السبت، 24 سبتمبر 2011

عندما تشمخ فلسطين.. وتخرج غزة عن التاريخ

المستقبل - الاحد 25 أيلول 2011 - العدد 4125 - شؤون لبنانية - صفحة 6
أنيس محسن
أعاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أول من أمس فلسطين الى خارطة العالم من بابها الديبلوماسي العالي، ساحبا البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة واللجنة الرباعية الدولية، اللتان اثبتتا في عام كامل امتد من ايلول (سبتمبر) 2010 الى ايلول (سبتمبر) 2011 فشلهما في تحقيق وعد الرئيس الأميركي باراك اوباما بقيام الدولة الفلسطينية، أن لم نقل عملية التسويف والرياء التي مارساها طوال عام... شمخت فلسطين كلها، لكن غزة خرجت عن السياق.
فلسطين لم تكن كما كانت من قبل أمام الأمم المتحدة.. ذكّر عباس العالم بأن فلسطين ليست الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية فقط، بل تلك الأرض الممتدة عرضا بين البحر المتوسط ونهر الأردن وطولا بين لبنان وخليج العقبة، وذكر العالم بأن القضية ليست اعطاء حكما ذاتيا في معازل في الضفة الغربية وقطاع غزة مقطعة الأوصال ومحكومة بأحزمة استيطان وسيطرة عسكرية اسرائيلية برا وبحرا وجوا، بل قضية ملايين اللاجئين المنتشرين في العالم وخصوصا في ما يسمى بدول الطوق وفي الضفة وغزة ايضا، وهؤلاء كانوا آمنين في ارضهم قبل نكبة العام 1948، كانوا مجتمعا ينمو ويتطور ويبني حياته المزدهرة، عندما انقضت عليه العصابات الصهيونية واحالته الى لجوء بمؤامرة شارك فيها كل العالم، وسكت العالم هذا عن واحدة من أكبر المآسي الإنسانية طيلة 63 عاما.
قال عباس: الفلسطينيون قدموا اقصى تنازلات ممكنة، قبلوا بـ22% من أرضهم التاريخية لأنهم اقتنعوا بالعدالة النسبية، لكنهم لم ينسوا ان العدالة المطلقة هي ان ينالوا حقهم بأرضهم التاريخية مئة في المئة، وبالتالي لا يمكن تقديم اي تنازلات اخرى... والحل فقط بدولة فلسطينية مستقلة على كل الأرض الفلسطينية التي احتلت في 5 حزيران (يونيو) 1967 من دون استيطان وبعاصمة هي القدس الشرقية.
قال عباس: كفى تسويفا اميركيا وغربيا، فالملف الذي تسلمته الولايات المتحدة وحلفائها في اوروبا منذ مؤتمر مدريد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، عاد الى حيث يجب ان يكون، في المؤسسة الدولية التي اعطت شرعية لإسرائيل مشروطة بقيام دولة فلسطينية، وقد آن الأوان بعد ظلم ما بعده ظلم دام 63 سنة بأن تكمل الأمم المتحدة تنفيذ قرارها وتعترف بفلسطين، وان على مساحة اقل كثيرا من تلك التي نص عليها القرار 181.
ما قاله عباس، هي اقل الثوابت الفلسطينية، التي مات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من دون ان يفرط بها، رغم الحصار العسكري والمالي، بل رغم وضعه قيد الإقامة الجبرية في مقر المقاطعة في رام الله. هذه الثوابت هي في الواقع نهاية التنازلات الفلسطينية وبعدها لن يكون تنازلات.
اكد ان الاعتراف بإسرائيل تم ولا حاجة لاعتراف جديد بيهودية اسرائيل، لانه لا يحق لاي قائد فلسطيني ان يعرض فلسطينيي الـ48 لخطر الترانسفير من دولة دينية، سوف تكون منطلقا لحرب دينية في المنطقة كلها.
حذر العالم من انه دون الدولة المستقلة على كل الضفة وكل غزة وكل القدس الشرقية لا حل، وان التفريط بالحل الآن سوف يكون له تداعيات، اقلها انهيار السلطة الفلسطينية، وما يمكن ان ينجم عن ذلك من عنف... فاليأس لا يولد سوى العنف.
كان عباس شديد الوضوح، ولأنه كذلك استقبل بحفاوة التصفيق، وقوطع بحفاوة التصفيق، وودع بحفاوة التصفيق.. وقوفا، فيما الوفدان الأميركي والإسرائيلي اصاب اعضائهما الذهول وبدى على وجوههم الإمتعاظ.
قد يكون مفهوما تماما ذلك الامتعاظ على وجوه الأميركيين والإسرائيليين، الذين مارسوا كل انواع الضغوط والتهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور، كون ما أقدم عليه عباس هو تحدي القوة العالمية الأميركية العظمى وربيبتها القوى الإقليمية الكبرى اسرائيل... لكن ما ليس مفهوما أو مقبولا أن تكون حركة "حماس" ثالث الممتعظين، منضمة بذلك الى من تنادي علنا جهارا ونهارا بعدائها لهما.
كان المشهد فرحا في قاعة المنظمة الدولية في كل مرة وقفت الوفود مصفقة مقاطعة عباس الذي اعلن انه يخاطبهم كرئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس للسلطة الفلسطينية، ورئيس لدولة فلسطين.. كان فرحا في ساحات رام الله ونابلس وجنين وبيت لحم وقليقلية والخليل والقدس المحتلة، وفي مخيمات لبنان وسوريا، وفي مهاجر اللاجئين الفلسطينيين في انحاء العالم... وكأن غزة "حماس" خارج السياق والتاريخ.
كان مؤلما خروج غزة من السياق الفلسطيني ومن السياق العربي، واصطفافها في السياق الإسرائيلي ـ الأميركي، والسؤال بات يطرح: هل تعي "حماس" ما تفعل؟
بكل الأحوال، فإن القافلة انطلقت.. وفلسطين سواء نالت عضوية كاملة او ناقصة، قد سجلت نفسها على قمة هرم العالم... ولن يهز شموخها ظلام البيت الأبيض ولا ليل إسرائيل ولا كآبة حكام غزة.