الثلاثاء، 20 يوليو 2010

سمير قصير .. الكف على الكف

المستقبل - الاحد 5 حزيران 2005 - العدد 1938 - شؤون لبنانية - صفحة 4

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=124366

انيس محسن
من ساحة البرلمان حيث كنيسة القديس جاوارجيوس الى ساحة الشهداء ومبنى جريدة "النهار"، مجموعات من زملاء ورفاق الصحافي الشهيد سمير قصير تتوافد وتتجمع، يجمعها حال الجهوم.
لا احد يسأل لماذا اغتيل، فالقصة معروفة، الكل يسأل من التالي، خلف من سنسير في اليوم القادم؟...
نحن نسير خلفنا، لكن لا احد منّا يبالي، فحاجز الخوف انكسر منذ اغتيال كبير الشهداء الرئيس رفيق الحريري.
قادة المعارضة ونوابها يتوافدون على جريدة "النهار"، والمشيعون ينتظرون تحت الشمس المحرقة، لا يشعرون بها، فحر الفجيعة اكبر من حمّارة الشمس.
وسط وجوم مستمر، يدوي صوت الاكف تصفيقا، قد وصل العريس، زِفُّوه شهيدا الى مثواه الاخير.. مثواه الذي لن يحبس سوى ما بقي من جسده، لكن دون روحه وقلمه وحريته التي لا تحدها حدود ولا تحبسها لُحود.
الكف على الكف.. تصفيقا، ليس بكاء او عويلاً.
الكف على الكف، لانها ذات الاكف التي تكتب كما كتبت كف الشهيد سمير بلا خوف .. "عسكر على مين".
على الاكف، يرفع النعش عند وصوله.. زملاء قلمه ورفاقه في "اليسار الديموقراطي" والمعارضة يتناوبون حمل الجسد من "النهار" باتجاه كنيسة القديس جاوارجيوس في ساحة البرلمان.
الكف على الكف.. تصفيقا طول الطريق القصيرة.. زِفُّوه فهو عريس الكلمة الحُرَّة الباقية بعد زوال الجسد.
امام البرلمان، يتصاعد نبْض الاكف، والنعش يعلو باتجاه باب المجلس العالي. تصفيقا وتصفيقا لا ينتهي.. لكن الباب العالي كصخرة صماء لا يفتح. من حضر من نواب الامة كان ضمن النبض نفسه، اما الجلمود البرلماني فلا يشعر.. الباب لا يفتح، والنعش يرتفع ويسمو من فيه الى اعلى من السماء.. ونبض الكف يتصاعد.
تصرخ جيزيل: اما من احد.. لا صوت سوى نبض الاكف، لا شيء سوى صوت جيزيل الثكلى تسأل.. هل من يسمع؟
والباب العالي لا يفتح ولا يطل منه احد. ربما لا احد في الداخل، ربما بعض من في الداخل لا احد!
امتار ويدخل الجثمان كنيسة القديس جاوارجيوس حيث تُرفع الصلاة لتَرتفع الروح الى خالقها وكانت قد سمت بكلمته وبلغت اعلى النجوم.
يصدح صوت الكهنة والمصلين:
المسيح قام من بين الاموات ووطئ الموت بالموت
ووهب الحياة للذين في القبور...
نبض الاكف يعلو مجددا.. الكف على الكف تصفيقا وداعا مرة اخرى للجسد بعد الصلاة من الكنيسة الى المدفن.
نبض الاكف التعبير الوحيد الجامع لكل من شارك في التشييع.. والاكف هذه تحمل القلم ولا تعرف كيف يُفَجّر الجسد، انه غير حقد الاكف التي لا تعرف سوى كيف يتم تحضير الـ"سي فور" والضغط على زر التفجير...
انكسر الصمت الذي طالما كسره سمير.. لا محل للصمت بعد الآن، فالاقلام لها صوتها وللايادي التي تحملها نبض.. هو الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق