الثلاثاء، 20 يوليو 2010

ميدل إيست ريبورت": الصراع العربي الإسرائيلي يكلف واشنطن 3 آلاف مليار دولار

إسرائيل محور مساعدات الولايات المتحدة المالية لدول الشرق الأوسط وغايتها

المستقبل - الاثنين 25 آب 2003 - العدد 1382 - شؤون عربية و دولية - صفحة 15

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=25903

أنيس محسن
تعد مسألة المساعدات الاميركية الخارجية، ولاسيما المخصصة للصراع العربي الاسرائيلي مادة دسمة لدى الباحثين الاميركيين. وفي حين يستخدم صقور البيت الابيض من اليمين الديني المتطرف في الادارة الحاضرة مصطلح الحفاظ على المصالح العليا الاميركية لتبرير الانفاق على الانتشار الاميركي في العالم، الذي يمثل عبئاً على اقتصاد البلاد، فإن كثيرا من الباحثين يرون ان الانفاق الكبير من اموال الاميركيين في الصراعات الدولية، ولا سيما الصراع العربي الاسرائيلي، فيما الاقتصاد الاميركي يعاني من تراجع واختناقات حادة، هو انفاق بلا جدوى ولا يخدم تلك المصالح، كما لا يخدم الهدف المعلن في تغذية شرايين الاقتصاد الجافة من خلال خلق فرص عمل للشركات الاميركية في العراق. وفي هذا السياق يقول تقرير "واشنطن عن شؤون الشرق الاوسط" WASHINGTON REPORT ON MIDDLE EAST AFFAIRS ان العبء المالي على الولايات المتحدة جراء تدخلها المباشر في صراع الشرق الاوسط يقدر بنحو 3 آلاف مليار دولار. واللافت في التقرير، الذي يبتعد عن التوجيه السياسي المباشر، ان مضمونه يهدف الى اشعار القارئ، ولا سيما الاميركي، ان من العبث الاستمرار في دفع كل تلك الاموال الى ما لا نهاية، ويود لفت نظر هذا القارئ الى ان الصراع العربي الاسرائيلي يمثل لب السياسة الخارجية الاميركية، وان الدولة الاكثر استحوذا لتلك المساعدات هي اسرائيل، في اشارة الى الانحياز الكامل لهذه الدولة، ربما على حساب المصالح الاميركية نفسها، حيث يشير في غير مكان الى الخسائر الناجمة عن المقاطعة وإلغاء العقود والتي تُدفع ثمناً لهذا الانحياز، فيما ان اذكاء الصراع يضر المصالح الاميركية من خلال الارتفاعات الحادة في اسعار النفط اثناء الازمات. ويستشف مما بين السطور والارقام ان كاتب التقرير يدعو بشكل ضمني الى وضع حد للصراع في الشرق الاوسط، كون المساعدات التي تعطى الى الدول التي عقدت اتفاقات سلام مع اسرائيل اقل كلفة على الاقتصاد الاميركي من الخسائر الناجمة عن استمرار الصراع.
اعد توماس ر. ستوفر(*) تقريرا عن تكلفة الصراع العربي الاسرائيلي على الولايات المتحدة، صدر في تموز الماضي، جاء فيه ان تكلفة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني التي تقع على عاتق المواطن الاميركي تصل الى نحو 3 آلاف مليار دولار بقيمة الدولار في العام 2002. ويقول التقرير ان هذا الرقم اكبر بكثير من تكلفة الحرب الاميركية في فيتنام قياسا بقيمة الدولار في العام 2002 كذلك.
ويرى كاتب التقرير ان رقم 3 آلاف مليار دولار المتوقعة كتكلفة تقع على عاتق الولايات المتحدة هو اقل من الواقع كثيرا. ويقول ستوفر، "في الواقع لا يوجد رقم دقيق يمكن الاعتداد به، لا سيما اذا اخذ بالاعتبار نية الولايات المتحدة خفض اعتمادها على نفط الشرق الاوسط الزهيد الثمن ولجوءها الى مزودين تكلفة الانتاج لديهم اكبر منها في هذه المنطقة".
ويشير التقرير الى ان هذا التوجه بدأ بعد سنتي 1973 و1974 عندما استخدم العرب سلاح النفط في الصراع السياسي، وبلغت تكلفة القرار الاميركي تنويع سلة الولايات المتحدة من النفط نحو الف مليار دولار، وذلك بغية دعم اسرائيل وعدم تأثرها بأي اجراء مشابه يمكن ان يتخذه العرب. ويضاف الى هذا الرقم مبلغ 1.8 ألف مليار دولار مساعدات اميركية لإسرائيل بما فيها تقديم ميزات تجارية خاصة لها، وعقود تفضيلية، او تقديم مساعدات على شكل قروض. وفضلا عن هذه الارقام، فإن هذا الصراع يكلف الولايات المتحدة 275 الف فرصة عمل ضائعة سنويا (يلخص الجدول رقم 1 تقدير الحد الادنى للتكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة، فيما يتضمن الجدول رقم 2 تفاصيل عن تلك التكلفة). ومع اضافة بنود اخرى، فإن التكلفة الواقعة على الولايات المتحدة تلامس رقم 3 تريلويونات دولار. نحو 60% منها تقع عبئا على عاتق نفقات الدفاع وتبلغ 1.7 ألف مليار دولار، تتلقى اسرائيل من هذا المبلغ اكثر من النصف وذلك منذ حرب العام 1973 بين مصر وسوريا من جهة واسرائيل من جهة اخرى (انظر الجزء الاخير من الجدول رقم 3).
الحروب وازمات النفط
يقول التقرير ان البند الاكثر تكلفة بين بنود التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة بسبب الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو بند النفط، حيث يمكن تسجيل 6 ازمات امداد بالنفط رئيسية منذ الحرب العالمية الثانية، وفق تقرير "واشنطن ريبورت"، الذي يشير الى ان ذلك كلف الولايات التحدة 1.5 الف مليار دولار (مرة اخرى بقيمة الدولار في العام 2002)، ولا يتضمن هذا التكلفة الاضافية منذ العام 2001 وما تجمع من تكلفة خلال التحضير للحرب على العراق. وحتى العام 1991، كانت تتورط في كل ازمة من تلك الازمات دولتان او اكثر من دول الشرق الاوسط، وتتدخل فيه واحدة من القوى الكبرى على الاقل. وكل ازمة من ازمات النفط كانت تترك اثرا اكبر من سابقتها وتبدو اكثر جدية على المستهلكين العالميين.
لم يكن اثر ازمتي النفط في 1956 و1967 كبيرا على الولايات المتحدة، كما يظهر التقرير. وفي الواقع فإن الولايات المتحدة استفادت من ازمة العام 1956 عندما تأثرت السوق الدولية بتقطع امدادات النفط من الشرق الاوسط، كونها منتجة للنفط في حينه. وفي العام 1967 انحصر الاثر بارتفاع كلفة النقل بعد احتلال اسرائيل لقناة السويس، ومثل هذا الارتفاع الفارق بين سعر النفط قبل الحرب وبعدها. وفي الواقع فإن دول اوبك المنتجة للنفط استخدمت اغلاق قناة السويس من اجل زيادة سعر نفطها. لم يكن الأثر، مرة اخرى، كبيرا على الولايات المتحدة، التي كانت وارداتها الى ذلك الحين من الشرق الاوسط ضئيلة نسبيا. هذا الامر تغير بين سنوات 1970 و1973 حيث كلفت زيادة سعر النفط الوارد من الشرق الاوسط الولايات المتحدة نحو 40 مليار دولار (قياسا بسعر الدولار في العام 2002). ومع ذلك لم يكن الاثر كبيرا على الولايات المتحدة قبل العام 1973، ففارق تكلفة النفط لم يكن ذات اثر على واشنطن، كما ان مساعداتها لإسرائيل كانت معتدلة نسبيا، واستطرادا فإن تكلفة الصراع في الشرق الاوسط كانت معتدلة. وفي الواقع فإن زيادة العبء على دافع الضرائب الاميركي ظهرت بعد العام 1973، ولا سيما بسبب زيادة الدعم الاميركي المقدم لتركيا التي أُشركت كطرف حليف للولايات المتحدة في الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفياتي.
لقد ازدادت الاعباء المالية على الولايات المتحدة بعد العام 1973. بدءا بالحرب الاسرائيلية العربية في العام 1973، حيث تجاوزت التكلفة التوقعات العادية. وبعد العام 1973 عمدت الولايات المتحدة الى زيادة المبالغ المخصصة لحماية اسرائيل وكذلك المبالغ والهبات والمخصصات المقدمة الى بعض الدول لتوقيع معاهدات سلام مع اسرائيل مثل مصر والاردن.
تقدر التكلفة التي دفعتها الولايات المتحدة بعد حرب العام 1973 بين 570 مليارا والف مليار دولار، وكان ذلك ثمنا لبرنامج انقاذ اسرائيل من خسارتها حرب العام 1973، حيث صادق الرئيس ريتشارد نيكسون في ذلك الوقت على تزويد اسرائيل بالسلاح الاميركي، وهو امر دفع العرب الى فرض حظر على النفط. وكانت الكلفة مضاعفة على الولايات المتحدة: فمن جهة خسرت الولايات المتحدة بين 300 و600 مليار دولار من ناتجها القومي المجمل بسبب حظر النفط، وكذلك نحو 450 مليار دولار بسبب ارتفاع تكلفة استيراد النفط.
عامل ثالث اضيف الى التكلفة المتعلقة بالنفط الناجمة من حرب 1973 (تضاف الى عدة مليارات الدولارات من المساعدات الى اسرائيل التي بدأت في ذلك العام)، هو قرار الولايات المتحدة انشاء احتياط استراتيجي من النفط قدره مليار برميل لاستخدامها الخاص ومد اسرائيل بالنفط اذا حدث اي نقص في الامداد مماثل لما حصل في العام 1973. وبسبب ارتفاع سعر النفط في حينه، فإن ذلك كلف الولايات المتحدة 134 مليار دولار. وبشكل عام فإن ازمة النفط في العام 1973 كلفت الولايات المتحدة مبلغا يقدر بين 900 مليار و1.2 ألف مليار دولار. ومن السخرية ان التكلفة العسكرية لم تكن ذات قيمة اذا قيست بالتكلفة الناجمة من ازمة النفط، حيث ان التبعات كانت اقتصادية اكثر مما هي عسكرية.
ازمة النفط الثانية كانت اقل تكلفة اقتصادية، وفق تقدرات معد التقرير. فقد كلفت الثورة الايرانية والحرب العراقية الايرانية التي اعقبتها الولايات المتحدة 335 مليار دولار بسبب زيادة تكلفة استيراد النفط. وحدث ذلك على مرحلتين، المرحلة الاولى تمثلت بانقطاع بلغ 5 ملايين برميل في اليوم من وقف الصادرات الايرانية عندما اغلق النظام الذي قام بعد الثورة مصبات النفط في العام 1978، وهذا ضاعف سعر النفط. بعد عامين، اي في 1980، مع بدء الحرب العراقية الايرانية، التي عطلت امدادات النفط في الدولتين، زاد السعر اكثر من الضعف مرة اخرى. هذان الحدثان كلفا الولايات المتحدة 335 مليار دولار بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد. وتسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد في ارتفاع سعر المشتقات في السوق المحلية، الامر الذي يجعل تقدير التكلفة بحدود 335 مليار دولار في الحد الادنى. وبإضافة زيادة التكلفة على المستهلك فإن الرقم قد يتضاعف.
كانت التكلفة في حرب الخليج 1990/1991 اقل كثيرا ولم تتجاوز مبلغ 80 مليار دولار نجمت عن زيادة سعر النفط عالمياً وزيادة تكلفة الاستهلاك في الداخل. ويمكن ان يُعزى انخفاض تلك التكلفة الاضافية الى تقاسم الاعباء بين الدول الحليفة التي شاركت بالحرب على العراق في حينه.
لقد جعلت مساهمة دول مثل المانيا واليابان وبعض دول الخليج في تمويل الحرب التكلفة العسكرية الاميركية للحرب عند حدود الصفر، وفيما كانت التكلفة المعلنة رسمياً والتي تكفلها الحلفاء هي 45 مليار دولار، فإن التكلفة، وفق التقارير الرسمية الاميركية، هي 49 مليار دولار. لكن الارقام الواردة في الموازنة لم تلحظ هذه التكلفة، لا بل على العكس من ذلك فإن الموازنة لحظت فائضا، لا سيما ان الحكومة جمعت مبالغ اضافية من ضريبة الحرب ومن فرق الضريبة الناجم من ارتفاع سعر المشتقات النفطية والغاز محليا بلغت 10 مليارات دولار.
المساعدات العسكرية والاقتصادية
يتضمن بند "المساعدات العسكرية والاقتصادية" التي يناقشها التقرير، المبالغ الرسمية المخصصة للمساعدات الاجنبية فقط، من دون احتساب المساعدات والهبات الخاصة. وتبلغ المساعدات المخصصة للشرق الاوسط 867 مليار دولار (تتضمن هذه الفئة المساعدات المقدمة الى اليونان وتركيا التي تصنف في الجزء المخصص لأوروبا في الاحصاءات الاميركية). وتضاف اليونان الى عملية المساعدات الخارجية لأن اللوبي العامل لمصلحة اليونان يضغط باتجاه ان تتلقى اثينا ما يماثل 70% من المساعدات المقدمة الى تركيا كشرط للموافقة على المساعدات المقدمة الى تركيا. وتعطي هذه المساعدات للولايات المتحدة دينامية في التحرك السياسي المرتبط بالاوضاع في الشرق الاوسط.
وفي هذا السياق فإن التقارير عن المساعدات الخارجية تعد غير شفافة. فأولا هناك ضرورة لتوضيح حجم المساعدات الخاصة المخصصة لإسرائيل، التي لا يلحظها برنامج المساعدات الخارجية الرسمية. وثانيا من الضروري ان تلحظ التقارير ذات الصلة بالتحويلات الخاصة المرتبطة بالوضع في الشرق الاوسط مثل اموال الدعم المقدم الى المتمردين في السودان، والمساهمة في المساعدات الدولية الى تركيا، بغية ايضاح الصورة الكاملة للمساعدات الخارجية. فالمساعدات "الانسانية" المقدمة الى المتمردين في جنوب السودان تبلغ ملياري دولار، فيما حصة الولايات المتحدة من المساعدات المتعددة التي تقدم عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الى تركيا يمكن تقديرها بنحو 7 مليارات دولار. ويمكن الزعم ان هذا المبلغ رصد لتركيا بضغط مباشر من الولايات المتحدة مكافأة لها على تعزيز تحالفها مع اسرائيل وبغية تحفيز انقرة على ابداء تعاون اكبر في المسألة العراقية.
وكذلك يمكن ادراج المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الي دول مثل اثيوبيا والصومال واريتريا، في سياق الجغرافية السياسية، في اطار المساعدات المخصصة للشرق الاوسط في اطار الخطط الاميركية المتعلقة بهذه المنطقة من العالم. ويمكن كذلك الربط جزئيا بين المساعدات المخصصة للديمقراطيات الناشئة في آسيا الوسطى وبين السياسة الشرق اوسطية للولايات المتحدة الهادفة الى عزل ايران. هذا كله يمكن ان يوضع على الخارطة الكبرى للمساعدات الاميركية في الشرق الاوسط.
ولا تحتسب المساعدات الخاصة الى اسرائيل من ضمن برنامج المساعدات الخارجية الرسمي. ولم يجرِ ان عُين في اي وقت من الاوقات حجم تلك المساعدات علنا. وتتيح الولايات المتحدة لإسرائيل تعاملا خاصا في تغطية القروض والعقود للشركات الاسرائيلية، وتزودها بشكل رسمي او غير رسمي بالسلاح وبالتكنولوجيا العسكرية الحديثة، كما ان الحماية التجارية للسلع والمنتجات الاميركية لا تقع في نطاق استيراد السلع الاسرائيلية التي لا تطبق عليها قوانين الحماية، هذا فضلا عن التخفيضات الكبيرة لأسعار السلاح الذي يباع لإسرائيل بشكل رسمي. ومن المساعدات التي تصب مباشرة في مصلحة اسرائيل كذلك، ولا تحتسب في هذا السياق، المساعدات التي تقدمها واشنطن الى كل من رومانيا وروسيا لتسهيل هجرة اليهود الى اسرائيل، وتبلغ في مجموعها عدة مليارات من الدولارات. ويقدر مجموع المساعدات غير الرسمية المقدمة من اليهود في الولايات المتحدة الى اسرائيل وكذلك المشتريات الاميركية للسندات الاسرائيلية بنحو 40 مليار دولار. ويبلغ تقدير الحد الادنى للمساعدات الاضافية الى اسرائيل بنحو 100 مليار دولار منذ العام 1973.
لقد تركت السياسة الاميركية الداعمة لإسرائيل اثرا سلبيا في حجم فرص العمل في السوق الاميركية وفي حجم الصادرات، وهي تضاف كذلك الى الاكلاف والخسائر السابقة. فمع تدهور العلاقات الاميركية مع دول الشرق الاوسط، كان التبادل التجاري يشهد انتكاسة. وقادت العلاقات السياسية المتدهورة الى خسارة مئات آلاف فرص العمل في الولايات المتحدة. بعض فرص العمل تلاشت بسبب سياسة العقوبات التجارية، وبعضها الآخر بسبب الغاء عقود كثيرة للشركات الاميركية بتدخل مباشر من اللوبي الاسرائيلي، مثلما حدث مع عقود مع المملكة العربية السعودية في ثمانينيات القرن الماضي، وبعضها الثالث بسبب النمو الخطير لعملية موازنة الميزان التجاري مع اسرائيل، ولمصلحة الاخيرة.
ويُقدر التقرير عدد الوظائف التي تلاشت في الولايات المتحدة بسبب اجراءات المقاطعة لدول مثل ايران والعراق وليبيا وسوريا بما بين 80 ألفاً و100 الف وظيفة سنويا. وقد يكون هذا الرقم اقل من الحقيقة، اذ ان فرص العمل الضائعة كثيرة، ليس اقلها انعدام قدرة المزارعين على تصدير منتجاتهم الى اسواق الدول التي تقاطعها الولايات المتحدة.
قد لا تعني العلاقات الجيدة بين الولايات المتحدة وبعض الدول توسعا في سوق العمل الاميركية، وتحديدا في المثال الاسرائيلي، اذ ان العلاقات الجيدة هذه تنعكس سلبا على سوق العمل الاميركية بسبب التعامل التفضيلي مع السلع الاسرائيلية التي تدخل السوق الاميركية بغض النظر عن اجراءات الحماية الاميركية. ويُقدر التقرير ان الخسائر التي تلحق بالولايات المتحدة من المساعدات التي تقدمها الى اسرائيل اكبر من الخسائر الناجمة من فرض مقاطعة اقتصادية على بعض الدول. فإسرائيل تصدر الى الولايات المتحدة اكثر بكثير مما تستورد منها، ولا يوازي ما تشتريه شيئا مقارنة بالمساعدات التي تتلقاها من الولايات المتحدة. فالمساعدات تلك تقدر بمبلغ يراوح بين 6 و8 مليارات دولار سنويا ويكلف الولايات المتحدة نحو 125 الف فرصة عمل.
ويُعين التقرير عنصرا وحيدا لمصلحة اقتصاد الولايات المتحدة في المنطقة، هو مشتريات دول الخليج من السلاح الاميركي، لا سيما السعودية، وهي مشتريات توظف نحو 60 الف اميركي سنويا. لكن هذا العنصر يرتبط بطبيعة العلاقة بين الرياض وواشنطن، وهنا يظهر التقرير خطر الضغوط الاسرائيلية على الولايات المتحدة للإساءة الى العلاقات بين الاميركيين والسعوديين، وهي ضغوط تكلف الولايات المتحدة عشرات آلاف الوظائف.
ولا يقوِّم التقرير سياسة الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة تقويما ايجابيا بالنسبة للولايات المتحدة، بل يعده احد عناصر التكلفة الاضافية. ويقول ان برنامج الاكتفاء الذاتي من الطاقة كان مكلفا جدا منذ ان اطلق في السبعينيات. فاستيراد النفط في الوقت الحاضر اكبر بكثير من حجم الواردات في السابق، فيما تغيب اجراءات تعويض انخفاض الانتاج المحلي، من خلال خفض الاستهلاك مثلا، ولا تقدم الحلول التكنولوجية الوافية لزيادة انتاج الطاقة في الولايات المتحدة من الآبار التي جرى استغلالها سابقا. ويشير التقرير الى عدم وجود تقدير دقيق للتكلفة الناجمة من ذلك. لكن التقديرات تشير الى انها تبلغ 285 مليار دولار، علما ان التقدير الحقيقي قد يزيد كثيرا عن هذا الرقم، ويمكن وضع رقم يناهز الألف مليار دولار اذا وضعت معايير دقيقة للحسابات، علما ان الارقام الموثقة هي جزئية ولا تفي بالغرض. وفيما كانت المساعدات الحكومية تحجب تحت مسوغ مصلحة الامن القومي، فإن دعم البرامج والمشاريع كان في معظم الحالات بيد اعضاء في جماعات الضغط (اللوبي) المحلية. وفي حين ان الاهداف القومية المعينة ارتكزت على خفض الاعتماد على نفط الشرق الاوسط، فإن التكاليف كان يجب ان تدرج ضمن تكاليف التعامل مع الصراعات الاقليمية، حتى وان كانت البرامج غير ذي تأثير كبير.
ويخالف تقرير "ميدل ايست ريبورت" الرأي القائل بأن الدفاع عن منطقة الخليج يعد عنصرا مكلفا جدا، ويقول ان واقع الحال يشير الى انه عنصر قليل التكلفة. ويوضح التقرير، ان باستثناء تكلفة عملية الإعداد لغزو العراق في العام 2002، فإن الارقام الرسمية تشير الى ان تكلفة العمليات والتواجد في الخليج راوحت بين 30 و40 مليار دولار في السنة. ويرى التقرير ان هذا الرقم مخادع، اذ ان القوات المولجة بهذه المهمة والتي تتخذ من دياغو غارسيا مقرا لها مولجة كذلك بمهام في مناطق اخرى في العالم، وبالتالي فإنها غير مرتبطة بشكل كلي بسياسة الولايات المتحدة في منطقة الخليج بذاتها. ويقدر التقرير ان التكلفة لا تتجاوز في اكثر الحالات مبلغ ملياري دولار في السنة، باستثناء التكاليف المرتبطة بغزو العراق.
ويخلص التقرير، الى ما يمكن اعتباره نسفا لكل الادعاءات الرسمية الاميركية، الى ان التكلفة الكبرى ترتبط بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل. ويدعو التقرير الى ضرورة عزل تلك العناصر بعضها عن البعض الآخر بغية التوصل الى رقم دقيق وحقيقي. ويقول ان التكاليف المجملة الحقيقية، باستثناء تكاليف الازمات، تبلغ 800 مليار دولار، وتتضمن المساعدات الاميركية لكل من مصر والاردن، والتي هي مساعدات اصلا مرتبطة بدعم اسرائيل اولا واخيرا. ويعطي مثلا على ذلك ان تلك المساعدات اشترطت توقيع معاهدات سلام مع اسرائيل بما يؤمن سلامة حدود الدولة العبرية مع جارتين عربيتين. وتتضمن التكاليف ايضا دفق الدولارت من المنظمات اليهودية او من شخصيات يهودية منفردة في الولايات المتحدة، وهي مبالغ تستنزف ميزان المدفوعات الاميركي، اذا اضيفت الى المبالغ التي تدفع رسميا من قبل الحكومة الاميركية. ويقدر التقرير ان عملية انقاذ اسرائيل في العام 1973 كلفت الولايات المتحدة ألف مليار دولار اضافي، بما يجعل مجمل عبء دعم اسرائيل على الولايات المتحدة نحو 1.8 ألف مليار دولار.
ويشدد تقرير "ميدل ايست ريبورت" على وجود بنود اخرى لتكلفة دعم اسرائيل مثل المساعدات المالية لاثيوبيا ودول وسط آسيا وغيرها وبرنامج حماية دول الخليج تضاف الى المساعدات المباشرة لإسرائيل التي تقدر بنحو 3 مليارات دولار اضافية، وهي بالطبع خارج منظور النقاش في الولايات المتحدة.
اما الاجراء الذي اتخذه وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسنجر في العام 1975 لتأمين تدفق النفط من المخزون الاميركي الى اسرائيل عند الحاجة، فيقدر التقرير انه يكلف الناتج القومي الاميركي المجمل خسائرتبلغ 3 مليارات دولار شهريا عند حدوث ازمات.
تكلفة عدم الاستقرار
يرى تقرير "ميدل ايست ريبورت" ان تكلفة عدم الاستقرار في الشرق الاوسط ثبت انها مكلفة كثيرا لخزينة الولايات المتحدة. اذ من المعروف ان معظم الدعم الخارجي الذي تقدمه الولايات المتحدة يذهب الى اسرائيل ومصر، فيما ان رقم التكلفة الناجمة من الصراع في المنطقة يفوق كثيرا رقم المساعدات الخارجية للمنطقة. ويشير الى ان الدعم الحقيقي الذي يقدم لإسرائيل يفوق 6 اضعاف رقم المساعدات المعلن عنه رسميا. ويعطي مثلا ان ارتفاع اسعار النفط المتعلقة بالتوتر في الشرق الاوسط في السنوات الثلاثين الاخيرة ثبت ان كلفته عالية جدا. وكذلك فإن المساعدات التي كانت ترصد لدول مثل تركيا، لم يجر تسديدها كاملة في اي وقت، الا خلال الازمات في منطقة الشرق الاوسط. فأنقرة، على سبيل المثال، تطالب بمبلغ 30 مليار دولار تقول انها خسرتها جراء الحرب على العراق.
وتطالب اسرائيل بدورها، بمبلغ 4 مليارات دولار دعما عسكريا اضافيا و10 مليارات دولار ضمانات قروض، اضافة الى المستوى الحاضر للمساعدات االتي تقدمها الولايات المتحدة لها. وهكذا فإن الصراع في الشرق الاوسط اصبح باهظا جدا على كاهل دافع الضرائب الاميركي.
ويتناول التقرير باقتضاب في الختام التكلفة التي تقع على عاتق الدول المستهلكة للنفط، واذ يشير الى ان الدعم المالي المباشر الذي تقدمه هذه الدول اقل من حجم الدعم الاميركي (يفوق انفاق الولاي المتحدة المباشر في المنطقة 800 مليار دولار وفق الارقام الرسمية)، يقول ان التكلفة غير المباشرة التي تقع على هذ الدول كبيرة، وهي ناجمة اساسا من ارتفاع اسعار النفط، الذي تستورد منه اكثر كثيرا من المقدارالذي تستورده الولايات المتحدة. وقد تصل بمجملها الى ضعفي او اربعة اضعاف العبء الذي تتحمله الولايات المتحدة. ويخلص التقرير الى ان تلك الدول مجتمعة تتحمل عبئا كبيرا جراء استمرار الصراع في الشرق الاوسط.

(*) توماس ر. ستوفر هو مهندس واقتصادي مقيم في واشنطن وقد درّس اقتصاديات الطاقة في الشرق الاوسط في جامعة هارفرد ومعهد الخدمات الخارجية التابع لجامعة جورجتاون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق