكري، بأن الميدان عاد الى سابق عهده وكأن الرئيس السابق حسني مبارك ما سقط بعد.
تدرج الوضع في ميدان التحرير من اعتصام مئات الشبان والشابات ليل 18 19 من الجاري، من اعتصام سلمي، الى عملية قمع موصوفة اودت بحياة العشرات وبمئات الجرحى، وما زالت قائمة الى الآن، وبشكل غير مبرر، جعل المتهكمين من المتظاهرين الشبان يرفعون شعار "إحنا عاوزين الغاز القديم"، لأن عددا كبيرا من الضحايا سقط بسبب تلك القنابل الغازية التي اطلقت وليس جراء الرصاص فقط.
بعيدا عن مشهد المكان، الغارق في فوضى الحجارة والخيم والصراخ والشعارات والبنادق والأجساد والدماء والناس والعسكر، يبدو مشهد ما خلف الميدان، في المدى السياسي، شديد التعقيد، والتحليلات تتناسل وتتكاثر، وتذهب من اسطوانة "المؤامرة" الأميركية المشروخة، إلى "نزق الشباب"، وليس انتهاء باتهام بعض الأحزاب بمحاولة "منع اجراء الإنتخابات"، لأنها، أي تلك الأحزاب، "تعلم تماما انها خاسرة ولن يكون لها وجود على مقاعد البرلمان".
غير أن جوهر الأمر اعمق من ذلك كثيرا: أوله، أن شرخا عميقا وقع بين مكونات الميدان لن يكون سهلا اعادة نسجه، بل أن الشرخ اصلا كان موجودا أنما كان غير ظاهر للعيان.
في مراقبة عادية لشاشات الفضائيات العربية، والقنوات المصرية، يرتسم خطان: احدهما يمثله جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤهم مع المجلس العسكري واشخاص كانوا يظهرون كثيرا على الشاشة خلال عهد مبارك، والثاني يمثله شباب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) بتلاوينهم المختلفة.
الأول يبدو وكأنه يدافع عن سلطة قائمة وواقعة، هي في يده، وأخشى ما يخشاه فقدانها. حتى التهم الموجهة الى شباب الميدان، هي ذاتها تكرار لما كان يسمع في العهد السابق. فإما هم أميركيون، أو هم "صبية" يشرون ويباعون، أو خاسرون لا يريدون للعملية الديموقراطية ان تستمر. لكن الوجوه السياسية تغيرت فباتت تابعة للإخوان، فيما بعض الوجوه "الإعلامو ـ سياسية" يتكرر بعضها، وكان سابقا من مؤيدي النظام.
الثاني، واثق بما يعمل، كلامه واضح مختصر وغير مبطن، بلا أيديولوجيا ولا رتوش. إنهم أنفسهم، وجوههم طلاقة ألسنتهم، رؤاهم الواضحة، منطقهم البسيط غير المتكلف. يقولون: نريد التغيير لأن القائم حاليا يؤسس إلى حالة من عدم التغيير في الجوهر، مستقبلا، إنما نقلا للسلطة من أشخاص إلى أشخاص، حتى بالأدوات ذاتها، فضلا عن ان المفاهيم هي ذاتها.
من ضمن التحليلات، المستندة الى وقائع، وفق المتحدثين بها، فإن ما جرى في ميدان التحرير في نسخته الثانية، منذ ليل 18 ـ 19 تشرين الثاني (نوفمبر)، إنما هو انتفاضة استباقية، ليست ضد الانتخابات او ضد احزاب مثل الاخوان المسلمين، لمجرد انهم "اخوان"، إنما بعد اكتشاف صفقة، حيكت في النهار وليس في الظلام، تقتضي بإعادة تركيب النظام على ثلاث ركائز: الدولة العميقة ممثلة بالعسكر وأجهزة أمن بقوالب جديدة، وقوة ذات تجربة في الحكم وفي الشارع ممثلة ببقايا النظام القديم من أهل السياسة من الكادر الوسطي وما دون، وقوة سياسية شديدة التنظيم ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين، وهي سوف تحكم تحت لافتة الانتخابات وانتقال السلطة عبر الصناديق، لكن بعد عمليات تعليب جديدة، سوف تستمر الى وقت طويل، وبتحالف مع الغرب، الذي استطاع اعادة استجماع عناصر سياسته في المنطقة، بعدما بعثرتها ميادين التحرير في تونس ومصر وصنعاء وطرابلس ودمشق.
يقول المحللون، إن الغرب يدعم وصول الإخوان المسلمين وحلفائهم، الى السلطة ليس في تونس ومصر وليبيا ولاحقا في اليمن وسوريا فقط، وربما في الأردن الذي رفع فيه اخيرا شعار لم يرفع من قبل، وهو اسقاط النظام الملكي وليس الحكومات، كما في دول عربية اخرى. والغرب بذلك انما يراهن على أمرين:
أولا إن وصول إسلام سياسي معتدل الى الحكم في المنطقة العربية سوف يشكل محيطا من الأنظمة السنية التي ستتواجه حكما مع النظام الشيعي في إيران، على المستوى الفقهي، وكذلك ستتواجه مع ايران كدولة "فارسية" لها اطماع توسعية، فيما الانظمة التي تكون قد قامت سيكون لها طموحاتها الإقليمية ايضا.
ثانيا، إن احزاب الاسلام السياسي المعتدل، كانت جزء من النظام القديم، وان كانت خارج السلطة، وهي معروفة لدى كل الدوائر الغربية، السياسية منها والأمنية، وبالتالي سيسهل التعامل معها، حتى في حالات الاختلاف، أما وصول قوى شبابية غير مجرِبة أو مجرَّبة، فسيكون مخاطرة للغرب الذي له مصالح لا تحصى في منطقة استراتيجية تخترن اكثر من نصف موارد الطاقة في العالم.
وما جرى في ميدان التحرير، انما كان مواجهة في الأصل بين شباب "الربيع العربي" وهذا التحالف الجديد، الذي سيجهض الثورات ويعيد انتاج انظمة لن تكون مختلفة كثيرا عن الانظمة السابقة، كما يرى ثوار "ميدان التحرير 2".
وبمطلق الاحوال، سواء تأثرت الأجواء الإنتخابية بما جرى في "ميدان التحرير 2" وخفف من اندفاعة الإسلام السياسي في السلطة، أم لا، فإن ما كتبته دماء العشرات من الشباب بعد 18 تشرين الثاني (يناير) لا بد انتجت شيئا واحدا اساسيا وضروريا: أن اي سلطة قادمة يجب ان تأخذ الشارع بعين الإعتبار، وأن تحركه حتميا اذا اخذت البلاد نحو انظمة مستنسخة من الماضي.

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

عبدالله لـ"المستقبل": دعمنا قرار الجامعة العربية تجنّباً للتدويل

المستقبل - الاربعاء 16 تشرين الثاني 2011 - العدد 4175 - شؤون لبنانية - صفحة 6

أنيس محسن
أكد سفير فلسطين في لبنان عبدالله عبدالله أن تصويت منظمة التحرير لمصلحة قرار المجلس الوزاري العربي تعليق عضوية سوريا في هيئات الجامعة، تأكيد للإجماع ورفض التدخل الخارجي في الربيع العربي، معتبرا أن "الربيع العربي" هو ثورة كرامة وحرية وعدالة".
وأكد خلال زيارة أمس الى جريدة "المستقبل" حيث التقى هيئة التحرير، الإصرار على أن "لا يكون الفلسطينيون طرفا في أي خلاف في لبنان".
وبشأن التحرك الفلسطيني دولياً، قال: "حرصنا على عدم رفع سقف التوقعات بشأن تحركنا الدولي"، أما في الشأن الداخلي الفلسطيني، فقال: "نواصل محاولة إنهاء الإنقسام الفلسطيني رغم كل العقبات".
استهل عبدالله اللقاء بشكر "المستقبل" على تغطيتها المميزة للموضوع الفلسطيني، وتناول ثورات "الربيع العربي"، معتبرا أن "حالة كل دولة ممكن التعامل معها على حدة، وما ينطبق في مكان قد لا ينطبق في آخر. وقال إن "ما حدث ضروري وكان يجب ان يحدث قبل وقت طويل. وفيما الثورات القومية في عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم تحدث التغيير المطلوب، فإن ما يجري الآن يثبت أن العرب ما زالوا موجودين".
ورأى ان "الربيع العربي" هو ثورة كرامة وحرية وعدالة".
وقال: "إن الغرب تفاجأ في الثورات العربية الحالية، لكنه شرع في التعامل معها، بهدف الحيلولة دون السماح للحراك العربي بأن يكون في مصلحة الأمة العربية"، مشددا على ضرورة "التحصن ضد التدخل الأجنبي"، ملقياً على الإعلام "مسؤولية في لعب دور في هذا السياق".
وفي الشأن السوري، رأى أن "الوضع ذاهب نحو التغيير الحتمي، والسؤال هو متى؟"، معتبراً أن "وزير الخارجية السوري وليد المعلم اعترف خلال مؤتمره الصحافي (أول من أمس) بأن في سوريا هناك أزمة، وأن الحل يجب أن يكون عربياً". وأوضح أن "لدى الفلسطينيين حساسية مفرطة من التدخل الغربي في الشأن العربي، آخذا مثلي العراق وما انتهى إليه وليبيا والدمار الذي لحق بالبنى التحتية والإجتماعية فيها"، داعياً بالتالي الى "اللجوء لحل عربي للحيلولة دون الدخول الغربي الى ملفات ثورات "الربيع العربي". وقال: "إن العمل العربي المشترك يقتضي وجودا قويا لمصر، وإن دور مصر يجب أن يتعزز بإسناد سوري، ولذلك يتوجب المحافظة على الدولة السورية وعدم السماح بتفتتها". وأكد أن "الدور العربي في الحل يمنع الإنزلاق ألى حروب أهلية".
وعن الموقف الفلسطيني مما يجري في سوريا، قال: "إن الموقف نفسه إزاء كل ما يجري، وهو احترام خيارات الشعوب، على أن لا يكون الفلسطينيون طرفا في الشأن الداخلي، تماما كما لا نقبل أن يتدخل أحد بشؤوننا".
وعن تأييد فلسطين لقرار مجلس الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا في هيئات جامعة الدول العربية، قال السفير عبدالله: "الموقف الصحيح أن نكون مع إجماع 18 دولة عربية والخطأ أن نكون ضده.. ثم أن تأييدنا للقرار لقناعتنا بأن القرار يحول دون تدويل الأزمة".
ونفى أن "يكون الفلسطينيون تخلوا عن رئاستهم للمجلس الوزاري لمصلحة قطر في إطار تمرير قرار مجلس الجامعة"، وقال: "لم نتخل عن رئاستنا لمصلحة سوريا، فقد كنا مشغولين في متابعة ملف طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، ولم يكن في حينه ملف سوريا مطروحا أساسا على الجامعة العربية".
وفي الشأن اللبناني، أكد عبدالله، أن "الفلسطينيين، كما هو الوضع في سوريا، لا يريدون أن يكونوا طرفا في أي خلافات داخلية"، مشيرا الى "وجود قرار فلسطيني شامل برفع الغطاء عن أي مخل بأمن المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأن يسلم الى السلطات اللبنانية المختصة".
وتناول خلال الدردشة أيضا، ما يجري فلسطينيا على الساحة الدولية، مشيراً الى ان "منظمة التحرير كانت مصرة منذ البداية على عدم رفع سقف التوقعات بشأن الذهاب الى الأمم المتحدة"، وقال إنه "حتى لو تمكن الفلسطينيون من جمع 9 أصوات في مجلس الأمن ولم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" فإن ذلك لن يعني، إن حصل، أن الدولة الفلسطينية باتت واقعا موجودا، انما يجب ان يتواصل النضال بكل أنواعه: المقاومة وفق طبيعة المرحلة، والعمل الديبلوماسي".
وأشار، في هذا السياق، إلى أن "كل الدول العربية ضغطت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهدف إقناعه بعدم الذهاب الى نيويورك، وبعد أن ذهب وألقى خطابه هناك، أيده الجميع".
وشدد عبدالله على أن "منظمة التحرير صلبة في موقفها، وأن المعركة هي معركة عض أصابع "ونحن لن نصرخ، ونأمل أن يتحسن الوضع نحو الأفضل".
داخليا، أكد السفير الفلسطيني على "إصرار منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" على مواصلة المحاولات لإنهاء الإنقسام الداخلي"، مشيراً إلى أن "البعض في حركة "حماس" يقف ضد المصالحة لأنه يرى أن التحولات العربية هي لمصلحة التيار الإسلامي، وبالتالي لماذا يعطون التيار العلماني ما يمكنه مجددا من قيادة دفة العمل الوطني، وهذا خطأ كبير"، ولفت إلى أن "إسرائيل راهنت منذ أن انسحبت من غزة من طرف واحد، وإلى الآن على الإنقسام الفلسطيني".