الاثنين، 23 يوليو 2012

السفير الدنماركي في بيروت: انهار "جدار الخوف" العربي والأنظمة القمعية ستتغير عاجلاً أم آجلاً

لبنان يمتلك الكفاءات البشرية والمصادر الاقتصادية وباستطاعته التغيير إذا استخدمها بالطريقة الصحيحة
المستقبل - الاثنين 23 تموز 2012 - العدد 4408 - شؤون عربية و دولية - صفحة 16
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=531637


أنيس محسن

أبدى السفير الدنماركي في لبنان جان توب كريستينسن ارتياحه للتطورات في العالم العربي، ووصف ما يجري منذ نحو عام في المنطقة بأنه "انهيار لجدار الخوف"، آملا أن تتغير الأنظمة القمعية عاجلا.
كرستينسن دعا الى عدم استعجال نتائج الإنتفاضات العربية، لكنه أبدى ثقة بأن التغيير آت ومتجه نحو ديموقراطية وأن الأنظمة العربية ستنهار إن عاجلا أو آجلا.
وفي الشأن اللبناني، ابدى أمله في ان تستخدم الكفاءات البشرية والمصادر الاقتصادية الموجودة لدية بشكل صحيح لكي يحدث التغيير، والا بقي لبنان متخلفا عن عجلة التطور الحاصل في المنطقة.
السفير الدنماركي الذي انهت بلاده رئاستها للإتحاد الأوروبي، والتقته "المستقبل" بهذه المناسبة، اشار الى ان بلاده حققت انجازات مهمة خلال فترة الستة اشهر الخاصة بها، ودعا من يخلفها في الموقع اتباع الاسلوب نفسه الذي يغلب المصلحة الأوروبية على الأجندات الخاصة. وهذا نص المقابلة:

إنجازات أوروبية
[الشهر الماضي، انهت الدنمارك فترتها الرئاسية الدورية للإتحاد الأوروبي التي دامت 6 أشهر، وشهدت اوقاتا صعبة، اقتصاديا في أوروبا، وسياسيا في الجوار العربي في الشرق الاوسط. كيف تقيمون نتائج الرئاسة الدنماركية على وقع الوضع الاقتصادي في اوروبا والسياسي في الشرق الاوسط؟
ـ بالنسبة للجزء الاول من السؤال حول نتائج رئاسة الدنمارك للاتحاد الأوروبي، التي انتهت قبل بضعة اسابيع، فقد كانت اقل بريقا من اخر فترة رئاسية للاتحاد الاوروبي توليناها في 2002، حين كانت الدنمارك تعمل على التهيئة لضم 10 دول اعضاء جدد من شرق اوروبا وجنوبها. هذه المرة، التحديات كانت أكثر واقعية وبساطة، وقد جاءت عبر برنامجنا لرئاسة الاتحاد الاوروبي المكون من 60 صفحة تحت عنوان "اوروبا تعمل".
لقد انجزنا، حقيقة، عددا من النتائج المفيدة جدا في عملية الدفع التدريجي لاوروبا نحو العمل بفاعلية اكبر. دعني فقط اشير الى تلك النتائج:
1 ـ التوقيع على اتفاقية الاستقرار المالي fiscal compact treaty لتعزيز الانضباط المالي. هذا سيساعد ايضا على تقوية اليورو.
2 ـ قانون جديد للاتحاد الاوروبي حول نظام التقييس (المعايرة) الأوروبي، الذي سيساعد ايضا على نشر التكنولوجيا الجديدة في اوروبا.
3 ـ تأسيس "مرفق الربط الأوروبي" Connecting Europe Facility، وهو مرفق هدفه تمويل اكثر فاعلية للبنى التحية في اوروبا بما يتعلق بالمواصلات والطاقة والاتصالات.
4 ـ نظام للتجوال Roaming System، الذي يفترض ان يخفض بشكل جوهري اسعار الاتصالات على الهاتف الخلوي في الاتحاد الاوروبي.
5 ـ ايضا اود ان اشير الى الاطار القانوني الجديد لفاعلية الطاقة، الذي ينقل الاتحاد الاوروبي نحو "الاقتصاد الاخضر. ان هذا امر غاية في الأهمية بحيث لن يخفض الاسعار ويزيد من قدرتنا التنافسية فقط، بل سوف يخلق ايضا نحو 400 الف وظيفة جديدة بحلول العام 2020.
الى جانب تلك المبادرات العملية، التي سوف تطور الاقتصاد الاوروبي، فإن الدنمارك تريد ايضا ان ترسي سابقة عبر الاسلوب الذي قدمنا من خلاله دعم خدمة العمل الاوروبي الخارجي الجديدة (وزارة الخارجية للاتحاد الاوربي).
إن الدنمارك لم تستخدم رئاستها هذه لمصلحة جدول اعمالها الوطني الخاص، لكننا عملنا بمنهجية مع الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي السيدة أشتون، لجعل مهمتها اسهل واكثر فاعلية. ونحن نأمل ان الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي سيقومون بالعمل ذاته ليكون لاوروبا صوت واحد بالنسبة للسياسة الخارجية الاوروبية.
بالنسبة للجزء الثاني من السؤال المتصل بالوضع الإتقصادي في اوروبا، فإن الوضع الاقتصادي في اوروبا لا شك صعب، خصوصا في بلدان غرب اوروبا. يمكنك السؤال لماذا الأزمة في هذه الدول بشكل خاص. اعتقد انه من المهم لكل الدول ان تفهم انك لا تستطيع البقاء لسنوات وتعيش فوق امكانياتك. ان حرص الحكومات امر اساسي. على الرغم من ان الوضع الاقتصادي في الدنمارك افضل من غالبية الدول الاوروبية الاخرى (لدينا نسبة بطالة حاليا 6%)، فإن الدنمارك عمدت الى خفض انفاقها. على سبيل المثال، سرحت وزارة الشؤون الخارجية (الدنماركية) اخيرا 60 موظفا، بمن فيهم سفراء. هذا مؤلم، لكنه ضروري لتطوير المالية العامة من خلال ارساء الاولويات بشكل صارم. مجموعة من المبادرات وتدابير إنمائية ضرورية وممكنة لتحقيق النجاح وخلق فرص العمل.
التغير المفاجئ
ثالثا، وحول الوضع السياسي في دول الشرق الاوسط العربية بعد انطلاق ما يسمى "الربيع العربي"، او قد يكون من الاصح استخدام مصطلح اكثر واقعية، هو "تغير المناخ العربي"، فإنه تطور اقليمي ودولي اساسي، انه الاكثر اهمية منذ اعوام طويلة. انها بالتأكيد اوقات تاريخية. ما يحدث لن يؤثر فقط في دول بعينها، لكن كل المنطقة. كلنا سوف نشعر بتأثير الحدث.
لقد كانت الظروف صعبة كثيرا في العالم العربي بما يتعلق بالديموقراطية والحقوق الاساسية للإنسان. الفساد، عدم المساواة، عدم الكفاءة والإقصاء السياسي، كانت سائدة. هذه المشاكل كانت بعض الاسباب الرئيسية لاندلاع الانتفاضات.
في خريف 2010، كنا نعتقد ان التطور الجاري الان مستحيل، اما اليوم، فإن التطورات تبدو امرا لا مفر منه. لن يكون بمقدورنا معرفة الى ما ستنتهي اليه هذه التطورات الجديدة، لكنها تحمل بطياتها القوة الكامنة للتقدم الذي لم نكن نتخيل انه امر واقعي قبل عام.
لقد شاهدنا في ارجاء اخرى من العالم الاسلامي (اندونيسيا وماليزيا) تطورا باتجاه ديموقراطية حديثة تقوده دول مدنية يحكمها القانون. ان تطور كهذا، في الحقيقة، ممكن في الدول العربية. لكن دعنا من ان نكون ساذجين، بالطبع ستكون هناك قوى تحاول الاستفادة من الوضع القائم وتحاول خطف اللحظة لمصلحة مشاريع رجعية. لكني اثق كثيرا بإرادة الناس في ارساء انظمة سياسية تؤكد على حرية الفرد، وحرية اختيار القيادات بانتظام، والحق بحياة لائقة. على المدى الطويل، فقط المجتمعات المنفتحة بإمكانها ضمان ذلك بشكل مستدام.
لقد انهار "جدار الخوف" من القمع العنيف، واجلا او عاجلا كل الانظمة القمعية في العالم العربي يجب ان تغير نفسها بشكل جوهري. ان المستبدين سوف يرحلون اجلا ام عاجلا، ونأمل ان يكون عاجلا.
طائفية ومشاكل حقوقية
[ استضافت الاتحاد الاوروبي بين اول حزيران والثالث منه في كوبنهاغن، اجتماعا للشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان كجزء من اهتمام الدنمارك بحقوق الانسان في اوروبا والشرق الاوسط وحول العالم. ماذا قدمت الدنمارك واوروبا لنشر ثقافة حقوقا الانسان في العالم العربي عموما وفي لبنان خصوصا؟
ـ وفق كل المعايير، كل الدول العربية تقريبا لديها مشاكل بشأن حقوق الإنسان. يجب الانتظار قليلا لاختبار الوضع بعد المتغيرات في تونس ومصر وليبيا واماكن اخرى وما اذا كنا سنشهد تطورات اساسية بشأن حقوق الانسان. مثلا، وضع المرأة وحرية التعبير وحرية العبادة.
لبنان، في سياقات متعددة يبدو مجتمعا منفتحا وذو نظام سياسي ديموقراطي، لكن اذا تصفحت وقرأت التقارير الدولية، فهناك قائمة طويلة من المسائل ذات الصلة بحقوق الانسان تحتاج الى انتباه اكبر من قبل السلطات، مثل: استخدام التعذيب، الرقابة على المطبوعات، مقاضاة المدافعين عن حقوق الانسان، عدم المساواة بالنسبة الى النساء، التمييز جديا ضد اللاجئين الفلسطينيين ولاجئين اخرين، الحماية الضعيفة للعمال المحليين... الخ
اخيرا، اوصى الرئيس (الجمهورية) ميشال سليمان بتأسيس "أمانة للمظالم" (Ombudsman)، وهي مؤسسة رقابة لتصرفات المؤسسات الحكومية تجاه المواطنين. إنها فكرة ممتازة. هذه المؤسسة موجودة في كثير من الدول. في الدنمارك المؤسسة هذه موجودة منذ العام 1954. في الاردن تأسست حديثا. في لبنان القانون موجود منذ سنوات عدة، فما هي العقبات؟ يجب ايضا الأخذ في الاعتبار تأسيس مؤسسة لحقوق الإنسان. كلتا المؤسستين يمكن ان تساعدا في ابقاء المؤسسات العامة على المسار الحقوقي الصحيح.
دعني اشير ايضا الى مشكلة اقتصادية اجتماعية اخرى. ان نحو 30% من السكان في لبنان يعيشون تحت خط الفقر على الرغم من ان لبنان دولة بمستوى دخل فوق المتوسط. وكأنك أمام مشاكل جدية في النموذج الاقتصادي.. الكثيرون عاطلون من العمل وشبان مؤهلون كثيرون لا يجدون خيارا سوى مغادرة البلد للحصول على عيش كريم.
ان الدنمارك والاتحاد الاوروبي يحاولان من خلال الحوار مع الحكومة تسليط الضوء على التحديات المتعلقة بتحسن الوضع. ان ذلك ليس حاجة بل ضرورة. ومن خلال المساعدة في برامج محددة ومشاريع أنشطة تنفذ عبر الحكومة او من خلال المنظمات غير الحكومية اللبنانية النابضة بالحياة، نحن نحاول تحريك الأمور بالاتجاه الصحيح. لكن في النهاية، فإن المهمة الرئيسية لتحسين الوضع يجب ان يتم عبر اللبنانيين انفسهم. فالمعرفة موجودة، والكفاءات البشرية موجودة، ولديكم ايضا الوسائل الاقتصادية اذا تم استخدام المصادر بالطريقة الصحيحة.
[ خلال لقاء الشهر الماضي في السفارة الدنماركية، عندما استضفتم منظمات حقوقية وصحافيين، قلتم ان لبنان قد يجد نفسه خلف التطورات الديموقراطية في العالم العربي. لماذا لديكم مثل هذا الإنطباع، وكيف تعتقدون ان لبنان يمكنه ان يتغلب على الصعوبات التي تواجهه في هذا المسار؟
ـ لقد كان لبنان لسنوات طويلة منارة للحرية والديموقراطية في العالم العربي، لكن اليوم فإن لبنان لا يزال يتخبط بالمشاكل ذاتها التي نتجت عن الحرب الأهلية، التي انتهت منذ اكثر من 20 سنة. في غضون ذلك، وفي افضل السيناريوات، فإن دولا عربية اخرى سوف تسير نحو الديموقراطية الحديثة. لبنان يبدو عالقا في نظامه السياسي الغارق في المذهبية الذي ينتج محسوبيات، وفسادا، وعدم كفاءة. هذا اوجد ثقافة "عيفني" (عدم الاكتراث). ابتعد الناس من الاهتمام السياسي لأنهم لا يشعرون انهم يؤثرون في القرارات السياسية. نحو 50% من المقترعين صوتوا في انتخابات 2009. في الدنمارك، عادة ما نسجل مشاركة تقارب الـ90% في الانتخابات العامة. كيف يمكن ان يكون لبنان مشاركا حقيقيا في الديموقراطية من خلال مواطنين حيويين؟ كيف تشجعون وجود مواطن حقيقي؟ الكثير من الناس هذه الايام يعتقدون ان الانتخابات بلا فائدة، لأنهم لا يستطيعون التأثير في النتائج، التي يعتقدون انه تم ترتيبها مسبقا. ان خطوة واحدة الى الامام هي من خلال اختيار قانون انتخابي موافق للمعايير الدولية. انا آمل مخلصا ان الحكومة والبرلمان سيتمكنان قريبا من تحقيق الاصلاحات.
ان النظام السياسي الطائفي، الذي وفقا لاتفاق الطائف يجب ان يكون مؤقتا، لا يزال قائما. الكثير من الناس يخبرونني ان القضايا المذهبية تلعب اليوم دورا اكبر مما كانت عليه قبل الحرب الاهلية. الكثير من اللبنانيين يبدون اليوم مصابين بـ"نرجسية الاختلاف". تصرفون وقتا لتبيان الأشياء الصغيرة التي تميزكم من الآخرين، اكثر من البحث عن الاشياء التي توحد وتخلق مجتمعا لبنانيا اكثر تماسكا. انه من واجب القيادات الرؤيوية ان تبعد لبنان عن هذه الانقسامات الطائفية.