الثلاثاء، 20 يوليو 2010

اللاجئ الفلسطيني في لبنان "مواطن" لأي دولة؟

المستقبل - الاحد 7 شباط 2010 - العدد 3561 - نوافذ - صفحة 10

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=392207

أنيس محسن
أثناء مشاركتي في مؤتمر "الرقابة على الإعلام في الدول العربية ودول حوض المتوسط" الذي نظمه مركز "سكايز" للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية يومي 29 و30 كانون الثاني (يناير) 2010، اطلعت على الدعوة الموجهة الى الصحافيين للمشاركة في مسابقة جائزة سمير قصير لحرية الصحافة، وهي جائزة يمنحها الاتحاد الاوروبي بالتعاون مع مؤسسة سمير قصير.
ما لفت نظري في الدعوة، الجهات المدعوة للمشاركة وهي، واقتبس النص: "إن المسابقة مفتوحة أمام صحافيي الإعلام المكتوب (الصحافة اليومية والأسبوعية والشهرية والإلكترونية) من مختلف الأعمار، على أن يكونوا مواطنين من الدول التالية: الأراضي الفلسطينية، الأردن، إسرائيل، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، تونس، الجزائر، سوريا، العراق، عمّان، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب، المملكة العربية السعودية، واليمن".
تساءلت لو أنني أردت أن أشارك في المسابقة، خصوصا وأنها بخلاف الكثير من المسابقات، لا تستثني من هم في سني (52 عاما) من المشاركة، فضمن أي فئة من الصحافيين مواطني الدول المدونين أعلاه أقع أنا الصحافي اللاجئ الفلسطيني في لبنان؟ وتحديدا هل أنا مواطن من الأراضي الفلسطينية علماً أني لا أملك جواز سفر السلطة الفلسطينية (بشقيها الفتحاوي في الضفة والحمساوي في غزة) وبالتالي فأنا لست مواطنا من تلك الأراضي، أم أنا لبناني كوني ولدت وترعرعت في لبنان من أب فلسطيني وجد لوالدي لبناني. هذا الخيار ايضا ساقط كوني أحمل بطاقة هوية (زرقاء) ووثيقة سفر (بنية) خاصتين باللاجئين الفلسطينيين وصادرتين عن السلطات اللبنانية المعنية بهذه الفئة من البشر.
قبل الإسترسال، أنا واثق من أن مؤسسة سمير قصير، الذي يحمل دما فلسطينيا وهوى فلسطينيا، لم ولن تقصد اقصاء أحد، وأن ممولي الجائزة، أي بعثة الإتحاد الأوروبي في لبنان، متعاطفة مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين المستدامة في لبنان، وأن النص من حيث النيات لم يستبعدني، لكن من حيث التسمية قد اقصاني عن غير قصد.
قبل نكبة 1948 بأقل من عشرين سنة هاجر جدي الى فلسطين منطلقا من قريته الجنوبية بعدما عاد من هجرة قادته في العام 1914 الى الأرجنتين، كون فلسطين في حينها كانت دولة متطورة اقتصاديا وجاذبة للمهاجرين الباحثين عن فرص للعمل أو الإستثمار. وجدي من الفئة الثانية، وهو في سنوات قليلة تزوج مجددا واستوطن قرية البصة الحدودية الفلسطينية واستملك مئات الفدادين من الأراضي المزروعة شجرا مثمرا وأراضي اخرى مخصصة للبناء. وحتى إنه كان يمتلك عقارا أجره لحكومة الانتداب البريطاني لانشاء مطار البصة العسكري. وبقي والدي يتسلم ايجار العقار حتى انتهى عقد الإيجار في العام 1964، بواسطة شيك بالبريد يصله من الحكومة البريطانية.
جدي اللبناني، توفاه الله باكرا، وكان خرج من فلسطين معدما ولجأ الى اقاربه في قرى راميا وشمع والجبين وطير حرفا الحدودية الجنوبية قبل ان ينتقل الى مدينة صور، حيث توفي بعد خمس سنوات من اللجوء الى وطنه الأول لبنان من دون أن تتحقق أمنيته بالعودة الى وطنه الثاني فلسطين، ومن دون ان يستخرج لأبنه الوحيد بين مجموعة من البنات، الجنسية اللبنانية، فصار الولد فلسطينيا وبقي كذلك الى مماته.
بكل الأحوال، ليس السرد الآنف بقصد كتابة مذكرات، بقدر ما هو مدخل إلى الحديث عن واقع لجوء يعيشه شعب فلسطين المضياف المتمسك بوطنه ولو كان ذكرى.
الفلسطينيون لم يستضيفوا جدي فقط، فثمة احصاءات تقول إن عدد الفلسطينيين الذين وصلوا الى لبنان بعد النكبة بلغ نحو 120 ألفا وأن نحو مئة ألف لبناني عادوا الى لبنان في الوقت نفسه وكانوا عمالا أو مستثمرين، مثل جدي، فحملوا مالهم وعادوا، لكن ليس مثل جدي الذي اشترى قبل النكبة اراضي بما كان يمتلك من سيولة نقدية وعاد خاوي الوفاض. وهم استعادوا جنسياتهم، خلافا لجدي الذي توفي قبل أن يدرك أن لا عودة إلى فلسطين.
بخلاف اللبنانيين في فلسطين، الذين استضافهم الفلسطينيون ولم يفرقوا انفسهم عنهم، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعانون تمييزا موصوفا، فلا يملكون حقا لولوج سوق العمل اللبنانية كونهم ممنوعين من العمل في عشرات المهن وخصوصا في المهن الحرة.
فالفلسطينيون يعتبرون بموجب القرار رقم 319 للعام 1962، الذي صدر عن وزارة الداخلية اللبنانية، فئة من الأجانب، وتنطلق معظم القوانين اللبنانية، والتي تنظم شؤون الأجانب، من مبدأ المعاملة بالمثل، وطالما لا توجد دولة فلسطينية تعامل اللبنانيين بالمثل، فإنّ اللاجئين الفلسطينيين، الموجودين في لبنان، لم يُعاملوا كأجانب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتوجب على اللاجئ الفلسطيني الحصول على إذن عمل قبل مزاولة أي مهنة، وفي الوقت ذاته يُحرم من ذلك، باعتبار أن لا دولة له لكي يسري عليه مبدأ التعامل بالمثل. ولم تشفع لهم مراسيم الوزيرين طراد حمادة ومحمد فنيش اللذين تواليا على وزارة العمل بعد العام 2005 وخففت من عدد المهن الممنوعة على الفلسطينيين بشرط حيازة اذن عمل، كما حذفت طلب الاعلان عن الوظيفة التي يتحصل عليها الفلسطيني لمدة 3 أيام في صحيفة مكتوبة، اذ في الواقع تقلص عدد اذون العمل الممنوحة للفسطينيين جراء الاستنسابية في تطبيق القوانين من جهة، ونتيجة أن اذن العمل يضيف تكلفة على رب العمل هو بغنى عنها.
كما منع اللاجئون الفلسطينيون مع مطلع القرن الواحد والعشرين من امتلاك شقة للسكن، كونهم أجانب من فئة خاصة، لا يحملون جنسية دولة معترف بها، وذلك بموجب القانون رقم 269/2001، الذي عَدّل القانون المنفذ بالمرسوم رقم 11614 تاريخ 4 كانون الثاني 1969 (إكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان)، وينص على: ٍ"لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها أو لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع احكام الدستور لجهة التوطين". فحرم الفلسطينيون ليس فقط من امتلاك منزل للسكن، بل حرم من كان امتلك منزلا وسجله من توريثه الى ابنائه من بعده، كون الوريث فلسطينيا!
وبمناسبة ورود ذكر للتوطين، فإن التعبير هذا صار صفة الشخصية النمطية الجديدة للفلسطينيين، أي عندما يذكر يتبادر الى ذهن المواطن اللبناني العادي أن الفلسطيني هو سارق أملاك ومتخل عن هويته ويستخدم من قبل اعداء لبنان الكثر لتغيير الخارطة السياسية فيه، علما أن حق السكن مضمون في كل الشرائع والقوانين وحرمان انسان منها اعتداء سافر على المجتمع الانساني كله.
ومن الشخصيات النمطية للفلسطيني، المتغيرة وفق المرحلة، انه كان عند اللجوء بعد النكبة، ذلك البائس الذي باع ارضه لليهود والفقير المعدم الجاهل الذي لا يملك ثمن ما يأكل او يلبس وبالتالي تجوز الحسنة عليه، فيما ان المتمولين الفلسطينيين جلبوا معهم عقب النكبة ما يوازي اليوم 15 مليار دولار من الاموال وأسسوا لعمل مصرفي حديث ولزراعة نوعية وشاركوا في النهضة العمرانية والتربوية، كونهم شعبا كان يتمتع بمستوى اقتصادي وتعليمي راق.
اما الشخصية النمطية الثانية فكانت الفدائي المنزل الذي لا يخطئ وهي شخصية انعكست سلبا على كل فلسطيني لاحقا بعدما ظهر انه انسان عادي يخطئ ربما اكثر مما يصيب.
بناء عليه، وضعت الشخصية النمطية الثالثة للفلسطيني عقب سنتي الحرب الأهلية بين 1975 و1977 وبات بسبب تدخل الفصائل الفلسطينية في اتون الخلافات اللبنانية الداخلية، قاتلا ومنحرفا ومجرما موصوفا وانه يريد ان يستولي على لبنان لاقامة دولة بديلة من فلسطين.
ولما اكتشف عقب الغزو الاسرائيلي للبنان في العام 1982 ان لا مؤامرة لوطن بديل كون اسرائيل المستفيدة من اعطاء الفلسطينيين وطنا بديلا هي التي قوضت تلك الشخصية النمطية بغزوها هذا، لجأ مصممو الشخصيات النمطية للفلسطيني بتصويره على انه متخاذل بائع للحق وللقضية من خلال عمليات التسوية السياسية، وتحت مسمى محاربة "العرفاتية" (نسبة الى الرئيس الفلسطيني الراحل وأحد مؤسسي الثورة الفلسطينية الحديثة ياسر عرفات) ضربت المخيمات وبات كل فلسطيني "عرفاتيا". لكن عرفات مات لاحقا محاصرا من قبل اسرائيل في ارضه التي عاد اليها عبر اتفاق اوسلو المثير للجدل، ومقتولا كما يصر غالبية الفلسطينيين على القول بأيد اسرائيلية عبر تسميمه، فاكتشف الجميع ان عرفات لم يكن خائنا وان ليس كل فلسطيني "عرفاتيا".
وكاد ان يكون الفلسطيني ارهابيا موصوفا بعد استيلاء "فتح الاسلام" على مخيم نهر البارد في ظروف لم يكن ما قيل فيها سوى نزر ضئيل من حقيقة تجري التعمية عليها من قبل الجميع من دون استثناء، لكن استفادة القيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني من سلسلة التجارب السابقة وفض يدهم من هذا التنظيم الارهابي المصطنع والمصنع، واخلائهم المخيم طوعا لتمكين الجيش اللبناني من النصر، منع مركبي الشخصيات من اعطاء الفلسطيني صفة نمطية من هذا النوع، فجيء بالتوطين كقناع لشخصية نمطية جديدة.
بين تلك الهويات النمطية كلها، ومع افتقاد الشخصية القانونية التي يؤكد عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وغياب التعريف القانوني في لبنان للفسطيني وعدم شمول فلسطينيي لبنان قانونيا ضمن فلسطينيي الاراضي الفلسطينية، ما هي الدولة التي يمكن ان تعتبر هذه الفئة من البشر مواطنة فيها؟
يحضر سؤال اخير مع السجال الذي دار حول الانتخابات البلدية وحق تصويت من هم في سن الـ18 وربط الأمر بإشراك المهاجرين، وتاليا طرح مسألة اعادة الجنسية للبنانيين المولودين في بلد اجنبي ولا يحملون الجنسية اللبنانية، فإذا اقر قانون يعيد الجنسية الى المهاجرين غير المشمولين في الاحصاء الفرنسي، هل يشمل ذلك اللبنانيين الذين كانوا هاجروا الى فلسطين وعادوا الى لبنان لكنهم لا يزالون يحملون الجنسية الفلسطينية؟ أم ان هذا سيكون ضربا من ضروب التوطين؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق