الثلاثاء، 20 يوليو 2010

تركيا والمنطقة: تدخـّل حذر ومتوازن

المستقبل - الجمعة 9 تشرين الثاني 2007 - العدد 2787 - شؤون عربية و دولية - صفحة 15

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=260408

أنقرة ـ أنيس محسن
تركيا المنشغلة هذه الأيام بمشكلة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وبالعمليات التي نفذها أخيراً ضد الجيش التركي، تبدو شديدة الاهتمام أيضاً بمشكلات الشرق الأوسط، حيث تستقبل خلال الأيام المقبلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، قبل أن يزورها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في إطار جولته الأوروبية الراهنة.
وإذا كانت تلك الأحداث والحركة الديبلوماسية باتجاه أنقرة تظهر اهتماماً متزايداً من قبل تركيا بهموم المنطقة واعترافاً من دول المنطقة بدور محوري لأنقرة، فإن ذلك يخضع لفحص دقيق ونقاش واسع في أوساط المثقفين والسياسيين، حول ما إذا كانت مصلحة تركيا في التورط بمشكلات الشرق الأوسط، أو لجهة مدى وحجم التورط هذا.
يتفق غالبية الأتراك المهتمون بالشأن السياسي على أن وصول حزب "العدالة والتنمية" الى السلطة، ومن ثم تثبيت اقدامه فيها في الانتخابات العامة الأخيرة، وتمكنه من إيصال عبدالله غول الى قصر الرئاسة، أسهم في نسج سياسة خارجية تيمم النظر باتجاه الشرق بالمستوى نفسه لاهتمامها بالعلاقة بالغرب.
ويقول المدير العام لمركز الصحافة والإعلام التابع لمكتب رئيس الوزراء صالح ميليك، إن من الطبيعي أن تلتفت تركيا الى جانبي حدودها الشرقية والغربية، ليس بدافع الترف الديبلوماسي، إنما لأن مصالحها الأمنية والاقتصادية تتطلّب منها ذلك، حيث إن حجم التبادل التجاري (ميزانه مع الدول العربية لمصلحة تركيا) يزداد باضطراد، كما أن الحكومة الحالية تشجع رجال الأعمال الأتراك على توسيع مجال اهتمامهم في أسواق الشرق الأوسط وافريقيا، وتساعدهم في عملهم هذا، وكذلك تهتم بمصالحها الاقتصادية في أوروبا.
وثمة إجماع على أن قدرة الحكومة التركية على السيطرة على الأزمة المالية التي عاشتها في مطلع عام 2001، وتحقيقها نسب نمو عالية، تتطلب منها تعزيز وجودها الاقتصادي في الشرق الأوسط، وبالتالي الانغماس، بشكل أو بآخر، في العملية السياسية على المستوى الإٍقليمي، ويساعدها في ذلك علاقاتها المتوازنة بمختلف الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط.
ويرى المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية لأورواسيا أويتون أورهان أن تركيا تلعب بحذر في منطقة الشرق الأوسط، وهي لا تريد أن تكون طرفاً، إنما أن يكون دورها وسطياً، وأن تحافظ على علاقاتها مع كل الأطراف.
وإذ يشير أورهان الى علاقة متميّزة بين أنقرة ودمشق، فإنه يعيد الأمر الى تخلّي سوريا عام 1999 عن دعم حزب العمال الكردستاني وطردها زعيمه عبدالله أوجلان من أراضيها.
ويلفت الى أن العلاقات بين البلدين تحسّنت بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، حيث أنهما اشتركا في النظرة ذاتها الى المسألة.
وفيما رأت انقرة في تعزيز علاقاتها بسوريا بوابة للعبور الى البلدان العربية، فان دمشق ارادت من علاقتها بتركيا ان تكون بوابة عبور لها باتجاه أوروبا، على ما يشير أورهان.
ويصف أورهان العلاقات بين بلده وسوريا بأنها علاقات ظرفية من قبل الطرفين، لكن في البعد الاستراتيجي فانها تختلف كثيرا. فتركيا ديموقراطية بينما نظام دمشق شمولي وثمة عدم ثقة تاريخية بين الجانبين في قضية لواء اسكندرون، حيث ان السوريين وان تخلوا في هذه المرحلة عن المطالبة به، فان انقرة لا تثق في ان لا يعودون الى المطالبة به في اي وقت.
ويشير الى ان اتفاق البلدين في الموقف من الغزو الاميركي الى العراق لا يعني انسجاماً في الأسباب، حيث ان سوريا تلعب دوراً في العراق مواجها للولايات المتحدة، وتسهم في تعزيز الجماعات العراقية والوافدة الى العراق التي تقاوم الجيش الاميركي، ولا تأبه كثيرا اذا انقسم العراق او بقي موحداً، فيما تريد تركيا عراقاً موحداً ومستقراً لأن في ذلك مصلحة لها، خصوصاً ان عراقاً موحداً ومستقراً يخفف مخاوفها من الخطر الاتي في شمال العراق اذا انفصل وأعلنت فيه دولة كردية.
وفي الشأن اللبناني، يؤكد ان بلاده حريصة على الاتصال بمختلف الأطراف، وهي وان كانت تشعر بقرب اكثر الى الحكومة اللبنانية والاطراف التي تدعمها "14 آذار"، الا انها حريصة على الاتصال بالأطراف الأخرى، لا سيما "حزب الله".
وكذلك الأمر في الشأن الفلسطيني، فانها ترتبط بعلاقات ممتازة بالسلطة الفلسطينية وتقوم بمشاريع تنموية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتنسق بشكل دائم مع السلطة، وفي الوقت نفسه استقبلت رئيس المكتب السياسي لـ"حركة المقاومة الاسلامية" (حماس)، وهو ما يضعه اورهان في اطار الدور المتوازن، وليس من منطلق كون "حماس" حركة اسلامية و"حزب العدالة والتنمية" صاحب اصول اسلامية، اذ ان الأول حريص، الى الآن، على اللعب ضمن الاطار الديموقراطي ومن ضمن السياق العلماني للدولة، فيما "حماس" تحمل ايديولوجيا لا تتفق مع هذا التوجه.
وفي الاطار ذاته، يشير الى العلاقة التاريخية التي تربط تركيا باسرائيل، وهي علاقة استمرت على الرغم وصول "العدالة والتنمية الى السلطة"، والعلاقة المتميزة مع السلطة الفلسطينية، التي سبقت وصول الحزب الى السلطة.
ويشير اورهان الى ان تركيا تريد في الواقع ان يوقع اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل وان تحل دمشق خلافاتها مع الغرب، لتتحول سوريا الى بلد مستقر، وتتلافى، استطراداً، اي مشاكل قد تنشأ عن عدم استقرار في سوريا.
وفي المسألة الايرانية، يعتبر اورهان ان العلاقات بين طهران وأنقرة علاقة تنافس لا صراع، وان بلاده ترفض ان تقف مع الغرب ضد طهران أو مع الأخيرة ضد العرب.
ويرى اورهان ان محور سياسات انقرة في الشرق الأوسط الان هو شمال العراق، ومن خلال ذلك تتحرك وعبره تحدد مواقفها السياسية ازاء المنطقة.
على ان السؤال الذي يتمهل المهتمون في تركيا بالاجابة عنه، هو: هل تستطيع تركيا ان تكتفي الى ما لا نهاية بدور اللاعب المتوازن والمحايد؟ ثم، اذا ما زادت مصالحها في الشرق الأوسط، واصطدمت تلك المصالح بأطراف معينة، هل يبقى بعد ذلك من مجال للتوازن والحياد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق