الخميس، 19 أبريل 2012

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان (7 وأخيرة)

لو انحصرت الأزمة بين الفلسطينيين واللبنانيين .. لانتهت منذ زمن
  المستقبل - الجمعة 20 نيسان 2012 - العدد 4318 - ملف - صفحة  16

 أنيس محسن
بعيداً عن قراءات حزبية وفئوية، ثمة حاجة الى قراءة منهجية علمية عميقة لتفسير حدث، زلزل لبنان واطاح بتوازن القضية الفلسطينية. قراءة من هذا المستوى يقدمها الباحث الفلسطيني في الإقتصاد السياسي والتاريخ الإجتماعي، عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" سابقاً، ومسؤول فرعها في لبنان سابقا حتى 2003 الدكتور حسين أبو النمل صاحب شعار "غاب الفكر عن الحوار فكان الإنفجار". وأن ما حصل كان مواجهة بين بنيتين لبنانية وفلسطينية مأزومتين بذاتهما: "عندما تواجهتا عام 1975اصبحت الرقصة دموية وقاتلة" وقادتا الى انفجار أخذ شكل حرب شهدها لبنان ولم تخبُ ارتداداته بعد. فيما كانت المعالجات تجري كرد فعل على التطورات الأمنية، ولم تبلغ العمق الواجب والكافي لمنع الانفجار أصلا، أو تخفيف تداعياته لاحقا، فإن ما جرى من قراءات فردية أو حزبية أو اعتذارات علنية، لم ترق يوما لتصبح مراجعة بمثابة "قراءة شاملة للتاريخ ووعياً لأهمية الفكر والتخطيط للمستقبل وانتاج ذاكرة حقيقية، وليست منتقاة حسب الطلب". يميل الدكتور حسين أبو النمل، الى تدقيق السؤال المطروح في هذه السلسلة عن مراجعة التجربة الفلسطينية في لبنان فيقول: "تنتهي كل النقاشات الى خلاصة جيدة اذا كان المدخل جيداً، وتكون نهاياته سيئة اذا كان المدخل سيئاً. لذلك علينا قبل البحث "لماذا حدث؟" ان نبحث عن "ماذا حدث؟". يرى ان "الخلاف ما زال على الوقائع. كل يحكي الرواية وفق هواه. ما زلنا في مرحلة السجال، حيث يبرر كل طرف نفسه ويدين الآخر. لم نرتق بعد الى أخلاقية التأريخ، حين نقرأ حدثا جرى قبل 37 سنة يجب أن يكون أوان الخروج من السجال التبريري إلى التأريخ الموضوعي قد أزف". يعتبر "ان بعض السياسيين المجايلين لما جرى يعتبرون ان كل أسرار الحدث في جيوبهم. وهكذا نسمع روايات متناقضة تعطي مشروعيات متناقضة لما حصل من متناقضات. المنهج السليم لما حدث عام 1975 يقرأ بما هو حاصل اليوم، اي: كيف انتهينا، لتفسير كيف بدأنا؟". حسين أبو النمل: حين ذهب العقل الفلسطيني في غيبوبة.. وقع الدم السؤال عن تمسك طرفي التجربة الفلسطينية - اللبنانية بأسبابهم للحرب يتطلب، وفقا لأبو النمل، البدء بتدقيق السؤال "لأن سلامة الجواب تتوقف على دقة السؤال. علينا قبل سؤال: لماذا حدث؟ ان نحدد: ماذا حدث؟ ما زال كل طرف يحكي حصته من الرواية بعد أن ينقيها من الثغرات. لم نرتق بعد الى طور الوعي التاريخي. حين نقرأ ما جرى قبل 37 سنة، علينا مغادرة السجال التبريري إلى التأريخ الموضوعي، المنصف للآخر قبل الذات". يرى من المناسب "ان نبدأ مع: ماذا حدث؟ نسمع روايات متناقضة تعطي مشروعيات متناقضة. كاد التاريخ أن يصبح رهن ذاكرة الزعيم! ليست الحقيقة مجرد كلمة تطلق في سجال، بل في سياق الأحداث. يقول المنهج التأريخي السليم أنه لفهم ما حدث عام 1975 يجب أن يُقرأ في ضوء ما إنتهى إليه عام 2012. هناك فريقان. كل فريق فرقاء. الفريق اللبناني منقسم ويخوض صراعا داخليا مريراً. الفلسطيني فرقاء أيضاً، يتبادلون الشتائم على نحو اقسى مما كان عليه مع المسيحيين، أو من سُمًوا كذلك في 1975! يعكس تطور الأمور في 2012 حقيقتنا سنة 1975". حين يكون كل طرف منقسما على نفسه الى هذا الحد، يكون أعجز من أن يحل مشكلته مع الآخر، بدليل مأزق اللبنانيين الآن، الذين يشبهون الفلسطينيين في إنقساماتهم وتبادلهم تهم التخوين. يقول الدكتور أبو النمل: "نحن امام طرفين مأزومين منذ البداية، لأنه لو كانت الأزمة بين الفلسطينيين واللبنانيين فقط لإنتهت أزمة كل طرف منذ زمن، بدل أن يعيشها منفرداً. عبثاً يحاول العاجز عن مصالحة نفسه أن يتصالح مع الآخر.. نحن امام بنيتين مأزومتين. حين اجتمعتا صارت الرقصة دموية. يظهر التدقيق ان الشخصيتين الفلسطينية واللبنانية متشابهتان، لناحية القلق التاريخي، الخوف المتأصل على الوجود. متشابهتان في عبقرية تكفي لإبتداع معجزة، وجنون يكفي لتدميرها. متشابهتان في قلق الجغرافيا، على الجغرافيا، من الجغرافيا. كل ذلك كان راسخاً لدى الطرفين. ثمة ذاكرة مثقلة بالدم جاهزة للحضور والإنفجار وإطلاق النار عند أول دعوة. نزعة الشك بنوايا الآخر عميقة ومسببة". حرب حقيقية وحوار أشباح لكن الأطراف المتصارعة عقدت في الفترة بين 1968 و1975 وخلال وبعد حرب السنتين عشرات اللقاءات، فهل يعني هذا أنها كانت حوارات طرشان؟، يجيب أبو النمل: "أن ننتهي الى أزمة يعني وجود اخطاء. ما دامت الحرب حقيقية، فإن اسبابها حقيقية. لا يعني هذا أن الأزمة يجب أن تنفجر بالضرورة مذبحة. يمكن ان تنتهي عبر حل سياسي - فكري. يمكن أيضاً ان تؤدي الى صدام. يتوقف الأمر على كيفية التعاطي مع المساقات القائمة. على من يدير اللعبة. العبرة ليست بالحوار، بل ماذا يعكس ويعني؟ هل هو حوار مضطرين؟ هل تتوفر ذهنية واخلاقية الحوار؟ حتى تتحاور، يجب أن يكون مع طرف آخر حقيقي، ليس مع شبح؟ لم يكن حوار طرشان، بل حوار أشباح. ليس القصد ان المحاور ليس موجودا فيزيائياً، بل بمعنى عدم معرفة الجهة المقابلة. نعم كان حوار أشباح". يشدد أبو النمل ان "من أدار الصراع مع الآخر لا يعرفه. خير دليل أننا حين نقرأ نصا فلسطينيا عام 2012، لا نجد أنه يطل ولو بالحد الأدنى على الوجدان اللبناني. لا نجد في الخطاب الفلسطيني أي ذكر لميشال شيحا. عبثا نفهم التجربة اللبنانية الا انطلاقا من هذا الرجل، بما يمثل. المسيحي غائب عن النص الفلسطيني. كنا نبحث عن مسيحي او لبناني متماثل معنا. لا مكان عندنا حتى لريمون إده. نموذجنا هو المسيحي المسلم؛ المسيحي الفلسطيني. لم يحضر اللبناني اللبناني، كما المسيحي المسيحي، يوماً في عمق التكوين الفكري الفلسطيني". إذ يشير إلى ان "لدى اللبنانيين نخبة هائلة" يؤكد ان "الذين اداروا الحوار الهادئ أو الدموي مع الفلسطينيين لم يمثّلوا هذه النخبة. ليس في الذهن اللبناني فلسطيني طبيعي قط. هناك قاتل. لص. خارج على القانون. لا نجد حضورا لفايز صايغ او وليد الخالدي. باستثناء محاولات كريم بقرادوني الذي كان شابا عند بداية الحرب. جوزيف ابو خليل وضع مقارباته لاحقا. بول سالم لم يكن ولد بعد! كان حوار اشباح. يعكس كل واحد قلقا تاريخيا وجودياً". غيبوبة العقل اذاً، هل يمكن الإستنتاج أنه كان مستحيلاً تجنب وقوع ما وقع؟ يقول أبو النمل: "دعني أبدأ أولاً بفرضية هي أن العناصر نفسها بين أيدي أشخاص معينين تعطي رِفعة، ومع آخرين تٌنتج إنحطاطاً. دعني أتحدث ثانياً، إنطلاقاً من رياضة ذهنية هي سؤال العقل الفلسطيني الذي وضع في إجازة، كيلا أقول غيبوبة، جراء مقولة "السياسة تنبع من فوهة البندقية"، سمحت بأن يكلف أبو الزعيم مفاوضة المسيحيين، مع أن صلاح صلاح هو رئيس الوفد رسمياً، حينذاك. إسم أبو الزعيم بذاته تهمة يكشف الجريمة البشعة التي إقترفت بحق الطرفين اللذين يستحقان مفاوضاً أكفأ وأنظف". يعلن أبو النمل أنه "لو كان العقل الفلسطيني يقظاً، لرأس وفده الزعيم فعلاً جورج حبش الأرثوذكسي، وعضوية المفكر فايز صايغ البروتستنتي إبن القسيس، وحسيب صباغ الكاثوليكي الملياردير! كان كمال ناصر صار شهيداً. على الأقل كان ذلك سيأتي بنكت مثل "كم هو خبيث الفلسطيني وهو يدفع نصارى لمفاوضة نصارى"! يرد عليه؛ لكن وجود أرثوذكسي وكاثوليكي وبروتستانتي معا قد يشعل حربا مذهبية فلسطينية! ثمة من تحوط قائلاً: يشتبك الأرثوذكسي والكاثوليكي فيصلحهما البروتستنتي، هذا إذا إعترف به مسيحياً! حين ذهب العقل الفلسطيني في غيبوبة وقع الدم". يثق أبو النمل بأن "نتائج الحوار كانت إختلفت لو اداره مفكرون. لو أدارته شخصيات ذات رِفعة فكرية قادرة على رؤية لبنان وفلسطين والعالم ككل، وليد الخالدي. فايز صايغ. حسيب صباغ مثلاً. لو طرح امام النخبة المسيحية سؤال الفلسطيني في لبنان كانت أطلت عليه من زاوية معاكسة. داخل أسرة الجميل نفسها، كان موريس الجميل يطل على الأمور من ضمن سقف معين. بيار الجميل كان يطل من زاوية اخرى. ريمون إده لم يكن تفصيلاً. عندما أطل على الحوار الآن في العام 2012، اعتقد انهم كانوا يستمعون جيدا لبعضهم بعضا، لكن كل واحد كان متوتراً ودفاعيا، يشك بالآخر ومحكوم بفكرة مسبقة وغير قادر أن يرى أمامه إلا قاتلا محتملا. فالمسيحي الذي يدعو الى المحبة يقتل الفلسطيني الضحية، اليست هذه مفارقة؟ حين نكون فعلا أمام فكر مسيحي، تصبح مشكلتنا محلولة وذلك لان كل ما يحتاج اليه الفلسطيني هو العدل والمحبة. أما الفلسطيني الضحية الذي يبحث عن أرضه وحريته، فلم ير في مسيحيي تلك الأيام، سوى انعزاليين وعملاء استعمار. لم يدرك قلقهم التاريخي العميق والبعيد ... والمبرر!". هنا تتجلى مأساة رؤية الآخر عبر فكرة مسبقة مستلة من مزبلة التاريخ. الحكماء لا يرون الأمر من زاوية التناحر، بل من خلال القواسم المشتركة. يقول أبو النمل: "لو تفاعل عقلا موريس الجميل وهاني الهندي، السوري المسكون بفلسطين، لأدركا ان اهم ما في العرب هما الديناميتين الفلسطينية واللبنانية. بدل أن تكسرا بعضهما بعضا، تبدعان حلا. لم يستطع العقل السلبي ان يحل مشكلته الخاصة. هل يمكن تخيل لبناني لم يستطع حل مشاكله مع الآخر اللبناني ، وفلسطيني لا يستطيع حل مشكلته مع الآخر الفلسطيني، ان ينجز مصالحة فلسطينية - لبنانية؟". يؤكد أبو النمل: "ثمة خلل عميق. ثمة دلالة فادحة جداً في أننا عندما ذهبنا الى الحرب لم نفكر، وعندما ذهبنا الى السلم لم نفكر! الحرب، كما السلام، لهما شروطهما التي لم تستوف. "الفزعة" إلى الحرب كانت كارثة، كالفزعة الى المصالحة. نحن في عام 2012، حيث تبين أن مصالحة عام 2008 لم تكن سوى تلفزة متسرعة - كانت زَبَداً". لقد صنع الحرب الأبطال، أو ظنوا أنفسهم كذلك! لكن من حاولوا صنع السلم، لم يكونوا فلاسفة، مع ان "لدى الفلسطينيين فلاسفة: آل صايغ. انيس وفايز ويوسف. وليد الخالدي. برهان دجاني. شفيق الحوت. غسان كنفاني. حسيب صباغ. إدوارد سعيد. جورج كتن. نقولا الدر. هؤلاء لا يعرف ما اذا كانوا فلسطينيين ام لبنانيين، اسلام او مسيحيين. موريس الجميل كان عضوا في المكتب السياسي الكتائبي، لكن من يجرؤ على تصنيفه، مثله مثل ريمون أده، كماروني او كمسيحي أو حتى كلبناني حصراً؟ كان يمكن ان يؤمن حلا مترفعاً للجميع. هو استمرار لميشال شيحا الذي فكر بحل للبنان في محيطه. هو من كتب الإرشاد الرسولي قبل نصف قرن على إعلانه". تفكير دولتي لـ"فتح" وانفصام يساري انتقالا الى التفاصيل الفلسطينية، وعن أدوار "فتح" و"حماس" و"اليسار الفلسطيني" في "رقصة الموت" تلك.. يقول أبو النمل: "من خلال عمل أكاديمي حزبي داخلي اشرف عليه الأمين العام للجبهة الشعبية، الحكيم جورج حبش، قرأنا تجربتنا الخاصة وتجارب اخرى. كانت الحصيلة فضيحة. هناك تلاوين متناقضة، لكن الكل يشبه الكل في العمق. الاحزاب مجرد مسخ عن الواقع. لا تعكس حقيقته ومستواه. نسخ مكررة عن بعضها. بمعزل عن مزايدة هنا ومناقصة هناك، قدم الجميع أداء بائساً متشابها. كان الخلاف نوعاً من "التبرج الأيديولوجي"، حسب التعبير الفذ لمنير الحاج، الرئيس الأسبق لحزب الكتائب. حسدت الكتائب عليه. كان قائدا وسوسيولوجياً حزبياً هائلاً. كان أستاذاً ومظلوما". عن "فتح" يقول: "شاركت في الحرب الأهلية، لكنها تميزت بتفكير دولتي. هي مؤسسة إجتماعية وليست فصيلاً عادياً. لها علاقاتها الدولية المنفتحة. تسعى الى التسويات وفتح الأبواب. قتل "فتح" ودورها غياب الرؤية الفكرية وغلبة المياومة والبراغماتية والحلول المالية على أدائها. قتل "فتح" أن قائدها عرفات الشخص صار أكبر منها كمؤسسة". أما اليسار، فهو كما يقول: "في المبدأ، ينتج افكارا، رؤية، إشراقاً! لم يقم اليسار الفلسطيني بدوره. إغتُصب حتى إسمه ودوره. يجب ان نميز تماما بين يسار كان في حضن السلطة، يبسّطها وتبسّطه، وظيفته تأمين غطاء فكري يساري لسياستها، وبين يسار يعبّر عنه الموقف النضالي الغيفاري الذي جسّدته "الجبهة الشعبية" والصورة الأخلاقية المتسامية لرموزها التاريخية كجورج حبش. هاني الهندي. وديع حداد، مثلاً. تضاءل الدور الفعلي للجبهة الشعبية جراء فعل ممنهج وتدميري متعدد الأطراف المحلية والدولية، أتاها من داخل وخارج، منفصلاً ومتصلاً". يعتبر انه "عندما شُق اليسار لأسباب مخزية لأصحابها، اصبح يعاني ازمة وجود. هذا يفسر: لماذا لم تتمكن قامة بعقل ونبل جورج حبش من انقاذ العمل الفلسطيني؟ حبش لم يكن مشغولا فقط بالعام بل كان هناك من يصرّ على اغراقه في الخاص ومواجهة أزمة وجود كشخص وجبهة عِبر زجّه بصراعات مميتة. اليسار المنشقّ على نفسه فَقَد هيبته وكرامته وصدقيته. بعد 40 سنة يمكن إستنتاج أن الإنشقاقات كانت مدمرة. أنتجت دكاكين. بدل ان يقود اليسار معارضة خلاقة ونشطة إنصرف ليعجب بنفسه، ويتشاوف أنه أول من جعل مهمته النضالية الوحيدة ومبرر وجوده التاريخي هو الإعتراف بإسرائيل! لقد ذُل اليسار بأهله، الذين تفرقوا فذهبت ريحهم وصاروا يستجدون لقطة تلفزيونية". يستنتج انه "ليس اليسار يسارا الا اذا كان لديه اسهاما فكريا أيضاً. اليسار الفلسطيني هو الوحيد الذي ليس لديه فكر أو مفكرين. بالإذن من غسان كنفاني، الإستثناء الذي لم يسمح أن يتكرر. الحيوية الفكرية خاصية لليسار، لكن سمِّ لي كتابا واحدا له قيمة صدر عن اليسار! لنضع جانبا المذكرات الشخصية، التي سيكتب يوما كم فيها من جنون عظمة متفاقم مرضياً، لصاحبها جحا القرن العشرين، طبعاً بالأذن من جحا التاريخي، الذي كان كذاباً لكن مسلياً". وإذ يجيب عن سؤال حول دور "حماس"، يقول: "تقول حركة "حماس"، انها خارج الصراعات في لبنان، وذلك حسب خطابات الاخوة، الذين تعاقبوا على قيادتها في لبنان. "حماس" محكوم عليها ان تكون طرفا. "حماس"، مثل كل تيار الإسلام السياسي، لا تستطيع ان تقول انا مع الجميع - كل اللبنانيين، لأنها مشروع ديني، وان مع دور وطني". غياب المراجعة التاريخية لكن ماذا عن مراجعات يتحدث عنها الفلسطينيون واعتذاراتهم للبنانيين؟ يعتبر أبو النمل ان "كلمة مراجعة كبيرة! هي وعي التاريخ. وعي أهمية الفكر والتخطيط للمستقبل وانتاج ذاكرة متماسكة. ما حدث لا يرتقي الى مستوى مراجعة. لا توجد عند الفريق اللبناني مراجعة جدية رسمية. هناك مساهمات فردية مميزة مثل بوح ريجينا صنيفر، التي عكست وجدانا مسيحيا. خجل أسعد الشفتري من عاره كان مؤثراً. أسرّني بؤسه وهو يشمّ رائحة الدم على يديه! ذكّرني برائحة الدم على يدي "ليدي مكبث" لشكسبير. كلاهما صنيفر والشفتري خاضا الحرب لحفظ الكرامة والهوية المسيحية، لكن الممارسة كانت بربرية حتى ضد مسيحيين. هناك ايضا كتابات جوزيف أبو خليل، مع انه لم يتحرر كليا من هاجسه السياسي. رواية جوزف سعادة: أنا الضحية والجلاد أنا، حكاية قاسية يجب أن تعرف؛ تستحق تأملاً؛ من عاشق لجورج حبش إلى قتيل الفلسطينيين وقاتلهم! يجب تقصي كيف "أن زمن البراءة والأبرياء قد ولّى إلى غير رجعة". فلسطينيا، يرى أبو النمل انه "ليس هناك من مراجعة مكتوبة ومنشورة لأي قوة فلسطينية. لا تملك هذه القوى التفوق الأخلاقي الكافي لمراجعة حقيقية، فلهذه كلفة باهظة. من يجرؤ على تحمّلها؟" يستثنى أبو النمل من ذلك "تجربة رائعة ونبيلة قامت بها "الجبهة الشعبية" على مستويين: الأول، مركزي تناول تجربة الجبهة ككل، ولا مجال للحديث عنها الآن. الثاني، وثيقة فرع لبنان 1995. لم تتحدث عن مصالحة لبنانية - فلسطينية فقط، بل أيضا عن مصالحة فلسطينية - فلسطينية أولاً. ليست مصالحة تنظيمات مع بعضها، بل مصالحة المجتمع المدني مع المجتمع العسكري - الأمني الفلسطيني. تحدثت الوثيقة عن أمراء الحرب الفلسطينيين، الذين يشبهون كل أمراء الحرب. بعضهم ظن أنه قادر على أخذ كل شيء، خصوصا كرامات الناس، بالسلطة والمال. لا يسمع ولا يرى إلا من فتحة جيبه. لا يقرأ الناس ولا يكتبهم إلا من فتحات جيوبهم. دائماً كان ثمة خسيس يُشترى يؤكد نظرية "لكل سعره"! من عرف الخساسة مع الأمراء، تخرج بشهادة رخيص، وخرج ليعمل مخبرا عند كل من هبّ ودبّ. بينهم من باع الشعبية لفتح وباع الأثنتين للأجهزة الأمنية السورية، وباع الثلاثة للأجهزة الأمنية اللبنانية، التي كانت جسر عبوره للأجهزة الدولية". يشرح ان "الوثيقة تحدثت عن مصالحتين: فلسطينية - فلسطينية - لبنانية ليس على قاعدة تبادل النفاق، بل وعي ما حدث، لا كما صار عام 2008، عندما اعلن السفير الفلسطيني السابق عباس زكي، "وثيقة فلسطين في لبنان". لا يملك زكي حق الإعتذار وصفة عقد مصالحة تاريخية. هذا الحق هو حصرا للشعب الفلسطيني. معيب تحويل مسألة المصالحة، بنبل مقاصدها، الى عجالة تلفزيونية تعلن من بيت الكتائب، الذي هو بيت لبناني كبير، قدم دماً لقضيته كما يراها. شاركنا الرقصة الدموية المجنونة بكفاءة هائلة ومؤسفة. لكن المصالحة التاريخية تحتاج اشتراطات اخرى. علينا أولاً تحديد مع من نتصالح؟ على ماذا نتصالح؟ لا يملك حتى ياسر عرفات وجورج حبش مجتمعين، حق تحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية كل الجرائم والخساسات التي اقترفت في لبنان. يجب ان لا تختصر المصالحة إلى حدث تلفزيوني عجول، وبنصائح من اشخاص يعانون من شبق تلفزيوني لم يفهموا أساسا معنى الكرامة أو ماهية المصالحة التاريخية؟ نسي هؤلاء أن للفلسطيني أيضاً كرامته وحقه النبيل بالإعتذار الصريح كي يغلق جرحه ويطوي ذاكرته". يرى أبو النمل "أنه وقد اقتصرت المصالحة على الكتائب، فماذا عن العونيين؟ ماذا عن القوات اللبنانية؟ من قاتلنا وواجهنا؛ أدميناه وأدمانا كفلسطينيين، ليست الكتائب الراهنة. من مثّل درع المسيحيين الصلب، في رقصة الحرب، هم من صاروا لاحقاً "القوات اللبنانية". مع هؤلاء، يجب أن تعقد مصالحة أيضاً؛ ولكن بكرامة تليق بالدم الذي دفع من أجلها على الضفتين. من ناحية ثانية على الطرف الفلسطيني، الذي يريد عقد مصالحة تاريخية، ان لا يحتقر مجتمعه، بإبتسار دمه وألمه إلى لقطة تلفزيونية. يبقى سؤال: هل أن المصالحة التي تمت عالجت جرح تل الزعتر؟". مراجعة عميقة لم تستكمل وُضعت وثيقة "المصالحة التاريخية"، عندما كان حسين أبو النمل مسؤول "الجبهة الشعبية" في لبنان. فما حكاية هذه الوثيقة التي حكمت مفرداتها اللغة التصالحية الفلسطينية، خصوصاً مقولة "الكرامة للجميع" السيادة للبنان. العدالة للفلسطينيين؟ يقول أبو النمل "اتت الوثيقة تعبيراً عن مخاض كانت تعيشة "الجبهة الشعبية" تحت سقف التفوق الأخلاقي لجورج حبش. طُرح سؤال الأزمة على خلفية معركة طاحنة بدأها كادر لبنان لتخليص "الجبهة" من وبائين قاتلين: الفساد والخيانة التي كانت كلفتها دماء أعز رفاقنا: رامز ورفاقه الثلاثة على جبهة كفر فالوس. قبله أبو العبد المجذوب فخر العسكرية الفلسطينية، الذين ذهبوا غيلة، وتم تهريب قاتلهم حين وقع في قبضة "الجبهة". أتينا تلبية لنداء الدم، كان هناك مخاض، قاعدي وكادري، شرفني بقيادته، فأتى بنخبة مميزة لتقود فرع لبنان في سابقة هي أن يحمل المسؤول الأول دكتوراه في الإقتصاد، وعضو آخر في القيادة، طبيب متفوق يحمل دكتوراه في جراحة العظم. كانت هناك قامات أخرى عالية خلفنا، بل حملتنا بشهامة على ظهورها وحمتنا بفروسيتها. كان بيننا أيضاً خسيسون وإنتهازيون. كان بيننا يهوذانا. ولكل مسيحية يهوذاها. لكل علي بن ملجمه. لكل سيف خنجره. لكن السيف يبقى هو السيف، والخنجر يبقى خسيساً! كان عليَ واجب قيادة وبلورة ومنهجة هذا المخاض النبيل والعظيم، الذي عكس يقظة روح "الجبهة الشعبية" ووجدانها. أجهضت المراجعة، لأنها تحدثت بشجاعة ونبل عن كارثة الفساد والإفساد والإختراق الأمني متعدد الأبعاد. لقد داس "فرع لبنان" كل الخطوط الحمر. لقد فقأنا الدمل. وضعنا أصبعنا على الجرح بفروسية. قٌطِع أصبعنا، فكتبنا على حد السيف بالدم، كي نستحق فلسطين. كي نليق بغسان كنفاني وغيفارا غزة ووديع حداد". لكن كل ذلك الحديث الدائم عن الآخر، وخصوصا عن المسيحي، لم ينتج لقاء معه على ما يبدو. يجيب أبو النمل على ذلك بالقول: "كشخص لم أكن يوما بعيدا عن الآخر، أي آخر، فكم بالحري اللبناني، عموماً والمسيحي خصوصاً. بالمبدأ، ليس مثقفاً من لا يعترف بالآخر. أيضاً، أنا من رحم بيئة حاضنة إسمها لبنان أعرف فضلها الإستثنائي في تكوين النخبة الفلسطينية وعليَّ. انا احب لبنان كله ومسكون بروحه، ليس بديلاً عن فلسطين، بل لأنه يشبه فلسطين، كما أريدها على الأقل. اعرف نخبته على المدى من إيلي يشوعي وكرم كرم وبول سالم وسمير فرنجية ونبيل خليفة، إلى حبيب صادق وجهاد الزين وأحمد بيضون ومحمود سويد. اعرف صورة المسيحي الحقيقي المبدع. لم أستبدله يوماً بالمسيحي الفهلوي. لم يغب عني يوما الحكيم جورج حبش، نموذجاً للمسيحي النبيل والذكي. أما كعمل حزبي ممنهج أكاديميا فكنت معنيا بتبديد ثقافة الكراهية ومواجهة أصحابها. كنت مهتماً بخرق حاجز العداء برفعة. المهمة السياسية التي صغناها لذاتنا هي توضيح أنفسنا للفريق المسيحي، وأن نتعاطى معه بعمق من دون سفاهة. كان أمر العمليات السياسي الذي وقعته: إحتلال بكركي بالعقل والمحبة المسيحية. كان الخيار ان نتواصل". وفي سياق نهج "الجبهة" بالتوجه نحو المسيحي، يقول أبو النمل: "لم يكن عبثا إختيار بكركي هدفا. فالصراع أساسا حدث مع اللبناني المسيحي، وإذا اردنا ان نتحاور فعلاً، فهو الطرف الصحيح. علينا ان نحاور النبض المسيحي، وليس اليسار المسيحي، مع الإحترام له. كنا نريد الوصول الى بكركي برمزيتها وما تمثل، عِبر خطاب حقيقي ومقنع، يفتح الباب ويناقش. يبحث عن ثقة وتسامح وتفهم وغفران متبادل ومحترم، يحفظ كرامة الجميع ومصالحهم. كان هناك مسيحيون مميزون في حسّهم الإنساني والفلسطيني مثل الأمير فاروق أبي اللمع، الذي كان يرى ان الأزمة الإجتماعية تنتج اضطرابا امنياً، واذا ارادت الدولة اللبنانية، إنهاء مشكلة فلسطينيي لبنان فعليها معالجة جذورها". بصرف النظر عن النوايا الحسنة والتوجهات السياسية، الا ان النتيجة ظلت على ارض الواقع صفرا، خصوصا ان زيارة قام بها جورج حبش إلى لبنان في تلك الفترة لم تترجم على هذا النحو. يقول أبو النمل: "كان مجيئ الحكيم الى بيروت بحد ذاته امرا مشرقاً. كان سعيدا لقدومه الى بيروت ضيفاً عزيزاً على الدكتور خير الدين حسيب عندما كرَّم جمال عبد الناصر بشخص محمد حسنين هيكل. لم تكن الزيارة تعني "الجبهة الشعبية" فقط. لهذا، تمت استشارة عدد من الأصدقاء اللبنانيين، الذين قرروا ان وظيفة الزيارة كسر الصورة النمطية السلبية للفلسطيني، وإن أفضل خطوة يمكن إتمامها في هذا المجال هي التوجه نحو بكركي. ظهور الحكيم هناك كان سيكون جميلا ومفيداً للجميع". يضيف: "كان قرار زيارة بكركي محل حماسة الحكيم. لكن تنفيذه أوكل لجهة تنفيذية مختصة، تكشّف لاحقاً أنها عميلة لعدة أجهزة أمنية، يبدو أنه كان لها رأي معارض لقرارنا، وإرتأت إبقاء زيارة جورج حبش للبنان في "حارة المسلمين" وهو ما كان. طال إنتظار الأباتي نمر، وربما البطريرك صفير، لكن أحداً لم يطلب موعداً لزيارة بكركي أو حتى يرسل تحية بإسم حبش. كانت الخسارة كبيرة. ربما لو تمت لتغيرت الأمور وخف عذاب الفلسطينيين. ما يؤلمني أن خائن تنظيمه وشعبه الفلسطيني والعربي ذاك، ما زال يمصّ راتباً كبيراً، رسميا وثابتا، من دم الشعب الفلسطيني". الملف الإجتماعي ومستقبل العلاقات من الملفات المعقدة، الملف الإجتماعي لفلسطينيي لبنان الذي فُتح فجأة بعد اتفاق الطائف واختفى فجأة أيضاً. أعيد فتحه فجأة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005، لكن المفاجأة أن حقوق فلسطينيي لبنان لم تبلغ برَّهَا حتى الآن. لحسين أبو النمل هنا رأي مختلف ايضا، يفسر سر الـ"فجأة" الدائمة والمتكررة هذه فيقول: "أدقّق كثيرا بالأمور خصوصاً ما يبدو بديهياً. اعرف زعبرات السياسيين. أعرف السياسة في بلادنا كفعل لا أخلاقي بالجماعة. لقد طرح موضوع مقدس هو حقوق الفلسطينيين كورقة تكتيكية للإحراج في ذروة التشنج اللبناني - اللبناني. لم تطرح الحقوق المدنية للفسطينيين يوماً الا في ظل سياقات سياسية غير فلسطينية، إقتضت تحريك الورقة الفلسطينية". يسند رأيه إلى وقائع محددة: "طرحت مطلع التسعينات الحقوق الفلسطينية بهدف تغطية تسليم السلاح الفلسطيني. بحكم موقعي القيادي كرأس لفرع لبنان حينذاك، عندي أيضاً الخبر اليقين. كان صلاح صلاح، رئيس لجنة التفاوض مع اللبنانيين. كان في الوقت نفسه المسؤول الأول لقيادة "الشعبية" في لبنان، التي كنت مسؤول اللجنة التنظيمية فيها. بعد ان جُمع السلاح وصُفي الوجود الفلسطيني في شرق صيدا والجبل على نحو مذلّ، لم يعد أحد يطرح الموضوع. لن أنسى مقاومة أحد قادة الفرع المعنيين مباشرة بموضوع تسليم السلاح، فأتاه من همس في أذنه: "طرّيها، القرار متخذ من فوق". عندها فقط علمنا بحقيقة الترتيبات المسبقة. كانت معركة شرق صيدا تمثيلية. حكاية الحقوق الفلسطينية ولجانها الوزارية التي ارتبطت بها كانت تمثيلية. الحوارات تمثيلية. من يقل غير ذلك هو ممثل التمثيلية. من يرغب في إستزادة، يجد يقين اليقين عند كاتم أسرار الفلسطينيين وحامل صليبهم الدائم، محسن إبراهيم". يعبتر أبو النمل انه عندما "انفجر البلد بعد استشهاد الحريري عام 2005، كان غريباً أن تطرح الورقة الفلسطينية المتفجرة في وقت متفجّر. لم يكن من الحكمة أن يأتي من يقول: الآن فورا نريد حقوق الفلسطينيين. كان الكل مشغولا بكارثة الإغتيال. الدماء حارة على الأسفلت! لا ارى في ذلك حكمة. لا أرى لذلك علاقة منطقية بحقوق الفلسطينيين. بعد فترة، جرى اختبار عملي: القوى نفسها التي كانت تسأل حكومة السنيورة أين حقوق الفلسطينيين، لم تصوت إلى جانب تلك الحقوق، حين لاحت فرصة. وحده جنبلاط ظهر في البرلمان، حيًا ومخلصاً لفلسطين". يسأل أبو النمل: "سنة 2012 اين اصبحت اللجنة الوزارية التي ذهبت في حينه إلى عين الحلوة بذريعة: الحكومة تريد معلومات! ضحك الذين يعرفون كم عدد المخبرين الذين تسهر عيونهم على دبيب النمل الفلسطيني. إنقلبت المواقع: صارت الحكومة معارضة والمعارضة حكومة! لم تفعل سوى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف! عام 2005، كان تجاذب غير رحيم في الوسط السياسي اللبناني: تخوين متبادل. مُسخت القضية الفلسطينية إلى مضبطة إتهام. ما جرى كان إبتذالا فظاً لفلسطين. الدليل ان شيئا عمليا لم ولن يتحقق. طرحت الحقوق الفلسطينية للإحراج وللمزايدة". أما عن مستقبل العلاقات فيقول: "لم نمتلك شروط التغيير بعد. ما زلنا نحمل التأهيل الفكري والسياسي الكارثي نفسه. ما زال التعاطي مع قضية فلسطينيي لبنان كورقة تكتيكية. قناع يستخدم للمناسبات. اذا كان مرضيا عن حكومة لبنان فلا حديث عن الحقوق. عند الخلاف تقع المناورة بالفلسطينيين! نؤسس لكارثة حين نحول مأساة فلسطينيي لبنان إلى مجرد مسألة أمنية. تكون الحماقة حين تترك السياسة للأمنيين. لبنان وفلسطين أكبر من ذلك. السياسة هي من تتدبر الأمر. الضباط ينفذون بعيداً عن التلفزة. تجربة أن الأمنيين يقودون الحوار قادت إلى صدام السبعينيات". يتابع: "لم نجر مراجعة في العمق. قمنا بمصالحة متسرعة. لا زال الواحد يرى الاخر شيطاناً. كل الفرقاء يتحدثون عن الحقوق الفلسطينية، لكن لا نتائج. يجب توفير قناعات لدى الطرفين. على كل طرف أن يفهم الآخر. إذا بقي الفلسطيني يعتقد ان العالم كله بخدمته فهو ما زال واهما. العالم لديه همومه الأخرى الخاصة والضاغطة والمشروعة. أما اذا بقينا على خطاب (النائب) نعمة الله أبي نصر، فإن ذلك يعني أنه ما من خيار أمام الفلسطيني سوى الموت! الفلسطيني لن ينتحر كرمى مزاج أبي نصر، أو لتقر عيون "أبو أرز". سيقاتل كما يكون القتال ضد كل دعوة للموت أوهدر الكرامة. خطاب أبي نصر، وصفة سحرية لتحويل الفلسطيني الضحية قاتلاَ، وقد صار قبلاً. يجب أن لا يتكررا. هل من يُفهم نعمة الله أبي نصر أن خطاب كراهية الفلسطينيين أتى بعكسه: بخطاب كراهية المسيحيين". ينهي أبو النمل كلامه: "يطلب الجميع وقف رقصة الدم، لكن أحداً لم يقل كيف؟ بتاريخ 24/9/ 2011 سمع الفلسطينيون رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع يقول: هل مقبولٌ أن ننكفئ نحن المسيحيون عن الشرق في اللحظة عينها التي بدأ فيها الشرق يشبهنا؟ وفي اللحظة عينها التي بدأ فيها بتجسيد المفاهيم التي لطالما نادينا بها نحن، وبتحقيق أحلامنا نحن، في الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية وحقوق الانسان؟ ثمة من قد يسأله، ربما المحامي الدكتور إبراهيم نجار، كيف صار الشرق العربي يشبهنا؟ هل نشبه نحن الشرق الديموقراطي الموعود؟". يستطرد أبو النمل من خطاب جعجع إلى "خطاب طرحه الكتائبي الشاب النائب سامي الجميل في برنامج "كلام الناس" مع الزميل مرسيل غانم، حين تحدث عن مخاطر إستمرار العمل بموجب نظام يستدعي وجود طرف مغبون كل مرة". لم يضف أبو النمل سوى "رجاء من يهمهم الأمر تذكير الدكتور جعجع والنائب الجميل، أنهما تحدثا عن "تحقيق أحلامنا نحن، في الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية وحقوق الانسان. عن أن لا يعود هنالك مغبونون! من أجل ذلك قاتل الفلسطينيون قرناً وسيقاتلون قروناً. التاريخ شاهد. لا يخدع إلا نفسه من ظن أن الفلسطيني خصي. صار حملاً. لا تصدقوا السياسي الفلسطيني، صدقوا ما قاله الشاعر محمود درويش حين كان شاباً: حذار.. حذار.. من جوعي ومن غضبي. صدقوا توفيق زياد أرثوذكسي الناصرة، حين قال: وإن كسر الردى ظهري وضعت مكانه صوانة من صخر حطّين! يبدد وقته من يتحدث مع الفلسطيني بلغة لا تقوم مفرداتها على الكرامة والعدل".

الأربعاء، 18 أبريل 2012

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان (6-1)

المستقبل - الخميس 19 نيسان 2012 - العدد 4317 - ملف - صفحة 12


المجتمع المدني.. انفتاح "خجول" من "عين الحلوة" الى كسروان


أنيس محسن

أفرزت السيطرة التي مارستها الفصائل الفلسطينية المسلحة في سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي على الوضع الفلسطيني في لبنان، عسكرة للمجتمع الفلسطيني، الذي كان محظورا عليه رسميا قبل ذلك اقامة احزاب سياسية أو نقابات مهنية أو منظمات اجتماعية، وبالتالي غابت منظمات المجتمع المدني المستقلة، واستعيض عنها بمنظمات "جماهيرية" تابعة لتلك الفصائل وتنفذ سياساتها من خارج السياق جاءت بالمنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) التي فتحت طريقا بين "عين الحلوة" وكسروان عبر اجتماعات مع الشباب اللبناني وخصوصا المسيحي، ومع الأحزاب المسيحية، حيث فاجأ الجنرال ميشال عون وفد المنظمة بأنه ليس ضد تجنيس الفلسطينيين لكن عبر القانون.
لم تظهر ان هيئات ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية المستقلة سوى في العام 1997 عندما اتفق ثلاثة شبان على انشاء منظمة من خارج سلطة الفصائل فكانت فكرة "المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان" التي طورت نفسها وبقيت المنظمة الحقوقية الوحيدة على مدى سنوات، والأكثر بروزا الى الآن.
وكونها مبادرة في اطلاق مسار منظمات المجتمع المدني المستقلة، بادرت في فتح حوار مع الأحزاب المسيحية ومع الشارع المسيحي، فالتقت "حقوق" برئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وبرئيس "التيار الوطني الحر" ميشال عون، وبالقيادي الكتائبي الوزير السابق سليم الصايغ، وكان في حينه نائبا لرئيس الحزب، وما لفت وفد المنظمة أن الجنرال عون لم يرفض مسألة تجنيس الفلسطينيين، لكنه اشترط ان يتم ذلك عبر القانون.

غسان عبد الله: شعرنا بازدواجية في موقف الجنرال
يقول المدير العام للمنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان "حقوق" غسان عبدالله: "نحن في المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان وفي سعينا لإحقاق حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والكرامة الانسانية وحق العمل وحق التملك، كان لا بد ان نعقد اجتماعاً فلسطينياً موسعاً لتوحيد الرؤيا وان يكون هناك عمل جماعي لتفكيك العقبات الذاتية التي تعرقل العمل معا لتحقيق تلك الحقوق، وبمعنى آخر العمل على ترتيب البيت الداخلي كي لا يكون الانقسام أو الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني، ذريعة لمنع الفلسطينيين من نيل حقوقهم المشروعة".
وقد عقد اللقاء الفلسطيني الموسع من 30 أيلول (سبتمبر) إلى 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، وجاء ذلك بعد ان اجرت "حقوق" اتصالات وزار موفدوها عدة احزاب وجهات لبنانية وخصوصا المسيحية، "لأن الأطراف المؤيدة للحقوق الفلسطينية مثل "حزب الله" وتيار "المستقبل"، كانوا يطلبون منا دائما ان نتوجه نحو حلفائهم المسيحيين للتحاور معهم، كون الحلفاء هم من يتوجّسون من قضية الحقوق"، كما يقول عبدالله، ويضيف: "وفي هذا السياق زرنا القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر (العونيين) في أواخر العام 2005. تلك الزيارات لم تتم في مرحلة واحدة، انما تباعدت احيانا، تبعا للتطورات التي كان يعيشها لبنان في عامي 2005 و2006".
وحول مضامين اللقاءات وما خرجت به "حقوق" من استنتاجات، يقول المدير التنفيذي للمنظمة: "التقينا مع رئيس اللجنة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، وكان لقاءً جيدا جدا ودام اكثر من ساعة ونصف ساعة وتطرقنا خلاله الى اوضاع اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم حول العمل والتملك على وجه الخصوص، ولمسنا تفهما من الدكتور جعجع خصوصا ازاء مسألة حق العمل لكن مع تسجيله بعض التحفظ على حق التملك. كانت في تلك السنوات تطرح بشكل واسع مسألة ان المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية الارجح ان تخرج بنتائج وغالبا ان الفلسطينيين سيعودون الى دولة فلسطينية في الضفة وغزة، شرحنا ان مسألة العودة لفلسطينيي لبنان ليست بتلك السهولة، اذ انهم اساسا ليسوا من تلك الاجزاء من فلسطين، وحتى لو تم التوصل الى حل، فإن مسألة اصدار جنسيات فلسطينية لهم والعودة ليست بتلك السهولة".
يتابع: "ما يمكن ان يسجل بالنسبة للقوات اللبنانية اننا كنا نسمع الموقف ذاته من كل القيادات ومن القاعدة على حد سواء: تفهمهم لحق العمل وتحفظهم على حق التملك، ما عنى بالنسبة لنا ان القوات اللبنانية منسجمة في مواقفها، وبالتالي قد يكون الحوار معهم اسهل واكثر انتاجية اذا استمرت اللقاءات. هذه الملاحظة توصلنا اليها من خلال اللقاءات مع القيادة، ثم اللقاءات مع الشباب والطلاب من القوات اللبنانية وذلك في سياق لقاءات نظمناها مع القواعد الطلابية والشبابية المسيحية".
وبشأن الزيارة التي قام بها وفد "حقوق" لرئيس "التيار الوطني الحر"، يوضح عبدالله: "زرنا الجنرال ميشال عون، في 17 أيلول (سبتمبر) 2007 بعد فترة طويلة، وكنا قررنا تأجيل الاتصال به قبل ذلك للقائه بسبب مواقف الجنرال وقيادات تياره التي كانت عدائية جدا ازاء الفلسطينيين وحقوقهم. ما سمعناه من الجنرال كان مفاجئا لنا ومحيرا.. سمعنا كلاما جميلا حول الفلسطينيين وحقوقهم ومخالفاً تماماً لما يدلي به هو ومسؤولو تياره في الاعلام، وقد برّر عون هذه الازدواجية في المواقف بين المعلن في الاعلام والذي ابلغنا اياه، بالقول: لا تأخذوا الكلام الذي تسمعونه في الإعلام بأنه موجه ضد الفلسطينيين، فأحيانا يكون هناك تجاذب ما بيني وبين السفير الأميركي أو بيني وبين رئيس الحكومة أو سياسيين اخرين من الطرف الآخر"، وانه يوجه بتلك التصريحات "رسائل الى هؤلاء" وليس الى الفلسطينيين".
في الاستنتاجات ان عون كان متفهما "لموضوع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبالنسبة لموضوع التوطين، الذي كان وما زال يلوح به، قال انه في المبدأ يرفض التوطين لمصلحة الفلسطينيين، وكي لا تتجنس مجموعة كبيرة منهم ويفرض التوطين على الفلسطينيين واللبنانيين فرضا، لكنه اضاف انه ليس ضد ان يتجنس فلسطينيون عبر قانون تجنيس عادل اي ان يتقدموا كأفراد بطلب التجنيس وفق القانون واذا تجنسوا فلا بأس. هذا شكّل مفاجأة كبيرة لنا في الحقيقة".
أما بشأن حزب "الكتائب" الذي زاره وفد "حقوق" في2 حزيران (يونيو) 2009 والتقى نائب الرئيس في حينه الدكتور سليم الصايغ الذي عين لاحقا وزيرا للعمل، "كان اللقاء ايجابيا جدا، ولمسنا تفهما لدى المكتب السياسي لحزب الكتائب لمسألة حقوق الفلسطينيين، لكن لمسنا ايضا عدم وجود وحدة في الموقف بين المكتب السياسي للكتائب والقيادة وبين القاعدة الحزبية خصوصا الشبابية، التي التقينا بممثلين لها خلال اللقاءات الشبابية اللبنانية ـ الفلسطينية التي نظمناها. فكان يتوجب عملا اصعب ويحتاج مدة اطول في التوصل الى قواسم مشتركة مع القاعدة الكتائبية، بخلاف النسق القيادي للحزب الذي يتفهم اكثر مسألة الحقوق، بل ان هناك في القيادات الكتائبية من كان يدعم اعطاء كل الحقوق التي تنص عليها شرعة حقوق الانسان، بالطبع مع الحفاظ على مسألة رفض التوطين".
بعد اللقاء مع جعجع وعون نظمت "حقوق" لقاء حول "حق العمل" في 28 تشرين الثاني 2008، وقد كانت المرة الأولى التي تحضر فيها جهات مسيحية ورشة عمل تنظمها جهة فلسطينية وتناقش المسألة عبر مداخلات مكتوبة كان فيها ايجابيات وهواجس، فضلا عن تنظيم لقاءات شبابية لبنانية ـ فلسطينية كي يتم رصد هواجس الشباب من الطرفين ايضا.
يقول عبدالله: "المفاجأة خلال اللقاءات الشبابية الفلسطينية ـ اللبنانية التي نظمناها، كانت ان الكتلتين المتواجدتين لم تكونا لبنانيين ضد فلسطينيين انما فلسطينيين ولبنانيين ضد لبنانيين وفلسطينيين بناء على الاصطفافات اللبنانية الداخلية والفلسطينية الداخلية المبنية على المؤثرات الاقليمية. فكان شباب 14 اذار اللبنانيين متحالفين مع "منظمة التحرير" وشباب 8 أذار متحالفين مع التحالف الفلسطيني الموالي لسوريا".
كما ان اللافت في تلك المحاولة الجريئة وغير المسبوقة، زيارة وفد من الشباب المسيحي الى مخيم عين الحلوة، وزيارة وفد من الشباب الفلسطيني الى كسروان، حيث تفاجأ كل طرف بأن المنطقة الأخرى ليست عدوة كما تصور لهم الصورة النمطية المطبوعة في مخيلة الجانبين.
لم تكن مسألة الاتصالات التي أجرتها "حقوق" سهلة، فعلى سبيل المثال كان لقاء المنظمة مع جعجع الأول الذي تقيمه جهة فلسطينية معه بشكل علني ورسمي، بعد خروجه من السجن. يقول عبدالله: "بعد اللقاء ثارت ثائرة الجميع على المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان وعلي شخصيا (...) الرد الاكثر سلبية باتجاهنا جاء من خلال التحالف الفلسطيني الموالي لسوريا حيث خُوِّنا وهددنا وانا تحديدا بالسجن والقتل، وتعرضت لمحاولة خطف من قبل احد التنظيمات الفلسطينية بقصد نقلي الى سوريا. الجهة الاخرى التي استاءت من لقائنا بالدكتور جعجع كانت منظمة التحرير الفلسطينية، لكن ليس استياء من مبدأ اللقاء، انما لأننا الجهة التي بادرت وليست المنظمة التي تعتبر حالها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين. بالطبع نحن لم نلتقِ "القوات اللبنانية" كجهة سياسية، وهذا اوضحناه للجميع. موقف المنظمة كان متحفظا فقط تبعا لهذا المنطق، لكن ليس مهددا ولا متوعدا".
ويعتبر عبدالله انه "بشكل عام المواقف اللبنانية من حقوق الفلسطينيين بعضها يندرج في سياق القناعات معارضة أو داعمة للحقوق وبعضها في سياق المزايدات والمناكفات والمماحكات الداخلية التي يستخدم الفلسطيني فيها، وهو الحلقة الأضعف الآن في لبنان (...) لمسنا من خلال لقاءاتنا مع السياسيين وخصوصاً المسيحيين ان الكثير منهم يتفهم ضرورة ان ينال الفلسطينيون حقوقهم، لكن لديهم مخاوف وهواجس ويريدون ان يخطوا خطوة الى الأمام، لكن لا يقومون بذلك ويبقون بالتالي في مكانهم. ايضا لمسنا، خصوصا لدى التيار الوطني الحر (العونيين)، انفصاما بين ما نسمعه في الغرف المغلقة وما يقال على المنابر الاعلامية".
ويلفت مدير "المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان" الى ان "الجنرال عون ونوابه كانوا عقبة حقيقية في مسألة اطلاق عملية الاعمار في مخيم نهر البارد، وقد عملوا جاهدين الى منع الاعمار، وأخّروه كثيرا (...) وفي موضوع حق العمل ايضا، من يراجع تصريحات الجنرال عون ونوابه ووزرائه، يرى كم انهم كانوا معارضين لذلك".
لكن المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان لا تبدو متشائمة، وهي ترى ان الأمور لا بد ان تسير بشكل ايجابي في المستقبل، وفي هذا السياق يقول عبدالله: "انا ارى ان العمل من خلال آلية حقوق الانسان هو عمل تراكمي لا ينتبج سريعا، لكن انتاجه يكون عميقا وفاعلا".
لقد ساهمت المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان، الى جانب اخرين في المجتمعين المدني والسياسي، في نقاش ومتابعة العديد من الملفات، مثل تعديل قانون العمل الذي توحدت هيئات المجتمع المدني الفلسطيني حوله وعقدت عشرات اللقاءات والاجتماعات والاتصالات بالكتل النيابية والوزراء في مختلف الخلوات وكتابة المذكرات للحكومات وحملات التوعية من خلال اللقاءات المباشرة أو عبر الاعلام.
يقول غسان عبدالله: "اعتبرنا ان تعديل قانون العمل يعد انجازا حتى وان لم يكن بالمستوى الذي اردناه حيث لا يزال الفلسطينيون ممنوعون من العمل في ما يطلق عليه في لبنان اسم المهن الحرة مثل الهندسة والطب والصيدلة وغيرها من المهن المنتظمة في نقابات خاصة. فعلى الرغم من قصور التعديل، الا انها كانت المرة الاولى التي يتطرق فيها القانون اللبناني الى الحقوق المدنية للفلسطينيين".
ويشير الى ارسال العديد من المذكرات الى مختلف الحكومات اللبنانية اما باسم المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان أو بشكل مشترك مع هيئات المجتمع المدني الفلسطيني الاخرى، أو من خلال هيئات اقليمية أو دولية مثل الشبكة العربية للتنمية "التي اشتركنا عبرها في ارسال مذكرة الى الرئيس نجيب ميقاتي عندما ألَّف الحكومة اللبنانية الاخيرة".
يعتبر مدير المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان، ان الحكومات التي جاءت بعد العام 2005، عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، "بدأت تتعامل بجدية مع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وان ليس بالشكل المنصوص عليه في شرعة حقوق الانسان، ولم يعد بالتالي التعاطي مع الفلسطيني في لبنان مقتصراً على الجانب الأمني". ويشير إلى ان "البداية كانت مع حكومة السنيورة الأولى حيث تم تأليف لجنة وزارية زارت المخيمات وخصوصا مخيم عين الحلوة وصرح في حينه عدد من الوزراء ممن شاركوا في الزيارة بأن وضع المخيمات لا يحتمل وان على لبنان تغيير هذا الواقع. وتعاملت حكومة الرئيس السنيورة الثانية في بيانها الوزاري مع حقوق الفلسطينيين في البيان الوزراي، وكذلك حكومة الرئيس سعد الحريري، وايضا حكومة الرئيس ميقاتي".
وفيما يشير غسان عبدالله الى اتصالات تمت ولا تزال جارية في اطار مجلس النواب اللبناني وعبر الآليات المحلية والدولية لحل مسألة الحقوق الفلسطينية، يقول "للأسف في لبنان التركيبة الطائفية الموغلة في التفاصيل السياسية هي السبب الرئيسي في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، فيما المصلحة الاقتصادية والاخلاقية والانسانية، تلزم لبنان باعطاء الحقوق لمجموعة من الناس مقيمة على ارضه بغير ارادته أو ارادتهم".

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان (6-2)

عرفات والتجربة اللبنانية: تحديات ومصاعب وإنجازات
المستقبل - الخميس 19 نيسان 2012 - العدد 4317 - ملف - صفحة 12

صقر أبو فخر()

يمكن اعتبار سنة 1968 سنة البدايات للعمل الفدائي الفلسطيني في لبنان، ففي تلك السنة بدأت تظهر في منطقة العرقوب الجنوبية أولى القواعد العسكرية. لكن العمل الفدائي لم يكتسب شرعيته القانونية إلا في سنة 1969 حين جرى توقيع اتفاقية القاهرة بين ياسر عرفات كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإميل البستاني كقائد للجيش اللبناني. والتجربة العسكرية الفلسطينية في لبنان، علاوة على التجربة السياسية والاعلامية، لم تعش أكثر من اثنتي عشرة سنة انتهت بالخروج الكبير في سنة 1982. وهي تجربة فيها كثير من الملابسات، وخالطتها أسرار متشعبة لم تُكشف جميع أسرارها حتى اليوم.

من عمان إلى بيروت

بعد الخروج من الأردن في صيف سنة 1970 اتخذ ياسر عرفات مقره الرسمي في دمشق، لكن مقره الفعلي كان في بيروت. أما الجسم العسكري للمقاومة الفلسطينية فقد تركز في منطقة العرقوب في الجنوب اللبناني وعند منحدرات جبل الشيخ، ثم راح يتمدد تدريجاً على طول الحدود مع اسرائيل. وقد كانت المرحلة اللبنانية أكثر مراحل الثورة الفلسطينية إيلاماً وانجازات في الوقت نفسه.

أول ما واجهه ياسر عرفات هو الميل العربي الى الاعتدال بعد سنة 1970. ففي سوريا، وبعد تسلم حافظ الأسد السلطة التي دانت له تماماً، قبلت سوريا القرار 242. وفي العراق أزيح كل من حردان عبد الغفار التكريتي وعبد الخالق السامرائي المؤيد للفدائيين بقوة وصالح مهدي عماش وعبد الكريم الشيخلي وحماد شهاب وسعدون غيدان ثم ناظم الكزار، وانفرد الثنائي أحمد حسن البكر (الذي كان يكره ياسر عرفات) وصدام حسين بالسلطة. وفي مصر لم يلبث الرئيس أنور السادات أن أطاح خصومه في أيار (مايو) 1971 وزجهم في السجن أمثال علي صبري وشعراوي جمعة وسامي شرف.

كان ياسر عرفات يخشى تكرار التجربة الأردنية في لبنان، فسعى الى التفاهم مع الجميع يميناً ويساراً. لكن حلفه الأساسي ترسخ مع كمال جنبلاط ومع الحركة الوطنية اللبنانية. وكان لكمال جنبلاط مكانة خاصة لدى ياسر عرفات، فلم يرفض له طلباً على الرغم من بعض الاختلافات في النهج السياسي. كان ياسر عرفات، بين 1970 و1976، يحتاج الى كمال جنبلاط والحركة الوطنية اللبنانية لتأمين غطاء سياسي له في لبنان. لكن، منذ سنة 1976 فصاعداً صار كمال جنبلاط هو من يحتاج الى ياسر عرفات لمواجهة سوريا واليمين اللبناني المتمثل آنذاك بـ"الجبهة اللبنانية".

تمكن عرفات، وبسرعة، من انتزاع شرعية لوجوده في لبنان فوق ما منحته إياه اتفاقية القاهرة الموقعة في 3/11/1969. ففي 30/9/1971 زار القصر الجمهوري اللبناني، والتقى الملك فيصل بن عبد العزيز الذي كان يزور لبنان آنذاك، والرئيس سليمان فرنجية، وبحث معهما عدة شؤون منها الوساطة السعودية ـ المصرية لتسوية الخلاف مع الأردن، فضلاً عن بعض القضايا ذات الصلة بالفدائيين في لبنان. ومن مقره في منطقة الفاكهاني في بيروت أدار السياسة الفلسطينية والعمل العسكري الفلسطيني معاً. وكانت اجتماعاته الليلية لا تنتهي إلا عند الفجر.

كانت السياسات العربية تميل، على العموم، الى الاعتدال النسبي، وكانت السياسة الفلسطينية تخالف هذا الميل، وتتوسل نهج الكفاح المسلح والعنف الثوري. هذا الأمر أرغم عرفات على اختيار خط السير المتعرج كمن يسير في حقل من الألغام.

كان أول تحدٍ لياسر عرفات هو كيف يحمي، في بيئة شبه معادية ونصف صديقة، أمن المقاومة ومؤسساتها، وأمن القادة الفلسطينيين، ويواصل الكفاح المسلح، ويمارس العمل السياسي في الاطار العربي، والعمل الاعلامي والسياسي في النطاق الدولي، وأن تصب هذه الروافد كلها في مجرى واحد هو حركة التحرر الوطني؟ وقد تمكن ببراعة فائقة من إقامة علائق قوية مع الاتحاد السوفياتي ودول المنظمة الاشتراكية، وأن يحافظ على علاقاته الوثقى بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج في الوقت نفسه.

في هذه الأثناء كانت اسرائيل تغتال غسان كنفاني في منطقة الحازمية شرقي بيروت في 8/7/1972، وترسل طرداً ملغوماً لينفجر بين يدي أنيس صايغ في 19/7/1972، وترسل طرداً ثانياً لينفجر بين يدي بسام أبو شريف رئيس تحرير مجلة "الهدف" في 25/7/1972، وتغتال وائل زعيتر في روما في 16/10/1972، وتطلق النار على محمود الهمشري في باريس في 8/12/1972 ليتوفى في 9/1/1973، وتغتال باسل كبيسي في باريس أيضاً في 6/4/1973. وكانت الذروة في 10/4/1973 عندما تسلل فريق من الكوماندوس الاسرائيلي بقيادة ايهود باراك الى بيروت، وتمكن، بتسهيل من عناصر داخلية لبنانية من اغتيال كمال عدوان ومحمد يوسف النجار وكمال ناصر. هذه الحادثة أدخلت الوضع اللبناني في مشكلات سياسية وأمنية متفاعلة، ومهدت السبيل للانفجار اللاحق في أيار (مايو) 1973.

لم يذعن ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية لهذه المخاطر البتة. فقامت حركة "فتح" بممارسة الحرب المضادة السرية ضد "الموساد" الاسرائيلي، وتمكنت من قتل تساودك عوفير في بروكسل في 10/9/1972، وهو ديبلوماسي وعضو في "الموساد"، وقتلت موشيه حنان يشاي في مدريد في 26/1/1973، وأردت سيمحا غليتزر في قبرص في 12/3/1973، ويوسف ألون في واشنطن في 1/7/1973، وعامي تساحوري في أمستردام في 10/9/1973.

الانفجار

سار في جنازة القادة الثلاثة كمال عدوان ومحمد يوسف النجار وكمال ناصر نحو 250 ألف شخص بحسب تقديرات تلك المرحلة، وكان الفلسطينيون آنذاك لا يستطيعون حشد أكثر من خمسين ألفاً في أقصى امكاناتهم. وهذا يعني أن الأغلبية الساحقة من المشاركين كانت من اللبنانيين. وقد لفت هذا الأمر الأجهزة الأمنية والعسكرية في لبنان، ومحطات المخابرات الأجنبية في بيروت، ولاحظ الجميع أن المقاومة الفلسطينية باتت قوة كبيرة، بل قوة سياسية لبنانية يحسب لها الحساب. وكان أن انفجر القتال في 2/5/1973 بين الجيش اللبناني والفدائيين.

وقد كان المقصود شل فاعلية المقاومة تماماً، وإخضاعها للقواعد الأمنية اللبنانية، وإن تيسرّ الأمر، فالقضاء عليها على الطريقة الأردنية. وبالطبع لم يتمكن الجيش من اقتحام المخيمات، وتلقى الرئيس اللبناني سليمان فرنجية إنذاراً من الرئيس أنور السادات، وإنذاراً آخر من الرئيس حافظ الأسد الذي اتبع انذاره بإغلاق الحدود السورية ـ اللبنانية. وعند ذاك توقف القتال، وخرج الفدائيون من هذه المعركة بفوز سياسي.

استثمر ياسر عرفات نتائج أحداث أيار 1973 لتعزيز مكانته السياسية. وهذه المكانة أتاحت له المشاركة في الحرب التي نشبت في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 بين جيشي مصر وسوريا من جهة والجيش الاسرائيلي من الجهة المقابلة. وفور اندلاع المعارك أصدر عرفات أوامره الى قوات حطين التابعة لجيش التحرير الفلسطيني في سوريا، وإلى قوات عين جالوت في مصر بالانخراط في الحرب الى جانب الجيشين المصري والسوري. وفي جنوب لبنان قامت قواعد الفدائيين بقصف مواقع للجيش الاسرائيلي، ونفذت عمليات إغارة وإعاقة لتقدم الوحدات الاسرائيلية نحو الجولان السوري.

ساهمت مشاركة قوات الثورة الفسطينية في حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973 في انتزاع مكانة عربية خاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وصار ياسر عرفات لاعباً أساسياً في سياسات المنطقة. وفي هذا الميدان كوفئ عرفات في مؤتمر القمة العربية السابعة المنعقد في الرباط في 26/10/1974 باتخاذ المؤتمر قراراً يعترف فيه بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ثم جاء اعتراف منظمة الوحدة الافريقية ومؤتمر دول عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الدولي أيضاً. ثم وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1974، وبأغلبية 110 دول، على قبول منظمة التحرير الفلسطينية عضواً مراقباً لديها، ما أفسح في المجال أمام عرفات لإلقاء كلمة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في 13/11/1974 وقف ياسر عرفات أمام ممثلي دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى جانب الكرسي الأصفر المخصص للرؤساء تلقى عاصفة من التصفيق لم تتح لغيره على الاطلاق. ومن على منصة الخطابة ألقى أبو عمار خطبة بليغة ختمها بالقول: "جئتكم ثائراً أحمل غصن الزيتون بيد والبندقية في اليد الاخرى. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي". وحينما استمع ناحوم غولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي الى خطبة عرفات قال: "لقد أيقظ ياسر عرفات في داخلي تاريخاً من غياب الوعي، وجعلني أشعر بأنه ما زال ممكناً أن تلد أرض فلسطين الأنبياء".

لم تكن الأرض السياسية ممهدة أو معبدة تحت أقدام عرفات ورفاقه حينما تمكن رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" من تحقيق هذه الانجازات. فمنذ أن أقرّ المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر المنعقد في القاهرة في 1/6/1974 وثيقة البرنامج المرحلي المعروفة ببرنامج النقاط العشر الذي يتضمن فكرة الدولة الفلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى شرع البعض في إقامة العوائق في وجه ياسر عرفات وحركة "فتح". فدعم النظام العراقي مجموعة صبري البنا (أبونضال) في انشقاقه على "فتح" ثم في تنكيله بكثير من كوادر الحركة بالقتل اغتيالاً. وفي 29/9/1974 أُعلن عن تأسيس "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية" المعروفة باسم "جبهة الرفض" اختصاراً، والتي تلقت دعماً كبيراً من العراق. وفي الوقت نفسه كانت اسرائيل تخطط لإجهاض أو تحطيم الموقع الذي احتلته "منظمة التحرير الفلسطينية" بقيادة عرفات، خاصة أن العمليات العسكرية الفلسطينية ضدها باتت أكثر تطوراً وفاعلية.

لم تكن الولايات المتحدة لتقبل مثل هذه التطورات في الشرق الأوسط بعد انسحابها من فيتنام عام 1975. لذلك راح وزير خارجيتها هنري كيسنجر، الذي تمكن في جولاته المكوكية، من فك الاشتباك بين الجيش المصري والجيش الاسرائيلي عام 1974، ونجح في جر مصر الى توقيع اتفاقية سيناء في سنة 1975 التي كانت تمهد لإعادة افتتاح قناة السويس أمام الملاحة الدولية التي افتتحت مجدداً في 5/6/1975 يعد الخطط لإغراق الثورة الفلسطينية في الوحول اللبنانية، فنجح في تفجير صاعق الحرب الأهلية اللبنانية في سنة 1975 التي لم تتوقف إلا في سنة 1990.

كان ياسر عرفات يخشى انفجار التناقضات اللبنانية في وجهه، بينما كان كمال جنبلاط زعيم الحركة الوطنية اللبنانية يسعى الى كسر المعادلة اللبنانية وتغييرها.

في خضم التعقيدات السياسية والعسكرية التي خلقتها الحرب الأهلية، صار عرفات لاعباً في السياسة المحلية اللبنانية، وهو الأمر الذي لم يكن يريده، بل وجد نفسه غارقاً فيه.

تدخلت سوريا بجيشها، وتدخلت اسرائيل، وجاء اغتيال كمال جنبلاط في 16/3/1977 ليصيب ياسر عرفات بخسارة هائلة، وقبل ذلك سقط مخيم تل الزعتر.

لكن زيارة انور السادات الى القدس في 19/11/1977 وتصاعد القتال في لبنان، أديا الى اعادة تحالفه مع سوريا، ما أسس لتحالفات جديدة في المنطقة العربية بأسرها.

لم تكد المقاومة الفلسطينية تتوازن قليلاً بعد اغتيال كمال جنبلاط وبعد التفاهم مع سوريا حتى كانت اسرائيل تحتل جزءاً من جنوب لبنان في آذار 1978، وتنشئ ما أسمته "الحزام الأمني". وهكذا صارت الحدود مع اسرائيل بعيدة، وتقلص نطاق العمليات الفدائية ضد اسرائيل.

بين سنة 1980 و1982 تهتكت الأوضاع اللبنانية كثيراً، وأنهك المجتمع اللبناني والمقاومة الفلسطينية معاً، وسقط الجميع في شباك القتل اليومي من دون أي نتيجة سياسية. واضطر عرفات الى ادارة الشؤون اليومية بطرق تجريبية لم يختبرها من قبل. وانكشف الوضع اللبناني على شتى الممارسات، وصار مرتعاً لأجهزة الاستخبارات في العالم، وتقاسمته مجموعة من اللاعبين المتصارعين بلا هوادة وبلا أي هدف ممكن.

استمر الوضع على حاله من التدهور والتفتت والانحلال حتى وقوع الاجتياح الاسرائيلي في الخامس من حزيران (يونيو) 1982.

() كاتب وباحث في الشؤون الفلسطينية والمشرف على ملحق "فلسطين" الذي يصدر عن جريدة "السفير".

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان 5

اليسار الفلسطيني لم ينأَ بنفسه عن الحرب الطائفية

"الشعبية": لن نكون طرفاً في أي صراع داخلي لبناني

"الديموقراطية": الحل الجذري يقتضي معالجة شاملة

المستقبل - الاربعاء 18 نيسان 2012 - العدد 4316 - ملف - صفحة १२

لم يكن اليسار الفلسطيني بمنأى عن الحرب الداخلية في لبنان التي اخذت منحى طائفياً، ما شكّل معضلة أخلاقية لهذا اليسار المتحالف فكرياً مع نظيره اللبناني، والمنغمسان معاً، بصرف النظر عن العناوين المعلنة، في حرب طائفية.
كان يمكن لليسار الفلسطيني ان يلعب دوراً آخر غير الانخراط في تلك الحرب. فمعظم قياداته اختبرت لبنان في أيام السلم والإزدهار، لا بل فإن حركة "القوميين العرب" التي انبثق فصيلا اليسار الأكبر عنها، الجبهتان "الشعبية" و"الديموقراطية"، انطلقت من لبنان عبر قيادات عاشت فيه وانطلقت منه وكانت عضويتها اللبنانية لا تقل اهمية عن عضويتها الفلسطينية.
هذا اليسار، تمادى في لبنان فأسّس أحزاباً حليفة له أو تحالف مع أحزاب كانت شقيقة له في مرحلة الحراك القومي، و"تميسرت" مثل الجبهتين بعد هزيمة حزيران (يونيو).
ان معضلة اليسار الفلسطيني في الحرب اللبنانية هي معضلة أخلاقية بامتياز. المفترض أن ما يميّز اليسار ثوريته ذات البعد الإنساني، وقدرته على الانتاج الفكري، فهل كان لمشاركته في الحرب اللبنانية بعد انساني أو فكري؟ ثم كيف قرأ ما جرى وهل راجع التجربة؟
الإجابة عن هذا السؤال، ملك لمسؤولي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في لبنان وعضو مكتبها السياسي مروان عبدالعال، و"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" وعضو مكتبها السياسي علي فيصل، في سياق مساهمتهما في هذا الملف.
***
***
لا يختلف اليسار الفلسطيني، ممثلاً اساساً بالجبهتين "الشعبية" و"الديموقراطية" لتحرير فلسطين، في الخلاصات الاخيرة في سياق مراجعة التجربة اللبنانية، عمّا توصلت إليه حركة "فتح" وكذلك "حماس"، وهو ينأى بنفسه عن التجاذبات اللبنانية حاليا، لكن تحالفاته تبقى مبدئية، اذ ان اليسار اللبناني هو الحليف اولاً وأخيراً.
يرفض اليسار الفلسطيني أن يكون قد تورّط في الحرب من جانبها الطائفي، ويؤكد ان جوهر الأزمة ما كان فلسطينيا ـ لبنانيا، انما لبنانيا ـ لبنانيا، ومن بوابة مطلبية عبّرت عنه الحركة الوطنية اللبنانية ببرنامجها الاصلاحي الذي طرحته قبل اندلاع حرب العام 1975.
وفي حين أن جوهر الأزمة بنيوي مرتبط بطبيعة النظام في لبنان، فإن تحويل الصراع الى صراع طائفي كان القصد منه ضرب التوجّهات الاصلاحية للحركة الوطنية اللبنانية وتصويرها على انها الطرف المسلم المقابل للطرف المسيحي، رغم علمانيتها، وبالتالي تصوير المقاومة الفلسطينية على أنها جيش المسلمين من جهة والطامحة الى جعل لبنان وطنا بديلا من جهة اخرى، فضلا بالطبع عن العناصر الاقليمية المتمثلة بحرب تشرين 1973 وخروج مصر من المواجهة وعقدها اتفاق سلام منفرد مع اسرائيل، والحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
وفيما اندلعت الحرب الاهلية، يجمع اليساريون على أنه لم يكن ممكناً تلافيها أو وقفها لكثرة التداخلات التي عقّدت المسألة، وخصوصا العنصر الاسرائيلي الذي كان يسعى لضرب امكانية الاصلاح في هيكل النظام اللبناني من جهة ولانهاء تجربة المقاومة الفلسطينية من جهة اخرى.
واذا ما اختلفت النظرة الى الماضي بين اليسار والاخرين حول اسباب الحرب في لبنان، فإن الجميع يتوافقون على النتائج الكارثية التي حصلت، ويصرّون على الاستفادة من التجربة السلبية في نسج تجربة اخرى في لبنان، اساسها عدم الاصطفاف مع اي طرف ضد اخر، مع المحافظة على عامل الشراكة مع اليسار اللبناني، حيث التوافق الفكري بين الجانبين.

عبد العال: سلّمنا السلاح بنيّة الدخول في حياة مدنية
يمكن اعتبار ان "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التنظيم الفلسطيني الأقدم في لبنان، كونها منبثقة عن "حركة القوميين العرب" التي أسّسها المناضل الراحل الدكتور جورج حبش، ورفاقه الذين كانوا في عداد طلاب الجامعة الأميركية في بيروت عند النكبة حيث تخرّج طبيباً، خصوصا ان "القوميين العرب" كانوا الاكثر نشاطا في لبنان وعدد اخر من الدول العربية، وكانت فلسطين هي في مقدمة، بل ربما الهدف شبه الوحيد لهم.
لكن معرفة لبنان لم تحل دون الانجراف في حرب دمرت لبنان والعمل الفدائي الفلسطيني فيه، في عملية يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤولها في لبنان مروان عبد العال ان الجميع كان فيها "ضحية الرواية الوهمية حيث كثيرون في لبنان كانوا يعتقدون أنهم عندما يقاتلون الفلسطيني كانوا يقاتلون مؤامرة التوطين، وهنا الآخر يحتاج الى مراجعة وأن يدقّق في ما اذا كانت هذه الرواية حقيقية أم أنه كان ضحية رواية وهمية دفع لبنان ثمنها. بالتالي لا يمكن أن تستقيم المسألة ما لم تبادر كل أطراف الحرب الى إجراء مراجعة حقيقية".
هل كان بإمكان الفلسطيني ان يتلافى الحرب؟... يرى عبد العال انه "لم يكن باستطاعته، حتى ولو أراد ولأكثر من سبب:
الأول له علاقة بالبيئة التي تركت لمن يشعلها، فالفلسطيني خضع لحالة طوارئ منذ أن هجّر الى لبنان في العام 1948، ولم تكن ثمة سياسة محددة للتعامل مع الفلسطيني بما يمكن ان نطلق عليه سياسة اللاسياسة، التعامل معه كان تعاملا امنيا محضا.
الثاني: وهي المسألة الأهم التي يجب ان لا ننساها، ان ثمة عاملا داخليا غاية في الأهمية شكل احد اهم عناصر الانفجار الداخلي، وهو شكل نظام الحكم في لبنان والخلاف عليه. فقد كانت الحركة الوطنية اللبنانية تطرح مشروعا اصلاحيا على صلة بالتحولات الاجتماعية اللبنانية، يرفضه طرف لبناني اخر.
السبب الثالث: القضية لم تكن صرف لبنانية، ولم تكن متعلقة بلبنان وقواه السياسية، انما كان قراراً خارجياً، تضافر مع الظروف المهيأة في المناخ اللبناني لتستفيد منها اطراف خارجية، ومنها القضايا ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. فعند مراجعة التجربة يجب ان لا ننسى عناصر مثل حرب تشرين والطفرة النفطية ومكانة لبنان الاقتصادية كمصرف لأموال النفط، ثم ان الحرب الأهلية في لبنان كانت واحدة من مقدّمات "كامب ديفيد"، اذ ما كان في إمكان أنور السادات زيارة القدس لو كان الوضع الفلسطيني مختلفاً، ثم ما حدث في لبنان جاء بعد ما حدث في الاردن (احداث ايلول الاسود)".
[ اتفاق القاهرة ضرورة عربية
لكن محاولات عدم الانجرار الى مزيد من التدهور سبقت زيارة السادات الى القدس وجاءت في مرحلة مبكرة من الصدامات بين الفدائيين والجيش اللبناني، فلماذا لم يفلح في وقف الانجرار الى الحرب، يرى عبد العال ان "اتفاق القاهرة جاء عبر موازين قوى، والواقع العربي كان حاضرا فيه بقوة، بدليل الثقل المصري الكبير في انتاجه، وجود (الرئيس المصري السابق جمال) عبد الناصر تحديدا. وكانت الاحتكاكات الفلسطينية ـ اللبنانية خطيرة وتؤثر على الواقع العربي".
كما ان الاتفاق جاء منقوصا وحاملا في طياته عناصر خرقه، على ما يرى عبد العال الذي يوضح انه "في نطاق ادبيات الجبهة ومن مضمون خطابات الأمين العام المرحوم الدكتور جورج حبش، الذي كان يقول، ان اتفاق القاهرة هو ثوب ضيق على الثورة الفلسطينية، ونحن كجبهة شعبية نفرضه لأنه ناقص، وبالتالي نحتاج الى توسيع هذا الثوب، وان يشمل الكثير من القضايا التي لم تكن مشمولة، مثل القضايا الاجتماعية والسياسية".
ويعتبر عبد العال، ان "اتفاق القاهرة تم توسيعه أمنيا بشكل مبالغ فيه وهذه إحدى أهم ثغراته، والواقع ان التجربة العسكرية يجب ان تدرس ايضا بعناية. فقد اصبح للفلسطينيين جيش، السؤال من فرض وجود هذا الجيش؟ هل هو غياب وجود جيش وطني حامي فكانت المقاومة بديل الجيش؟ أم أن الحرب الأهلية فرضت وجود هذا الجيش حيث تعرض المقاومة للقصف وللهجمات فرض على الفلسطينيين ان يقوموا بعملية تجنيد وتجييش وأصبح هناك عسكرة للمجتمع الفلسطيني مثلما كان الأمر داخل المجتمع اللبناني نفسه الذي جيش وتعسكر؟".
الخلاصة اذا، كما يراها عبد العال: "كانت هناك بيئة مهيئة، أجواء مشحونة في أرض خصبة بانتظار من يرمي عود الثقاب. بوسطة عين الرمانة كانت عود الثقاب وليست السبب الحقيقي. هناك مقدمات فرضت مثل هذه البداية".
[ الأمس واليوم
أما وقد انتهت الحرب وانقضى عليها 37 سنة، فما هي الدروس المستوعبة؟ يقول عبد العال: "الحرب انتهت، لكن ما لم نستوعب اسباب الحرب التي مضت، فسوف تعود. الآن نسمع نوعاً من لغة حرب، فهل الدعوة الى إزالة مخيم أو قتل فلسطيني هي محاربة للتوطين؟ وهل مواجهة التوطين تكون بإزالة الشعب الفلسطيني، هذا منطق استئصالي وعنصري. هذه مقدمات لحرب يجب ازالتها كي لا تقع الحرب. ان فشل منع وقوع الحرب، سببه عدم التعامل مع المقدمات الممهدة للحرب".
يشير الى ان "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عاشت بعد العام 1982 مرحلة من الجدل الداخلي، والنقاش حول تجربة لبنان. كما كانت وقفة مماثلة بعد تجربة الأردن. طرحت اسئلة كبيرة ربما كانت تحتاج الى اجابات جدية. توقفت اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أمام تجربة لبنان منذ البدايات، حتى في بداية الحرب الأهلية كانت هناك وقفة مهمة للجنة المركزية للجبهة الشعبية تحدثت فيها عن المزالق التي يمكن أن تؤثر على الوجود الفلسطيني في لبنان، وبعد انتهاء الحرب ودخول لبنان في مرحلة السلم الأهلي، كانت وقفة مهمة لقيادة فرع لبنان في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعنوان المصالحة مع الذات والآخرين، وكانت وقفة شاملة حول كل المسائل السياسية والاجتماعية، وبالمعنى التاريخي كيف نجري مصالحة بين المجتمعين اللبناني والفلسطيني، لأن الجروح كانت عميقة جدا، وفضلا عن النقد الذاتي في اطار التجربة، كان سؤال في المراجعة عن سبب الانزلاق السريع للحرب. العديد من المسائل تمت مراجعتها على هذا الصعيد.
يقول عبد العال: "قبل كل شيء يجب ان لا نهمل ان المقاومة كفصائل مسلحة خرجت من لبنان في العام 1982، حيث كانت هناك جيوش فلسطينية في لبنان، كان هناك جيش التحرير الفلسطيني وقوات عسكرية فلسطينية متعددة. خرجت كل تلك القوى وأصبحت المخيمات عارية من الحماية، وفي هذا المناخ حصلت مجزرة صبرا وشاتيلا، التي تركت اثراً كبيراً وجرحاً عميقاً لا يسهل علاجه.
رغم كل ذلك، كنا مقتنعين بضرورة الدخول في مرحلة السلم الأهلي في لبنان، ولهذا تم تسليم السلاح الفلسطيني الثقيل والمتوسط للجيش اللبناني، وطبّق على السلاح الخفيف الفلسطيني ما طبّق على السلاح الخفيف اللبناني. تلك الخطوات جاءت من الجانب الفلسطيني، وكنا ننتظر أن تعالج بعد ذلك مباشرة قضايا الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان، لكن هذا لم يتم". يضيف: "سلّمنا السلاح لأننا كنا نريد ان ندخل في حياة مدنية واجتماعية وان نتمكن من العمل في المجال السياسي، الجواب العملي وأحياناً العلني كان أنه لا حقوق للفلسطيني، بل ان الحقوق ربطت بالتوطين وأصبح الافراج عن الحقوق الانسانية صنو التوطين، ما عنى ويعني رفض الوجود الفلسطيني فيزيائيا ومن حيث المبدأ".
[ نهر البارد.. الإمتحان
الفلسطيني قرأ التجربة وراجعها، وهو استفاد من قراءته تلك بعد التطورات التاريخية التي حدثت في لبنان في العام 2005، وهنا يقول عبد العال: "كاد البلد ان ينفجر بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو قامة ليست عادية، كان هناك رعب حقيقي، وحاول البعض زج الفلسطينيين من خلال تكبير صورة الاسلاميين في المخيمات وكأن كل الفلسطينيين اصبحوا اصوليين اسلاميين. اجتمعنا كقيادة فصائل فلسطينية وقررنا ان لا نتدخل بما يجري، بل وضعنا نفسنا تحت سلطة القرار اللبناني اذا ما تعرض لبنان لأي اعتداء. لكن في الصراع الداخلي نحن فلسطينيون، ولن نكون طرفا في اي صراع داخلي في لبنان، وما ننحاز له هو فقط السلم الأهلي في لبنان. هذا الوعي تشكل عفويا لدى الشعب الفلسطيني ولدى الفصائل حتى من دون وجود دراسة شاملة للتجربة اللبنانية، انما لشعور ربما بخطأ التورط في الحرب الأهلية. ببساطة كان منطق الفلسطيني العادي في الشارع اننا غير معنيين، اذا تدخلنا اليوم واصطلح المتخاصمون اللبنانيون غدا سوف نتحمل نحن كل المسؤولية".
من هذا المنطلق يعتبر عبد العال ان "ما جرى في نهر البارد كان جزءاً من مخطط لزج الفلسطينيين في الصراعات التي كانت تجري في لبنان بعد 2005، لكن المخطط فشل عندما اكدنا اننا شركاء للجيش اللبناني في معركة نهر البارد. النتيجة اننا كنا ضحية، هذا صحيح، لكن ايضا لم نكن القاتل، وهذا اراح الوضع الفلسطيني كثيرا واخرج الفلسطينيين من اللعبة التي كانت تحاك. قلنا لينفجر المخيم في صدرنا ولا ينفجر في لبنان".
من ضمن المساهمات الفلسطينية ايضا في المساعي نحو طي صفحة الماضي كانت وثيقة "اعلان فلسطين" في لبنان في العام 2008، التي يقول عنها عبد العال: "الاعتذار الذي قدمه السفير عباس زكي عبر وثيقة اعلان فلسطين في لبنان، لم يكن احد ضده، انما الاعتراضات التي ثارت حوله كانت لأنه ليس شاملا، وانه اعلان سياسي اعلامي اكثر منه مراجعة عميقة للتجربة الفلسطينية في لبنان. لكن الوثيقة كانت في سياق النظرة الجديدة الفلسطينية الى كيف يجب ان تكون علاقة الفلسطينيين بلبنان".
الاصرار الفلسطيني على الانفصال عن التجاذبات اللبنانية افسح في المجال امام انقشاع الضباب الذي خيم على العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية، وباتت مسألة الحقوق الانسانية في مقدمة البحث، ليس كمطلب فلسطيني، انما كواجب لبناني، ويشير هنا عبد العال الى ان "حكومة الرئيس سعد الحريري اكدت ان واجب الدولة اعطاء الحقوق للفلسطينيين اكثر مما هو مطلب فلسطيني، وهذه مسألة غاية في الأهمية".
وانطلاقا من تجربة نهر البارد وعلى الرغم من المماطلة في اعادة اعماره، يقول عبد العال: "أستطيع أن أجزم ان القضايا لم تعد بالحدة التي كانت عليه، وهناك ليونة لدى الجميع، على الرغم من صدور بعض المواقف فيها مبالغة في المخاوف، واحيانا تأتي من معطيات غير صحيحة ويبنى على اساسها مواقف سياسية، الكثير من تلك المواقف تتغير عندما تشرح المسائل بشكلها الصحيح والعميق. مثلاً اعمار نهر البارد يحظى بإجماع لبناني، رغم وجود بعض العراقيل والعقبات احياناً الآتية من مواقف فردية تجري معالجتها، ومن خلال قضية نهر البارد تجري حوارات مع مختلف الاطراف اللبنانية تتناول مسألة المخيم النموذجي والمشاركة والشرعية، وقضية المخيم النموذجي الذي طرح نهر البارد كمشروع له، نؤكد للطرف اللبناني ان فهمنا له هو كيف نحافظ على الخصوصية الفلسطينية ضمن القانون اللبناني، فعدم الدمج يجب ان لا يعني الاستثناء ولا الانعزال، انما فهم الحالة الخاصة من ضمن الشرعية. هذه النقاشات تجري بأمل ان تخلق مساحة مشتركة بين الفلسطيني وكل اللبنانيين، وهي مساحة الى الآن ليست شاملة، قد تظهر في عناوين وتختفي حول عناوين اخرى. فمسألة اعادة المخيم الى شكله المدني قد نجد طرفاً لبنانياً يوافق عليها وطرفاً اخر لا يوافق، والتقسيم هنا ليس على اساس اسلامي ومسيحي فالاتفاق والاختلاف يتم مع اطراف من هنا واطراف من هناك".

فيصل: وجد الفلسطينيون أنفسهم ضمن الحرب من دون أن يقرروا
"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"، التنظيم اليساري الفلسطيني الذي ارتبط بعلاقات وثيقة مع مجموعة من القوى اليسارية اللبنانية، لعبت دورا مميزا في سياق الحياة السياسية الفلسطينية، وفي مختلف مراحل العمل الفلسطيني في لبنان منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، ولها قراءتها للحرب الاهلية اللبنانية والمشاركة الفلسطينية فيها، وكيفية الخروج من أسر تداعياتها، ومن خلال قراءات عديدة للتجربة خرجت بنتيجة ان "أخطاء ارتكبها الطرفان الفلسطيني واللبناني عقدت امكانية الحل".
تعتبر "الجبهة الديموقراطية"، وبلسان عضو مكتبها السياسي ومسؤولها في لبنان علي فيصل ان "القراءة الموضوعية لتاريخ الحرب اللبنانية لا يمكن حصرها بسبب واحد، بل هناك مجموعة من الاسباب يقع في مقدمتها الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقضية الاصلاحات الدستورية والقانونية، عدم فعالية المؤسسات السياسية، الصراعات الاقليمية والدولية، ولا ننسى اسرائيل، التي كانت لها المصلحة الرئيسية في التعجيل في الحرب",
وترى الجبهة الديموقراطية ان "القناة الامنية بالنسبة للسلطة اللبنانية مثّلت أحد أهم عناوين هذه العلاقات، وفرضت عبرها على الفلسطيني سلسلة من إجراءات التضييق القاسية، من دون أي اعتبار لحقوق إنسانية، بما في ذلك حرمانه من حقه في العمل وحرية التنقل أو التعبير السياسي عن شخصيته الوطنية، أو حتى استقبال ضيف من خارج المخيم في بيته دون إخطار الجهات الأمنية واستئذانها". ويقول علي فيصل: "هذه السياسات ضد المخيمات شكلت الدافع الرئيسي في أن أول ما فعله اللاجئون حين امتلكوا سلاح المقاومة في المخيمات أنهم أغلقوا المخافر الأمنية، باعتبارها رمزاً للقمع ولسياسة التمييز، ليس من موقع الرغبة في التعدي على السيادة اللبنانية، بل من موقع رفض الخضوع للقمع وسياسة الإذلال المتعمد التي كانت مفروضة عليهم".
[ بيئة الحرب وارتكاب الأخطاء
بعد ظهور الفدائيين الفلسطينيين في لبنان عقب هزيمة حزيران (يونيو) 1967 ومع الشروع بتنفيذ عمليات انطلاقا من الجنوب اللبناني حدثت صدامات بين الجيش اللبناني والفدائيين الذين ايدتهم الاحزاب اليسارية والقومية وجزء كبير من الشعب اللبناني، ووسط ظروف عربية ضاغطة تم التوصل الى اتفاق القاهرة في العام 1967، لكن "اخذت رقعة الصراع تتوسع شيئا فشيئا متنقلة بين منطقة واخرى، الى ان انفجرت الحرب الاهلية اللبنانية بشكلها الأكثر مأساوية وبشاعة، ولم يعد سهلا وقف تفاعلاتها، نتيجة تعدد اطرافها ودخول مجموعة من الاطراف الخارجية على خط تغذية الصراع، بما ضاعف من حجم التعبئة النفسية التي ادت الى ارتكاب ممارسات من قبل جميع من شارك فيها"، وفق ما يقول علي فيصل الذي يشير الى انه "بدا واضحا، لكن بشكل متأخر، ان الجميع كان خاسرا في هذه الحرب واكثرهم على الاطلاق الشعب الفلسطيني في لبنان، الذي انعكست عليه الحرب والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة بأشكال مضاعفة، وبات الاكثر تضرراً من نتائجها المختلفة".
اتساع رقعة الحرب جرى رغم كل محاولات الحل. يوضح علي فيصل: "جرت اكثر من جولة حوار قبيل الصدام الكبير، وكنا نحن في "الجبهة الديمقراطية" من أصحاب الرأي القائل بضرورة حل التباينات بين الاخوة بشكل حواري بعيدا عن استخدام العنف. لكن كثيراً من الممارسات الخاطئة لدى الطرفين اللبناني والفلسطيني عقّدت امكانية حل هذه التباينات بوسائل سليمة، وكثيرا ما دفعت هذه الممارسات بالأمور في اتجاه التناقض والصدام لدرجة انها أسهمت في التسريع بتشكيل الجبهات المتناحرة". يضيف: "لقد وقعت اكثر من جولة حوار مع القوى المسيحية تحديداً سواء في إطار قيادة الثورة أو الحركة الوطنية أو في اطار منفرد وثنائي. وتركزت تلك الحوارات مع احزاب "الجبهة اللبنانية" ممثلة بحزب الكتائب ومع الكتلة الوطنية ممثلة بالعميد ريمون اده، لكن مع الاسف ان كل هذه المحاولات لم تعط النتيجة المرجوة ولم تستطع ان تقدم شيئا سوى تأجيل الصدام".
وفي سياق انفلات الوضع، يقول فيصل: :لقد وجدنا انفسنا في حمّى الحرب الاهلية دون قرار منّا وفي احيان كثيرة دون علم قيادة الثورة الفلسطينية، بل ان بعض القوى كانت ترى لها مصلحة مباشرة في تأجيج الصراع خدمة لأهداف احيانا طائفية واحيانا اقليمية ودولية وأحياناً لأسباب بعيدة عن المصلحة الوطنية البنانية والفلسطينية ايضا".
[غياب القراءة المشتركة
يعتب علي على انه "وبعد مرور كل هذه السنوات على انتهاء هذه الحرب، هناك انطباع عام لدى الفلسطينيين بأن جميع من ساهم في هذه الحرب حاول التنصل منها. وبقي الفلسطينيون يحملون هذا الارث الثقيل لنتائج الحرب ويدفعون ثمنها حتى اليوم". ويقول: "الطرفان اللبناني والفلسطيني، لم يجريا في ما بينهما النقد اللازم للمرحلة السابقة بكل جوانبها المختلفة واشكالياتها ومحطاتها المتعددة. هذه العلاقة التي هي من اهم واكثر العلاقات تشعبا وتعقيدا بين مختلف العلاقات العربية - العربية، وهو ما دفعنا كجبهة ديموقراطية وكفصائل فلسطينية الى محاولة تقديم رؤية فلسطينية جديدة تأخذ في الاعتبار التغيير الحاصل في لبنان والمنطقة بشكل عام نتيجة المفاوضات العربية والفلسطينية الاسرائيلية".
في المقابل يشير الى انه "عندما استعادت الدولة اللبنانية عافيتها وقدرتها على الإمساك بالوضع الأمني، عادت الى لتعاطي مع المخيمات باعتبارها مجرد حالة أمنية فرضت حولها طوقاً عسكرياً، وطبّقت بحق سكانها إجراءات مذلة وقاسية طالت مختلف جوانب الحياة اليومية للاجئين، ونجحت بفعل ذلك، وإلى حد كبير، في دفع الآلاف من أبناء شعبنا إلى الهجرة من لبنان، بحثاً عن حياة أفضل".
[رؤية مستقبلية
كل شيء تغير، منظمة التحرير باتت عسكريا خارج المعادلة عقب خروج قواتها من لبنان كنتيجة للاجتياح الاسرائيلي في العام 1982، ورغم جروح مجزرة صبرا وشاتيلا ومن ثم حرب المخيمات، سعى الفلسطينيون الى اظهار الصورة الحقيقية لهم بعيدا عن الصورة النمطية التي علقت في ذهن اللبنانيين. يقول علي فيصل: "لقد نجحنا في تقديم صورة الفلسطيني بشكلها الحقيقي: ملتزم بموجبات السيادة اللبنانية واحكام القانون ويطمح الى بناء علاقات سليمة وصحيحة مع جميع مكونات المجتمع اللبناني باعتباره خارج اطار السجالات الداخلية ويقف الى جانب لبنان ووحدته وعروبته وسيادته".
وسط تلك الرؤية الجديدة، يتابع: "جاء توقيع اتفاق الطائف عام 1990 بين مختلف القوى اللبنانية المتصارعة لينهي حالة من الحرب استمرت لأكثر من خمسة عشرة عاما، وليضع حلا لاستيعاب عناصر المليشيات اللبنانية في اجهزة الدولة المختلفة، وبشكل موضوعي، لم يتوافر مثل هذا الحل على صعيد الفلسطينيين ممن كانوا في عداد المقاومة الفلسطينية المسلّحة، خاصة بعد الغاء اتفاقية القاهرة التي كانت تنظم العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية. وبالغاء هذه الاتفاقية اصبح الوضع الفلسطيني في لبنان شبيها بما كان عليه قبل العام 1969. هذه الاشكالية هي التي دفعت الحكومة اللبنانية الى المبادرة، بتاريخ 3 تموز 1991 لاتخاذ قرار بفتح حوار مع الفلسطينيين بشأن الحقوق الاجتماعية والانسانية، فشكلت لهذا الغرض لجنة من الوزيرين عبدالله الامين وشوقي فاخوري، بعد تسليم السلاح الفلسطيني الثقيل الى الجيش اللبناني. كما جاء بعد مجموعة من الحوارات مع الفصائل الفلسطينية، التي تداعت الى سلسلة من الاجتماعات، توصلت على اثرها الى صياغة مذكرة موحدة تعكس رؤيتها لماهية الحقوق الانسانية للفلسطينيين في لبنان. وسلمت هذه المذكرة الى لجنة الوزيرين التي وعدت بدراستها والرد عليها في اقرب فرصة".
هذه المساعي المبكرة تجمدت بفعل مؤتمر مدريد وبدء عملية المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، حيث "طوت الحكومة اللبنانية صفحة الحوار المنتظر، وارجأت عملية البت بالمذكرة الفلسطينية الى حين اتضاح صورة المفاوضات". لكن "بعد انقضاء اكثر من عشر سنوات على تسليم هذه المذكرة، لم يتم أي بحث جدي بهذا الخصوص"، وفق علي فيصل.
ويؤكد العضو في المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية ان "المتغيرات العاصفة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري فرضت نفسها على اوضاع الفلسطينيين في لبنان وبأكثر من صورة. وقد نجح الشعب الفلسطيني بجميع فصائله بالنأي بنفسه خارج اطار الحالة التي شهدها لبنان بعد عملية الاغتيال والاصطفافات السياسية الجديدة، واكد انه يقف مع جميع اللبنانيين ويطمح بوقوف جميع اللبنانيين معه ومع نضاله من اجل حقه في العودة وحقه في اقرار الحقوق الانسانية. لكن هناك من سعى ولا زال يسعى الى زج الفلسطينيين في اطار الصراع الداخلي لاسباب باتت معروفة للجميع".
وفيما يشير الى انه "اليوم هناك اعتراف من قبل جميع القوى بالتقصير الحاصل تجاه الاوضاع الفلسطينية"، يرى فيصل ان "الوصول إلى صيغة مستقرة للعلاقة بين الدولة اللبنانية والحالة الفلسطينية تفترض إسقاط القناة الأمنية كوسيلة للتعامل، واعتماد صيغة الحوار المتبادل، القائم على الصراحة والشجاعة، البعيد عن المجاملة والانفصام بين الخطاب والسلوك". ويؤكد انه "بعد مرور ما يزيد عن عقدين على انتهاء الحرب الاهلية ودخول لبنان مرحلة السلم الأهلي، يبدو ان العلاقة الفلسطينية اللبنانية لا زالت تحتاج الى الكثير من العمل والجهد من قبل الطرفين".
ويشدد على "ان الحوار المطلوب ليس حوارا فوقيا كما جرت العادة، بين الحكومة اللبنانية وممثيلها ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية. بل ان المطلوب اليوم هو حوار على مستوى اوسع يطال النواب والوزراء والاحزاب والنقابات على اختلافها والهيئات الروحية.. حوار يتناول مختلف عناصر الملف الفلسطيني في لبنان، وبالتالي فإن وظيفة الحوار المطلوب هي تنقية الملفات والسياسات الموروثة من زمن الحرب.. ومن ثم تقديم قراءة مشتركة لهذه الملفات بغية الوقوف على ايجابيات العلاقة التاريخية وتفادي سلبياتها".
ويرى علي فيصل ان "الحل الجذري للعلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية يكمن في معالجة الملف الفلسطيني بجميع جوانبه قانونيا وسياسيا واقتصاديا وامنيا كرزمة واحدة وهذا ما يستدعي خطة مشتركة وإقرار الحقوق الانسانية والإنتقال الى تنظيم العلاقات على قاعدة الحقوق والواجبات المتبادلة بما يعزز موقف اللاجئين المتمسك بحق العودة وفقا للقرار 194 والرافض لجميع مشاريع التهجير والتوطين".

الاثنين، 16 أبريل 2012

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان (4)

"فتح" و"حماس": توافقٌ على تحليل التجربة واختلاف على الخلاصات

المستقبل - الثلاثاء 17 نيسان 2012 - العدد 4315 - ملف - صفحة 5

أنيس محسن

لم تكن تسمية منطقة العرقوب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بـ"فتح لاند" من فراغ. فحركة "فتح" هي أول الواصلين بالسلاح الى لبنان وخصوصا الى تلك المنطقة.
ولأن "فتح" هي كبرى الفصائل الفلسطينية، وتشبه كثيرا المجتمع الفلسطيني في تركيبته، كونها حركة وطنية وليست حزبا، ولأنها تعتبر الأم والشقيقة الكبرى، والمؤسسة الجامعة، والممثلة للجميع، فإن دورها في أي حدث فلسطيني لا بد أن يكون بقدر حجمها ومسؤوليتها.
لم تتحمل "فتح" فقط وزر الحرب الأهلية في لبنان والمشاركة الفلسطينية فيها. بل سعت جاهدة عبر قيادتها الأولى، وعبر زعيمها ياسر عرفات (أبو عمار) لعدم اندلاع الحرب. لكن الحرب اندلعت لتحرف البندقية التي كانت متمركزة في "فتح لاند" نحو بيروت، وتصعد جبلا باتجاه المناطق المسيحية، فترتاح اسرائيل، وتخسر القضية الفلسطينية ولبنان.
ربما شعورها بأنها الأكبر، دفع عضو لجنتها المركزية وممثل منظمة التحرير في لبنان السفير عباس زكي في العام 2008 الى الاعتذار للبنانيين عبر "وثيقة فلسطين في لبنان"، فتُنتقد على اعتذارها كما انتُقدت خلال لقاءات قادتها مع القادة المسيحيين في الستينيات والسبعينيات.
أما "حماس" التي تزاحم "فتح" حاليا على قيادة الشعب الفلسطيني وتشاركها الانقسام الحاصل جغرافيا بين غزة والضفة، وسياسيا عبر نهجين فكريين وسياسيين مختلفين، فإنها لم تكن قد تأسست عند اندلاع الحرب في لبنان، لكن ذلك لا يعفيها، على الأقل من تبعات تلك الحرب التي لا تزال قائمة. ولذلك فقد كان لها موقفها من الملف الفلسطيني في لبنان، لجهة انتقاد تورط منظمة التحرير في الحرب واصطفافها مع طرف ضد آخر.
في حلقة اليوم، شهادات لكل من عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" ومسؤولها في لبنان فتحي أبو العردات، ومسؤول حركة "حماس" في لبنان علي بركة.

"فتح": ما جرى حرف البندقية الفلسطينية عن اتجاهها
"حماس": الفلسطينيون خسروا الدعم اللبناني بسبب التجاوزات

قد لا تكون المقارنة سهلة بين تجربتي "فتح" و"حماس" في لبنان، فالأولى شاركت كل تفاصيل التجربة الفلسطينية في لبنان، بل كانت واحدة من الآليات التي سارت الحرب على دروبها، والثانية حديثة العهد ولم تشارك في حرب "الاخوة الأعداء" في لبنان، تتوافقان في تحليل التجربة، لكنهما تختلفان في الاستخلاصات.
الخلاصة الأولية هذه، تصح في حال النظر الى الحركتين ككيانين، لكن اذا ما نظر الى الامر من منظار ان اشخاص الحركتين هم من النسيج الفلسطيني في لبنان، تستقيم المقارنة وتكون في مكانها، خصوصا ان قياديي "حماس" في لبنان لم يكونوا بمنأى عن السياسة الداخلية في هذا البلد، وكانوا في غالبيتهم قبل تأسيس فرع الحركة في لبنان في مطلع تسعينيات القرن الماضي، اعضاء في تنظيم "الجماعة الإسلامية" في لبنان، والذين نشطوا في المخيمات والتجمعات الفلسطينية من خلال الجماعة في سبعينيات وثمانييات القرن الماضي.
بصرف النظر عمّا سبق، لـ"فتح" تقييمها لأسباب ونتائج الحرب الأهلية، التي ترى ان "مساحة التصادم" كانت اكبر من محاولات الحل وبالتالي استحال عليها رغم كل المحاولات عدم التورط في تلك الحرب، فيما تعتبر "حماس" التي تؤكد انها اجرت تحليلا للحرب الاهلية في لبنان ولدور الفلسطينيين فيها، رغم عدم مشاركتها، وخلصت الى انه كان بالإمكان النأي بالنفس وعدم الوقوع في الفخ، محملة "منظمة التحرير" خطأ الوقوف الى جانب فئة من الشعب اللبناني ضد فئة اخرى، وبالتالي نأت بنفسها عن التجاذبات اللبنانية التي برزت بحدة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ففيما هي حركة مقاومة وتربطها علاقة مميزة بـ"حزب الله" كحركة مقاومة ايضا، الا ان علاقتها بتيار "المستقبل" هي مميزة بدورها، وانها تعمد الى الالتقاء بكل الاحزاب والقوى اللبنانية من دون استثناء.
"فتح"، درست التجربة أيضا، وتعتبر انها كانت المبادِرة في كل مفاصل عمر الثورة الفلسطينية من اطلاق الكفاح المسلح الى اطلاق العملية التفاوضية مع اسرائيل. وفي لبنان، كانت المبادرة في الاتصالات مع الاحزاب المسيحية في عز الأزمة والتوترات قبل وخلال الحرب الاهلية، وبعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، وصولا الى الوقت الحاضر حيث بادرت الى لقاء كل الاحزاب والقوى المسيحية بلا استثناء، واعلنت عبر عضو لجنتها المركزية وممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي في العام 2008، وثيقة اعلان فلسطين في لبنان من بيت "الكتائب" المركزي في الصيفي.
وبصرف النظر عن التنافس بين الحركتين، فإن توافقهما على عدم التورط في التجاذبات الداخلية اللبنانية يعتبر اساسيا في عدم الانزلاق الى اي مغامرة سلبية في لبنان.

[أبو العردات: رقعة التصادم أكبر من مساحة الحل
"فتح" التنظيم الأكبر متهمة دائما ومطالبة بالفعل وتلقى عليها اللائمة، وكونها التنظيم الفلسطيني الاكبر والاكثر حضورا، تحملت بقدر أكبر مسؤولية في الحرب الأهلية في لبنان، رغم انها حاورت القيادات المسيحية قبل انفجار الأزمة سنة 1975 لتلافي ما حدث، وواصلت اللقاءات خلال الحرب وبعدها، وبادرت في العام 2008 عبر وثيقة "اعلان فلسطين" الى الاعتذار عما يمكن ان تكون اساءت به منظمة التحرير الفلسطينية للبنانيين. اما الجواب على سؤال لماذا لم تفلح كل المساعي من طرفي الحرب الأساسيين: "فتح" و"الكتائب"، لمنع الانفجار، فهو، وفق مسؤول حركة "فتح" في لبنان وامين سر فصائل منظمة التحرير فتحي أبو العردات، فإن "مساحة التصادم تغلبت على محاولات الحل".
يقول: "فتح تأخذ بصدرها الاحداث والنتائج على الرغم من تعدد الفصائل الفلسطينية، وفي لبنان فعلت كذلك، فبادرت بالاتصالات السياسية حتى قبل الوجود المسلح في لبنان، سواء مع الجانب الرسمي اللبناني او مع القوى والاحزاب على مختلف انتماءاتها، وهذا طبيعي لأن حركة فتح هي حركة الشعب الفلسطيني وليست هي حركة في الشعب الفلسطيني".
ويشير ابو العردات الى انه "بعد نكبة 1948 عانى الشعب الفلسطيني الأمرين سواء في الداخل او من تم تهجيرهم الى دول الجوار، رغم استقبالهم من قبل شعوب وحكومات تلك الدول بالترحاب. اذ ان الفلسطينيين عاشوا خارج وطنهم حياة بؤس وحرمان وذل، في بيوت كانت من الخيم او من الصفيح، ثم جرت عدة محاولات عبر مشاريع مشبوهة لتشتيته وتذويب شخصيته الوطنية، وقمع وكبت ومنع من التعبير عن رأيه السياسي وموقفه الوطني. وهي عملية كانت مبرمجة. لكن كل هذه الضغوط لم تفلح في تيئيس الشعب الفلسطيني الذي نهض رغم كل ذلك، وهنا كانت انطلاقة فتح معبرة عن اماني واحلام وهواجس وارادة الفلسطينيين".
ويتابع: "انطلاقة فتح في 1965 جعلت الشباب الفلسطيني يسعى للانخراط بها لأنها مثلته كحركة وطنية فلسطينية بعدما كانوا ينخرطون في احزاب عربية قومية ويسارية التي كانت تركز على القضية الفلسطينية، فبدأت مرحلة جديدة بات الانسان الفلسطيني يعي انه رأس الحربة في معركة الأمة العربية لتحرير فلسطين".
ويؤكد ان "الوجود الفلسطيني في لبنان لا يستثنى من ذلك التطور، فكانت المخيمات بوضعها المزري وكان التضييق الذي منعه من العمل الوطني، ثم بعد هزيمة 1967 انخرط في الثورة الفلسطينية، وبدأ العمل المسلح ينمو شيئا فشيئا من الحدود اللبنانية اسوة بما كان يحصل من الحدود الاردنية وداخل الضفة وغزة وحتى عبر الحدود السورية. ثم تطور هذا الوجود المسلح وانتشر خصوصا في جنوب لبنان حيث الجبهة المواجهة لإسرائيل. وكرست اتفاقية القاهرة بأن يتمدد الوجود المسلح والعلني الى المخيمات الفلسطينية، وهو ما وتّر العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية، وبدأت تحدث اشتباكات مع الجيش اللبناني، علما ان العمل الفدائي كان مدعوما في حينه من قبل غالبية الشعب اللبناني واحزابه السياسية، وصولا الى حادثة "بوسطة عين الرمانة" التي كانت شرارة إشعال الحرب الاهلية في لبنان في العام 1975".
[تورّطٌ أم توريط في الحرب؟
يعتبر فتحي ابو العردات ان الفلسطينيين تورطوا في الحرب الاهلية في لبنان: "نعتبر ان الفلسطينيين جرى توريطهم في الحرب تلك، وان ما جرى كان جزءا اساسيا من مشروع (وزير الخارجية الأميركي السابق هنري) كيسنجر، الذي كان يهدف الى انهاك الثورة الفلسطينية وانهاك لبنان، مع التأكيد ان المناخات التي كانت سائدة محليا، فلسطينيا ولبنانيا، ساعدت في اندلاع الحرب الاهلية".
لكن العمل المسلح لم يكن مقبولا من نصف اللبنانيين، وكان بالضرورة ان يصطدم بالقوى الأمنية اللبنانية، واتفاق القاهرة كما طبق جعل السيادة اللبنانية منقوصة، وأثّر سلبا على ما يعرف بـ"الصيغة اللبنانية"، بصرف النظر عن موقفهم الإيجابي قبل ذلك من القضية الفلسطينية. كانت في تلك الفترة الصلات قائمة بين قيادة فتح والسلطة اللبنانية وبينها وبين الاحزاب المسيحية وخصوصا حزب الكتائب، فلم يستشعر الفلسطينيون هذا الخطر الكبير في حينه، على نحو كاف على الأقل.
في هذا السياق يشير ابو العردات الى انه "دائما هناك تصادم بين منطق الثورة ومنطق الدولة، لكن ممكن ان يكون هناك تعاون وتكامل ايضا بين المنطقين، للأسف كانت مساحة التعارض والتصادم اكبر، رغم ان كل اللبنانيين يمينا ويسارا كانوا يتشاركون مع الفلسطينيين على اعتبار ان اسرائيل هي الخطر وهي العدو، خصوصا مع ادراك الجميع لأطماعها في أرض لبنان ومياهه. لكن كل ذلك وكل الاتصالات التي كانت تؤكد حرصنا وحرص الرسميين والحزبيين في لبنان لم تتمكن من منع حدوث الحرب. وحتى بعد انفجار الحرب حرصنا على ابقاء الاتصالات مع الجميع أملا بوقفها او عملا على هدنة هنا او هناك، حيث كنا نعتبر ولا نزال، انها حرب انهكت الثورة الفلسطينية، وكان يراد لها القضاء على لبنان الذي كنا نعتبره ولا زلنا منارة في الشرق ونموذجا، ولذلك كانت تجري اتصالات على اعلى المستويات وفي مقدمها بين ياسر عرفات وبيار الجميل، سواء زيارات ابو عمار الى منزل الجميل او مشاركة بيار الجميل في تشييع القادة الثلاثة: كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار الذين اغتالهم كوماندوس اسرائيلي في منطقة فردان في بيروت" عام 1973.
[صورتان لمشهد واحد
ترتسم صورتان في سياق مراجعة التجربة الفلسطينية في لبنان: صورة استقبال كل اللبنانيين موكب جنازة اول شهيد لبناني في المقاومة الفلسطينية خليل عزالدين الجمل القادم من الأردن، الذي نثر الارزّ فوق جثمانه عند مفترق بلدة الكحالة وقرعت اجراس الكنائس، وفي المقابل الصدام مع الثورة الفلسطينية. يقول ابو العردات: "نحن نعرف ان معظم_ ان لم نقل كل اللبنانيين_ يؤيدون القضية الفسطينية، وفي الحقيقة صورة استقبال جثمان الشهيد خليل عزالدين الجمل بقرع اجراس الكنائس والتكبير من المساجد يترك اكبر الأثر فينا، ولطالما سعينا ان نكون مع كل اللبنانيين الذين كنا نريدهم ان يكونوا الى جانبنا ولا زلنا نريد ونعمل على ذلك، لكن هذه الصورة كانت تهزها حوادث اخرى، مثل حادثة اطلاق النار وفي نفس المكان، في الكحالة على موكب تشييع ضابط في جهاز الكفاح المسلح الفلسطيني، يدعى سعيد غواش، الذي كان ينقل الى دمشق ثم الى عمان لدفنه هناك، اطلقت النار على الموكب وسقط عدد كبير من الشهداء والجرحى. وقد ادت هذه الحادثة الى توتير الاجواء والعلاقة التي كنا نعمل على تعزيزها مع حزب الكتائب.
اذاً، لا بد من الاعتراف بأن مسألة التعايش بين الثورة والدولة كانت قضية بغاية الصعوبة، ولأسباب خاصة بالطرف اللبناني الذي كان منقسما في الحقيقة، والفلسطيني، وبسبب التدخلات الخارجية، لم نتمكن من جعلهما يتعايشان".
ويؤكد ان "كل ادبيات فتح وتعبئتها السياسية تركز على ان صراعنا هو مع الاحتلال الاسرائيلي، الذي يشكل خطرا علينا وعلى كل المحيط العربي، ووجهنا كل جهودنا في هذا الاتجاه، ورفضنا ونرفض التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، لكن التطورات التي حصلت في 1975، جعلتنا ننقل عددا من المقاومين من الجبهة مع اسرائيل الى الداخل، ما حرف اتجاه البندقية، وأراح اسرائيل. اكدت لنا تجربة الحرب الأهلية في لبنان ان هذه الحروب لا تستفيد منها الا اسرئيل".
[مراجعة التجربة
رغم خلافات وتركة الصراع الدامي مع الأحزاب المسيحية، سعت منظمة التحرير بعد الخروج من لبنان، الى اعادة الاتصال بممثلي الاحزاب المسيحية، ثم في العام 2008 اطلقت وثيقة فلسطين في لبنان التي اعتذر فيها ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي عن الاخطاء الفلسطينية في لبنان. يؤكد أبو العردات: "لقد استحضرنا ونستحضر كل الماضي، لكي نعتبر من دروسه، وأجرينا تقييما لكل المرحلة السابقة. بعضنا لم يكونوا ملائكة وبعضهم لم يكونوا قديسين، وهناك اخطاء ارتكبت من قبل الجميع، وبالنتيجة اظهر التقييم ان الجهة الوحيدة التي استفادت من كل ما جرى هي اسرائيل وحدها".
يتابع: "تعلمنا ان كل الخلافات والتعارضات يجب ان تبحث فقط عبر الحوار، ولهذا اجرينا مصالحات مع كل الاطراف بلا استثناء، ولم ولن تتوقف المسألة عند مجرد اعلان وثيقة فلسطين في لبنان، انما سنواصل تطبيق رؤيتنا هذه مع "الكتائب" او "القوات اللبنانية" ومع كل الاطراف التي تخاصمنا معها، ونحن مصرون على الا تتكرر الاحداث الأليمة السابقة بل لن نسمح بأن تتكرر مهما كانت الظروف".
ويوضح ابو العردات ان "السياسة التي نتحرك من خلالها في لبنان الآن هي، اننا نريد ان يكون كل اللبنانيين مؤيدين للقضية الفلسطينية، خصوصا ان النضال الفلسطيني المباشر متركز الآن في داخل فلسطين، ونحن لا نريد لبنان الا ان يقدم رسميا وحزبيا وشعبيا ما يستطيع ان يقدمه لدعم النضال الفلسطيني، وبما يتوافق مع وضع البلد وامكاناته وخصوصيته وتركيبته، وهذا امر طرحناه خلال كل اللقاءات وتوافقنا عليه مع كل اللبنانيين، ونحن على مسافة واحدة سياسيا من الجميع، ونريد ان نكون معا في دعم نضال اهلنا في فلسطين واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة لكل الفلسطينيين، وفي مواجهة التوطين الذي نرفضه جميعا، لكن نريد ان يعيش الانسان الفلسطيني في لبنان بكرامة وهو امر ايضا تفاهمنا حوله مع كل اللبنانيين رسميين وحزبيين، ونحن نرى انه لا يمكن ان يستقيم تنفيذ القانون او السيادة من دون عدالة، فواجب الدولة اللبنانية تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون على ارضها، السعي الى تحسين ظروف العيش وجعلهم يعيشون بكرامة الى ان يعودوا الى وطنهم. لا يجوز ان تبقى النظرة في لبنان باتجاه الفلسطيني على انه عبء على البلد، بما يبقي واحدا من اسباب التوتر السابقة، خصوصا ان الفلسطيني لا يزال الى الان محاصرا وسبل العيش ضيقة عليه. يجب ان ينظر الى الفلسطيني على انه أُرغم على العيش فوق ارض لبنان وليس بإرادته، وان العيش الكريم في لبنان هو واجب الدولة اللبنانية باتجاه الفلسطيني وليس حقا للفلسطيني على الدولة اللبنانية، وبذلك يكون الفلسطيني عنصرا اساسيا في السلم الأهلي في لبنان الذي نحرص عليه جميعا".
[تحت سلطة القانون
ويلفت الى ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس اكد "ونؤكد كلنا اننا في المخيمات وخارجها تحت سلطة القانون اللبناني وان السيادة على اي شبر من لبنان هو للدولة اللبنانية، وعندما نتحدث عن واجب الدولة اللبنانية تمكين الفلسطيني من العيش بكرامة، لا نحمّلها اي مسؤولية مالية، اذ ان المسؤول عن هذا السياق هم منظمة التحرير والاونروا والمجتمع الدولي، لكن نحن نتحدث عن القوانين والاجراءات التي يجب ان تقر وتتخذ لحفظ كرامة الفلسطينيين ليتمكنوا من التنقل من المخيمات واليها بحرية وعبر السماح لهم بالعمل بجهدهم ولمصلحة الاقتصاد اللبناني وبتملك شقة للسكن، علما ان من يمكن ان يتملكوا شقة للسكن هم اعداد قليلة جدا، لكن العبرة تكون كيف يتعامل القانون اللبناني مع الفلسطيني، وهي بالتالي مصلحة لبنانية، اذ ان العالم وعبر مجلس حقوق الانسان يراقب تطبيق كل الدول المنضوية في اطار الامم المتحدة لحقوق الانسان، ولبنان ليس استثناء".
يضيف: "لقد اعطينا كل التطمينات شفهيا وعبر اعلان فلسطين في لبنان منذ البدء بتنفيذ اتفاق الطائف، وعبر نأينا بنفسنا عن كل الخلافات الداخلية التي حدثت، خصوصا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005 وما تلاه من احداث، لنطابق ما نقوله عمليا، ويبقى ان تقوم الدولة اللبنانية بواجبها نحو الفلسطينيين وفق المعايير الانسانية المتفق عليها، وبما يمكّننا سويا من منع التوطين والتهجير للفلسطينيين ايضا".
[بركة: المنظمة أخطأت بمساعدة فريق لبناني على آخر
حركة "حماس" حديثة الولادة، ولم تكن ضمن الفصائل الفلسطينية في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وقد تأسست في فلسطين العام 1987، إلا أن تواجدها في لبنان بدأ في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من حداثة عهدها في لبنان، باتت حجر اساس في البناء الفلسطيني في لبنان، كما هي حجر اساس في البناء الفلسطيني العام.

لم تشترك "حماس" في الحرب الأهلية في العام 1975 لأنها لم تكن موجودة، ولا في أي من الحروب التي اندلعت لاحقا، لكنها درست التجربة الفلسطينية في لبنان، وخرجت باستراتيجية تشدد على وجوب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي، بل أن تكون وسيط خير في اي خلاف عربي داخلي.
حصلت تجاوزات على اتفاق القاهرة من قبل الفصائل الفلسطينية، وكان على منظمة التحرير الفلسطينية ان تلتزم تماما بنص الإتفاق، بأن يبقى العمل المسلح في الاماكن التي حددت له في الجنوب، وان لا ينتقل الوجود المسلح الى المدن اللبنانية او الى العاصمة بيروت.
[خطأ المنظمة
يؤكد مسؤول "حماس" في لبنان علي بركة، انه "كان بإمكان الفلسطينيين عدم الإنزلاق والمشاركة في الحرب الأهلية في لبنان، وكسب كل اللبنانيين الى جانب قضيتهم، وكان ينبغي ان نكون حكما ومساعدة الأشقاء اللبنانيين للوصول الى مصالحات فيما بينهم، مع التأكيد أن الحرب الأهلية في لبنان لم يكن سببها الفلسطينيون فقط، انما كانت هناك تدخلات خارجية كثيرة، خاصة العدو الصهيوني الذي عمل على جر المقاومة الفلسطينية الى الداخل اللبناني من خلال دعم جهات لبنانية وتأليبها على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية".
ويرى ان "للتجربة الفلسطينية في لبنان سلبيات وايجابيات. بالطبع أبرز سلبياتها الانزلاق الى التدخل في الشأن اللبناني الداخلي، ودخول الفصائل في مشاكل مع الأحزاب اللبنانية، وهنا لا أعني فقط الأحزاب المسيحية، بل أيضا مع أحزاب ضمن ما كان يعرف بالأحزاب الوطنية سواء في الجنوب، حيث اشتبكت الفصائل الفلسطينية وحلفاء في الحركة الوطنية اللبنانية في 1980 و1981 مع حركة "أمل"، وأحد الاسباب الخلاف على الموقف من الثورة الإيرانية، وكذلك في صيدا او بيروت".
وفيما يؤكد وجود تجاوزات قامت بها منظمة التحرير بين 1969 و1982، يقول انه "رغم كل شيء، حافظت على جذوة المقاومة مشتعلة، وحافظت على القضية الفلسطينية، وحملت الراية من الأردن إلى لبنان ثم نقلتها الى فلسطين، بعد الإجتياح الصهيوني إلى لبنان في العام 1982، وكانت النقطة الاساسية في انتقال المقاومة الى داخل فلسطين، اندلاع انتفاضة الحجارة في العام 1987، بالتالي لا يمكن الحكم على تجربة المقاومة الفلسطينية في لبنان، على انها تجربة فاشلة، لكن بالتأكيد كانت هناك سلبيات كان يمكن تلافيها، وكانت هناك ايضا ايجابيات كان يمكن تعزيزها".
[العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية
يشير بركة الى ان لحركة "حماس" سياستها في التعامل مع الدول العربية المضيفة، "وهي ان لا نتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، وللأسف منظمة التحرير تدخلت في الشؤون الداخلية في لبنان، وساعدت فريقا على فريق، فيما كان ينبغي لها أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، وان تكسب الجميع الى جانب القضية الفلسطينية".
يؤكد ان "اي مقاومة اذا لم تكسب المجتمع المحلي الى جانبها لن تنجح، لأن المقاومة تحتاج إلى بيئة حاضنة، وقد ظهر الأثر السلبي لخسارة منظمة التحرير البيئة اللبنانية الحاضنة خلال الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982، فلم يكن الشعب اللبناني في الجنوب الى جانب المقاومة الفلسطينية، بل ان الجنوبيين فرحوا للتخلص من انزياح السلاح الفلسطيني عن كاهلهم، الذي اساء لاهل الجنوب قبل الاجتياح. وبالمقارنة، فإن أهل الجنوب أنفسهم، كانوا ينظرون الى الفدائيين عندما وصلوا الى مناطقهم في 1969 على أنهم ملائكة نزلوا من السماء الى المخيمات والى القرى اللبنانية". يضيف "لقد شارك اللبنانيون في العمل الفلسطيني المقاوم وقدموا الشهداء في المواجهات مع العدو الصهيوني، لكن في نهاية المطاف وبسبب التجاوزات التي حصلت بين 1975 و1982، خسرنا الكثير من التأييد اللبناني".
وعما تقوم به "حماس" من جهود لبنانيا، يقول: "قمنا مع باقي الفصائل بجهود وباتصالات مع الحكومات اللبنانية المتعاقبة، من اجل اقرار الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين، وخصوصا حقي العمل والتملك، خصوصا ان الفلسطينيين محرومون من التملك منذ العام 2001". يضيف: "عملنا بجهد ايضا من أجل اعادة إعمار مخيم نهر البارد، بعدما حصل فيه ما حصل من دمار ونكبة حقيقية، ونحن نتابع مع الفصائل وبشكل مباشر، مع الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش اللبناني لإعادة اعمار المخيم، ونتابع الأمر أيضا مع وكالة الأونروا".
وتعتبر "حماس" نفسها "جزءاً من المرجعية الفلسطينية في لبنان": "نعمل من اجل تشكيل مرجعية فلسطينية موحدة في لبنان مع بقية الفصائل، لكن للأسف هناك بعض العقبات التي تعترضنا. فمنذ العام 2005 نتحاور مع الفصائل الفسلطينية لتشكيل هذه المرجعية السياسية الموحدة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مهمتها حماية الوضع الفلسطيني في لبنان من الإستهداف، وكذلك الحوار مع الحكومة اللبنانية ووكالة "الأونروا" لتحسين اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ولمعالجة أي مشكلة بين الفلسطينيين والسلطات اللبنانية او بين الفلسطينيين ووكالة "الأونروا"، وقد خطونا في نهاية العام 2011 خطوة مهمة بتشكيل لجنة حوار فلسطينية من 6 فصائل: ثلاثة من منظمة التحرير (فتح والشعبية والديموقراطية) و3 فصائل من قوة التحالف (حماس والجهاد الاسلامي والقيادة العامة)، وعقدنا عدداً من الجلسات ونأمل ان نصل قريبا الى اتفاق لتشكيل قيادة سياسية موحدة تتولى ضبط الأمن في المخيمات وتعمل على ملف الحقوق المدنية والانسانية الفلسطينية بالتفاهم والحوار مع السلطات اللبنانية".
يتابع: "في العام 2005، توافقنا في كل الفصائل على مذكرة واحدة حول الحقوق المدنية والانسانية للاجئين الفلسطينيين، لكن سلمناها عبر وفدين منفصلين الى الحكومة اللبنانية، وفيها كل المطالب الفلسطينية ولم يوجد اي خلاف حول تلك المطالب. للأسف كانت السلطات اللبنانية تتذرع بأن الفلسطينيين مختلفون، وكان يقال لنا: اتفقوا وتعالوا لنبحث الأمور. في البداية لم نتمكن من تشكيل وفد موحد لكن في العام 2011، وتحديدا قبل الزيارة الأخيرة للرئيس (محمود عباس) ابو مازن الى لبنان، في آب (أغسطس) الماضي، اتفقنا على مذكرة واحدة وفريق موحد وزرنا بوفد موحد رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، والرئيس نجيب ميقاتي كما زرنا القوى والأحزاب اللبنانية المشاركة في الحكومة".
ويحمّل بركة "الحكومة اللبنانية المسؤولية الرئيسية في عملية الإعمار في نهر البارد، وبعدها وكالة الأونروا، فرئيس الحكومة اللبنانية في العام 2007 الرئيس فؤاد السنيورة هو الذي طلب من سكان مخيم نهر البارد مغادرة المخيم لتسهيل مهام الجيش اللبناني (في الحرب ضد تنظيم "فتح الإسلام")، وأكد يومها أن الخروج مؤقت وأن الإعمار مؤكد وأن العودة الى المخيم حتمية، لكن للأسف منذ 5 أعوام على أحداث مخيم نهر البارد لم يتم تسليم سوى رزمة واحدة من الأبنية".
[علاقات مع الجميع
منذ تواجدها في لبنان، اجرت "حماس" اتصالات وعقدت اجتماعات مع الرسميين اللبنانيين ومع حزبيين. يقول بركة: "حركة حماس حريصة على بناء افضل العلاقات مع كل ممثلي الشعب اللبناني، وقد اجرينا لقاءات مع الجميع ومن ضمنهم ممثلو المسيحيين في لبنان، لأننا نصر على ضمان تأييد الجميع لقضيتنا، فكانت لنا لقاءات مع حزب الكتائب منذ كان السيد كريم بقرادوني رئيسا للحزب وحضرنا احد مؤتمرات الحزب وألقينا كلمة، وشارك بقرادوني في احدى احتفالاتنا وكانت له كلمة ايضا، لكن في عهد الرئيس امين الجميل تراجعت الاتصالات التي كانت تحدث لكن ليس بالوتيرة نفسها مع بقرادوني. ولدينا تواصل جيد مع التيار الوطني الحر ونلتقي مع كبار المسؤولين في التيار وعلى رأسهم العماد ميشال عون. لكن لم نلتق بعد مع "القوات اللبنانية"، لأنهم لم يعتذروا عن مجزرة صبرا وشاتيلا؛ سمعت اعتذارا من الرئيس امين الجميل خلال لقاء على قناة "الجزيرة" مع احمد منصور، وهذا لم نسمعه الى الآن من رئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع".
ويؤكد "نحن لم نكن موجودين في تلك الفترة، لكن منظمة التحرير اعتذرت عن الاساءات التي ارتكبتها بحق الشعب اللبناني، عبر وثيقة فلسطين في لبنان التي قرأها السفير الفلسطيني السابق في لبنان عباس زكي بعد اجتماع مع حزب الكتائب. لم يقدم كل اللبنانيين اعتذارات، فيما ينبغي ان يكون الأمر متبادلاً حتى نفتح صفحة جديدة من العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية، وعلى كل المستويات".
عن موقف الاطراف التي اجرت "حماس" لقاءات معها حول الملف الفلسطيني في لبنان، سواء الاطراف المسيحية او ما يعرف بأحزاب القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية، يقول علي: "لمسنا ان كل الاحزاب المسيحية او الاسلامية تؤيد حقوق الفلسطينيين، لكن عندما يصل الموضوع الى بعض الحقوق مثل حق التملك، تتوحد القوى المسيحية ضد هذا الحق، وهذا امر مؤسف، لأن من الضروري ان يعامل الفلسطيني في لبنان كما يعامل في اي بلد عربي اخر ويسمح له بالتالي بالتملك.
والملاحظ انه بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قامت "حماس" بحركة كثيفة في الأوساط اللبنانية، علما أنها محسوبة، على ما يسمى محور "الممانعة". عن ذلك يقول بركة: "سياسة حماس تقوم على عدم التدخل في شؤون الدول العربية وبالطبع الشأن اللبناني الداخلي، ونحن على مسافة واحدة من كل الأطراف. نحن حركة مقاومة، ونرتبط من خلال ذلك بعلاقات جيدة مع اطراف لبنانية، لكن لا نصطف في الشأن الداخلي اللبناني مع طرف بمواجهة طرف اخر. فعلاقتنا جيدة وطيبة مع "تيار المستقبل"، وقد أدنّا اغتيال الرئيس الحريري وقدمنا عبر وفد كبير واجب العزاء الى الشيخ سعد الحريري في قريطم بعد الجريمة مباشرة، ولم تنقطع علاقتنا بـ"تيار المستقبل" سواء كان في الحكومة او خارجها. وعلاقتنا بحزب الله كحزب مقاوم لا تتأثر ولا تؤثر على علاقتنا بالقوى السياسية الاخرى التي لها خصومات سياسية مع حزب الله". وعلى غرار فصائل منظمة التحرير، يؤكد بركة "نحن في حماس ننأى بنفسنا عن الخلافات اللبنانية الداخلية، بل نسعى الى التوسط بين الأفرقاء اذا اختلفوا، وبالفعل قمنا بجهود مصالحة بين اطراف لبنانية وساهمنا في تخفيف اجواء التوتر في مدينة صيدا في العام 2010، وقمنا ايضا بجهود تقريب وجهات النظر بين دول عربية كانت لها خلافات مع دول اخرى. لأننا نعتبر وحدة اللبنانيين ووحدة العرب ووحدة المسلمين قوة للقضية الفلسطينية. حركة حماس ليست في جيب احد ولا محسوبة على احد
".