الاثنين، 15 يوليو 2013

بين "فتح" و"حماس" ما لم تصنعه مصر *



====== أنيس محسن

في مدى عام واحد انقلبت الأدوار في مصر، وانعكست سريعاً على الوضع الفلسطيني، خصوصاً بين حركتي "فتح" و"حماس"، إذ فيما كانت "حماس" بين نهاية حزيران 2012 ونهاية حزيران 2013 تستقوي بحكم "الإخوان المسلمين" في مصر وتتكئ على حكمهم في تونس، وتسهم في شد أزر "الإسلاميين" في الحرب الدائرة في سوريا، وتستعلي على "فتح" وغيرها من فصائل العمل الوطني الفلسطيني، أصبحت بعد نهاية حزيران 2013 موضع مساءلة في الشارع المصري وكذلك من قبل حركة "فتح".
وحقيقة، لا يبدو استقواء "حماس" بنجاحات "الإخوان" أمراً خارجاً عن المنطق، ففي المادة 2 من ميثاق الحركة أن "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة وفي باقي مجالات الحياة".[1]
كما أن ظروف تولي "حماس" سدة السلطة (المفرغة من مضمونها) فلسطينياً، تشبه كثيراً الظروف التي تولى فيها "الإخوان" الحكم في مصر وتونس، وقد كانت "حماس" سبّاقة زمنياً في الوصول إلى الحكم.
كانت "السلطة" الفلسطينية قد بلغت حداً كبيراً من الترهل والفساد، سواء من قبل الحاكم "الرسمي" (فتح)، أو من قبل المعارضة "الرسمية" (يسار منظمة التحرير)، يعيد كثيرون أسبابه الأولى إلى تحول منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، الموالية والمعارضة، لما يشبه دولة في قلب دولة خلال السيطرة الفلسطينية على جزء كبير من لبنان بين 1975 و1982، مباشرة أو بالواسطة عبر حلفاء لبنانيين، وتدفق الأموال الطائلة على المنظمة ككيان سياسي رسمي ممثل للفلسطينيين، أو على الفصائل الموالية و/أو المدعومة من قبل دول مؤثرة (خصوصا العراق وسوريا وليبيا)، وبناء مؤسسات عسكرية وأمنية وسياسية وإعلامية وثقافية ومالية فوق الأراضي اللبنانية، بحيث باتت المنظمة ومختلف الفصائل أرباب عمل يوظفون آلاف من اللبنانيين والفلسطينيين ومن جنسيات عربية وغير عربية، وما يرافق مثل تلك الهياكل السلطوية من فساد مالي واداري وثقافي متعدد الأوجه. أما الأسباب اللاحقة والقاتلة، فتمثلت بانتقال السلطة الفلسطينية من دولة داخل دولة في لبنان، إلى وهم دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة اعتبارا من سنة 1994 بعد توقيع اتفاق اوسلو في 1993، وبناء هياكل دولة في الضفة والقطاع من دون قاعدة اقتصادية صلبة، إنما عبر بنية مالية هشة تمثلت بتدفق أموال من الولايات المتحدة والدول الغربية ودول عربية، وتوظيف آلاف الفلسطينيين في مؤسسات السلطة الفلسطينية الأمنية وغير الأمنية، ما زاد من اعتماد الفلسطينيين على ما يتلقونه من مرتبات ترتبط أساسا بما يقدم من هبات، إلى درجة أن موازنات السلطة الفلسطينية كانت تتم مراجعتها وتدقيقها من قبل الدول والهيئات والمنظمات المانحة. وبالتالي توجيه ضربة قاتلة إلى ما تبقى من القطاعات الاقتصادية المنتجة، التي أضعفتها إسرائيل بعد احتلالها الضفة والقطاع في 1967 إلى أقصى الحدود. وقد كان الفساد المالي والإداري السمة الناظمة لعمل مؤسسات السلطة الفلسطينية. وتحولت حركة "فتح" من حركة تحرر قائدة للكيان السياسي ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية، الى حزب حاكم لسلطة أشبه بحكم إداري، وما يعنيه ذلك من فساد وإفساد، لم تُستثن منه فصائل يسار منظمة التحرير، التي مثلت معارضة رسمية تحيا على هامش انتقادها الدائم للسلطة واعتمادها على ما تقدمه تلك السلطة من أموال.
تمكنت "حماس" من الوصول الى السلطة في انتخابات سنة 2006، وسط هذه المناخات، مضافاً إليها الهجمة الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية اعتباراً من سنة 2000 عندما قام إرييل شارون بزيارة استفزازية للمسجد الأقصى وتسبب باندلاع الانتفاضة الثانية، وخصوصاً مع وصوله إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية في شباط 2001، والإنقلاب على اتفاق أوسلو الذي تأسس عقب اغتيال أحد رواده الإسرائيليين، اسحق رابين، في تشرين الثاني 1995، وتدمير السلطة الفلسطينية خلال ما يعرف بعملية "السور الواقي" في 2002. واكتساح "حماس" بالتالي مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني وتشكيلها أول حكومة للإخوان المسلمين، مستفيدة من ترهل حركة "فتح" وإفساد السلطة لها، والتنافس بين قياداتها وكوادرها على المناصب وعدم قدرتها على المشاركة في قوائم موحدة خلال الانتخابات تلك، وعدم تمكن فصائل المنظمة، اليسارية، من تكوين البديل عن "فتح"، فيما كانت "حماس" الجهة الأكثر تنظيماً وقدرة على وراثة "فتح".
ومثلما تُتهم "حماس" بأنها أسهمت بتقويض السلطة الفلسطينية بين 1994 و2006 عبر سلسلة من العمليات الانتحارية التي ضربت العمق المدني لإسرائيل، وشكلت منطلقاً لليمين الإسرائييلي للانقلاب على اتفاق اوسلو وتنظيم عملية "السور الواقي" التي دمرت القدرة الأمنية للسلطة الفلسطينية، فإنها تتهم أيضاً بتقويضها المرجعية السياسية للسلطة الفلسطينية برفض حكومتها الاعتراف بإسرائيل، ما جعل الدول الضامنة لتلك المرجعية تمارس ضغوطاً شديدة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عبر خفض المساعدات المالية إلى الحد الأدنى وتفرض حظراً على التعامل مع حكومة "حماس" التي شكلها إسماعيل هنية، كونها ترفض العملية السياسية المنبثقة عن اتفاق أوسلو وترفض الاعتراف بإسرائيل.
واجهت حركة "حماس" الضغوط المتعددة عليها بتحويل الصراع من فلسطيني ـ إسرائيلي، إلى فلسطيني ـ فلسطيني، فخاضت حرباً طاحنة مع "فتح" وأجهزة السلطة الفلسطينية، في حزيران 2007، انتهت بسيطرتها الكاملة على قطاع غزة وطرد "فتح" منه. بفعل هذه التطورات، باتت السلطة الفلسطينية اعتباراً من 2007 سلطتين، فعمدت إسرائيل إلى استغلال الوضع بمزيد من الضغط على حكومة رام الله والرئيس محمود عباس سياسياً ومالياً، ونظمت عمليتين عسكريتين ضد قطاع غزة، الذي فرضت عليه حصاراً محكماً، وذلك في سنتي 2008 و2012.
خلال الأزمة في غزة، تقلّبت سلطتان في مصر. سلطة مبارك ثم سلطة "الإخوان". في الحرب الأولى توسط نظام مبارك لهدنة بين إسرائيل و"حماس" وكانت سلطة رام الله جزءاً من العملية وإن لم تكن أساسية، وفي الحرب الثانية توسط نظام "الإخوان" بين إسرائيل و"حماس" واستبعدت رام الله من العملية، وللمرة الأولى سجل اعتراف من قبل "حماس" بإسرائيل وأن مداورة، وأقرت "حماس" بمسؤوليتها عن منع أي "اعتداء" على إسرائيل.
وكان نظام مبارك أشرف منذ الانقسام الفلسطيني بين "حماس" و"فتح" على سلسلة من المحاولات الهادفة إلى رأب الصدع، كما تدخلت المملكة العربية السعودية وتوصلت إلى ما عرف باتفاق مكة الذي يشار بالبنان الى أن "حماس" هي من خرقته، عندما كانت جزءاً من جبهة "الممانعة" وصديقة لنظامي الأسد في سوريا والولي الفقيه في إيران، وبدعم من "جبهة الممانعة"، وهو ما يفسر الجفاء بين المملكة و"حماس".
اعتُبرت "حماس" مكونا أساسيا من مكونات جبهة "الممانعة" حتى سقوط نظام مبارك في مطلع 2011 واندلاع الثورة ضد بشار الأسد في سوريا، حين اتخذت موقفاً مؤيداً ضمنياً للثورة ومحايداً إعلامياً قبل أن تعلن مساندتها للثورة ضد الأسد. بل وتنخرط ميدانياً إلى جانب الثوار وإن بشكل غير معلن، عندما نجح "إخوان مصر" في إيصال محمد مرسي إلى سدة الرئاسة المصرية وفازوا مع حلفائهم الإسلاميين بغالبية مقاعد البرلمان، مستفيدين من تشتت القوى الليبرالية والعلمانية والشبابية.
وفيما كانت عقدت اتفاقات عدّة بين "فتح" و"حماس" لرأب الصدع، بوساطة قطرية هذه المرة، فإن وصول الإخوان إلى السلطة في مصر وقبلها في تونس، وتكبير دور القوى الإسلامية في الثورة السورية عبر تسليحها على حساب الضباط العلمانيين في "الجيش الحر"، شكل حافزاً لـ"حماس" مجدداً للتملص من الاتفاقات مستقوية هذه المرة بفقاعة نجاحات "الإخوان"، وخصوصاً في مصر.
ومع دخول مصر موجة ثانية من التغيير في غضون سنتين، وخروج ملايين المصريين في 30 حزيران 2013 مطالبين برحيل مرسي، وتدخل الجيش المصري للمرة الثانية وعزل مرسي، انقلبت الأدوار، وباشرت "فتح" بإصدار البيان تلو البيان موجهة انتقادات حادة لـ"حماس" واتهامات لها بتقويض المصالحة، وبإيذاء الفلسطينيين عبر التدخل في مصر وفي سوريا.
إن ما يمكن استنتاجه من قراءة لمسيرة العلاقة بين "فتح" و"حماس" تقود إلى خلاصة بأنه على الرغم من محورية الدور المصري، إلا أن تلك العلاقة غير السويّة، ليست مسؤولية السلطة المصرية، بغض النظر عمّن يستقر في قصر الرئاسة في القاهرة، بل هي تعود إلى اقتناع "جماعة الإخوان المسلمين" أن "فتح" خرجت، عندما تأسست في نهاية خمسينيات القرن الماضي كتنظيم سري قبل اشهار انطلاقتها العلنية في 1965، من رحم "الإخوان" ورمت عنها عباءتها لتلبس عباءة علمانية، في دور يشبه كثيراً ما حدث بين الجماعة والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. فناصب "الإخوان" في غزة "فتح" العداء، كما ناصبوا العداء لكل القوى العلمانية، وأمثلة الصدام كثيرة وتسبق مرحلة التسعينيات ومطلع القرن 21، إلى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي. وعندما تحولت "الجماعة" إلى حركة مقاومة باسم "حماس" لم تكن على ود كامل مع باقي الفصائل، وإن ركزت جهودها بداية على محاربة إسرائيل، ولكن عندما قوي عضدها نفذت استدارة كاملة وحسمت بالقوة سلطتها واستقلت بقطاع غزة، إمارة إسلامية غير معلنة.[2]


 
* نشرت المقالة في جريدة المستقبل - الثلاثاء 16 تموز 2013 - العدد 4748 - شؤون عربية و دولية - صفحة 15

[1]   راجع الموقع  الإلكتروني "وكيبيديا الاخوان المسلمون" http://www.ikhwanwiki.com على الرابط:

[2]  للاطلاع على العلاقة الملتبسة بين "فتح" و"حماس" راجع: سعود المولى، "فلسطين بين الإخوان وفتح"، مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 93، شتاء 2013، ص 138 – 171، وللمزيد عن ظروف تأسيس "حماس" راجع أيضا: سعود المولى، "المقاومة الإسلامية في فلسطين: التباسات البدايات، واقعية المسارات"، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 95، صيف 2013، ص 56 – 74.

السبت، 13 يوليو 2013

عن "المقاومين" و"الممانعين" الـ"فايسوكيين" في المهجر البعيد



أنيس محسن

أقرأ بوستات كثيرة، على "الفايسبوك"، لأصدقاء/صديقات و/أو رفاق/رفيقات - ولأشخاص أعرفهم/ن بالوجه أو بالاسم لكن لم يكونوا من أجوائي - وكلهم من زمن البندقية الفلسطينية في لبنان - أرى أنهم/ن لا يزالون يقبعون في أجواء ومناخات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يرون العالم كله من فوهة بندقية. المفارقة البسيطة أن كل هؤلاء مغتربون في العالم الجديد، في أستراليا أو الأميركيتين، ويريدون أن يعلموننا ويتأستذوا علينا - نحن الذي عشنا زمن البندقية والانكسارات والضياع واعادة تجميع الذات وصقلها مجددا، بشكل وعي جديد يجمع الماضي والحاضر ويؤسس للمستقبل. 

إنهم يرون فينا متخاذلين وحتى عملاء لمجرد أننا ننتقد ما يرون أنها "مقاومة" و"ممانعة" في لبنان وغزة وسوريا وربما في ليبيا معمر القذافي وعراق صدام حسين ويمن علي عبدالله صالح... 
في زمن البندقية تلك كان العالم كله يُرى من فوهة بندقية - كانت البندقية ديكتاتورنا الذي نعبده... فنتماها مع عبودية إرادوية، أو نسكت خوفا من أننا إذا ما تكلمنا وانتقدنا، سوف ننعت بـ"المثقفين الجامعيين النيئين" أو "البرجوازيين الصغار".
نحن الذين حملنا البندقية، وعبدناها كإله واعتبرناها نبياً معصوماً، أو خشينا البوح بإلحادنا بها في بيئة عبدت صنم البندقية، اكتشفنا، بعد ان بقينا في أمكنتنا وعشنا تطوراتها وأدركنا تشوهنا السابق، وعرفنا أن كهنة البندقية، لنقل معظم هؤلاء الكهنة، كانوا أنبياء كذّابين، وكنّا نحن أغبياء منقادين مستعبدين بإرادتهم أو خوفاً من بيئتهم، وأن كهنة البندقية وأنبيائها ليسوا سوى تجار دم ومال...
"مقاوموا" و"ممانوعوا" المهجر أولئك، ربما يعيشون حالة نفسية سيئة، خصوصا أنهم لم يستطيعوا الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة تلك، فعاشوا غربة جسدية وذهنية واجتماعية، تجعلهم يهذون بزمن البندقية "الإله".
نحن يا "مقاومي" و"ممانعي" المهجر، من يعيش على حد السكين وليس انتم. نحن من بقينا هنا ولم نغادر ولم نعش حالة انفصام، فأعدنا اكتشاف أنفسنا وبيئتنا، وجلنا في ماضينا "الملموس" والحقيقي ومشينا على درب آلامنا، وابتعدنا عن وهمكم وهذيانكم، وقررنا تعديل مسارنا، وليس انفصالنا عن ماضينا... 

فابقوا في هذيانكم المنتمي الى فعل ماض منفصل عن الواقع، واتركوا لنا حرية الحاضر وتأسيس المستقبل على أرضية صلبة ومادية وملموسة، اتركونا نعيش لذة الحزن والفرح، والهزيمة والنصر، والزهو والانكسار، واسبحوا انتم في حاضركم الوهمي وماضيكم البوهيمي، وفي فضاء لا مستقبل فيه.

الأربعاء، 10 يوليو 2013

رابع احتمالات "حزب الله" الثلاثة بشأن انفجار الضاحية


أنيس محسن
نقلت جريدة اللواء في عددها الصادر يوم الأربعاء 10 تموز 2013، عن مصادر في حزب الله وضعها ثلاثة احتمالات حول تفجير بئر العبد، متجاهلة احتمالا رابعا قد يكون أكثر واقعية، ويستأهل ان يؤخذ بالاعتبار، وقبل عرضه نستعيد احتمالات الحزب الثلاثة، وفق اللواء:
- الأول أن تكون إسرائيل في مقدمة المتهمين، مستفيدة من الجو التحريضي الانقسامي لزيادة الشرخ بين السنّة والشيعة.
ـ الثاني: مجموعات تخدم التوجه الإسرائيلي وترتبط بعلاقات مشبوهة مع جهات داخلية وعربية لجأت لأسلوب التفجيرات، بعد فشل "الاسلوب المذهبي".
ـ الثالث، تنظيمات احترفت التفجير مثل ـ والكلام للمصادر المقرّبة من "حزب الله" ـ "القاعدة" و"جبهة النصرة".
أما الرابع، وهو ما لم تقله مصادر حزب الله، فهو أن تكون اجهزة أمن نظام الأسد وراء التفجير، وفق التحليل المنطقي التالي:
- حزب الله اجرى مسحا في الضاحية طاول كل من يمكن ان يكون مشتبها بإمكان تدبير امر امني ما، من السوريين او من سنة الضاحية وحتى الشيعة غير الموالين للحزب، وهذا ما تؤكده وسائل اعلام مرتبطة بالحزب منذ الأيام الأولى التي تلت معركة القصير وحتى الساعات الاخيرة.
- بعد عدوان صيف 2006 الاسرائيلي على لبنان، تمكنت الاجهزة الامنية اللبنانية - خصوصا شعبة المعلومات ومخابرات الجيش وكذلك امن حزب الله - من تفكيك شبكات عملاء اسرائيلية ووجهت ضربة قوية للاستخبارات الاسرائيلية باعتراف الاسرائيليين انفسهم، حتى ان المعلومات التي جمعت من عمليات القبض على العملاء، اوصلت الى اشخاص يعملون داخل الحزب منذ سنوات طويلة وهم مرتبطون بالاستخبارات الاسرائيلية والاميركية والغربية، فتم تنظيف المنطقة والحزب بنسبة كبيرة من خطر العملاء الاسرائيليين.
- الطرفان الحليفان الوحيدان المسموح لهما العمل في مناطق نفوذ الحزب، خصوصا في الضاحية، هما عناصر الاستخبارات الايرانية والسورية.. وفيما أن إيران تعتبر مناطق نفوذ حزب الله جزء من النطاق الأمني القومي الإيراني وبالتالي فهي مستبعدة تماما من أي شبهة، فإن الطرف الاخر الموجود في ثنايا وزوايا مناطق نفوذ الحزب وخارج تلك المناطق ايضا، هي المخابرات السورية، التي لا يتورع نظامها السياسي من استخدام كل وسائل القتل والترويع والتشويه والتشبيح والتدليس... لتحقيق أهدافه المجتمعة أصلا بهدف واحد هو بقاء النظام. وهو نظام لا يتورع عن قتل اي فرد حتى ممن يدورون في فلكه او من النطاق الحليف له إذا كان في ذلك فائدة له فيه. والكلام هنا ليس على عوانه وشواهده قائمة لا تقبل الدحض، من "انتحار" رئيس الوزراء محمود الزعبي الى "انتحار" غازي كنعان، الى ما يشوب عملية اغتيال عماد مغنية من شوائب ومؤشرات على احتمال تورط النظام الامني السوري فيه... الخ.
ومن نافل القول، أن أدوات النظام الأمني السوري حاضرة في لبنان، ومحمية في مناطق نفوذ حزب الله، وعناصره في غالبيتهم هي عناصر إجرامية تمتهن التهريب على انواعه وخصوصا المخدرات والخطف والقتل، لنا فيهم، بما نعرفه عنه أيام تواجد الجيش السوري في لبنان قبل 2005، الكثير من التجارب والحوادث والشواهد.
ثم إن التحقيقات الأولية أظهرت أن من وضع السيارة المفخخة لم يكن في عجلة من امره... ووفق الرواية المتداولة فقد أوقفها حيث انفجرت، ودفع رسوم ايقافها لمدة اطول بعدما طلب منه المسؤول عن الموقف ذلك، وغادر بشكل طبيعي.
أما عن اتهام القاعدة والنصرة، فإن اسلوب عملهما مختلف تماما، وكان اجدر بهما لو كانا الفاعلين، أن يوقعا خسائر فادحة بين المدنيين، او عناصر او مسؤولي حزب الله، عبر تنفيذ العملية انتحاريا، وهذا اكثر سهولة من تفخيخ سيارة وتفجيرها سواء عن بعد او بواسطة ساعة توقيت.
وبما ان تفخيخ السيارة يدل على احتراف، كما نقلت وسائل اعلامية عن مصادر حزب لله، والاحتراف يعني خبراء وأمكنة تخزين للمتفجرات وأمكنة للتفخيخ محمية، فهذا ربما يستبعد ان يكون الجيش السوري الحر وراء العملية، كونه لا يملك قدرات لوجستية في لبنان، وحتى حلفاء أو مريدي الثوار السوريين في لبنان ليسوا بهذا القدر من الاحتراف ولا يملكون ايضا قدرات لوجستية للتحضير لعملية تفجير كتلك.
فضلا عمّا سبق، أشيع بعد معركة القصير عن استياء بشار الأسد وحاشيته من تصرفات حزب الله عبر تصوير وسائل الاعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي القريبة منه، ان "النصر" الذي تحقق هو نصر للحزب في خضم تسريبات وكلام كثير عن خيانة و/أو جبن ضباط وجنود قوات الأسد، وهو أمر قد يدفع بنظام مثل نظام الاسد الى ارتكاب حماقة تفجير بئر العبد.
على أن المؤشر اعلاه يبقى سطحيا، وإن لا يمكن استبعاده تماما، فيما الاحتمال الاكثر واقعية، هو تحذير حزب الله، الذي قد يكون اقتنع بضرورة تخفيف تورطه الواسع في الحرب في سوريا بعد ازدياد تبرم مؤيدي حزب الله وعائلات عناصره من استمرار سقوط القتلى في سوريا، واالذهاب الى "ما بعد بعد القصير" الى حلب ودرعا. 
هذا هو الاحتمال الرابع، الذي لم يرد الحزب او لا يريد ان يقاربه، فيما هو الاحتمال الاكثر واقعية، والغير مستبعد أن تلجأ إليه اجهزة أمن نظام الأسد.

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

"الاسلام السياسي" الشيعي والسنّي وعُقم فكرة التغيير بالعودة إلى الوراء



أنيس محسن

في نهاية خبر نشره الزميل والصديق قاسم قصير في السفير في 2 تموز 2013، تحت عنوان "نصر الله للكوادر الحزبية: الأيام ستؤكد صحة خياراتنا"، يقول (... وأن الحزب [حزب الله] مستعدّ لإعادة التواصل مع كل الحركات الإسلامية، لبحث ما يجري على الصعيد الإسلامي والوطني والعربي، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الحركات."
إذاً ربما هي محاولة جديدة للهيمنة من خلال استغلال فشل الإخوان المسلمين في الحكم من مصر إلى تونس وغزة، والتغيير في قيادة دولة قطر وإعلان أميرها الجديد الشيخ تميم ان الدولة نظام وليست حزباً وأنه مسلم وليس "أخوانا مسلمين"، لإعادة تأسيس جبهة "ممانعة" قد تكون هذه المرة؛ "الإسلام "بوجه "العلمانيين الكفار". أوليس مرشد النظام الإيراني علي خامنئي وصف قبل فترة الشعب السوري الثائر بأنه "علماني كافر" قبل أن يصبح "سلفياً تكفيرياً"... يصدق هنا المثل العامي القائل: "كيف ما بدو الفاخوري بيركب إذن الجرة"!!
لكن ما قد يغيب عن البعض أن شعار المرحلة، ووقودها وحقيقتها، هو قول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة         فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي                ولا بد للقيد أن ينكسر

لقد أعلنت شابات وشبان "تمرد" في مصر، وحققوا إعلانهم، بأن ثورة الشعب لا تنكسر ولا تصادر، ومن أسقط مبارك (الذي شاب حكمه فساد لا يحتمل) قادر على إسقاط مرسي وحكم "الإخوان" (الذي أراد دستوراً يتناقض مع روح العصر، ومارس ممارسة استعلائية فاشلة)، ومن هو قادر على إسقاط النظامين في أقل من سنتين، قادر على إعادة صياغة نظام مصر بما تستحقه هذه الدولة التي تضرب في عمق التاريخ، وهي أقدم دولة لا تزال قائمة حتى الآن.
وعبرت شابات وشبان غزة، عن رفضهم العودة إلى تاريخ أصبح من الدوارس، وإلى علاقات اجتماعية تنتمي إلى مرحلة دولة الخلافة، من خلال كسر محاولة ثنيهم عن متابعة مسيرة محمد عساف في برنامج (Arab Idol)، وهو ابن مخيم خان يونس الذي لجأت عائلته إلى قطاع غزة في 1948، بما أن الغناء حرام، بل وصوتوا له بكثافة واستقبلوه كما لم يستقبل أي زعيم من زعماء "المقاومة" في كنف القطاع الثائر على مدى التاريخ؛ قطاع محمد محمود الأسود "غيفارا غزة"، والذي حلم يوماً إسحق رابين أن ينهض من نومه ويرى أن البحر قد ابتلعه.
وتواجه شابات وشبان سوريا (الدولة التي عاصمتها أقدم عاصمة ما تزال مسكونة)، الموت الآتي عبر قذائف وصواريخ وبراميل نظام بشار الأسد المتفجرة وحلفائه، بصدور عارية، وينتفوضون على حكم بعض "السلفليين الجهاديين" في حلب والرقة وإدلب، الذين يقتلون طفلاً لأنه رفض اعطاء أحد ما فنجان قهوة بالدين "ولو نزل محمد" أو يجلدون والداً وعريساً لأن الأول وافق على تزويج ابنته الأرمل والثاني تزوجها "قبل أن تكمل عدتها"، أو ينهرون فتاة لأنها خرجت من منزلها من دون برقع.
وفي تونس، لا تزال رائحة جسد محمد البوعزيزي المحترق رفضاً للذل، تنشر عبق ثورة لا تنتهي، ولا يزال دم شكري بلعيد يغلي في شوارعها... ونساء تونس ترفضن تغييبهن عن المشهد، حتى بصدر مراهقة تعرت احتجاجاً، ومُغْتَصبة قاضت مغتصبيها في مجتمع أريد له أن يعود ذكورياً مجدداً، وربحت عبر كسر الصمت الذي هو العار، وليس غشاء بكارة منتهك.
على "حزب الله" و"حماس" و"الحرية والعدالة" الإخواني وكل الأحزاب والتيارات الإسلامية أن يدركوا، أن لا عودة إلى الوراء، فإما أن تنتظم القوى الإسلامية ضمن مسار ديموقراطي حقيقي، أو أنها ستتلاشى حتى وأن تسيّدت وتنمّرت واستقوت لزمن بات لا يقوى على الاستدامة. فسرعة التغيير نسبية، وإذا أخذ التغيير في فرنسا بعد كومونة باريس 63 عاماً لتتموضع العجلة على سكة الديموقراطية، فإن في عصر السرعة اللامحدودة، عصر الأعلام والمعلوماتية فائقة التطور، باتت السرعة تقاس بالـ "بود" Baud [سرعة الخطو] وهي وحدة سرعة التدفق الرقمي االمَعْلوماتي، أي كمية البت Bit المنقولة في البود الـ Baud الواحد. وبالتالي فإن المطابقة مع مفهوم تغير العلاقات في عصر الإعلام والمعلوماتية (وفق ألفين توفلر، أحد المفكرين الأميركيين في مجال دراسات المستقبل، الذي يرى في كتابه "صدمة المستقبل" أن مجمل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية تتغير مع تغير العصر، وبوتيرة متسارعة أكثر)، تصح أيضا في قياس سرعة التغيير، وتصبح العقود الستة التي احتاجها التغيير الثوري في فرنسا بعد كومونة باريس (1871) بضعة أشهر في مصر 2011 – 2013.
إن الانفصال عن الواقع بوهم التفوق و"النصر الإلهي" و"الإرادة الإلهية" وتصور امتلاك قدرة قيادة الصيرورات بغير مساراتها الطبيعية بحكم امتلاك وسائل سيطرة مادية وروحانية، لن يفضي إلا إلى انفجار ثوري في مرحلة ما ويكون دوي الانفجار في حينه أكبر وأعمق وأكثر ضرراً من التغيير ضمن المسارات الطبيعية.
ويمكن هنا أيضا إيراد مثل تركيا، التي اعطت "العدالة والتنمية" وزعيمه رجب طيب إردوغان، قصب السبق في كل الانتخابات التي أجريت منذ 2002 إلى الآن، لكن الشارع التركي هز له عصى التمرد، في ساحة تقسيم، عندما بدأ يتعامل بتنمّر مع هذا المجتمع، وبات يؤسس لاستجلاب مفاهيم اجتماعية تنتمي إلى الماضي، وليس لروح القرن الـ21، وذلك على الرغم من النجاحات الاقتصادية التي تحققت في 11 سنة من حكم "العدالة والتنمية".
وبالتالي، لن يكون بمقدور "حزب الله" إعادة موقعة "الإسلام السياسي السنّي" المتهاوي بسرعة قياسية في مصر وتونس وغزة، في جبهة "الإسلام السياسي الشيعي" المترنح في إيران والذي مآله إلى التغيير عاجلاً وليس آجلاً، و"الممانعة الطائفية" الأسدية في سوريا المرتكزة على قوائم مصطنعة والآيلة إلى السقوط إذا سحبت تلك القوائم من تحتها.
إن الحكمة تقتضي أخذ العبرة من حركة التاريخ، وهنا نتحدث عن الراهن وليس الماضي، بما أن المستقبل، كما يرى المفكر الاستراتيجي الجنرال أندريه بوفر، يمكن توقعه عبر مكونات الحاضر، والمكونات الموجودة الآن تقود إلى قراءة تؤكد أن التغيير يسير باتجاهات مدنية، لا دينية ولا أيديولوجية، وبالتالي على "حزب الله" وباقي الحركات والأحزاب التي تنهج "الإسلام" كأيديولوجيا فكرية أو بقايا "الماركسية" السوفياتية أو الماوية، أن تعي هذا التطور في المفاهيم لدى شعوب المنطقة، وتتعايش مع هذا الواقع، كي لا تصطدم به، وهي الخاسرة حتى ولو تمكنت من تأجيل خسارتها.