السبت، 19 مارس 2011

الحراك الشعبي الفلسطيني
ورهانات سلطتي رام الله وغزة
المستقبل - السبت 19 آذار 2011 - العدد 3944 - شؤون عربية و دولية - صفحة 16



أنيس محسن
أكثر من يناقش هذه الأيام تداعيات الحراك الشعبي الفلسطيني في 15 آذار (مارس) المطالب بإنهاء حالة الإنقسام، هما طرفا السلطة في رام الله وغزة، إنما ليس من باب الخوف من تعاظم كرة ثلج الإعتراض الشعبي على نهج السلطتين، بل من منطق التقليل من أهمية هذا الحراك على الرغم من أن التجمعات من حيث العدد خصوصا في غزة، فاق التوقعات، وإصرار المنظمين على مواصلة النشاطات، يذكر بتجربتي تونس ومصر.
يذهب تقليل طرفي السلطة الفلسطينية من أهمية موقع الشعب في القرار السياسي أبعد من مجرد محاولات اجهاض حالة الإعتراض الواسعة عبر قمعها كما يجري في غزة أو عبر استيعابها واعطائها صبغة الإعتراض على سياسات حركة "حماس" مثلما تريد سلطة رام الله، إلى تسجيل النقاط من خلال تحليل ساذج للثورات الشعبية العربية، السائرة منها نحو النجاح، أو حتى تلك السائرة نحو الإجهاض الذاتي أو الموضوعي.
يقول قيادي فلسطيني رفيع متابع عن كثب لتفكير طرفي السلطة، أي "فتح" و"حماس"، إن الأخيرة ربما اعتقدت أن الرئيس محمود عباس لن يجرؤ على المزايدة على دعوة رئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية للإجتماع وحل مشكلة الإنقسام، وعندما تجرأ عباس إنما من منطلق أن "حماس" لن تذهب أبعد من المزايدة الإعلامية، وعندما تصبح على المحك سوف تتراجع، وهذا ما حصل بالواقع، حين تراجعت عن ترحيب أولي باستعداد عباس لزيارة غزة واعتبارها انه وضع شروطا مرفوضة للزيارة.
يشرح القيادي نفسه، أن الطرفين المعنيين بالإنقسام، إنما يلعبان لعبة انتظار ساذجة للتطورات الإقليمية، فتنتظر "حماس" تراكم نتائج ما حصل في مصر وتونس باعتبار أن المتغيرات في البلدين هذين يقوي من عضدها ويضعف عباس وسلطته بعد سقوط نظامي مبارك وبن علي الحليفين، فيما تنتظر "فتح" حدوث تطورات أخرى مرتقبة في سوريا وإيران عبر قناعة بـ"حتمية" سقوط نظامي الولي الفقية والرئيس الوريث، ما سيقفل على "حماس" رئة التنفس الإعلامي والملجأ المكاني في دمشق والتدفق المالي من طهران.
يؤكد المصدر أن الرهانين هذين عبثيين وغير منطقيين، فلا سقوط نظامي مبارك وبن علي سيأتي بنظامين يؤازران "حماس" على "فتح" ولا سقوط نظامي طهران ودمشق يمكن أن يفتح أبواب العاصمتين لـ"فتح" ويغلقها أمام "حماس"، بينما الواقع أن القاهرة مثلا، وفق ما يؤكد المجلس العسكري والقيادات السياسية والحزبية الفاعلة، لن تتدخل في تفاصيل الواقع الفسطيني ولن تبادر الى وضع أطر حلول، إنما سوف تنتظر أن يبادر الفلسطينيون إلى وضع حد لحالة الإنقسام الداخلي، وهي ستكون الجهة التي تساعد فقط.
وينقل القيادي الفلسطيني عن مصادر الإخوان المسلمين في مصر، أن قيادة التنظيم ترى أن "حماس" بعد الإستيلاء على غزة ودفاعها المستميت عن سلطتها عبر تثبيت حالة الإنقسام، باتت تشكل عبئا على الإخوان، وأن قيادة التنظيم نصحت "حماس" بعدم التدخل مطلقا بما يجري في مصر، كما أن الإخوان ليسوا الطرف الأقوى في الساح السياسي المصري، وهناك قوس قزح حزبي منها قوى نازع الإخوان الحظوة الشعبية والقوة التجييرية، وهي ليست قوى مؤيدة لمنطق "حماس" الإنقسامي، مثلما هي رافضة لمنطق سلطة رام الله الإنهزامي أمام الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفيما طرفي معادلة الإنقسام الفلسطيني ملتهيان بجمع النقاط ولعب سياسة الإنتظار، والإستخفاف بقوة إرادة الشعب وعدم إيلائها أي أهمية، فإن عاملين يلعبان ضدهما:
1 إن حركة الشعب الفلسطيني ستكون ككرة الثلج وسوف تكبر بحيث يستحيل على أي منهما الوقوف أمامها، خصوصا من تنامي الشعور في الضفة برفض ضعف سلطة رام الله أمام إسرائيل وأميركا، ورفض حالة القمع الأمني المتمادية في غزة.
2 هناك لاعب مهم، وربما الأكثر أهمية بين كل اللاعبين، إنها إسرائيل التي تراقب ما يحدث في المنطقة العربية، وتدقق في الحراك الشعبي الفلسطيني وفي مواقف طرفي السلطة وتضع الإستراتيجيات لمواجهة الأخطار المحتملة بحسب نوع المتغيرات الفلسطينية و/أو العربية وشكلها، وهي تسعى إلى عدم السماح لعباس بجمع عناصر قوة، وتشجع على إبقاء حالة الحصار على غزة وعبرها تجذير وضع الإنقسام الجغرافي لتغذية واقع الإنقسام السياسي.
إن لعبة الإنتظار هذه، سوف لن تكون وبالا على طرفي السلطة الفسطينية فقط، بل على الواقع الفسطيني برمّته، وبالتالي يتوجب أخذ المبادرة من الطرفين، وتنمية الحراك الشعبي وحالتي رفض الشعور بالضعف والدونية أمام الأميركيين وإسرائيل من قبل سلطة رام الله، والإستكبار وتعظيم الذات غير الواقعي لدى "حماس" وسلطتها في غزة، بشرط عدم النزوع الى تحزيب الحراك الشعبي وتركه يأخذ مداه، والإيمان ولو لمرة بقدرة الشباب على التغيير، وصلابة الشعب في مواجهة التحديات، الداخلية منها كما الخارجية.

الاثنين، 14 مارس 2011

رهان على إضعاف الإستقطابين الثنائيين الجغرافي والفصائلي
15 آذار الفلسطيني: الشعب يريد إنهاء الإنقسام

============== أنيس محسن

المستقبل - الثلاثاء 15 اذار 2011

تنطلق اليوم في الأراضي الفلسطينية وفي الخارج تحركات شعبية، شبابية مدعومة من اليسار الفلسطيني، تحت شعار "الشعب يريد انهاء الإنقسام"، وسط مراهنة من قبل مثقفين وفاعليات سياسية مستقلة، وفصائل اليسار، على التأسيس لتيار ثالث بقاعدة جماهيرية يضعف الإستقطاب الثنائي الجغرافي المتمثل بغزة والضفة الغربية، والفصائلي المتمثل بثنائية "فتح" و"حماس"، لكن من دون نسج آمال كبار بتغيير فوري لصورة الواقع الفلسطيني المنقسم والضعيف والمربك، جراء الفشل التاريخي لمسار التسوية "الفتحاوية" وفشل "الممانعة" التي تقودها فلسطينيا "حماس" والتي باتت دفاعا عن إمارة في غزة، ونزوع سلطوي لوراثة منظمة التحرير الفلسطينية، الخاوية من الحيوية، والتي تعيش فراغا يحيطه هيكل هش معترف به عربيا ودوليا.

الداخل والخارج
تيمنا بنجاح تجربة شباب مصر في إطلاق ثورة "25 يناير"، سادت اوساطا شبابية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حماسة نحو إطلاق دعوة عبر "الفياسبوك" لإنهاء الإنقسام، ولاقت قبولا واسعا في أوساط الشباب الذين يشكلون غالبية الفئات العمرية الفلسطينية، ودعمت مباشرة من العديد من الشخصيات المستقلة وكبار المثقفين غير المنتمين فصائليا، واليسار الفسطيني الذي دعم من دون حدود لكن من دون تدخل مباشر في التنظيم والدعوة بل عبر التعميم على الاعضاء والأنصار إلى الإنخراط في التحرك كأفراد كي لا تحدث نقزة لدى الشباب.
واللافت أن تلك الدعوة لاقت تأييدا وتحركا شبابيا واسعا مدعوما ايضا من مثقفين وسياسيين وتجمعات سياسية فلسطينية في داخل مناطق العام 1948، حيث سيشهد اليوم الثلاثاء تحركا في فلسطين التاريخية كلها يدعو الى انهاء الإنقسام.
أما في الشتات، فقد لوحظ ارباك في التعامل مع الدعوة الى الانخراط في التحرك، فانقسم الى شباب اليسار والشباب غير المنتمي حزبيا، وشكل كل منهما لجنة، وفي لبنان على وجه الخصوص، تضاربت حتى مواعيد التحرك بين 15 آذار (مارس) و27 منه، قبل ان تصحح التواريخ وتتوحد مع الداخل الفلسطيني عند 15 آذار (مارس)، ومكانه قبالة سفارة فلسطين في بيروت، لكن مع بقاء الإنقسام التنظيمي بين فريقين، سيتلاقيا معا في الزمان والمكان المحددين.
ومسألة فوضى الخارج، خصوصا في لبنان، انما ناجم عن عدم ثقة المستقلين والفصائل احدهما بالآخر، وإن بدا في التحرك المحدد هذا، عدم ثقة من قبل المستقلين بالمنتمين حزبيا بشكل اكبر، وميل الفئة الثانية الى مصالحة ما مع الأولى.

حيوية الداخل
كان قصب السبق في الدعوة الى تنظيم التحرك، اذا، في الداخل، وبالتوازي في رام الله وغزة، ومن قبل مجموعات شبابية تنتمي الى المجتمع المدني، واليسار الفلسطيني، وتمظهر في شكل تحركات أولية دعما لثورتي الشباب التونسي والمصري، قمعت او حوصرت، بل ان بعض الداعين والمشاركين اوقفوا من قبل شرطة حكومة "حماس" في غزة، او تم التضييق عليهم من قبل حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله.
لكن، الثبات والإصرار الذي امتاز بهما شباب تونس ومصر، ونجاحهم في تلافي محاولات احتواء مطالبهم عبر التمسك بمطلب اسقاط سلطتي البلدين قبل أي حوار، زاد من اصرار الشباب الفسطيني في الضفة وغزة، الذي لم يكتف بالدعوة الى التظاهر والاعتصام اليوم في ارجاء الضفة والقطاع ومناطق الـ48، انما وضعوا اهدافا محددة ومفصلة احيانا لتحركهم:
ومن المطالب التي سترفع، فضلا عن الشعار الرئيس: "انهاء الإنقسام"، الدعوة الى اعادة النظر بالعملية السياسية القائمة، عبر الية ديموقراطية تبدأ في الداخل وتنتقل الى الخارج، ومن خلال تشكيل هيئة واحدة للإشراف على عملية انهاء الانقسام، مشكلة من قادة ومسؤولين سابقين وحاليين لهم مكانة شعبية ويتميزون بالنزاهة، وممثلين عن الشباب، لاجراء انتخابات المجلس التشريعي ورئاسة السلطة الفلسطينية، ومن ثم وفي الاسلوب ذاته للمجلس الوطني الفسطيني، بما ينتج ممثلين حقيقيين للداخل والخارج، ويمكن منظمة التحرير من الخروج من حالة الترهل، والسلطة الفسطينية من الانقسام الجغرافي والسياسي.
أما في مسألة مقاومة الإحتلال، فيدعو الشباب إلى ان تكف الفصائل عن محاولات احتواء التحركات الشعبية في ما يتعلق بمناهضة جدار الفصل العنصري، وتكثيف المشاركة الشعبية، بحيث تصبح المشاركة في التظاهرات تعد بعشرات الآلاف وليس بعشرات الأفراد الذين غالبيتهم تكون احيانا من المتضامنين من اليسار الإسرائيلي والدولي. مع الإدراك مسبقا ان حجم القمع الإسرائيلي سيكون أكبر، خصوصا وأن الجهات الأمنية الإسرائيلية تضع الخطط لمواجهة احتمال تحرك شعبي كبير بعد الثورات الشبابية العربية.

محاولات احتواء
بعدما فشلت محاولات قمع التحرك الشبابي في غزة والضفة على السواء، سعت سلطتي الوصاية: "فتح" و"حماس" الى احتواء التحرك، وتفريغه من مضمونه. في الضفة الغربية اكدت "فتح" انها ستنزل مع الشباب وترفع العلم الفسطيني وحده، وفي غزة، عمدت "حماس" الى دعوة الفصائل لاجتماع والى تظاهرة يرفع فيها العلم الفلسطيني وحده لدعم الثورات العربية وانهاء الانقسام، وقد خرجت التظاهرة لكن من قبل "حماس" وحدها وبالفعل رفع فيها العلم الفلسطيني.
لكن في الحالتين، فإن قطبي الإستقطاب، سعيا الى جر التحرك نحوهما، وكأن الإنقسام سببه الوجه الآخر للعملة، وليس الوجهين، وهو ما تنبهت اليه حركة الشباب والداعين والمنظمين للتحركات، فتم رفض التوجهين، والإصرار على رفع الصوت عاليا بوجههما ان كان في رام الله او في غزة، يؤازرهما فلسطينيو الـ48 الناشطون في الدعوة الى انهاء الانقسام، لإن هذا الإنقسام اثر على الجمهور الفلسطيني في مناطق الـ48 وتركه فريسة لإجراءات عنصرية إسرائيلية، ولا من يرفع الصوت معهم غيرهم. وكذلك في خارج فلسطين على الرغم من الإرباك الذي تم حصره في المرحلة الحالية، على ان يعالج بشكل جذري اذا نجح التحرك اليوم.

تيار ثالث "شعبي"
تحرك اليوم، مثقل بالرهانات، وربما اكبرها واهمها التأسيس لتيار ثالث شعبي وليس حزبيا. فخيار التيار الثالث الذي اطلقه اليسار الفسطيني حتى قبل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني مطلع العام 2006، لم يكن مؤثرا، لأسباب عدة، أولها أن الإستقطاب بين "فتح" و"حماس" كان يستند إلى قاعدة شعبية عريضة، اكبر كثيرا من قاعدة اليسار الفسطيني، وثانيها كون اليسار الفسطيني نفسه لم يكن موحدا ونزعة السلطوية لديه طغت على التلاقي في المبادئ العامة والشعارات، فجاءت النتائج مخيبة للآمال، وتبادلت حركتا "فتح" و"حماس" المواقع في السلطة، وجاء اليسار ثالثا لكن بفارق كبير عن حزبي السلطة. وحتى عندما اضعفت النزاعات والحروب العبثية فصيلي السلطة في رام الله وغزة، فشل اليسار في احداث فرقا كبيرا واحتلال موقع متقدم في العملية السياسية، للسبب الذاتي نفسه الذي يعاني اليسار منه: أي النزعة السلطوية لدى مكوناته، بمعنى أن كل طرف كان يرى بنفسه الجهة القادرة على القيادة.
بعض اليسار الآن، يدرك أن التيار الثالث لا بد أن يكون شعبيا، وان ينضوي هو تحت قيادته، حتى ولو خرجت التحركات بقيادات شابة بديلة. والشباب الفلسطيني، خصوصا في فلسطين التاريخية (الضفة وغزة والـ48) بات جاهزا لقيادة المرحلة، ونجاحه سيعلن ولادة تيار ثالث حقيقي، سينعكس ايجابا على الشتات الفسطيني ويخرجه من إرباكه.
المراهنات على ما سيحدث اليوم كبيرة، لكن التحديات كبيرة: منها الداخلي المتمثل بخشية فصيلي السلطة الفلسطينية من خبوهما، والخارجي المتمثل داخليا برعب اسرائيلي من حركة شعبية مماثلة لثورة الحجارة لن يكون باستطاعتها قمعها، وخارجية تتمثل بالحكومات العربية التي لا تريد ان ينجح تحرك فلسطيني شعبي مستقل، يثقل عليها مخاوفها الناجمة من الثورات الشبابية العربية القائمة في غير مكان.