الخميس، 24 نوفمبر 2011

"ميدان التحرير 2"

نيس محسن

منذ "مليونية" يوم الجمعة الماضي، لم يهدأ ميدان التحرير في القاهرة، وميادين ثانية في مدن اخرى في مصر، رغم أن المكونات الحزبية لـ"جمعة حماية الديموقراطية"، فضت يدها بعد سحابة نهار 18 تشرين الثاني (نوفمبر) واعلنت العودة الى المنازل، بعدما ظنت أن المنازلة انتهت هناك، لتتفاجأ مثل السلطة القائمة حاليا المتمثلة بالمجلس العسكري، بأن الميدان عاد الى سابق عهده وكأن الرئيس السابق حسني مبارك ما سقط بعد.
تدرج الوضع في ميدان التحرير من اعتصام مئات الشبان والشابات ليل 18 19 من الجاري، من اعتصام سلمي، الى عملية قمع موصوفة اودت بحياة العشرات وبمئات الجرحى، وما زالت قائمة الى الآن، وبشكل غير مبرر، جعل المتهكمين من المتظاهرين الشبان يرفعون شعار "إحنا عاوزين الغاز القديم"، لأن عددا كبيرا من الضحايا سقط بسبب تلك القنابل الغازية التي اطلقت وليس جراء الرصاص فقط.
بعيدا عن مشهد المكان، الغارق في فوضى الحجارة والخيم والصراخ والشعارات والبنادق والأجساد والدماء والناس والعسكر، يبدو مشهد ما خلف الميدان، في المدى السياسي، شديد التعقيد، والتحليلات تتناسل وتتكاثر، وتذهب من اسطوانة "المؤامرة" الأميركية المشروخة، إلى "نزق الشباب"، وليس انتهاء باتهام بعض الأحزاب بمحاولة "منع اجراء الإنتخابات"، لأنها، أي تلك الأحزاب، "تعلم تماما انها خاسرة ولن يكون لها وجود على مقاعد البرلمان".
غير أن جوهر الأمر اعمق من ذلك كثيرا: أوله، أن شرخا عميقا وقع بين مكونات الميدان لن يكون سهلا اعادة نسجه، بل أن الشرخ اصلا كان موجودا أنما كان غير ظاهر للعيان.
في مراقبة عادية لشاشات الفضائيات العربية، والقنوات المصرية، يرتسم خطان: احدهما يمثله جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤهم مع المجلس العسكري واشخاص كانوا يظهرون كثيرا على الشاشة خلال عهد مبارك، والثاني يمثله شباب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) بتلاوينهم المختلفة.
الأول يبدو وكأنه يدافع عن سلطة قائمة وواقعة، هي في يده، وأخشى ما يخشاه فقدانها. حتى التهم الموجهة الى شباب الميدان، هي ذاتها تكرار لما كان يسمع في العهد السابق. فإما هم أميركيون، أو هم "صبية" يشرون ويباعون، أو خاسرون لا يريدون للعملية الديموقراطية ان تستمر. لكن الوجوه السياسية تغيرت فباتت تابعة للإخوان، فيما بعض الوجوه "الإعلامو ـ سياسية" يتكرر بعضها، وكان سابقا من مؤيدي النظام.
الثاني، واثق بما يعمل، كلامه واضح مختصر وغير مبطن، بلا أيديولوجيا ولا رتوش. إنهم أنفسهم، وجوههم طلاقة ألسنتهم، رؤاهم الواضحة، منطقهم البسيط غير المتكلف. يقولون: نريد التغيير لأن القائم حاليا يؤسس إلى حالة من عدم التغيير في الجوهر، مستقبلا، إنما نقلا للسلطة من أشخاص إلى أشخاص، حتى بالأدوات ذاتها، فضلا عن ان المفاهيم هي ذاتها.
من ضمن التحليلات، المستندة الى وقائع، وفق المتحدثين بها، فإن ما جرى في ميدان التحرير في نسخته الثانية، منذ ليل 18 ـ 19 تشرين الثاني (نوفمبر)، إنما هو انتفاضة استباقية، ليست ضد الانتخابات او ضد احزاب مثل الاخوان المسلمين، لمجرد انهم "اخوان"، إنما بعد اكتشاف صفقة، حيكت في النهار وليس في الظلام، تقتضي بإعادة تركيب النظام على ثلاث ركائز: الدولة العميقة ممثلة بالعسكر وأجهزة أمن بقوالب جديدة، وقوة ذات تجربة في الحكم وفي الشارع ممثلة ببقايا النظام القديم من أهل السياسة من الكادر الوسطي وما دون، وقوة سياسية شديدة التنظيم ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين، وهي سوف تحكم تحت لافتة الانتخابات وانتقال السلطة عبر الصناديق، لكن بعد عمليات تعليب جديدة، سوف تستمر الى وقت طويل، وبتحالف مع الغرب، الذي استطاع اعادة استجماع عناصر سياسته في المنطقة، بعدما بعثرتها ميادين التحرير في تونس ومصر وصنعاء وطرابلس ودمشق.
يقول المحللون، إن الغرب يدعم وصول الإخوان المسلمين وحلفائهم، الى السلطة ليس في تونس ومصر وليبيا ولاحقا في اليمن وسوريا فقط، وربما في الأردن الذي رفع فيه اخيرا شعار لم يرفع من قبل، وهو اسقاط النظام الملكي وليس الحكومات، كما في دول عربية اخرى. والغرب بذلك انما يراهن على أمرين:
أولا إن وصول إسلام سياسي معتدل الى الحكم في المنطقة العربية سوف يشكل محيطا من الأنظمة السنية التي ستتواجه حكما مع النظام الشيعي في إيران، على المستوى الفقهي، وكذلك ستتواجه مع ايران كدولة "فارسية" لها اطماع توسعية، فيما الانظمة التي تكون قد قامت سيكون لها طموحاتها الإقليمية ايضا.
ثانيا، إن احزاب الاسلام السياسي المعتدل، كانت جزء من النظام القديم، وان كانت خارج السلطة، وهي معروفة لدى كل الدوائر الغربية، السياسية منها والأمنية، وبالتالي سيسهل التعامل معها، حتى في حالات الاختلاف، أما وصول قوى شبابية غير مجرِبة أو مجرَّبة، فسيكون مخاطرة للغرب الذي له مصالح لا تحصى في منطقة استراتيجية تخترن اكثر من نصف موارد الطاقة في العالم.
وما جرى في ميدان التحرير، انما كان مواجهة في الأصل بين شباب "الربيع العربي" وهذا التحالف الجديد، الذي سيجهض الثورات ويعيد انتاج انظمة لن تكون مختلفة كثيرا عن الانظمة السابقة، كما يرى ثوار "ميدان التحرير 2".
وبمطلق الاحوال، سواء تأثرت الأجواء الإنتخابية بما جرى في "ميدان التحرير 2" وخفف من اندفاعة الإسلام السياسي في السلطة، أم لا، فإن ما كتبته دماء العشرات من الشباب بعد 18 تشرين الثاني (يناير) لا بد انتجت شيئا واحدا اساسيا وضروريا: أن اي سلطة قادمة يجب ان تأخذ الشارع بعين الإعتبار، وأن تحركه حتميا اذا اخذت البلاد نحو انظمة مستنسخة من الماضي.

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

عبدالله لـ"المستقبل": دعمنا قرار الجامعة العربية تجنّباً للتدويل

المستقبل - الاربعاء 16 تشرين الثاني 2011 - العدد 4175 - شؤون لبنانية - صفحة 6

أنيس محسن
أكد سفير فلسطين في لبنان عبدالله عبدالله أن تصويت منظمة التحرير لمصلحة قرار المجلس الوزاري العربي تعليق عضوية سوريا في هيئات الجامعة، تأكيد للإجماع ورفض التدخل الخارجي في الربيع العربي، معتبرا أن "الربيع العربي" هو ثورة كرامة وحرية وعدالة".
وأكد خلال زيارة أمس الى جريدة "المستقبل" حيث التقى هيئة التحرير، الإصرار على أن "لا يكون الفلسطينيون طرفا في أي خلاف في لبنان".
وبشأن التحرك الفلسطيني دولياً، قال: "حرصنا على عدم رفع سقف التوقعات بشأن تحركنا الدولي"، أما في الشأن الداخلي الفلسطيني، فقال: "نواصل محاولة إنهاء الإنقسام الفلسطيني رغم كل العقبات".
استهل عبدالله اللقاء بشكر "المستقبل" على تغطيتها المميزة للموضوع الفلسطيني، وتناول ثورات "الربيع العربي"، معتبرا أن "حالة كل دولة ممكن التعامل معها على حدة، وما ينطبق في مكان قد لا ينطبق في آخر. وقال إن "ما حدث ضروري وكان يجب ان يحدث قبل وقت طويل. وفيما الثورات القومية في عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم تحدث التغيير المطلوب، فإن ما يجري الآن يثبت أن العرب ما زالوا موجودين".
ورأى ان "الربيع العربي" هو ثورة كرامة وحرية وعدالة".
وقال: "إن الغرب تفاجأ في الثورات العربية الحالية، لكنه شرع في التعامل معها، بهدف الحيلولة دون السماح للحراك العربي بأن يكون في مصلحة الأمة العربية"، مشددا على ضرورة "التحصن ضد التدخل الأجنبي"، ملقياً على الإعلام "مسؤولية في لعب دور في هذا السياق".
وفي الشأن السوري، رأى أن "الوضع ذاهب نحو التغيير الحتمي، والسؤال هو متى؟"، معتبراً أن "وزير الخارجية السوري وليد المعلم اعترف خلال مؤتمره الصحافي (أول من أمس) بأن في سوريا هناك أزمة، وأن الحل يجب أن يكون عربياً". وأوضح أن "لدى الفلسطينيين حساسية مفرطة من التدخل الغربي في الشأن العربي، آخذا مثلي العراق وما انتهى إليه وليبيا والدمار الذي لحق بالبنى التحتية والإجتماعية فيها"، داعياً بالتالي الى "اللجوء لحل عربي للحيلولة دون الدخول الغربي الى ملفات ثورات "الربيع العربي". وقال: "إن العمل العربي المشترك يقتضي وجودا قويا لمصر، وإن دور مصر يجب أن يتعزز بإسناد سوري، ولذلك يتوجب المحافظة على الدولة السورية وعدم السماح بتفتتها". وأكد أن "الدور العربي في الحل يمنع الإنزلاق ألى حروب أهلية".
وعن الموقف الفلسطيني مما يجري في سوريا، قال: "إن الموقف نفسه إزاء كل ما يجري، وهو احترام خيارات الشعوب، على أن لا يكون الفلسطينيون طرفا في الشأن الداخلي، تماما كما لا نقبل أن يتدخل أحد بشؤوننا".
وعن تأييد فلسطين لقرار مجلس الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا في هيئات جامعة الدول العربية، قال السفير عبدالله: "الموقف الصحيح أن نكون مع إجماع 18 دولة عربية والخطأ أن نكون ضده.. ثم أن تأييدنا للقرار لقناعتنا بأن القرار يحول دون تدويل الأزمة".
ونفى أن "يكون الفلسطينيون تخلوا عن رئاستهم للمجلس الوزاري لمصلحة قطر في إطار تمرير قرار مجلس الجامعة"، وقال: "لم نتخل عن رئاستنا لمصلحة سوريا، فقد كنا مشغولين في متابعة ملف طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، ولم يكن في حينه ملف سوريا مطروحا أساسا على الجامعة العربية".
وفي الشأن اللبناني، أكد عبدالله، أن "الفلسطينيين، كما هو الوضع في سوريا، لا يريدون أن يكونوا طرفا في أي خلافات داخلية"، مشيرا الى "وجود قرار فلسطيني شامل برفع الغطاء عن أي مخل بأمن المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأن يسلم الى السلطات اللبنانية المختصة".
وتناول خلال الدردشة أيضا، ما يجري فلسطينيا على الساحة الدولية، مشيراً الى ان "منظمة التحرير كانت مصرة منذ البداية على عدم رفع سقف التوقعات بشأن الذهاب الى الأمم المتحدة"، وقال إنه "حتى لو تمكن الفلسطينيون من جمع 9 أصوات في مجلس الأمن ولم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" فإن ذلك لن يعني، إن حصل، أن الدولة الفلسطينية باتت واقعا موجودا، انما يجب ان يتواصل النضال بكل أنواعه: المقاومة وفق طبيعة المرحلة، والعمل الديبلوماسي".
وأشار، في هذا السياق، إلى أن "كل الدول العربية ضغطت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهدف إقناعه بعدم الذهاب الى نيويورك، وبعد أن ذهب وألقى خطابه هناك، أيده الجميع".
وشدد عبدالله على أن "منظمة التحرير صلبة في موقفها، وأن المعركة هي معركة عض أصابع "ونحن لن نصرخ، ونأمل أن يتحسن الوضع نحو الأفضل".
داخليا، أكد السفير الفلسطيني على "إصرار منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" على مواصلة المحاولات لإنهاء الإنقسام الداخلي"، مشيراً إلى أن "البعض في حركة "حماس" يقف ضد المصالحة لأنه يرى أن التحولات العربية هي لمصلحة التيار الإسلامي، وبالتالي لماذا يعطون التيار العلماني ما يمكنه مجددا من قيادة دفة العمل الوطني، وهذا خطأ كبير"، ولفت إلى أن "إسرائيل راهنت منذ أن انسحبت من غزة من طرف واحد، وإلى الآن على الإنقسام الفلسطيني".

السبت، 24 سبتمبر 2011

عندما تشمخ فلسطين.. وتخرج غزة عن التاريخ

المستقبل - الاحد 25 أيلول 2011 - العدد 4125 - شؤون لبنانية - صفحة 6
أنيس محسن
أعاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أول من أمس فلسطين الى خارطة العالم من بابها الديبلوماسي العالي، ساحبا البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة واللجنة الرباعية الدولية، اللتان اثبتتا في عام كامل امتد من ايلول (سبتمبر) 2010 الى ايلول (سبتمبر) 2011 فشلهما في تحقيق وعد الرئيس الأميركي باراك اوباما بقيام الدولة الفلسطينية، أن لم نقل عملية التسويف والرياء التي مارساها طوال عام... شمخت فلسطين كلها، لكن غزة خرجت عن السياق.
فلسطين لم تكن كما كانت من قبل أمام الأمم المتحدة.. ذكّر عباس العالم بأن فلسطين ليست الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية فقط، بل تلك الأرض الممتدة عرضا بين البحر المتوسط ونهر الأردن وطولا بين لبنان وخليج العقبة، وذكر العالم بأن القضية ليست اعطاء حكما ذاتيا في معازل في الضفة الغربية وقطاع غزة مقطعة الأوصال ومحكومة بأحزمة استيطان وسيطرة عسكرية اسرائيلية برا وبحرا وجوا، بل قضية ملايين اللاجئين المنتشرين في العالم وخصوصا في ما يسمى بدول الطوق وفي الضفة وغزة ايضا، وهؤلاء كانوا آمنين في ارضهم قبل نكبة العام 1948، كانوا مجتمعا ينمو ويتطور ويبني حياته المزدهرة، عندما انقضت عليه العصابات الصهيونية واحالته الى لجوء بمؤامرة شارك فيها كل العالم، وسكت العالم هذا عن واحدة من أكبر المآسي الإنسانية طيلة 63 عاما.
قال عباس: الفلسطينيون قدموا اقصى تنازلات ممكنة، قبلوا بـ22% من أرضهم التاريخية لأنهم اقتنعوا بالعدالة النسبية، لكنهم لم ينسوا ان العدالة المطلقة هي ان ينالوا حقهم بأرضهم التاريخية مئة في المئة، وبالتالي لا يمكن تقديم اي تنازلات اخرى... والحل فقط بدولة فلسطينية مستقلة على كل الأرض الفلسطينية التي احتلت في 5 حزيران (يونيو) 1967 من دون استيطان وبعاصمة هي القدس الشرقية.
قال عباس: كفى تسويفا اميركيا وغربيا، فالملف الذي تسلمته الولايات المتحدة وحلفائها في اوروبا منذ مؤتمر مدريد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، عاد الى حيث يجب ان يكون، في المؤسسة الدولية التي اعطت شرعية لإسرائيل مشروطة بقيام دولة فلسطينية، وقد آن الأوان بعد ظلم ما بعده ظلم دام 63 سنة بأن تكمل الأمم المتحدة تنفيذ قرارها وتعترف بفلسطين، وان على مساحة اقل كثيرا من تلك التي نص عليها القرار 181.
ما قاله عباس، هي اقل الثوابت الفلسطينية، التي مات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من دون ان يفرط بها، رغم الحصار العسكري والمالي، بل رغم وضعه قيد الإقامة الجبرية في مقر المقاطعة في رام الله. هذه الثوابت هي في الواقع نهاية التنازلات الفلسطينية وبعدها لن يكون تنازلات.
اكد ان الاعتراف بإسرائيل تم ولا حاجة لاعتراف جديد بيهودية اسرائيل، لانه لا يحق لاي قائد فلسطيني ان يعرض فلسطينيي الـ48 لخطر الترانسفير من دولة دينية، سوف تكون منطلقا لحرب دينية في المنطقة كلها.
حذر العالم من انه دون الدولة المستقلة على كل الضفة وكل غزة وكل القدس الشرقية لا حل، وان التفريط بالحل الآن سوف يكون له تداعيات، اقلها انهيار السلطة الفلسطينية، وما يمكن ان ينجم عن ذلك من عنف... فاليأس لا يولد سوى العنف.
كان عباس شديد الوضوح، ولأنه كذلك استقبل بحفاوة التصفيق، وقوطع بحفاوة التصفيق، وودع بحفاوة التصفيق.. وقوفا، فيما الوفدان الأميركي والإسرائيلي اصاب اعضائهما الذهول وبدى على وجوههم الإمتعاظ.
قد يكون مفهوما تماما ذلك الامتعاظ على وجوه الأميركيين والإسرائيليين، الذين مارسوا كل انواع الضغوط والتهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور، كون ما أقدم عليه عباس هو تحدي القوة العالمية الأميركية العظمى وربيبتها القوى الإقليمية الكبرى اسرائيل... لكن ما ليس مفهوما أو مقبولا أن تكون حركة "حماس" ثالث الممتعظين، منضمة بذلك الى من تنادي علنا جهارا ونهارا بعدائها لهما.
كان المشهد فرحا في قاعة المنظمة الدولية في كل مرة وقفت الوفود مصفقة مقاطعة عباس الذي اعلن انه يخاطبهم كرئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس للسلطة الفلسطينية، ورئيس لدولة فلسطين.. كان فرحا في ساحات رام الله ونابلس وجنين وبيت لحم وقليقلية والخليل والقدس المحتلة، وفي مخيمات لبنان وسوريا، وفي مهاجر اللاجئين الفلسطينيين في انحاء العالم... وكأن غزة "حماس" خارج السياق والتاريخ.
كان مؤلما خروج غزة من السياق الفلسطيني ومن السياق العربي، واصطفافها في السياق الإسرائيلي ـ الأميركي، والسؤال بات يطرح: هل تعي "حماس" ما تفعل؟
بكل الأحوال، فإن القافلة انطلقت.. وفلسطين سواء نالت عضوية كاملة او ناقصة، قد سجلت نفسها على قمة هرم العالم... ولن يهز شموخها ظلام البيت الأبيض ولا ليل إسرائيل ولا كآبة حكام غزة.

الخميس، 18 أغسطس 2011

عباس: الاعتراف بالدولة لا يلغي حق العودة ولا بديل من التفاوض

أكد سيادة لبنان على المخيمات ونفى إعطاء اللاجئين جوازات فلسطينية حالياً
المستقبل - الجمعة 19 آب 2011 - العدد 4090 - شؤون عربية و دولية - صفحة 14
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=481526
أنيس محسن

أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، إذا حصل عندما تتقدم المجموعة العربية بطلب الاعتراف بها في حدود العام 1967 في أيلول (سبتمبر) المقبل، لا يلغي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مشددا في الوقت نفسه أنه إذا نجحت خطوة طلب الاعتراف أو فشلت فلا بديل من التفاوض، وفق الموازين القائمة.
عباس وخلال لقاء مع صحافيين لبنانيين وعاملين في لبنان، ليل اول من امس، على هامش زيارته الى بيروت، كرر أنه مع ما تقرره الدولة اللبنانية بالنسبة لسلاح المخيمات، وقال إنه يرفض وجود سلاح غير سلاح الشرعية في الضفة الغربية، فكيف له أن يقبل بوجود سلاح فلسطيني في المخيمات، لافتا إلى أنه لا يأمل تكرار تجربة "فتح الإسلام" التي قال إنها "لا علاقة لها لا بفتح ولا بالإسلام" وباستمرار الصدامات المسلحة مثل ما حصل اخيرا في عين الحلوة.
وخاطب اللبنانيين بأن اتفقوا على أمر السلاح في المخيمات والفلسطينيون سيوافقون، رغم انه اشار الى ان الحل قد لا يكون بالسهولة التي يمكن ان تفهم من سياق الكلام هذا، اذ توجد في المخيمات فصائل ومجموعات مختلفة، وبالتالي يجب وضع حلول للمسألة، رافضا أيضا فكرة اللجوء الى حل يؤدي الى صدام مسلح داخل المخيمات.
في المقابل، شدد عباس على ضرورة إعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقهم بالعيش بالحد الأدنى من الكرامة، عبر تسهيل حصولهم على العمل والسكن، لافتا الى انه ناقش القضايا الحياتية للفلسطينيين في لبنان، وجرى الإتفاق على تشكيل لجنة لبنانية ـ فلسطينية لدراسة مختلف الملفات، وأنه وعد بأن يتم التوصل الى حلول مجدية.
وأكد الرئيس الفلسطيني أن زيارته إلى لبنان كانت ناجحة ومميزة حيث افتتحت السفارة الفلسطينية وتم رفع العلم الفلسطيني، وناقش قضية طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الامم المتحدة مع المسؤولين اللبنانيين. وردا على سؤال عمّا يمكن أن يقدمه لبنان للفلسطينيين في هذا المجال، قال ان لبنان سيكون رئيس مجلس الامن الدولي ودوره مفصلي ولديه صلاحيات كونه رئيسا لمجلس الأمن، وله صوت وسيصوت لمصلحة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وردا على سؤال حول ما يشاع عن أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سيعطون جوازات سفر فلسطينية، أكد أنه امرا كهذا غير متاح كليا حاليا، لأن ذلك يتطلب موافقة اسرائيلية، لكنه شدد على رفض الفلسطينيين للتوطين وتمسكهم بحق العودة، الذي لن يلغى حتى ولو قامت الدولة الفلسطينية.
وبشأن التوجه الى الأمم المتحدة، شرح أنه جاء بعدما سدت كل إمكانية لخوض مفاوضات حقيقية مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.
وقال، انه منذ العام 2007 خاض مفاوضات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابقة إيهود أولمرت وتوصل معه الى حل لمعظم الملفات المطروحة "فكانت مفاوضات مجدية وكنا قريبين من التوصل الى اتفاق نهائي من خلال معرفتنا ما يريد الإسرائيليون ومعرفتهم ما نريده نحن، واتفاقنا على موضوع الأمن الذي يعتبر هاجسا لإسرائيل، حيث اتفقنا على ان يتولى حلف شمال الأطلسي أمن الحدود وقد وافق الأردن ومصر، كونهما دولتين لهما حدود مع فلسطين، خلال اجتماع شرم الشيخ الذي شارك فيه الرئيس الأميركي جورج بوش والمصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
ولفت الى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما بدأ بداية جيدة عندما اعلن موقفا حازما ضد الإستيطان في بداية ولايته وشدد على ضرورة المفاوضات "لكنه لم يتمكن من التفاوض ليوم واحد منذ قدوم نتنياهو الى السلطة في اسرائيل".
وقال عباس إن نتنياهو كان منذ اليوم الأول يركز على الملف الأمني فقط. ونقض التفاهم الذي توصل اليه الفلسطينيون مع أولمرت، فرفض أي وجود لأي قوات غير الإسرائيلية على الحدود الفلسطينية، وأصر على ان حصرية الأمن للجيش الإسرائيلي على الحدود الفلسطينية الأردنية وان يحتفظ الجيش الإسرائيلي بالمواقع المطلة في الضفة الغربية لمدة 40 سنة، مشيرا الى الإجتماع الذي عقد في منزل نتنياهو في القدس بحضور وزيرة الخارجية الأميركي هيلاري كلينتون في 15 أيلول (سبتمبر) 2010 حيث بدا واضحا ان نتنياهو يريد كل شيء ولا يريد ان يقدم شيئا.
وحول المشروع الأميركي الذي قدمته إدارة أوباما، قال إنه نفس مشروع نتنياهو، وهو يشترط ان تعترف منظمة التحرير بإسرائيل كدولة يهودية وان تتولى اسرائيل امن الحدود ويرفض اي دور لحركة "حماس" باعتبارها "إرهابية"، وقد رفض الفلسطينيون المشروع الأميركي هذا.
وشدد عباس على أن "حماس" ليست حركة إرهابية، وردا على سؤال أكد أنها توافق على الذهاب الى الامم المتحدة، وأن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل اكد خلال لقائهما برعاية مصرية في القاهرة، أكد موافقة "حماس" على دولة بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967. وعن الشأن الداخلي، أكد أن وفدي "فتح" و"حماس" يواصلان المحادثات في القاهرة على ملفات اخرى غير ملف الحكومة المختلف عليه، ويحققان تقدما. وفي مسألة الحكومة قال إن سوء فهم حصل في تفسير دعوته الى حكومة تكنوقراط، حيث يفهم هو انها حكومة غير سياسية ولا تنتمي الى اي من الفصائل.
وشدد على ان المصالحة ضرورية وسوف تتواصل، آملا في رد على سؤال ان يتمكن من التوجه الى الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل بظل حكومة فلسطينية واحدة.
واذ اعترف بواقع الإنقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، شدد على ضرورة اجراء الاستحقاقات الدستورية، خصوصا الانتخابات بمواعيدها المحددة، وكرر انه لن يترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية مجددا في ايار (مايو) المقبل، الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وشدد عباس على ان من سينجح في الانتخابات المقبلة سوف يحكم، ويتحمل مسؤولية مواقفه وقراراته، فإذا فازت "حماس" فلتحكم، او فاز اي أحد اخر فليحكم، مذكرا بأن الانتخابات السابقة جاءت بـ"حماس" وحكمت الا ان الغرب حاصر الفلسطينيين ومنعهم من تطبيق ديموقراطيتهم.
الرئيس الفلسطيني وردا على سؤال لـ"المستقبل" حول ازدواجية السلطة ومنظمة التحرير، خصوصا اذا نجح الفلسطينيون في مشروعهم في الامم المتحدة، اكد ان المنظمة هي الأساس وهي التي اسست السلطة وفيما الاخيرة تمثل الفلسطينيين في مناطق الـ67 فإن المنظمة تمثل كل الفلسطينيين في الخارج والداخل واليها تعود السلطة في الداخل، رافضا أن يكون هناك اي تداخل في السلطات بين سفارات الدولة والمنظمة، التي اصر على انها الأساس.
لكن الرئيس الفلسطيني لم يجب بوضوح عن مرحلة ما بعد الأمم المتحدة، خصوصا إذا لم يتمكن من جلب الاعتراف بالدولة، حيث كرر أن الخيار هو التفاوض.
وقد اكد عدد من الصحافيين أن المفاوضات لم تنتج اي ايجابيات والاستيطان هو الغالب على الوضع القائم، وسأل آخرون عن موقف الرئيس عباس من المقاومة وما اذا كانت المقاومة يمكن ان تكون خيارا، قال ان من حق لبنان مثلا ان يقاوم وان يمتلك صواريخ والفلسطينيون لا يتدخلون بهذا الخيار، لكن في فلسطين لا إمكانية للمقاومة المسلحة اذ ان جل ما هو موجود افراد من الشرطة ببنادق كلاشنيكوف، لافتا الى ان الفلسطينيين في الضفة الغربية ضد المقاومة المسلحة.
وبشأن موقفه من "الربيع العربي" شدد عباس على ان الفلسطيني محايد ويجب ان لا يتدخل، فهو يرفض ان يتدخل الآخرون في شؤونه الداخلية، وبالتالي يجب ان لا يتدخل بشؤون الاخرين، وفي الوقت نفسه هو يؤكد على حقه في تقرير مصيره، وبالتالي فإنه يدعم حق الشعوب العربية بتقرير مصيرها.

الجمعة، 22 يوليو 2011

بعض الفلسطينيين لم يغادروا حلقة النار

المستقبل - السبت 23 تموز 2011 - العدد 4064 - شؤون لبنانية - صفحة 7
أنيس محسن

بالأمس، نشرت لي مقالة في "المستقبل" تحت عنوان "حملة حماس على الأونروا: نقاط ضعف محلية ودولية"، وهي مناقشة هادئة للحملة التي تثار عبر الإعلام التقليدي والإلكتروني، من مواقع اخبارية ومواقع تواصل اجتماعي، على وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) ولا سيما على مديرها في لبنان السيد سلفاتوري لومباردو.
على الرغم من هدوء المقالة، لجهة عدم الدخول في قبول او رفض الإتهامات الموجهة الى "الأونروا" ولومباردو، والاكتفاء بمناقشة الاصطفافات الفلسطينية مع الحملة او ضدها، والاشارة الى ان المنظم الرئيسي هي حركة "حماس"، الأمر المعروف والذي لم ينفه مسؤولون في الحركة أمامي على الأقل، فإن تهجما وترهيبا وتهديدا وصلني عبر بريدي الإلكتروني من "الحملة الفلسطينية لإسقاط لومباردو"، تحت عنوان: "قل خيراً.. أو اصمت"، يتهمني بعدم الموضوعية واحتمال الإرتشاء واستهداف "حماس" بسبب "الخصومة السياسية الشديدة مع حماس، مع فكرها مع مبادئها" كما يزعم الرد/التهديد، وتنصح الحملة "بألا تحرق نفسك، وألا تدمر مستقبلك الصحفي، فأخطاؤك الصحفية كثرت، ونواياك غير الحسنة قد ظهرت". ثم تختم "الحملة" رسالتها التهديدية بـ"فقط نذكرك بواجباتك.. قيل قديما، قل خيرا أو اصمت".
في الواقع ليست المرة الأولى التي أهدد فيها بسلاسة أو فجاجة، عبر طرف ثالث، او عبر بريدي الإلكتروني كما حصل بالأمس.
كنت قد كتبت عن مسيرة 15 أيار (مايو) التي حققت نجاحا عظيما، ثم عن مسيرة 5 حزيران (يونيو) التي بانت سلبياتها اكثر من ايجابياتها، وتلقيت عتبا تهديديا عبر طرف ثالث، ثم كتبت عن مؤتمرات "فتح" وبلغني عتب مباشر من اصدقاء قدامى وتبرم من أشخاص لا اعرفهم، ونقل الي ايضا عتب على نشري ما حدث اخيرا في سفارة فلسطين من خلافات، وبقي الموضوع في اطار العتب المحمول والمقبول.
أما وقد بلغ الأمر حد التهديد والترهيب أخيرا، فإن ما لا يعرفه هؤلاء، أن الصحافة الحرة والصحافي الحر لا يهتم بالتهديد، ويكفي ان يعرف كارهو حرية الرأي أن في العام 2010 استشهد 57 صحافياً أثناء أدائهم لعملهم، وفي العام 2009 كان استشهد 76 صحافيا، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود"، فضلا عن المضايقات الجسدية والمعنوية والنفسية التي يتعرض لها عشرات الصحافيين في ارجاء العالم... ومسيرة الصحافة الحرة تواصلت على الرغم من كل ذلك.
ما لا بد من الإشارة اليه، أن بعض الفلسطينيين مصرون على البقاء ضمن حلقة النار، وحلقة النار لمن لا يعرفها، اذا علقت العقرب بداخلها تلدغ ذاتها وتموت، فيتصرفون وكأنهم حكام العصر، واذا ما واجهوا انتقادا يرفعون راية القضية الفلسطينية، وكأن القضية حكر على اشخاصهم او فصائلهم او احزابهم، فيما قضية فلسطين هي قضية كل فلسطيني وكل عربي وكل انسان على صلة بالمشاعر والاحاسيس الانسانية.
لكن يبدو أن البعض في الساحة الفلسطينية، غير مستعد بعد لهذا النوع من العمل الصحافي، ولا يزال هؤلاء، يصرون على عزل أنفسهم عن محيطهم، واعتبار أن أي نقد او كشف عن الحقائق "مؤامرة".
وبغض النظر عن العتب أو التأنيب والنصائح أو التهديد، فإن الحدث الفلسطيني خبر يُتناقل مثله مثل أي خبر آخر، ويفرض نفسه في الصحافة المهنية الاحترافية بلا اصطناع ولا تصنع، ومن دون أي اصطفافات هنا أو هناك.
ان رفض الرأي الآخر وزعم امتلاك الحق والحقيقة، هما حلقة النار تلك التي اكلت كثيراً من وهج القضية، فلماذا تصرون عليها، ولماذا تضيقون ذرعا بالرأي الآخر، الذي هو انما المرآة التي تعكس اعمالكم، فترونها وتعززون الإيجابي منها وتتخلصون من السلبي، اذا أردتم.

سكايز يدين تهديد الزميل أنيس محسن

المستقبل - السبت 23 تموز 2011 - العدد 4064 - شؤون لبنانية - صفحة 7

دان مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية "سكايز" في بيان التهديد الذي تعرض له الزميل انيس محسن.
وقال المركز في بيانه: "تعرّض الصحافي والكاتب في جريدة "المستقبل" الزميل أنيس فضل محسن الى حملة من التجني والتجريح وصلت الى حد التهديد المبطن من قبل ما يسمى بـ"الحملة الفلسطينية لاسقاط لومباردو" التي دعته الى "قول الخير أو... الصمت".
وفي مقال نشر اليوم الجمعة 22/7/2011 في "المستقبل" كتب الصحافي محسن عن "حملة حركة "حماس" على الـ"الاونروا" (وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الادنى) شارحا اهداف الحملة وخلفياتها ومتكلما عن "نقاط ضعف محلية ودولية" فيها، كما جاء في عنوان المقال ومتن النص. فجاءه فورا الرد من أصحاب هذه الحملة، عبر تعابير وألفاظ غير مألوفة، مثل "نذكرك بواجباتك"، و"ننصحك ألا تحرق نفسك" و"ألا تدمر مستقبلك الصحافي"، وأيضا "أخطاؤك كثرت..." وختاما: "قل خيرا أو أصمت".
اضاف البيان: "ان مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية "سكايز" (عيون سمير قصير) يرفض ويدين اللجوء الى أسلوب التهديد والوعيد ويعتبر ان ما جاء في الرد على محسن يشكل تعرضا لحق الصحافي في التعبير عن رأيه، ويخالف أبسط مبادىء حرية الرأي والتعبير والكتابة التي تكفلها الدساتير والقوانين الدولية واعلان حقوق الانسان".

الخميس، 21 يوليو 2011

حملة "حماس" على "الأونروا": نقاط ضعف محلية ودولية

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=477398

المستقبل - الجمعة 22 تموز 2011 - العدد 4063 - شؤون لبنانية - صفحة 4



أنيس محسن
ما من جدل حول قوة "حماس" التمثيلية فلسطينياً، وحقها في التصدي وحيدة، أو قيادة حملات لتثبيت حقوق الفلسطينيين تجاه أي فريق مسؤول مباشرة أو بشكل غير مباشر عن الوضع المعيشي والسياسي للفلسطينيين، وقد شكلت هيئات رديفة لهيئات منظمة التحرير الفلسطينية لهذه الغاية، وهو أيضاً حق لها وقد يكون مبرراً بسبب غياب إرادة إحياء هيئات المنظمة التمثيلية والتنفيذية لدى الجهة المتنفذة فيها، وهي حركة "فتح".
من هنا، يمكن فهم الحملة التي خططت "حماس" لها، وتقودها خصوصاً إحدى هيئاتها الرديفة لهيئات المنظمة والمعروفة بـ"بمكتب شؤون اللاجئين"، ضد "وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى" (الأونروا) في كل مناطق عمل الوكالة عامة، وفي لبنان على وجه الخصوص حيث تتخذ الحملة طابع الشخصنة عبر استهداف المدير العام لـ"الأونروا" في لبنان سلفاتوري لومباردو.
وللمقارنة فقط، فإن هناك دائرة في منظمة التحرير الفلسطينية ويرأسها عضو في اللجنة التنفيذية، هي دائرة شؤون اللاجئين.
كانت "حماس" وهيئات أهلية قريبة منها أو مرتبطة بها وحلفاء لها، خصوصاً في مخيم عين الحلوة، مثل العقيد في "فتح" منير المقدح والقوى الإسلامية في المخيم، قد باشرت هذه الحملة منذ فترة طويلة، واتخذت منحاً تصعيدياً في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً استهداف لومباردو، باعتباره "ديكتاتور" الوكالة والحاكم الآمر الناهي وغير العادل في آن. وأخذت أمثلة في حملتها ما تعتبره محسوبيات في شغل الوظائف التي تؤمنها "الأونروا" وضعف قطاعي التعليم والطبابة، والفساد المستشري في أوصال الوكالة، وفق ما تقوله "حماس".
إلا أن تلك الاتهامات، تصطدم بواقعين: الأول عدم مجاراة الفصائل الفلسطينية عامة، وفصائل منظمة التحرير خصوصاً، "حماس" في حملتها على "الأونروا" بالشمولية التي تنطلق الحملة منها، والشخصنة والتهديف على المدير العام لومباردو في حيز التركيز على هدف بعينه.
وقد بذلت الحركة جهداً استثنائياً لإقناع حلفائها من فصائل "التحالف الفلسطيني" بمجاراة الحملة، بعدما رفضت تلك الفصائل خوضها، بل بدت أقرب إلى رفضها وأخذ جانب "الأونروا" فيها وحتى الدفاع عن لومباردو، ما جعل بعض مسؤولي "حماس" يدينون حلفاءهم على موقفهم بوصفه تخاذلاً.
وفيما تمكنت الحركة أخيراً من الاتفاق مع "التحالف" على تنسيق الحملة ضد "الأونروا"، أو ما تطلق عليها "الحملة الفلسطينية لإسقاط لومباردو"، في ما يبدو تماهياً مع شعارات الثورات العربية "لإسقاط النظام..."، فإن مسؤولين في "التحالف" يبوحون بعدم رضاهم عن تلك الحملة وعدم تشجعهم لخوضها، ما يجعل "حماس"، على أرض الواقع" وحيدة مجدداً في حملتها، ولا شريك لها سوى العقيد المقدح وقوى إسلامية.
وربما آخر إخفاقات "حماس" المساجلة العنيفة بين "الحملة الفلسطينية لإسقاط لومباردو" و"المجلس التنفيذي لاتحاد العاملين في وكالة الأونروا"، حيث دافع الأخير في بيان أصدره الثلاثاء الماضي عن "إنجازات" الوكالة على كل الصعد، وخصوصاً في قطاع التعليم حيث أبرزت نتائج الامتحانات الرسمية للمرحلتين المتوسطة والثانوية نجاحاً لامس الـ80% في الأولى وفاق الـ90% في الثانية، وقطاع الصحة الذي زيدت موازنته من 1,3 مليون دولار الى 7 ملايين دولار، فردت "الحملة الفلسطينية لإسقاط لومباردو" في بيان حمل الرقم 10 ونشره موقع "لاجئ" التابع لمكتب اللاجئين في "حماس"، ببيان اتهم فيه الاتحاد بالدفاع "عن قتل الأطفال الفلسطينيين في المستشفيات... وحرمان طلابنا الثانونيين من الالتحاق بالجامعات... وعن سياسة إدارة الأونروا السيئة". كما وصف بيان الحملة موقف الاتحاد بـ"الغريب والشاذ عن كل القيم الأخلاقية". وكذلك اتهم البيان المجلس التنفيذي بـ"الرقص على جثث أطفالنا وموتانا الذين تركتهم إدارة الأونروا للموت المحتم في مستشفيات لبنان".
إن "حماس" باستعدائها موظفي "الأونروا" من جهة، ورفض فصائل منظمة التحرير حملتها على الوكالة من جهة ثانية، وتململ فصائل "التحالف" من حملة "حماس" على لومباردو من جهة ثالثة، يترك الحركة بلا غطاء محلي جدي في حملتها على لومباردو.
أما خارجياً، وفيما تراهن "حماس" على قرب انتهاء فترة رئاسة لومباردو لعمل الوكالة في لبنان، وتعيين مسؤول جديد للمنظمة الدولية المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنها لا تأخذ في ما يبدو في الاعتبار، أن المجتمع الدولي الذي يغذي "الأونروا" مالياً، سيقف مع لومباردو ضد حملة تقودها "حماس" بطبيعة الحال، كما أن أي قادم جديد لن يتمكن بالتالي من تخطي المبادئ العامة لسياسة السلف التي ترفضها الحركة، وبالتأكيد يؤيدها مانحو "الأونروا" وإدارة الوكالة استطراداً، ما يجعل "حماس" بلا غطاء خارجي لحملتها أيضاً.

"إيفان الفلسطيني": الشخصية الإشكالية

بقلم :أنيس محسن

"إيفانُ الفلسطيني" تشبهُ كلَّ الفلسطينيين، بل كل المقهورين الباحثين عن مكانة بعد فقدان المكان.
إنها خامسُ رواياتِ الأديبِ والكاتبِ والفنانِ التشكيلي الفلسطيني والسياسي القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مروان عبد العال، لكنها تختلف عن أقرانها، وعن كثير من الروايات الفلسطينية، بل العربية، من حيث تناولها شخصية إشكالية مغرقة في السلبية، ومعالجتها كحالة إنسانية واقعية لها افراحها واتراحها ومشاعرها.
"إيفان" هي القضيةُ التي دخلتْ تفاصيلَ حياتِنا وذاكِرَتِنا، من لعبةِ النملِ الأسودِ والنملِ الأحمرِ التي يعيدُنا الكاتبُ معها الى لعبةٍ صبيانيةٍ فيجعلُ جحافِلَهم تتقاتلُ كأخيارٍ هم نحن وأشرارٍ هم "اليهود".. الى لحظةِ انتحارِ إيفان.
أما ما بينهُما فهم أشخاصٌ نعرفُهم، هم نحن.. أقاربنا، هم المُصْطَفّونَ امامَ مراكزِ التموين التابعةِ للاونروا من اجلِ بعضِ الحصصِ التموينية، هم المدرسةُ في المخيم والخيمةُ قبلها، والمنزلُ المتداعي، والحياةُ اليوميةُ الصعبةُ، ودخولُ الفدائيين الى حياتِنا المحطمة والشعورُ بالانعتاقِ ونسماتِ الحريةِ والعودةِ الى الارضِ المقتلعةِ والحياةِ المسلوبة... لكنها انكسارنُا ايضا وايضا، بل ان انكسارَنا هو الخيطُ الذي تسيرُ عليه "ايفان الفلسطيني"، تتخلصْ من البطلِ النمطي الذي يقاتلُ وينتصرُ او يُستشهدُ، وهي ميتة فيها من العز والفخر كي نتمناها، وتتعاملُ مع البطلِ التراجيدي الواقعي الذي يمتلكُ مشاعرَ انسانيةٍ وانكساراتٍ انسانيةٍ وانانيةٍ هي جزء من تلك المشاعر. تنتقدُ حتى التجربة الأولى للعملِ الفدائيِ الذي تفوحُ منه رائحةُ الأحذيةِ (وهنا اقتباس بتصرف عن حوار يخوضه إيفان في سياق الرواية)، ليس تبرءا للكاتب من العمل الفدائي انما نقدا لسلبية إيفان من جهة، وكذلك لسلبياتٍ عاصرت هذه المرحلة ايضا.
لكن البديلَ المختارُ ليس أحد من الشخصيتين الرئيسيتين في الروايةِ، ايفان وصخر، فلا الهروبُ من الانتماءِ (أي تغييرُ الإسمِ والهويةِ عند ايفان)، ولا الهروبُ الى الخمرةِ والسُكْرِ عند صخر هو الحل. الحلانْ انتحارٌ:
• الاول بفعلٍ مباشرٍ من الباحثِ عن انتماءٍ جديدٍ لا ينالُهُ وانتماءٌ قديمٌ لا ينساهُ... فينتحر.
• والهاربُ من هزيمتِه الذاتيةِ والموضوعيةِ، في مرحلة العمل الفدائي، نحو الانعزالِ ومعاقرةِ الخمرةَ، ينتحرُ أيضا ببطءٍ.
أما البديلُ، فلا يقترحُهُ الكاتبُ، ليس هربا او تقصيرا، انما للابتعادِ عن الفَرضِ والقطعِ، فالبديلُ باتَ بمتناوَلِ اليدِ، وعلى من يريدُ ان يختارَ البديلَ أن يقومِ بذلكَ بنفسِهِ وليس عبر تلقينٍ من شخصٍ اخر، أو عبر رواية.
أما أسلوبُ الكتابةِ في الروايةِ، فهو أشبه بريشة ترسم لوحاتٍ متنوعةٍ: من الطبيعةِ كما يراها فنانٌ تشكيليٌ، الى الأشخاصِ ليس كأجسادٍ فقط أنما كحالةٍ انسانيةٍ باضطرابِها وهدوئِها وبكلِ خَلَجاتِها

الخميس، 14 يوليو 2011

"حماس" وحيدة في الحملة على "الفساد" في "الأونروا"

المنظمة الدولية تنفي الاتهامات.. والفصائل والمجتمع المدني ينفضون أيديهم
http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?issueid=3032&categoryid=3

المستقبل - الخميس 14 تموز 2011 - العدد 4055 - شؤون لبنانية - صفحة 7



أنيس محسن
تبدو حركة "حماس" وحيدة في حملتها على ما تقول إنه "فساد" و"محسوبيات" في وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا). وفيما تنفي المنظمة الدولية التهم الموجهة إليها، فإن الفصائل الفلسطينية وهيئات المجتمع المدني لا تشارك "حماس" في حملتها تلك.
وتؤكد الحركة، بلسان مسؤول "مكتب شؤون اللاجئين" ياسر عزام والمدير التنفيذي للمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) محمود حنفي ومسؤول العلاقات العامة في المؤسسة محمد الشولي، أن الحملة على "الفساد" وعلى مدير "الأونروا" في لبنان سلفاتوري لومباردو، مستمرة الى ان يتوقف الأخير عن عرقلة القيام بالإصلاحات المطلوبة، كما يقول عزام.
ويضيف، "المسألة ليست شخصية مع لومباردو، انما هدف الحملة تصحيح مسار "الاونروا". اجتمعنا 12 مرة مع لومباردو، وناقشنا حالات موثقة، ووصلنا الى مناقشة التفاصيل، لكن في النهاية كان يتهرب من وضع الحلول. وهذا ما كان أكده ايضا المسؤولان في "شاهد" حنفي والشولي.
مديرة قسم الإعلام في "الأونروا" - مكتب لبنان، هدى سمرا صعيبي، تؤكد أن "السيد لومباردو يؤمن بالحوار وبسياسة الباب المفتوح والشفافية. وعلى الرغم من كل الحملات، فإن هذه السياسة ستتواصل". وتضيف: "بعض الأحيان يطلب من السيد لومباردو او المسؤولين الاخرين تقديم اجابات على بعض الأسئلة، فيما هناك قوانين لا يمكن لهؤلاء تجاوزها، ومعلومات تعد سرية لا يمكن افشاؤها وفق قوانين واجراءات "الأونروا"، لكن السائلين لا يتفهمون هذه المسألة.
وبشأن التهم الموجهة الى "الأونروا" تقول إنها "تتعامل بجدية مع أي اتهامات بالفساد سواء في التوظيف او المشتريات او اي شيء آخر، لكن اي اتهامات يجب ان تكون مقرونة بوثائق واثباتات. الجزء الأكبر من تلك التي تصلنا غير موثقة وبالتالي ليس لها مصداقية، وهي على شكل اسئلة واتهامات عامة حول بعض التعيينات والاجراءات في الوكالة. الوظائف الشاغرة يعلن عنها وتجري امتحانات لشغلها ومن ينجح ويثبت كفاءة يوظف. فهناك نظام مكتمل وشفاف بشأن التوظيف".
وتعقيبا على اتهام توجهه "شاهد" بأن مرتبات الموظفين الأجانب عالية جدا وبعضهم يعمل في غير تخصصه، تقول صعيبي"عدد الموظفين الأجانب في الأونروا 7 فقط: المدير (لومباردو) ونائباه و4 في وظائف أخرى، ورواتبهم تأتي من نيويورك مباشرة ومن خارج جدول الرواتب لمكتب لبنان وبالتالي من خارج موازنة اقليم لبنان. أما الأجانب الآخرون فيعملون في مشاريع محددة ممولة من خارج الموازنة، مثل مشروع إعمار نهر البارد، ومرتباتهم من المشروع نفسه وتوظيفهم يتم بالاتفاق مع الجهة المانحة. وهناك نوع آخر من الأجانب في الأونروا يعملون كمتطوعين من دون أي مرتبات او حتى مصروفات تقع على كاهل الأونروا".
وتشير إلى أنه "يعمل مع السيد لومباردو نائبان هما روجر ديفيس المشرف على تنفيذ برامج: التربية والتعليم، الصحة، الشؤون الإجتماعية، والهندسة وتحسين المخيمات. والنائب الثاني هو روبرت هيرت المشرف على خدمات الإدارة والتوظيف والخدمات اللوجستية. وبالنسبة الى برنامج التربية والتعليم، يتم وضعه مركزيا ويحوّل إلينا من المكتب الرئيسي في عمّان ويشرف مكتب "الأونروا" في لبنان على تنفيذه".
ويقول مسؤولو "حماس" في المقابل، ان "الموظفين الذين ندافع عنهم لا نعرفهم كلهم"، ويؤكدون أن "الإقصاء الوظيفي يتم لمقربين من حماس التي تمثل أكثر من 60% من الشعب الفلسطيني". ويسوق عزام وحنفي في هذا السياق عددا كبيرا من الأمثلة وبالتواريخ والأسماء عبر تقارير سلمت الى الوكالة كل الحالات الواردة فيها مثبتة ومؤكدة.
ويضرب عزام مثلا عن موظف وجه اليه انذار لأنه كان ينشد في مناسبات معينة وليس في اي من ادارات او مقرات "الأونروا" وخارج وقت الدوام، بذريعة ان قوانين الوكالة تمنع العمل في المجال السياسي للموظفين، فيما رئيس موظفي "الأونروا" موسى النمر وهو من "فتح" مثبت استخدامه كمبيوترات "الأونروا" لإصدار بيانات، وقد راجعناهم بذلك فتم فقط لفت نظره. وهناك اشخاص آخرون من تنظيمات اخرى يوزعون بيانات خاصة ايضا ولا احد يتعرض لهم".
لكن صعيبي تؤكد: "نحن لا نسأل عن انتماء المتقدم للوظيفة او ميوله، ما يعنينا الكفاءة ونجاح المتقدم في الامتحان".
النشاطات الصيفية
وبالإضافة الى "الفساد" في عملية التوظيف والمشتريات التي يؤكد المسؤولون في "حماس" و"شاهد" توثيقها، فهم يشيرون إلى النشاطات الصيفية، التي يقول الشولي انه رصد لها نحو 3 ملايين دولار، فيما الحاجة ماسة، على الرغم من اهمية الترفيه، الى تدعيم برنامجي الصحة والمنح الدراسية.
ويوضح ناشط في المجتمع المدني أنه" تم الإعتراض في البداية على وجود الـ YMCA ضمن البرنامج، لكن عندما ابلغوا أنه يمكن لمؤسسة "نبع" الفلسطينية أن تشرف على النشاطات، قالوا إن الأمر يتصل بوضع الأونروا ككل وليس بالنشاطات الصيفية".
ويقول عزام، في الملف ذاته، "اكتشفنا ان قبعات وقمصان طبع عليها العلم الأميركي كي يرتديها المشاركون في النشاطات داخل المخيمات، وهذا استفزاز للفلسطينيين".
وفي هذا الشأن، تقول صعيبي ان "النشاطات الصيفية ترفيهية وتعليمية للأطفال الفلسطينيين في المخيمات حيث يفتقدون الى المساحات الخضراء وساحات اللعب. والترفيه للأطفال لا يتعارض مع التعليم، كون البرامج تأخذ في الحسبان المسألة التربوية. والبرنامج هذا يقلل من امكانية خروج الأطفال الى الشوارع خلال الفرصة المدرسية".
وتأسف "لإقدام بعض الأطراف على اقفال مدارسنا ومنع النشاطات الصيفية، وحرمان الأطفال هناك من حقهم في الترفيه". وتضيف: "من اقدم على اقفال المدارس لم يأخذ في الإعتبار ايضا ان اللاجئين يدعمون النشاطات. ففي العام الماضي استفاد 6 آلاف تلميذ من النشاط، وهذا العام تسجل 8 آلاف". وتوضح ان "النشاطات في منطقة صور استأنفت لكن في صيدا لم تستأنف بعد".
وتشرح آلية تمويل النشاط وتقول "إنه ممول من خارج موازنة الأونروا، وتنفذه مؤسسة "نبع" وجمعية ـYMCA، وتم اختيارهما لتنفيذ المشروع بعدما تقدما بالعرض الأفضل".
وتلفت الى أن "الولايات المتحدة هي التي تمول النشاط هذا، وهي ثاني أكبر المانحين للأونروا بعد الإتحاد الأوروبي، ووضع شعار الممول ليس شيئا جديدا وكل المشاريع الممولة سواء للأونروا أو غيرها يتم التعامل معها بهذا الشكل". وتتابع: "هناك ممولون لهذه النشاطات، وهي تأتي في إطار ما يسمى EARMARKED FUND المرصودة لنشاطات معينة ولا يمكن للأونروا استخدام التمويل في برامج اخرى، مثل برنامج تحسين البنى التحتية في المخيمات الذي يموله وينفذه الإتحاد الأوروبي وغيره من البرامج". وتضيف: "نحن نضع أمام الجهات المانحة مشاريع تتناول احتياجات اللاجئين والأولويات، والمانحون يختارون البرنامج الذي يودون تبنيه، فيمولونه ويمكن ان ينفذوه".
وتشير الى ان "المشاريع التي نضعها في سلم الأولويات حاليا ونقدمها للمانحين هي: الصحة وخصوصا استشفاء الحالات المستعصية، اعادة تأهيل المساكن والبنى التحتية، ايجاد فرص عمل وتحسين مستوى عمالة اللاجئين في لبنان، اعادة إعمار البارد، تحسين الواقع المعيشي وتخفيف حدة الفقر التي اظهرها المسح الإقتصادي ـ الإجتماعي الذي نفذته الجمعية الأميركية في بيروت بالشراكة مع "الأونروا".
وتؤكد ان "الأونروا تتفهم وتقدر كل مطالب اللاجئين لأن المعاناة كبيرة. وعلى الرغم من كل ما نقدمه، نعي ان المطلوب اكثر لا سيما في الحاجات الأساسية للاجئين التي وضعناها في اولوية اهتمامنا، ونحن نأمل بتعاون مشترك وكبير كي نتمكن من تأمين التمويل للمشاريع التي نتقدم بها للمانحين. ونأمل الابتعاد عن الاتهامات والمسائل الشخصية التي يمكن ان تؤثر على التمويل".
الفصائل وهيئات المجتمع
وبشأن عدم مشاركة الفصائل في الحملة، يقول عزام، انه "صدر بيان من فصائل منظمة التحرير ضد الحملة على "الأونروا، وهم بالأساس خارج الحملة ولم يتم التنسيق معهم". ويضيف: "عقدت فصائل التحالف اجتماعا بغياب مسؤول حركة حماس في لبنان علي بركة، وزعموا انهم لم يبلغوا مسبقا بالحملة على الأونروا وانها لم تقر من قبل الجميع". ويؤكد ان "حماس ترفض ذلك وتختلف مع فصائل التحالف. كأفراد، فإن مسؤولي الفصائل في لبنان يؤكدون لنا وقوفهم معنا، لكن كقيادة مركزية لا يوافقون على الحملة. حماس مستاءة ولا تستبعد أن تكون هناك محاولة للإستفراد بها".
ويتابع عزام: "الجميع يدرك حجم الفساد في الأونروا، لكنهم يركزون في عملهم على الموظفين لمصالح ذاتية ولا يأخذون بالاعتبار مصالح الشعب. كلهم يتذرعون في مسألة عدم مشاركتهم في التحرك ضد الفساد في الأونروا بأن الحملة تخاض ضد لومباردو شخصيا". ولم يستبعد عزام أن يكون لومباردو ينسق مع مسؤولي الفصائل في محاولة استفراد "حماس"، مشيرا إلى أن العقيد منير المقدح والقوى الإسلامية تشارك "حماس" في هذه الحملة.
وفيما ينتقد مسؤول في أحد فصائل منظمة التحرير، بعض تصرفات "الأونروا"، إلا أنه يعتبر مضمون حملة "حماس" محاولة للهيمنة على مفاصل المنظمة الدولية، خصوصا ما يتصل منها بإدارة المخيمات وبالتوظيف.
وفضلا عن العتب "الحمساوي" على الفصائل، هناك عتب على منظمات وهيئات مدنية وأهلية، اذ يقول حنفي والشولي، ان "معظم منظمات وهيئات المجتمع المدني التي لم تدعم الحملة مستفيدة بشكل او آخر من الأونروا. هناك 4 جمعيات من المجتمع المدني مسيطرة على مشاريع الأونروا، بما فيها النشاطات الصيفية والمنح الدراسية".
مدير المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان غسان عبدالله، يؤكد وجود بعض "الملاحظات على أداء الأونروا لكنها لا ترقى الى ما تتحدث عنه الحملة المثارة". وينفي أي صله لمنظمته ولغالبية منظمات وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني التي "لا علم لها ولم تشترك بالحملة ولم توقع على أي بيان يتناول هذا الموضوع".
الناشط الحقوقي جابر أبو هواش، يرى أن أي حملة يجب ان توجه نحو سياسات "الأونروا" وليس نحو أشخاص بعينهم. ويلاحظ أن خدمات "الأونروا" شهدت تحسنا متصاعدا خلال الأعوام الأخيرة، وأكبر دليل على ذلك نسب النجاح المرتفعة في امتحانات شهادتي الإعدادي والبكالوريا الثانية الرسمية. وهناك ايضا تحسن كبير في موضوع الصحة والإستشفاء، اذ رفعت موازنة الاستشفاء بنسبة كبيرة، واصبحت التحويلات للمستشفيات اكثر سهولة. ويعتبر بالتالي، ان الحملة قائمة على مصالح شخصية ضيقة ولا تصب لا في مصلحة اللاجئين ولا تسهم في تحسين أداء "الأونروا".

الاثنين، 4 يوليو 2011

فتح" في صيدا تجدد بالثلثين أيضاً

المستقبل - الثلاثاء 5 تموز 2011 - العدد 4046 - شؤون لبنانية - صفحة 5

أنيس محسن

استمرت عجلة مؤتمرات "المناطق" في حركة "فتح إقليم لبنان" بالدوران، ومرت أول من أمس على صيدا، التي لم تخالف النتائج المحققة فيها، ما جرى في البقاع وبيروت وصور على التوالي، "فكان التجديد بنسبة الثلثين، لتضع المرحلة المقبلة من المؤتمرات، أي مؤتمر الإقليم، على سكة باتت معالمها واضحة، وستأتي بتغيير وتجديد لن يكونا مختلفين عن النتائج المحققة الى الآن في انتخابات المناطق"، وفق ما قاله أمين سر شعبة "عين الحلوة" ماهر شبايطة لـ"المستقبل". علماً أن خاتمة مؤتمرات المناطق ستكون الأحد المقبل في الشمال.
ووفق اكثر من مصدر "فتحاوي" في صيدا وخارجها، فإن نسبة التجديد هي 6 من أصل 9، مع الأخذ في الإعتبار أن واحداً من الستة الجدد لم يحسم وضعه بعد بسبب تساوي الأصوات بين 3 مرشحين، ولكن بغضّ النظر، فإن الفائز في انتخابات الإعادة الأحد المقبل سيحسب على الجديد وليس القديم. ورأى شبايطة في حديث الى "المستقبل" أن "المؤتمرات بادرة صحية في جسم الحركة الذي بات بحاجة ماسة الى التجديد كي يحقق انطلاقة جديدة، ويتماشى مع روح العصر، التي هي التغيير والتجديد في ظل الربيع العربي القائم". واشار: "ان التغيير هو منطق فتح منذ ان انطلقت في العام 1965، وبالتالي من غير المنطقي ان تسود روح التجديد في المنطقة كلها فيما فتح رائدة التجديد منطوية على نفسها".
ويشير شبايطة إلى أن "بعض المتضررين في فتح لبنان من التجديد، الذي كانت بادرته في عقد المؤتمر الوطني السادس للحركة في بيت لحم في آب (أغسطس) 2009، بعد عشرين عاما من غياب المؤتمرات، سعوا الى عرقلة عقد المؤتمرات، كي يُبقوا على سيطرتهم وسلطتهم، وقد تمكن هؤلاء من تأخير عقد المؤتمرات من أيلول (سبتمبر) 2010 الى حزيران (يونيو) 2011، اي بتأخر 9 أشهر، لكن اصرار معظم اعضاء فتح على عقدها، فوت على هؤلاء الفرصة".
وأكد شبايطة ان "النتائج التي تحققت في صيدا وقبلها في البقاع وبيروت وصور هي طبيعية، لأن الضغوط التي كانت تمارس سابقا على الحركة قد تلاشت تقريبا، وبات بإمكان معظم الأعضاء الإختيار بحرية تامة وبعيدا عن الترتيبات المسبقة والضغوط والتهديد، وقد تحقق التجديد الكبير هذا في جسم فتح في صيدا وغيرها من المناطق، على الرغم من بقاء بعض الضغوط، التي ستنتهي في المحصلة، لأنها لم تثبت جدواها، ولن يكون لها أي مستقبل".
ولفت شبايطة الى ان "صورة قيادة فتح في إقليم لبنان باتت واضحة، على الرغم من أن مؤتمرات المناطق لم تختتم بعد، وسيكون اخرها الأحد المقبل في الشمال، وستكون النتائج ايضا صورة عمّا سبقها، وستؤسس لتغيير على مستوى قيادة الإقليم".
وشرح الأمر على النحو التالي: "يتألف مؤتمر الإقليم من أعضاء قيادة الإقليم الحالية وقيادة المناطق المنتخبة ومسؤولي المكاتب الحركية يضاف اليهم 10% من عدد اعضاء المؤتمر يعينون من الكفاءات، فحتى لو كان التعيين غير موفق، فإن التجديد في قيادة الإقليم مؤكد، لكن يبقى السؤال عن نسبة التجديد".
وعمّا يمكن للقيادات المنتخبة الجديدة، في المناطق وفي الإقليم لاحقا، أن تقدمه للحركة، اكد شبايطة أن "الديموقراطية ستكون هي الفيصل، وستعقد المؤتمرات في مواعيدها ولن تكون هناك بعد اليوم أي عراقيل ولن يسمح بعد الآن بوضع العصي في الدواليب، وسوف يكون النظام الداخلي الذي اقرّه المؤتمر السادس اساس العمل التنظيمي، وخصوصا دورية المؤتمرات، وبذلك لن تتكلّس الحركة، وسوف تخلق ديناميكية داخلية تسمح بخلق ديناميات اخرى، بانت مظاهرها في المؤتمرات الحالية حيث ناقش المؤتمرون اوضاع الحركة التنظيمية والملفات السياسية من دون اي مواربة".

الاثنين، 27 يونيو 2011

مقابلة مع موقع الكرمل الاخباري

http://www.karmelpcyi.com/news.php?action=show&id=315
27.6.2011
مقابلة
يسرنا أن نستضيف الأستاذ أنيس محسن في مقابلة خاصة على موقعنا لنتحدث معه عن مستقبل الواقع العربي والفلسطيني وعن حياته مع الصحافة والاعلام ، ودور الاعلام حول القضايا العربية وما تحقق من خلاله.

الأستاذ أنيس محسن هو صحافي فلسطيني متخصص في الملف الإسرائيلي -الفلسطيني واللبناني واللبناني - الفلسطيني تاريخ ومكان الميلاد صور جنوب لبنان 1985
محرر شؤون الشرق الأوسط في جريدة المستقبل
في القسم العربي والدولي
كاتب مقال أسبوعي عن الفلسطينيين في لبنان في الصفحات المحلية في جريدة المستقبل
أستاذ أنيس محسن كاتب وصحافيا فلسطينيا يعمل في جريدة المستقبل اللبنانية

السؤال الأول :

كيف بدأت سيرتك مع الاعلام والصحافة ؟ ولماذا فضلت مهنة الصحافة بالذات في دراساتك ؟ وككاتب وصحافي فلسطيني يعمل في جريدة المستقبل اللبنانية ، هل أنت راض عن تجربتك في الجريدة ؟

جواب 1:

انا من جيل نشأ في طفولته على المد الثوري العربي، من ثورة الضباط الأحرار في مصر إلى نجاح ثورة الجزائر وانتصار فيتنام على الولايات المتحدة وتجربة حرب العصابات التي قادها تشي غيفارا والحراك الثوري في اميركا الجنوبية وافريقيا وبعض دول اسيا وحتى في دول خليجية عربية وعربية مغاربية، الى نشوء اليمن الديموقراطي كتجربة اشتراكية علمية عربية في الحكم، وسلسلة الإنقلابات في شرق المتوسط العربي على اسم فلسطين، مرورا بزمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي من جهة والولايات المتحدة والغرب الرأسمالي من جهة اخرى.

وبالطبع والاثر الاكبر كان من هزيمة 1967 وبروز تجربة الكفاح المسلح الفلسطيني، وتفجر الحرب الأهلية اللبنانية وما رافقها من متغيرات اجتماعية، ازاء المفاهيم والتصرفات، وكان قبل ذلك لمرحلة النهوض اليساري القومي والماركسي في لبنان اثر كبير علي، اذ كانت شقتنا في مدينة صور، الواقعة في بناية يملكها الوزير محمد صفي الدين، ملجأ لكوادر من حركة القوميين العرب والبعث والشيوعيين، عند حملات الملاحقة من قبل المكتب الثاني ضد النشطاء السياسيين، كون دخول المكتب الثاني الى شقق البناية ممنوع، ما جعلني منذ نعومة اظفاري اتعرف على اتجاهات سياسية متنوعة واتثقف بطريقة غير مباشرة عبر ما اسمع من النشطاء السياسيين الملاحقين من قبل المخابرات والمتصارعين مع بعضهم البعض ايضا.

على أن الأثر الأكبر في ثقافتي السياسية، جاءت من انخراطي المبكر في العمل السياسي الفلسطيني، طبعا عبر العمل الفدائي، كشبل في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ثم تفجر الحرب الأهلية اللبنانية، وتعرفي خلالها على عدد من المثقفين العضويين، والكوادر والقيادات السياسية من مشارب مختلفة، وبالتأكيد التزامي السياسي ايضا الذي انتقل من العمل ضمن اشبال فتح ومن ثم الاعلام الموحد، الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان التثقيف الايديولوجي والسياسي لكادرها مكثفا جدا.

اما ذاتيا، فإن والدي، استاذ المدرسة، والمثقف ايضا على طريقته، اثر فيّ اكبر تأثير، فكان خياري أدبيا وليس علميا، وتقدمت بالتالي الى البكالوريا فرع الفلسفة، وكنت في الصفوف الاعدادية اتفوق عادة في مادة الانشاء العربي.

بكل الاحوال، في العام 1980 خيرت بين منحة دراسة طب في روسيا ومنحة دراسة صحافة في رومانيا، فاخترت الثانية، وعدت في العام 1984 لأعمل في مجلة الهدف في دمشق حتى العام 1988 ثم في اذاعة صوت الشعب في بيروت بين 1988 و2000، اولا كمعد لبرنامج ثورة الحجار، وكان برنامجا يوميا، ثم برنامج فلسطين اليوم، يومان في الأسبوع. وفي العام 2000 انتقلت للعمل في جريدة المستقبل، وانا لا زلت اعمل فيها الى الان، لكن اول سنتين كنت محررا لشؤون الاقتصاد العربي والدولي في القسم الاقتصادي، ثم بعد ذلك انتقلت الى قسم العربي والدولي وتسلمت ملف الشرق الاوسط عامة والملف الفلسطيني خصوصا، وتسلمت المسؤولية بالوكالة عن القسم كله خلال العام 2008.

بالنسبة للشق الاخير في السؤال، اعتقد ان الرضى نسبي، ففي كل مرحلة من مراحل عملي كنت راض: فمثلا عملي في الاعلام الموحد في 1976 و1977 عرفني على مجموعة من الكوادر المثقفة والادباء الفلسطينيين الكبار مثل الأديب والشاعر عز الدين المناصرة الذي عرفني على اليسار الفلسطيني وكان سبب انتقالي حزبيا الى الجبهة الشعبية. وعملي في مجلة الهدف، عرفني على العمل في الاعلام الايديولوجي، او ما كان يطلق عليه في الكلية التي درست فيها "الاعلام الاشتراكي"، ثم في صوت الشعب، تعرفت على العمل في الاعلام المسموع، والانتقال جزئيا من الاعلام الموجه جدا الى الاعلام الاقل توجيها والاكثر احترافا، وفي جريدة المستقبل انتقلت تماما الى الصحافة الاحترافية، وهجرت عن قناعة الاعلام الايديولوجي الموجه.

استطيع القول وعن قناعة انني راض عن كل مرحلة من مراحل تطوري السياسي والثقافي والمهني، وغير نادم على اي من خياراتي.



السؤال الثاني :

كيف تقرأ الواقع الفلسطيني بشموليته والى اين تتجه قضيته اليوم؟؟ في ظل التطورات الاقليمية والعربية ولا سيما الثورات التي هبة في بعض البلدان العربية التي لها تأثير على القضية الفلسطينية ، على سبيل المثال ما يحدث في سوريا اليوم ، وما حدث في مصر سابقا من تغيير وتجديد وإعادة صياغة الحكم؟؟
جواب 2:

يجب الاعتراف اولا اننا كجيل الستينيات والسبعينيات، اي جيل ما بعد النكبة، كان معظمنا وصل الى شيء من الاحباط بسبب سلسلة الانكسارات التي عشناها، من التورط بالحرب الأهلية اللبنانية وما الت اليه الاوضاع من حروب زواريب بعد ان كانت حلم تغيير، وانحسار حلم الثورة من تحرير فلسطين من النهر الى البحر الى دولة على بعض اراضي الضفة وغزة، او قل حتى على معظمها، وهزيمة الدولة الاشتراكية بانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، وقبلها وخلالها انتقال الثورة من حلم تغيير الى مؤسسات فساد واسترزاق.

وعلى الطرف الاخر من المعادلة، فإن الجيل الذي جاء بعدنا، سادته الفوضى الفكرية بسبب الانهيارات الكبرى والصغرى وحشر الفلسطينيين داخل المخيمات وتهميشهم اكثر والتمييز الموصوف ضدهم من منعهم من العمل ومنعهم من التملك واعتبارهم دائما زورا عامل عدم استقرار، وترهل مؤسسات منظمة التحرير وكل فصائلها بلا استثناء، وفشل تجربة الاسلام السياسي الفلسطيني، التي استحالت الى امارة في غزة، وتقليدا غير موفق من قبل حماس لتجربة فتح، وفشل اليسار من احتلال اي موقع متقدم، انتخابيا وكامتداد في الاوساط الشعبية.

اما عربيا، فكان الوضع يقود الى فضاء واسع من الاحباط والفوضى، بسبب الفساد المستشري للفئات الحاكمة، وارتهانها الكامل للغرب، او ارتباط انظمة اخرى بمحاور مقابلة، فاستوى الوضع على محوري "الاعتدال" و"الممانعة"، الاول ينادي بالازدهار والثاني بالمواجهة وفلسطين عنوانها، لكن على الارض كانت كل المجتمعات تعيش تهميشا فظيعا فلا ازدهار ولا تحرير.

عالم الاحباط المدلهم هذا، انفجر في لحظة واحدة، فاجأ الجميع، كبارا محبطون وصغارا فوضويون، فاجأ انظمة المنطقة، ودول العالم.. بل نحن فاجأنا انفسنا بثورة بيضاء في تونس ومصر، وحراك دموي في ليبيا واليمن وسوريا، وفيما هذه الثورات وهذا الحراك لم يشرع بعد بعملية التغيير المنتظرة، بدأ الغرب دراسة ما جرى، فأنب السياسيون الاسرائيليون اجهزة مخابراتهم لعدم توقعهم الحدث، وكذلك الغرب، الذي فضلا عن عملية التأنيب باشر تفكيك الحدث لمعرفة كيفية تكون الثورة غير المتوقعة لا شكلا ولا مضمونا، وبالتلي وضع استراتيجية جديدة، لن تكون على غرار القديمة عبر افساد الطبقة الحاكمة لاستغلالها، انما عبر التعامل المباشر مع الشعب، وهذا التعامل لن يكون ايجابيا، اذ ان الغرب مركب على استغلال موارد الشعوب الاخرى، المادية منها سابقا وحاليا، والبشرية حاليا ومستقبلا، وبالتالي فإن المرحلة في منطقتنا هي لاعادة تركيب انظمة حكم جديدة اكثر ارتباطا بالواقع الشعبي، وفي الغرب اعادة النظر بأسلوب العمل القديم والتفكير بوسائل اخرى للعمل مع منطقتنا.

في اطار هذا الحراك، اتوقع مرحلة جديدة عربيا، اما فلسطينيا، فإننا ذاتيا لن نتمكن من القيام بالكثير من دون تبيان خط التطور العربي، والى حينه يقع على عاتق من يسميهم انطونيو غرامشي "المثقفون العضويون" نسج علاقة وثيقة مع الواقع مجددا، مع جيل الشباب من الفلسطينيين، في محاولة لايجاد ارضية انطلاق جديدة لثورة تلاقي الثورات العربية: وفي ان واحد على الذات وعلى الواقع المحيط. تغيير في اليات النضال ووسائله، وتغيير في المحتوى الفكري لهذا النضال.

السؤال الثالث:

مسيرة العودة التي رسمت الهوية الفلسطينية والحق الفلسطيني المنشود في العودة الى اراضيه المحتلة في فلسطين في دكرى نكبته ، ككاتب واعلامي فلسطيني وكلاجىء فلسطيني في لبنان ، من هدا المنظور الرؤيوي ادا صح التعبير ، ما هو الدور الذي لعبه الاعلام العربي المرئي والمسموع والورقي والاكتروني طبعا في مسيرة العودة ؟ وما تحقق من خلاله ؟؟

جواب 3: من الاشياء العديدة التي غيرتها ثورة الشباب العربي، او "ربيع العرب"، الاعلام. فالثورات العربية تمكنت من استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي: فيسبوك وتويتر والرسائل النصية على الهواتف المحمولة، بشكل ثوري. فمثلا فيما المعارضة الايرانية اكتفت باستخدامها لنقل ما حدث من تظاهرات وصدامات، استخدمها المصريون خلال ثورتهم الشبابية، والسوريون حاليا، كوسائل لتنظيم الاحتجاجات وكوسائل اعلام لنقل الحدث في ان واحد.

حاول الشباب الفلسطيني تقليد ما حصل في مصر ويحصل في سوريا، وتحاوروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني، وقرروا التحرك، لكن ولأكثر من سبب، ربما اهمة تأثرنا بواقع الشتات والاحتلال في ان واحد والتأثيرات الداخلية والخارجية، لم يكن ممكنا التحكم بالحراك هذا من دون دخول الغير على الخط، فسعى كثيرون الى استغلالها، وكما هو الحال دائما مع القضية الفلسطينية، جعلها وسيلة اما لتصوير الفلسطيني على انه عنيف وارهابي، او انه مجرد حجر شطرنج يحركه لاعب في وجه لاعب اخر.

وعلى الرغم من كل ذلك، وبدماء شبان وشابات اعمار معظمهم تحت العشرين والباقون تحت الثلاثين، فرضت معادلة جديدة، هي ان لا حل من دون اشراك الشباب، ولا حل من دون اللاجئين، وهذا انجاز مهم جدا، كان ان يتوارى بسبب مسيرة الخامس من حزيران، التي افتقدت عنصر المفاجئة الذي امتلكه تحرك 15 ايار، وكان اكثر قابلية للاستغلال من قبل الغير، وبالتالي الدم الذي اريق في 5 حزيران لم يعط النتيجة التي اعطاها دم شباب الخامس عشر من ايار.

اما عن الاعلام العربي، فإنه كان صورة عن الانقسامات العربية، فمن وقف ضد التحرك، كان يخشى النهوض الفلسطيني مجددا، ومن وقف معه، كان يسعى الى استغلال التحرك لغايات اخرى لا علاقة لها بفلسطين.





السؤال الرابع:

كيف ترى في مستقبل الاعلام العربي ؟ ما هو الدور الذي حققه اتجاه القضايا العربية ؟ ولا سيما في الاحداث الأخيرة التي شهدت اتجاهات مختلفة وتضليل للحقيقة وراء المصالح السياسية ؟؟ هل هناك اعلام عربي يؤدي دوره الوطني الحقيقي اتجاه شعوب المنطقة ؟؟


الجواب 3: اولا يجب ان ننطلق من حقيقة ان الاعلام الحر ضعيف، وان ما نراه هو تعدد اعلامي وليس حرية اعلامية. التعدد نابع من تعدد الاتجاهات السياسية. فلطالما كان هناك اعلام تابع لمحور "الاعتدال" واخر لمحور "الممانعة" كل منهما يغني على ليلاه، ولمصلحته، ويستخدم قضايا العرب المحقة وعلى رأسها قضية فلسطين لمصلحة ذاتية وفي الحرب ضد الاخر، لكن حلول "الربيع العربي"، الذي هو مجرد براعم الى الان لم تتفتح، غير كثيرا من مفهوم الاعلام التقليدي، بل دفع هذا الاعلام التقليدي الى استخدام الاعلام البديل، من مواقع تواصل الكترونية ورسائل نصية وصور فيديوات مرسلة عبر الهواتف النقالة من قبل "المواطن الصحفي".

وكما غيرت احداث الستينيات ومطلع السبعينيات من المفاهيم الاجتماعية، فإن ثورة "ربيع العرب"، وعصر "الإعلام والمعلوماتية" الذي ينظر له المفكر الاميركي الفين توفلر، قد باشر في الواقع تغيير المفاهيم الاعلامية والصحافية والسياسية والاجتماعية، لذلك اعتقد ان الاعلام البديل، بكل حسناته وشوائبه، غير الصورة، من اعلام متعدد، الى اعلام متعدد وحر ومستقل.



السؤال الخامس:

ما هو مصير الفلسطيني في لبنان ؟؟ حقوقه ، معيشته ، وهل ما زال هناك أفق لتحسيين أوضاعه ؟؟

الجواب 5: اولا مصير الفلسطيني في لبنان مرتبط به، فإذا تمكن من تكريس قيادة مرتبطة بمصالحه وقادرة على الضغط على القيادة المركزية للفصائل ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وواعية للتحديات اللبنانية الداخلية، وقادرة على استخدام كل وسائل الضغط الناعم على السلطات في لبنان، من حكومة واحزاب سياسية، وعبر عملية حوار جدي متواصل مع المجتمع اللبناني، فإنه يمكن ان يفرض اعطاءه حقوقه كلها من معيشية وسياسية ووطنية. فمن فضائل دماء شباب 15 ايار التأكيد المعمد بالدم ان الفلسطيني يرفض التوطين، وانه لن يكون خيارا مهما ندرت الخيارات، وبالتالي فإن هذه التهمة "النمطية" سقطت. اذن الامر بيد الفسطينيين في لبنان، ان يوحدوا طاقاتهم ويفرضوا قيادات بديلة، في زمن نشأت فيه ثورات بديلة وثقافة بديلة ومثقفون بديلون واعلام بديل في فجر عربي وربيع بديل بأشجار مزهرة تنتظر التحول الى ثمار، ويبدأوا اذن ثورة خاصة داخلية، تؤسس لثورات داخلية اخرى في الجسم الفلسطيني المترهل، وتطلق المارد الفلسطيني مجددا.

كلمة أخيرة :



ماذا تقول لموقع الكرمل ، النشرة الاعلامية الفلسطينية في لبنان ، كجزء من اعلام فلسطيني اكتروني يصور قضية اللاجئين؟؟
جواب اخير: رافقت النشرة منذ بداياتها، واعتقد انها تثمر ويجب ان تثمر وان تنتقل التجربة الى فضاء اوسع من الشمال الى فضاء الفلسطينيين في لبنان، مثلما انتقلت من حدود نهر البارد المحاصر الى كل الشمال. انتم جزء من الاعلام البديل، فكونوا على مستوى "الربيع العربي".

أجرى المقابلة / باسل عبد العال
27.6.2011

السبت، 25 يونيو 2011

السفارة الفلسطينية.. حرب طوابق!

المستقبل - السبت 25 حزيران 2011 - العدد 4037 - شؤون لبنانية - صفحة 5
http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=473281

أنيس محسن
شهدت السفارة الفلسطينية أمس، توتراً بلغ حدّ إشهار الأسلحة، وإقفال المبنى قبل أن يتدخل قادة من "فتح" ويخففوا من حدة التوتر ومن الإستنفار الذي كان قائما حتى ظهر أمس، ومن ثم يتوجه المتخاصمون معاً الى أداء صلاة الجمعة.
وإن كان خلاف الأمس ارتدى طابعا شخصيا، حول القرارات الإدارية، بين السفير عبدالله عبدالله والقائم بأعمال السفارة أشرف دبورة، وكانت شرارته منع أحد مساعدي السفير أول من أمس من دخول السفارة، ودخوله المبنى أمس برفقة السفير، فإن القضية أكبر وتتصل بما يجري في "فتح" وعلى مستوى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
ويقول متابعون لتفاصيل المشكلات القائمة، ان الأزمة يمكن تلخيصها بأمرين: تركيز الرئاسة الفلسطينية وقيادة السلطة على تهيئة مؤسسات السلطة لتكون جاهزة عند إعلان "الدولة" على حساب مؤسسات منظمة التحرير و"فتح" خارج الأراضي الفلسطينية، والسباق على تمهيد الأرض "الفتحاوية" لخلافة الرئيس محمود عباس، الذي أعلن غير مرة أنه لا يريد ان يستمر على رأس السلطة.
والفوضى الحالية في سفارة فلسطين في بيروت، تعود شكلا إلى مرحلة ما بعد مغادرة السفير الفلسطيني السابق عباس زكي في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، حيث شهدت السفارة فراغا دام 9 أشهر وتخلله نوع من الاستقطابات ذات الصلة باستقطابات "فتح" ارتباطا ايضا بالحراك الذي سبق المؤتمر الوطني السادس للحركة.
الوضع، وفق غير مصدر مراقب لما كان يجري في حينه، كان عبارة عن فوضى تامة.. كل طابق فيه مسؤول، وكل مسؤول لديه مرافقون، والخطوط بين الطوابق مقطوعة، الى درجة جعلت بعض المتهكمين يصفون الأمر بحرب الطوابق.
خلال الأشهر التسعة، وحتى قدوم السفير الجديد عبدالله عبدالله في تموز (يونيو) 2010 كان القائم بالأعمال هو المسؤول الفعلي في السفارة، التي برزت فيها حزمة من المشكلات ذات الصلة بتركيبة "فتح" الاستقطابية على أسس شخصية.
كان المأمول مع وصول السفير عبدالله أن تحل بعض هذه المشكلات على الأقل، وأن ينطلق العمل الديبلوماسي مجددا، خصوصا وأن السفير السابق عباس زكي، أظهر حيوية ملحوظة، سواء في العلاقات "الفتحاوية - الفتحاوية" أو الفلسطينية - الفلسطينية، وكذلك الفلسطينية - اللبنانية، وربما معايشته أزمة نهر البارد والحرب التي دارت بين الجيش اللبناني ومجموعة "فتح الإسلام"، كانت اكبر تلك الأزمات التي تعامل الفلسطينيون معها، وتجنبوا الدخول في صدام مع الجيش اللبناني وحصروه بين جيش شرعي ومجموعة إرهابية. وقبل ذلك، أطلق زكي ما سمّي "إعلان فلسطين في لبنان" الذي حدد الخطوط السياسية العامة للتعامل مع لبنان، من خلال الإعتذار عن أخطاء الماضي ورفض ان يكون الفلسطينيون جزءاً من أي أزمات لبنانية - لبنانية، وهو أمر ثبتت جدواه في كل المراحل اللاحقة.
لكن المأمول ليس هو الواقع، فالخلافات التي عرفتها السفارة، والمتاريس التي نصبت بين الطوابق، شارفت أمس على استخدام السلاح، وحصار السفير في مكتبه في الطابق الرابع، وهو أمر مرشح للتكرار ما لم يتم وضع حد له بقرارات واضحة المعالم، واكتفى المعنيون بالحلول الموضعية.
فما يجري الآن بين السفير والقائم بأعمال السفارة، يشبه إلى حد بعيد ما كان يجري بين عباس زكي وأمين سر الحركة في لبنان سابقاً سلطان أبو العينين، الذي حُل موضعيا، عبر استدعاء الرجلين إلى رام الله وابعادهما عن لبنان.
ما جرى تداوله أمس في أروقة مكاتب "فتح" والفصائل، وكثر الحديث حوله بين المسؤولين الفلسطينيين في المخيمات، كان حلاً مماثلاً لما جرى زمن عباس - أبو العينين، إذ ثمة من أكد أن الرئيس محمود عباس قرر سحب عبدالله ودبورة إلى رام الله.
ويرى عدد من كوادر "فتح"، ومسؤولون في الفصائل، ان المطلوب أكثر من حل موضعي، فعلى عباس أن يولي المؤسسات الفلسطينية في الخارج أهمية توازي اهتمامه بمؤسسات السلطة، ويأمر بتطبيق الأنظمة الداخلية، الخاصة بـ"فتح" بالنسبة الى صراع مراكز القوى في الحركة، وتلك الخاصة بوزارة الخارجية الفلسطينية في ما يتعلق بالسفارة، وبالتالي فصل العمل الديبلوماسي في السفارات عن الصراعات "الفتحاوية - الفتحاوية".
يبقى أن الحديث يدور حاليا عن صراع بين قطبين "فتحاويين" لخلافة عباس. فبعد إبعاد محمد دحلان يرى كل من عضوي اللجنة المركزية لـ"فتح" عباس زكي وعزام الأحمد، أنهما مؤهلان للمنصب، وثمة من يقول إن فضيحة السفارة بالأمس يمكن وضعها في سياق الصراع الصامت هذا.

الخميس، 23 يونيو 2011

رسالة من فلسطيني إلى لاجئ سوري

ليست عاطفية.. ولن تحلّها زيارة «أنجلينا جولي»
http://www.emaratalyoum.com/life/four-sides/2011-06-22-1.404849
• إبراهيم جابر إبراهيم
22 يونيو 2011
قد تُضيعك أمّك في الحقول ـ التركية»، وسيكون مُضحكاً أن يقول لاجئ ـ في معرِض حديثه لاحقاً ـ أنه قد ضاع!
وحده الذي كان يعرف وجهته، هو الذي يضيعُ يا صديقي، وأنت وجهتك كانت مُجرّد النجاة من الموت، وها أنت لم تمت على كل الأحوال!
ولا تَخف، فكلّ شيءٍ في البيت، هناك، سيظلّ على حالِه، أواني المطبخ، ألعاب الأولاد، الشجرة العاقر خلف النافذة.. كلّ شيءٍ سيظلّ على حالِه، لكن عليك بدءاً من هذا الصباح أن تعتاد أشياءك الجديدة: أنت الآن رقمٌ في سجلات اللاجئين، وفي نشرات الأخبار، وفي اجتماعات اللجان ومساعي الوفود، وفي قصائد الشعراء الذين يستفيدون من قتلى المعارك أكثر مما يستفيد عُمّال المقابر!
ستكون الخيمة مزعجة في الليلة الأولى، ثم في السنة الأولى، بعد ذلك ستصير ودودةً كواحدٍ من العائلة، لكن حاذر أن تقع في حبها، كما فعلنا!
لا تبتهج إن رأيتهم يقيمون لكم مركزاً صحياً، أو مدرسةً ابتدائية، هذا خبرٌ غير سارّ أبداً!
وإيّاك أن تتورط بمطالبات غبية مثل بناء بيوت بسيطة بدل الخيام، أو بخطوط مياه وكهرباء، ذلك يعني انك بدأت تتعايش.. وهنا مَقتلُ اللاجئ، وهنا أيضاً مَقبرته!
انتبه دائماً أن لا تترك غضبك في الخيمة حين تخرج، كُن غاضباً دائما، غضبك هو الذي سيجعلك حيّا، غضبك مَعدات بقائك، وإن استرحتَ يوماً فهذا يعني أنك لم تعد تلهثُ باتجاه «العودة»!
ولا تُدرّب أولادك على الصبر، الصبر حيلة العاجز، وذريعة مَن تَخلّى، واللاجئ يموت إن لم ينظر خلفه مرّتين في اللحظة الواحدة.
أنت لستَ ابن «هناك»، تَذَكّر هذا دائما، أنت لك «هنا» جميل ولا يُخان .. لا تنم ليلةً دون أن تُعدّد محاسنه لأطفالك، واقرأ عليهم كيف مات الناس، وكيف ذُبحوا على شاشات التلفزيون لأنهم لم يُصفّقوا للخِطاب، وقل لهم أنك تنام بين أشجارٍ غريبة، لأنك لم تشأ أن تُلدغَ من جُحر واحدٍ مَرّتين!
سيبيعك الناس لبعضهم، تلك هواية السياسيين، وسيجيئك المتضامنون من كل البلاد، ستصير أنتَ شعارهم الانتخابي، ويتقربون بك إلى الله، وستزداد همّة الناس في تفقّدك في «رمضان» وفي الأعياد والمناسبات الدينية!
والبعض سيصوّر أطفالك منهكين وجائعين لمجرد أن يحصل على مكافأة من رئيس التحرير أو مدير المحطّة، وزوجتك النائمة الآن في الظلّ قد تكون موضوعاً لصورةٍ تفوز بجائزةٍ دولية!
تلك حياتك الجديدة: سينشب حبٌ في الخيام، ويولد رَسّامٌ موهوب، وسيولد أيضاً عميلٌ وعاهرة، وسيولد فدائي مهنته أن يصنع (من جزمةٍ أُفقا)!
ستتعلّمون لغات جديدة، ومشاعر جديدة، وستنشأ علاقةٌ مُلتبسةٌ مع المنفى، وقد تشعر في ليلةٍ ماكرةٍ بأنه لا ينقصهُ شيء ليكون كافياً كوطن.. لكنك سرعان ما ستنتبه: الأشجار هنا لا تخضرّ كما يجب، والملح ليس مالحا، والذين ماتوا لن يغفروا لي، وتعود تنظر للوراء مرّتين!
وهنا سيتقدمُ ابنك الذي صار رجلاً دون أن تنتبه ليحمل عنك الذاكرة.. ليحمل حُلمك الذي أنقض ظهرك!
ربما يا صديقي أن الأمر سيبدو مُعقّداً في البداية، لكنّه واضحٌ: أنت «هناك» لأن الـ«هن» متوعكة، وقد يطول غيابك ليلتين، لكنك لستَ في رحلةٍ للبحث عن هويّة جديدة، ولن تُفكّر حتماً في مدّ سلك كهرباء الى الخيمة.. تلك خطيئتنا نحن، حين قُلنا: الخيمة ضيّقةٌ ونحتاج خيمتين إضافيتين!
يا صديقي لا تُفكّر في الأمر إلا وأنت تنظرُ خلفك، وتذكر أيضاً أنك أدرتَ خدّك الأيسر مرّتين، أيّ خدّ ستدير الآن؟!
...
واسمعني، فأنا أفوقك خبرة بـ63 عاماً في هذه «المهنة»: لا تلتقط الصور التذكارية مع سفراء النوايا الحسنة، ولا تشكو لهم حرارة الطقس أو من الحصى في الخبز، وحاذر أن تطالب بخيمةٍ أفضل، ليس ثمة خيمة أفضل من خيمة، وقل لهم أن مشكلتك ليست عاطفية ولن تحلّها زيارة «أنجلينا جولي».

الأربعاء، 22 يونيو 2011

مؤتمرات "فتح": صور تتخلص من سطوة "أبو العينين"

المستقبل - الخميس 23 حزيران 2011 - العدد 4035 - شؤون لبنانية - صفحة 5
http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=472919
أنيس محسن

قبل عامين، وعشية انعقاد المؤتمر العام السادس لحركة "فتح" في رام الله، ارتفعت على مداخل مخيمات صور، خصوصاً الرشيدية والبص، صُوَر عضو اللجنة المركزية الحالي للحركة وأمين سرها في لبنان سابقاً اللواء سلطان أبو العينين، وإلى جانبه صور عضو اللجنة المركزية المقال محمد دحلان، وكان الرجلان تحالفا في ذلك المؤتمر.
الأحد الماضي، كان مشهد صور مختلفاً تماماً.. 22 فتحاوياً ترشحوا لعضوية قيادة المنطقة في انتخابات مناطق اقليم لبنان في مرحلتها الثالثة للتنافس على 9 مقاعد، لم يتمكن أنصار أبو العينين من شغل سوى 3 منها، وهم من أصل 13 عضواً في المنطقة السابقة كان أبو العينين عيّنهم في منصبهم، وترشحوا جميعاً للانتخابات الأخيرة وفشلوا فشلاً ذريعاً.
تتفاوت التقديرات والتحليلات لسبب هذا التراجع الواضح لسطوة رجل حكم حركة "فتح" في لبنان أكثر من عقدين، وأبعد عنها إلى رام الله، لكن بترفيعه الى منصب عضو لجنة مركزية منتخب، من دون أن يفقد تأثيره على الساحة، الأحب إلى قلبه، وفق مقربين سابقين منه.
بعض الفتحاويين المتعصبين لحركتهم والذين يرفضون البوح بخفايا الأمور، أشاروا إلى أن ما حصل طبيعي، الانتخابات جرت وهناك من فاز بسبب شعبيته ومن خسر بسبب عدم تقبل الأعضاء له.
آخرون يشيرون تلميحاً الى وجود تكتلات و"حرتقات" انتخابية، وحسابات شخصية، لعبت دوراً في إبعاد أشخاص كفوئين، ومن بينهم قادمون من فصائل أخرى، ولا زال جسم الحركة ينظر إليهم على أنهم دخيلون عليها، كما أن الناخبين ملزمون باختيار 9 أعضاء من بينهم امرأة كحد أدنى، حكماً، وأي خطأ في هذا الترتيب، يعني إلغاء الورقة الانتخابية وخسارة أصوات لمرشح ما.
فئة ثالثة، جلها من كادر "فتح" القديم، الذي رافق الكثير من المتغيرات والتحديات، وتسلم مناصب قيادية، وأبُعد أو كُفت يده، أو عانى من سطوة أبو العينين خلال قيادته إقليم لبنان، تبوح أكثر من الفئتين آنفتي الذكر، ويمكن تلخيص موقفها على النحو التالي:
"الانتخابات بغض النظر عما حملته من شوائب تبقى ايجابية بحد ذاتها، كونها الأولى التي تحصل على مستوى المناطق منذ ما قبل الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، وما حصل أن الفتحاويين تمكنوا للمرة الأولى من اختيار ممثليهم في المنطقة بعيداً عن الإلزام، كما حصل في المؤتمر السابق، الذي صادق المندوبون على 11 مرشحاً اختارهم أبو العينين، قبل أن يضيف إليهم عضوين آخرين عيّنهما تعييناً مباشراً، علماً أن الأعضاء هؤلاء، بغالبيتهم من غير المحبوبين، وهو ما يفسر فشل 9 منهم في المؤتمر الأخير". ويستخلص الكوادر هؤلاء أن "زمن سطوة أبو العينين في لبنان قد سقطت فعلاً، وباتت فتح أكثر حرية في خياراتها الداخلية، وإن كانت العملية تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تصبح المؤتمرات تجديدية في النهج وليس فقط على مستوى المراكز القيادية". ويصف أحدهم ما جرى بأنه "محاكمة لمرحلة سابقة ومؤشر للمرحلة المقبلة".
وهكذا فإن المؤتمرات التي تجري حالياً، "ستحدد نتائجها أشخاص قيادة إقليم لبنان، ومنهم من بات حظه شبه عاثر، مثل أمين سر إقليم لبنان محمد زيداني (أبو أحمد) الذي فشل في إيصال حتى مرشح واحد إلى قيادة المنطقة".
ويقول أحد الخاسرين في الانتخابات، إن الانتخابات محسومة الاتجاه، "فمن يمتلك القرار المالي يمتلك القدرة على تحديد الاتجاهات، وفيما أن سلطان أبو العينين محبوب من قبل كل الفتحاويين في صور خصوصاً، إلا أنه لم يعد يمتلك القرار المالي، وكذلك أنصاره الذين يعتبر محمد زيداني أحدهم، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن لا تكون النتائج لمصلحتهم".
يُذكر أن الانتخابات كانت جرت في مرحلتين على أحدين متتاليين سابقين في البقاع وبيروت، وتتبقى مرحلتان في صيدا والشمال الأحدين المقبلين.

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الثورات تُسقِط أنظمة الأفكار أيضاً!

فواز طرابلسي*

«هذا أوان الحرائق، لا ينبغي أن يُرى غير النُّور»...(هوسي مارتي) وصف الفيلسوف الماركسي سلافوي جيجك الانتفاضات الشعبية التي تشهدها المنطقة العربية بالمعجزة. الوصف دقيق ما دامت الحالة التي يتحدّث عنها ينطبق عليها التعريف المألوف للمعجزة، بما هي حدث خارق لم يتنبّأ بحدوثه أحد.
قد يقال ردّاً على هذه المفرقعة التي أطلقها جيجك، إنّ الثورات تأتي دوماً على غفلة. وهو بذلك أدرى. ومع أنّ هذه ليست بقاعدة عامّة، فإنّها لا تعفي من ضرورة التساؤل والتأمّل في المغافلات الكبرى التي نعيشها منذ أشهر. فليس غريباً مثلاً أن تعترف وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية بأنّها تضرب أخماساً بأسداس، لتفسير عجزها عن توقّع الانفجارات التي زعزعت «الأمن والاستقرار» في المنطقة، وشبّهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بالزلزال.
ثمّة تفسير أكثر زمنيّة من التدخّل الربّاني. فأحد الأسباب التي حالت دون استشعار الانتفاضات ـ في توقيتها وزخمها وتزامنها وعفويّتها وأهدافها والوسائل ـ هو أنّ البحث في أزمات المنطقة كان يجري في حقل آخر، وبأدوات بحث واستخبار لا تصلح لمثل ذلك الرصد. وهذا الحقل هو حقل خطاب عالميّ مُهيمن، تَبلور بعيد نهاية الحرب الباردة، وتكرّس بعد هجمات ١١ ايلول ٢٠٠١. إنّه خطاب النيوليبرالية المُتَعَوْلمة و«أجنداتها» المتكاملة والمستبطنة في المنطقة من سلطات ومؤسسات وقوى مدنية وأهلية وأحزاب ومثقّفين:
- في الهويّة: التعريف الثقافوي ـ الديني للشعوب والمجتمعات؛ وتعميم مقولة «الاستثناء الإسلامي».
- في السياسة: نظرية المجتمع المدني/ الدولة، و«النقصان الديموقراطي».
- في الاقتصاديات: تفكيك الدولة التنموية، وفرض الخصخصة ودكتاتورية الأسواق، والتسليف الجزيئي (الميكروي) والتربية على «الريادة في الأعمال».
- في الاجتماعيات: احتساب معدّلات الفقر، لا الفروقات الاجتماعية، والتبشير بالشفافية ضد الفساد وطمس كلّ منوعات الاستغلال.
- وفي العلاقات الدوليّة: وحدانيّة الأمن و«الحرب ضد الإرهاب» وأولويّتهما.

حقيقة الأمر، أنّ الجهد البحثي والفكري عن المنطقة وفيها، لم يخلُ من استشعار الأزمات والتحذير من مخاطر انفجارات اجتماعية وسياسية. وهذا مثال. نبّه خبراء الديموغرافيا باكراً من خطورة «القنبلة الديموغرافية» في العالم العربي الذي سوف يبلغ عدد سكّانه ٣٩٥ مليون نسمة في ٢٠١٥، ٦٠٪ منهم دون الخامسة والعشرين، وحيث لا أقلّ من ٢٥٠ مليون نسمة باتت تسكن المدن. وأشارت «تقارير التنمية البشرية العربية»، التي أصدرتها «وكالة الأمم المتحدة للتنمية» إلى كون المنطقة تملك أعلى معدّلات للبطالة في العالم. من جهتهم، لاحظ علماء الاجتماع والسياسة ما سوف يترتّب على الانفجار السكاني والهجرات الريفية من اختلالات على كل الصعد، من ولادة «العشوائيّات» حول المدن أو داخلها، إلى تفكك البنية البطريركية عند الشباب.لكن معظم هذه الأبحاث حكمتها المشكلة المهيمنة ـ خصوصاً وجهها المتعلّق بـ«الاستثناء الإسلامي» قياساً إلى ما يمكن اعتباره «قاعدة غربية» كونية ـ فاتّجهت وجهة الخلاصات التي تمليها تلك المشكلة. توقّعت الدراسات أن يكوّن الوافدون الجدد من الأرياف والشباب العاطل من العمل، تربة خصبة للتعبئة من أجل العنف الجهادي، أو أن يتحوّلوا إلى جمهور للخدمات الخيرية والتربوية والصحية التي توفّرها الحركات الإسلامية لأغراض الكسب السياسي، أو أن يضافوا إلى عديد مشاهدي محطات التلفزيون «الراديكالية»، مثل «الجزيرة» القطرية.
تبيّنت جزئية هذا التوقع وانحيازه، عندما ألّف هذا الفائض من الشباب المتعلم والعاطل من العمل، الخليط المتفجّر الذي أطلق الانتفاضات الحالية، وأدى الدور البارز فيها. لم تنطلق الانتفاضات باتجاه سلفي أو جهادي، بل اتخذت وجهة الديموقراطية التي تتحقّق باسم الشعب ـ لا «الأمّة» ـ في ظلّ شعارات «العمل والحرية والخبز». وبدلاً من أن يصبّ الانفجار الديموغرافي والبطالة المستشرية في تعزيز تيّار العنف بين الشباب، جنحا به نحو تظاهرات واعتصامات وإضرابات اتّسمت جميعها بالطابع السلمي.

■ ■ ■

لكن، قبل ذلك، تسعى هذه المقالة إلى البرهنة على أنّ الانتفاضات الشعبية أشارت إلى مكامن خلل أساسية في الخطاب المهيمن، وما استتبعه من ممارسات، وأنّها شكّلت نقداً بالممارسة ــ وبالدماء ــ لمقولاته الرئيسة.وسوف نتناول أربعاً من هذه المقولات عن الديموقراطية، والمجتمع المدني والدولة، والشباب وفرص العمل، والفساد. لا بد من الإشارة إلى مفاجأتين حملتهما الانتفاضات في موضوع الديموقراطية (يمكن ترك موضوع المفاجأة للنظريّات «الثقافويّة» لمعالجة أخرى).
المفاجأة الأولى هي لنظريّة «النقصان الديموقراطي»، الوجه الآخر المكمّل لـ«الاستثناء الإسلامي». فقد فُرضت، خلال ربع قرن، إشكاليةٌ استشراقيّة قضت على الجهد الفكري والبحثي، لتغرق في تفسير «غيابات» و«فجوات» وحالات «عجز » و«نقصان»، تعانيها المنطقة قياساً إلى النموذج الغربي للديموقراطية الليبرالية.
مثّل عشرات الملايين من العرب النازلين إلى الشارع لتقويض أنظمة الاستبداد، فائضاً في الديموقراطية، لا نقصاناً فيها. لكنّنا مع ذلك نقف مشدوهين إزاء حجم ما هدرنا من وقت وجهد في تفسير «غيابات» الديموقراطية، فغاب عنّا حضور طبائع الاستبداد، آليّاته ومؤسّساته وركائزه وعوامل استمراره وإعادة إنتاجه وطرائق الانتقال من الاستبداد إلى الديموقراطية. وها نحن في خضمّ الانتفاضات، نقيس مدى جهلنا بالأنظمة التي تحكمنا، ما يترك آثاره السلبية على كلّ استراتيجيات التغيير ووسائله.
المفاجأة الثانية أنّ الانتفاضات انطلقت من الداخل، على عكس ما التقى عليه أو توقّعه، كلٌّ من موقعه، ليبراليّون محليّون مثلهم مثل خصومهم من إسلاميين وقوميين ويساريين. قال الأوّلون، في امتداد الاحتلال الأميركي للعراق، بأنّ لا إمكان لبناء الديموقراطية في بلادنا، إلا إذا فُرضت من الخارج. وإذ أقرّ القانون بـ«خارجيّة» التغيير الديموقراطي، رفضوا الديموقراطية لاعتبارها جزءاً من «مشروع الشرق الأوسط الجديد». إنّ توقيت الانتفاضات جدير الملاحظة والتوكيد. حصل بعد انقضاء عهد بوش الابن، وبعدما تخلّت الإدارة الأميركية حتّى عن رطانتها «الديموقرطية»، دون أن تحقّق أيّ إنجاز على كل حال. والأهمّ أنّ الانتقاضات اندلعت بعد الانسحاب العسكري الأميركي والحليف (غير المكتمل) من العراق. على عكس التوقّعات، قامت الانتفاضات دون مساعدة من الخارج، بل قامت ضدّ هذا «الخارج». فقد حضنت القوى الغربية ودعمت، أو تواطأت مع، أنظمة الاستبداد، من ديكتاتوريات جمهورية توريثية أو أنظمة سلاليّة نفطية أو غير نفطية، في طول العالم العربي وعرضه، على امتداد ثلاثة أو أربعة عقود من الزمن. ومهما يكن حجم التدخّل الخارجي الحالي، ومدى المساعي للتعويض عمّا فاتها من ادّعاء أبوّة الديموقراطية، فلا مفعول رجعياً هنا يسمح بالادعاء أنّ قوّة غربية ما، كان لها أيّ دور في إطلاق الانتفاضات أو تشجيعها أو تسييرها. كل ما يمكن قوله إنّها تسعى الآن إلى احتوائها، أو تحجيمها، أو الارتداد عليها، أو خنقها في المهد، بكل الوسائل.

«الشعب يريد»: ثورة في المفاهيم
لا حاجة لكبير جهد فكري للبرهنة على أنّ منبت شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» يقع خارج منظومة المفاهيم والافكار والارشادات التي قامت عليها، وروّجت لها الإيديولوجيا النيوليبرالية المهيمنة. انطلقت الصيحة من تونس، مستلهمة قصيدة شاعرها الوطني أبو القاسم الشابي التي يتعلمها الشباب العربي ويحفـظونها عن ظهر قلب من المحيط الى الخليج. ولعلها اختلطت أيضاً بأصداء من مرويات الثورة الفرنسية. أحيا الشعار مصطلحي «شعب» و«نظام » اللذين ينتميان الى عهود حركات التحرر الوطني، وقد باتا خارج التداول عملياً، منذ الربع الاخير من القرن الماضي. فانطوى هذا الإحياء على نقض وانقلاب في المفاهيم والقيم، بقدر ما انطوى على تعيين هدف للتغيير ومساراته. وفي ما يأتي بعض أوجه هذا النقض والانقلاب.
أولاً، اعاد الشعار الاعتبار لمفهوم «الشعب»، بما هو الهوية الرئيسية للسكان في مقابل التعريفات الانتمائية والثقافوية المهيمنة، بمركباتها الإثنية والأقوامية والطائفية والمذهبية والأقلوية التي روّجت لها ايديولوجيا العولمة الاميركية خصوصاً. «واحد، واحد، شعب واحد»، هو الشعار الطاغي من الخليج إلى المحيط الذي عبّر عن الرغبة في التركيز على الهوية الوطنية والوحدة الشعبية، في وجه كل تلك الانتماءات والهويات التي يستغلّها الحاكم المستبدّ والعدو الخارجي على حد سواء.
ثانياً، «الشعب يريد» هو إعلان عن تطلّب لمصدر جديد لشرعية السلطة، يحل محلّ «الشرعيات» السائدة: «الشرعية القبليةـ السلالية»، و«الشرعية العسكريةـ العقائدية»، و«الشرعية الثيوقراطية»، أو «شرعية» تأويل النص الديني في أمور السياسة والدولة، فضلاً عن «شرعية» الاحتلالات الأجنبية أو «الشرعيات الخارجية» التي استعاضت بها الأنظمة الاستبدادية العربية عن شرعية داخلية رفضت شعوبها منحها اياها. في مقابل هذه جميعاً، يطمح شعار «الشعب يريد» الى تحقيق مبدأ السيادة الشعبية، وحكم الشعب، اساساً لأية سلطة وأية شرعية.

الشعب والنظام مقابل المجتمع المدني
ثالثاً، مثّلت وتمثّل مقولة «الشعب يريد إسقاط النظام» مراجعة جذرية لنظرية «الدولة/ المجتمع المدني». لنضع جانباً البلبلة في فهم هذه النظرية وتطبيقها، وتخلّي اصحابها الغربيين عنها، فيما لا يزال يدمنها إدماناً قطاع واسع من المثقفين والمنظمات غير الحكومية، اضافة الى عديد من الاحزاب والحركات القومية واليسارية وحتى الاسلامية التي رأت فيها دَرْجة (موضة) دولية جديدة لا بد من مجاراتها، فصارت حالتها مثل حالة الغراب الذي أراد أن يقلّد نقلة الحجل.لا يمكن النظر الى نظرية «الدولة/ المجتمع المدني» الا بما هي الوجه السياسي للنيوليبرالية الاقتصادية، تقيم التعارض بين كتلتين متجانستين: الدولة، وهي مستبدة تعريفاً، يقابلها «مجتمع مدني» قوامه القطاع الاقتصادي الخاص والنقابات المهنية والمنظمات غير الحكومية، ويمثل الولاءات والانتماءات الاختيارية. ويضارع المجتمع المدني هذا «مجتمع اهلي» اكتُشف متأخراً، هو مرقد «الولاءات التقليدية». والوصفة الجاهزة: بقدر ما يضعف دور الدولة، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة، بذاك القدر تنمو حريات الافراد.
سال حبر كثير في نقد تلك النظرية، انصبّ على محاور عدّة تستحق التسجيل. الأول، طمسها التراتب الاجتماعيـ بما فيه من فوارق بين الطبقات، وبين مدينة وريف، وبين عمل ذهني وعمل يدوي وسواها. ثانياً، خلطها المستمر بين «الدولة» من جهة، وبين النظام السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي والثقافي المسيطر على الدولة من جهة اخرى. ثالثاً، القطيعة التي تفرضها بين الدولة والمجتمع، ما يسطّح جدل العلاقة بينهما، ويحجب مرتكزات السلطة وخطوط دفاعها، وآليات اعادة انتاجها، وكلّها كامنة في داخل المجتمع ذاته. رابعاً، العداء لأي دور للدولة في اعادة التوزيع الاجتماعي لصالح الفئات المحرومة أو المهمشة أو المتضررة من اقتصاد السوق الرأسمالي الاحتكاري. خامساً والأهم، تطمس هذه النظرية الأهمية الاستثنائية للدور الذي تؤديه الدولة، بما هي لحمة المجتمع ذاته، ولحمة الاجتماع السياسي، في البلدان المستقلة حديثاً، على وجه الخصوص.
وقد قدّم الاحتلال الاميركي للعراق التطبيق العملي الفاجع لهذا الوجه الأخير من النظرية، إذ لم يكتف بإسقاط نظام البعث الديكتاتوري، بل فكك، إن لم نقل دمّر، الدولة العراقية ذاتها. فماذا كانت النتيجة؟ بدلاً من ان يستولد هذا التدمير «المجتمع المدني» المنشود، ويؤدي الى تفتّح «حريات الافراد»، أخرج شياطين «المجتمع الأهلي» من جحورها، متمثلة بالمناطقية والإثنية والمذهبية.
على العكس من ذلك، انطوت اعادة الاعتبار لمفهوم «الشعب»، على تعريف المجتمع بما هو كتلة من القوى والمصالح والجماعات المتفاوتة والمتفارقة، تتكوّن في مرحلة تاريخية معيّنة حول ارادة واحدة وهدف تاريخي مشترك. وهي رؤية بعيدة كلّ البعد عن مقولات العولمة الدارجة الملونة كلّها بالريبة والشك تجاه كل ما له علاقة بالوطنية والقومية وتبشّر علناً بضرورة زوال «الدولة ـ الامة».
رابعاً، ترافقَ استرجاع مقولة الشعب وإرادته، مع تقديم هوية المنطقة العربية الى الواجهة، في وجه سلسلة الهويات التي فرضت عليها من الخارج، عن طريق تقاسيم الهوية الجيوستراتيجية على مقام «الشرق الاوسط»، كبيره ومتوسطه وجديده وأكبره، مندمجاً بشمال افريقيا او غير مندمج، فضلاً عن دمجه في العالم الاسلامي او أسلمته. هكذا، أعيد تعريف المنطقة من جديد بأنّها «عربية» ـ فصار العالم يتحدث عن «الثورات العربية» أو عن «الربيع العربي»، لوصف المسارات التي نتحدث عنها.

الأولوية للسياسة
خامساً، مثّل شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» نقداً من نوع آخر، لنظرية المجتمع المدني/ الدولة، ولسلوك المنظمات غير الحكومية والأهلية، القائم على فصل قطاعات المجتمع بعضها عن بعض، في تذرير «بعد حداثي» يحيلها الى جندرة، بيئة، تنمية بشرية، مكافحة الفساد، مساءلة، حوكمة، حقوق انسان، تمكين المرأة، تسليف جزيئي («الميكروي»)، ريادة، الخ. وعند الحاجة، يجري الربط بين قطاعين او قضيتين واكثر، بواسطة «واو» العطف. تلك مثلاً آخر توليفة في زمن الانتفاضات: «الفقر والحرية والأمن » ـ هو عنوان مؤتمر تنظمه كليّة العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة بالأردن، في شهر تموز. في مقابل التذرير بعد الحداثي للقطاعات والقضايا، والمجاورة بينهما، يعيد شعار الثوار العرب الاعتبار لوحدة النظام، في مكوناته السلطوية والامنية والعسكرية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية، والترابط بين مؤسساته المختلفة. هذا هو «النظام» المطلوب تفكيكه وقلب معادلات القوى بينه وبين الشعب، من اجل استبداله بنظام ديموقراطي، اي نظام يمثل «ارادة الشعب».ماذا يعني ذلك؟ يعني اكتشاف الحلقة المركزية للنظام التي يجب أن ينصبّ الضغط عليها والفعل فيها: السلطة السياسية. إنّ المعنى العميق لشعار وممارسة «الشعب يريد اسقاط النظام » هو توجيه هدف التغيير نحو اعادة صياغة جذرية للعلاقة بين الحكام والمحكومين. وهذا ما يفسّر الاهمية الاستثنائية التي توليها الانتفاضات لقيام مجالس تأسيسية وانتقالية، ولصياغة دساتير جديدة، وتغيير نمط العلاقة السائدة بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية لصالح الاولى.
اين المنظمات غير الحكومية والجمعيات الاهلية من كل هذا، وهي التي تقوم افكارها وممارساته على منظومة الافكار النيوليبرالية المهيمنة؟
اقل ما يقال إنّ الانتفاضات تفرض على هذا التيار الواسع من الرأي العام، والفاعل في الحياة العامة، أن يقف وقفة مراجعة لتجاربه على امتداد ربع قرن، للدفع في هذا الاتجاه، مع وعي المجازفة الكبيرة التي ينطوي عليها تعميم هذه الملاحظات النقدية المقتصرة على المجال الديموقراطي، على امتداد العالم العربي.
اولاً، لا يمكن اغفال الدور الكبير الذي أدّته المنظمات غير الحكومية في نشر الوعي، والتنبيه الى الحقوق في مجالات حقوق الإنسان والحريات، وبالقدر ذاته، لا يمكن إغفال حقيقة انها نادراً ما مارست الديموقراطية، بما هي الانتخابات الحرة والمنافسة البرنامجية وتداول السلطة، في حياتها الداخلية.
ثانياً، بسبب تذريرها حقول الدعوى والفعل، وتكاثر هيئاتها، إذ تبلغ المئات من المنظمات العاملة في الحقل الواحد في البلد الواحد، ونتيجة غلبة المنافسة بينها على مصادر التمويل من المنظمات غير الحكومية الدولية (ومعظمها تحضر الحكومات الغربية فيها حضوراً وازناً)، اضعفت المنظمات غير الحكومية نفسها بنفسها، وشتتت جهود الناشطين فيها، وبددت فرصاً كثيرة للإنجاز الديموقراطي.
ثالثاً، أثبتت الانتفاضات العكس تماماً من الفرضية التي قام عليها القسم الاكبر من العمل الاهلي، وهي أنّ تجزئة حقول الدعوى والفعل، وتغليب الجهد التربوي، وتواضع المطالب، يجعلها اوفر حظاً من التحقيق. وهذا ما عبّر عنه العديد من ناشطي المجتمع المدني الذين انخرطوا في الانتفاضات الشعبية، وفسروا مشاركتهم في التظاهرات والاعتصامات بأنّهم اكتشفوا، بعد سنوات من الدعوى والضغط من اجل مطلب جزئية لحقل واحد من حقوق المجتمع المدني، أنّ الحظ الوحيد في تحقيق ذلك لن يكون إلا بتغيير النظام السائد بمجمله.

بطالة الشباب وفرص العمل
لعل «العجز» الأكبر في الرؤية المهيمنة، كامن في رؤيتها وبرامجها المتعلقة بالشباب. دأبت هيئات رسمية وخاصة، على الدراسة والتخطيط لتطوير الأنظمة التعليمية، وقد طغى عليها هَمّ استيلاد «الاسلام الرشيد». هذا فيما كان الانتشار الأفقي للتعليم، المترافق مع التقليص المتزايد للقطاعات الانتاجية والترييع المتزايد لاقتصاديات العربية، يستولد اعلى معدلات بطالة للشباب في العالم. وفيما تكاثرت البرامج والندوات وورشات العمل والتدريب، لتكوين نخب من رجال الاعمال، المشبعين بالأنانية والنيوليبرالية، باسم «الريادة في الاقتصاد»، شحّت، حتى لا نقول انعدمت، الرؤيات والتصورات لاقتصاديات توفر العمل والخبز والكفاءة والمستقبل.
اضطرت الانتفاضات العربية المسؤولين عن توجيه الاقتصاديات العالمية الى الاعتراف بأنّ تأمين فرص العمل كان غائباً عن برامجهم المتعلقة ببلدان الجنوب، والبلدان العربية خصوصاً. اعترف الرئيس السابق لـ«صندوق النقد الدولي» دومينيك ستروس ـ كان (قبل ايام من اعتقاله في الولايات المتحدة بتهمة اغتصاب عاملة فندق افريقية) بأنّه لا بد من إدراج بند خاص، يتعلّق بإيجاد فرص عمل في برنامج مؤسسته. ولحق به زميله روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، ففصّل أكثر. تساءل زوليك عن جدوى ما سمّي «التعافي الاقتصادي» في تونس ومصر، طالما انّه لم يولّد فرص عمل جديدة. افادنا عن تونس بأنّ نسبة البطالة فيها تصل الى ٣٠٪ بين الشباب، فيما يتمتّع البلد بمعدلات نمو اقتصادي عالية بلغت ٤،٥٪ بين السنوات ٢٠٠٥ و٢٠١٠. وفي الفترة ذاتها، بلغت معدلات النمو الاقتصادي المصرية ٦٪، فيما بلغ عدد الفقراء ٤٠٪ من السكان، وبلغت البطالة عند الشباب ٢٦٪ ( الصحافة، ١٨ نيسان/ ابريل ٢٠١١). الغريب في الأمر أنّ المسؤولين عن توجيه سياسات العالم الاقتصادية يتحدثان عن تقديم نمو الناتج المحلي بما هو المقياس الأبرز للجدوى الاقتصادية، وكأنّه من وضع مؤسسات تنتمي إلى المريخ، وليس من بنات افكار «الخبراء» في «صندوق» السيد ستروس ـ كان، وفي «بنك » السيد زوليك! والطريف في الامر انّ السيد زوليك ما لبث ان «صحح» تصريحه السابق، فأعاد «تطعيمه» بحقنة من النيوليبرالية، فطلع علينا بنظرية تقول إنّ الشهيد محمد بوعزيزي انما هو ضحية «البيروقراطية»!

لصوصية لا مجرد «فساد»
كشفت الثروات الخيالية التي جمعتها أسر المجمع المافيوي ـ الريعي ـ الأمني العربي، عمق العلاقات بين السلطات الاستبدادية العربية، وبين مؤسسات الرأسمالية المتعولمة الدولية، وشركاتها المتعدية الجنسيات، والسلطات السياسية التي تمثلها. جُمعت تلك الثروات من خلال استغلال المواقع في السلطة لسرقة المال العام، والاستحواذ على الأراضي الاميرية، وتبييض الاموال، وجني الأرباح الطائلة من بيع مؤسسات القطاع العام او الاستيلاء عليها، وتنظيم الاحتكارات وحمايتها، وقبض العمولات، وفرض الخوات، ونيل الرشى المليارية على صفقات السلاح والعقود والمقاولات مع الشركات الاجنبية. يجري ذلك في ظل نظام اقتصادي عالمي، وظيفته الرئيسية فرض ديكتاتورية اسواق يجري في ظلّها شفط الثروات والمداخيل من اسفل الى اعلى، ومن الجنوب الى الشمال، ومن الافقر والمتوسط الى الاغنى، على عكس ادعاء تسرّبها من اعلى الى اسفل. هذا السحت هو ذروة الاستغلال الرأسمالي للشعوب. وهو الفساد الفعلي، وليس الفساد فقط فساد الموظف الصغير المرتشي الذي يراد معاقبته وتبرئة المفسِدين ممن يملك المال اللازم للإفساد.


والحكام الغربيون على علم بكلّ ذلك. تعرف الإدارة الأميركية أنّ الصفقة الاخيرة لتزويد المملكة العربية السعودية بطائرات وسمتيات حربية اميركية بقيمة ٦٠ مليار دولار، غرضها تعزيز ميزان المدفوعات الاميركية، اكثر من تلبية ضرورات استراتيجية في وجه ايران. ويعرف الرئيس اوباما تماماً ـ وهو الذي قال بوجوب العمل على خلق فرص عمل للشباب العربي في خطابه يوم ٢٠ ايار الماضي ـ انّ المليارات السعودية الستين سوف تسهم في تأمين فرص عمل لأكثر من ١٢٠ الف من عمال الصناعة الحربية الأميركية، وتحرم في المقابل عشرات الألوف من الشباب السعودي من فرص عمل. وفي مجال ما يسمّى تأدباً «استغلال النفوذ»، تعرف الادارة الاميركية، وسائر حكام اوروبا واميركا، انّ ستة امراء سعوديين تعود إليهم عائدات مليون برميل من النفط يومياً من انتاج اجمالي يومي يبلغ ٨ ملايين برميل. ومن جهة ثانية، تعرف السلطات الفرنسية انّ سيف الاسلام القذافي يتقاضى حصة مباشرة من عائدات حقل النفط الليبي الذي تستثمره شركة «توتال» الفرنسية. والآن، يعرف الجميع انّ جمال مبارك كان يتقاضى لجيبه الخاص ٥٪ من عائدات شركات بيع الغاز المصري الى اسرائيل. بقي لمن يريد ان يعرف كيف يتمكن حكامنا من جمع عشرات المليارات من الدولارات خلال ولاياتهم، ان يعودوا إلى اعتراف مليك المغرب بأنّ ارباح احدى شركاته المجمّعة لعام ٢٠١٠، بلغ ٢،٥ مليار دولار. هذا مع العلم انّ الدستور المغربي يمنع على السياسيين تعاطي التجارة. لكن المليك فوق الدستور وفوق السياسة، أليس كذلك؟
هذه اللصوصية هي الفساد الحقيقي في بلادنا.حاوِل إحصاء كم دُفع من المال لإقامة المؤسسات والجمعيات والهيئات، وكم نُظمت مؤتمرات ومشاغل وندوات ودورات تدريب، تحت عنوان مكافحة الفساد والبتشير بـ«اخلاقيات الأعمال (البزنس)». اسمع ما شئت من العزف على مقامات الحوكمة، والحكم الرشيد، والمساءلة واخواتها، تنخر العقول منذ ربع قرن. ثم قارن بما فرضته الجماهير في الشارع في غضون اشهر معدودة. فلأول مرة منذ ١٩٥٢، يسقط رئيس عربي (بل رئيسان، والتالون على الطريق) تحت ضغط انتفاضة شعبية. وعام ١٩٥٢ هو تاريخ استقالة رئيس الجمهورية اللبنانية، تحت ضغط اضراب شعبي سياسي عام. ولأول مرة في التاريخ العربي الحديث قاطبة، يحال حاكم عربي (بل اثنان، والتالون على الطريق) للمحاكمة، ليس فقط بتهمة قتل ابناء شعبه، بل ايضاً بتهمة سوء استغلال السلطة، ونهب الموارد، وهدر الأموال العامة.
ومع ذلك، لا يريد مكافحو الفساد من دعاة النيوليبرالية وخبراء الهيئات الدولية، ان يروا الهدر إلا في تضخم جهاز الدولة، وفي نفقات الموازنات على الخدمات الاجتماعية. وها هم يتحفظون على فتات الأموال الذي بدأت بعض الأنظمة العربية تنفقها، حفاظاً على رؤوس حكامها وكراسيهم، عن طريق الاستمرار في دعم المواد الغذائية الرئيسية والمحروقات، او عن طريق رشى رسمية موصوفة، من مثل رفع رواتب الموظفين وبناء المساكن الشعبية. في مقالة ذات عنوان معبّر ـ «رمي المال في الطرقات » ـ تحذّر «الايكونوميست» البريطانية (عدد ١٢ آذار ٢٠١١) من تلك الاجراءات، لانتمائها الى عهد مضى من تدخل الدولة في الاقتصاد، حسب تعبيرها. اما رمي ابناء معمر القذافي أموال الشعب الليبي لنجمات الغناء الانكليزيات والاميركيات بالمليون للحفلة الواحدة، فلا يقلق. ولا يقلق الاسبوعية الاقتصادية الرصينة، رمي الاموال داخل القصور، إذ إنّ المخصص الشهري لأفراد قبيلة آل سعود، الذين يزيد عددهم على ستة آلاف، يصل الى ٢٧٥ الف دولار، للأمير الواحد. لكنّ اعلان سقوط منظومة فكرية، لا يكفي بذاته لإسقاطها. مثلما تتحدى الانتفاضات الانظمة السياسة ـ الاجتماعية السائدة، وتخلخلها وتسقط اركاناً منها، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأنظمة الفكرية السائدة. ما حاولناه اعلاه مجرد وضع عدد من مقارنات، قد تصلح علامات استدلال للشروع في بلورة رؤية واهداف ومسارات ووسائل نضال بديلة.

* كاتب وأستاذ جامعي لبناني

الأربعاء، 15 يونيو 2011

مؤتمرات المناطق لـ"فتح" ـ إقليم لبنان: بداية ديموقراطية ناجحة في الشكل

المستقبل - الخميس 16 حزيران 2011 - العدد 4028 - شؤون لبنانية - صفحة 5
أنيس محسن

انجزت حركة "فتح" - إقليم لبنان المرحلة الأولى من مؤتمراتها المناطقية، في البقاع وبيروت، ولفت التجديد الكبير في قيادة المنطقتين، خصوصا في البقاع حيث فاز 8 أعضاء جدد من 9، وفي بيروت 3 اعضاء جدد من أصل 9.
ما لفت في التحضيرات لمؤتمرات المناطق الفتحاوية في لبنان (بيروت والبقاع وصيدا والجنوب والشمال) الحركة النشطة التي سبقت بدايتها وانجاز مرحلتها الأولى، وتمثلت بحملات انتخابية وزيارات للمرشحين وحلقات نقاش وتجيير اصوات، هي الأولى من نوعها، حيث كانت المؤتمرات عادة مرحلة منظمة ومعدة مسبقا لا تحتاج الى هذا الكم من الحراك، وربما التجديد الذي شهدته منطقتي البقاع وبيروت، بنسبة 89% في الأولى و33% في الثانية، دليل على مسار جديد بدأته حركة "فتح" وهي بأمس الحاجة له، لكنه تغيير يبقى في الشكل، ويحتاج الى تغيير في المضمون لن يكون متاحا الا في ختام تلك المؤتمرات، وخصوصا مؤتمر صيدا نهاية الأسبوع الجاري.
وتعد المؤتمرات المناطقية الجارية فصولها في لبنان امتدادا للمؤتمر العام لـ"فتح" في العام 2009، وهو وإن جاء بـ14 شخصية جديدة واطاحت بشخصيات تقليدية، فإنه كرس مراكز قوى جديدة، وعزز سلطة رئيس الحركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على الرغم من فوز شخصيات معارضة له مثل محمد دحلان، الذي أبعد اخيرا بسبب اتهامات بالفساد، وجرى إحالته على القضاء، الأمر الذي فتح صراعا جديدا في الحركة، تبدو ملامح نتائجه لمصلحة الرئيس عباس هذه المرة.
في المرحلة الأولى من انتخابات مناطق اقليم لبنان، بدا بعض هذا التغيير نموذجا عن الصراع المركزي في "فتح"، فبعض من فشل في الوصول الى قيادة المنطقة، انما خسر بسبب الاصطفافات المحلية ذات البعد العابر للإقليم، وفي البقاع ثمة من يقول داخل حركة "فتح" انه كان انقلابا تاما على تحالف محمد دحلان ـ سلطان أبو العينين، وخصوصا ضد أبو العينين الذي كان مسؤولا لإقليم لبنان على مدى أكثر من عقدين من الزمن، حيث ان الثمانية الجدد هم من خارج اللائحة التي دعمها سلطان.
وإذا سارت الأمور على المنوال نفسه، فسوف يفقد أبو العينين أي تأثير في إقليم لبنان، فيما سيكون بمقدور القيادة الجديدة للفرع وخصوصا رأسها فتحي أبو العردات (أبو ماهر) التحرك بثقة أكثر بعدما يكون قد أزيح أنصار سلفه عن مراكز القرار المناطقي، خصوصا أن أبو العردات كان مسؤولا سابقا للمكاتب الحركية (النقابات والمنظمات الشعبية). فأعضاء مؤتمر الإقليم هم اعضاء المناطق الحاليين واعضاء المناطق السابقين ومسؤولي المكاتب الحركية، فضلا عن كفاءات عادة ما تعينهم قيادة الفرع، وبالتالي فإن أي معارضة ستنحصر في اعضاء المناطق السابقين، ولن تكون معارضتهم ذات شأن.
وبغض النظر عن صراعات مراكز القوى داخل "فتح"، وهو صراع بدأ مع التأسيس ولن ينتهي، لأن الحركة مركبة على اساس اصطفافات سياسية وعلى برنامج سياسي، وليس على قواعد أيديولوجية، وربما كان ذلك سبب لحيوية "فتح" وقدرتها على البقاء، أما تطورها فبحاجة إلى إرساء المفاهيم الديموقراطية الحقيقية، التي شهدت انتخابات منطقتي بيروت والبقاع ملامح منها، خصوصا مرحلة التحضير والحملات الانتخابية التي رافقتها، وصدور النتائج، وتقبلها على الرغم من بعض التبرم.
تلك كانت ملامح وملاحظات أولية، انما المحك سيكون في نتائج باقي المناطق، في حينه فقط يمكن تقديم قراءة واعية، وإدراك ما إذا كان التجديد ليس سوى اعادة صياغة مراكز القوى تبعا لنتائج الصراع المركزي، أم أن ثمة ديموقراطية ناشئة في "فتح" تأثرت بالثورات الشبابية العربية.

الخميس، 9 يونيو 2011

الغرفة السوداء" من مارون الراس إلى القنيطرة

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=470584
http://www.almustaqbal.com/Issues/AsISPDF/09-06-11/f3.html
المستقبل - الخميس 9 حزيران 2011 - العدد 4021 - شؤون لبنانية - صفحة 3
أنيس محسن

أثار ما حدث يوم الأحد الماضي، 5 حزيران في الجولان السوري، وحجم الضحايا الذين سقطوا اذ بلغ 23 شهيدا ومئات الجرحى، مشاعر أسى في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأثار تساؤلات عمّا كان يمكن أن يحدث لو لم تستدرك القيادات السياسية والشبابية الفلسطينية، الأمر وتتخلى عن الدعوة الى مسيرة على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وما رفع منسوب الأسى لدى فلسطينيي لبنان، عمليات القتل التي حدثت عقب تشييع بعض الشهداء في مخيم اليرموك قرب دمشق الإثنين الماضي، وعلى أيدي فصيل فلسطيني، علما أن الإتهامات التي وجهت ضد بعض الفصائل باستثارة مشاعر الشباب وقيادتهم الى الموت لمصالح ليست فلسطينية، يشترك بها الفلسطينيون في كلا البلدين.
ويوضح قيادي شبابي شارك في التحضير لمسيرة "العودة" في 15 ايار الماضي وفي الاجتماعات التي سبقت 5 حزيران الجاري، أن "غرفة سوداء" كانت تعمل بمعزل عن المنظمات الشبابية، "وتمكنت القيادات الشبابية بعد اجتماعات محدودة، من دفع القوى الإسلامية الفلسطينية وحزب الله إلى كشفها والعمل بالتالي في فضاء رحب".
ويقول القيادي الشبابي الفلسطيني، وهو من أنصار أحد فصائل "منظمة التحرير": "طلبنا من الطرف الآخر أن يحدد لنا من سيمول المسيرة ولماذا، قبل ان نوافق على أي شيء، وبعد اخذ ورد، اعترف القياديون الشبابيون ذوي المشارب الإسلامية، أولا بأنهم ينتمون الى الفصائل الإسلامية الفلسطينية، وثانيا أن الممول هو "حزب الله".
ويتابع: "مكننا الكشف عن مصدر التمويل الى الانتقال، كقوى شبابية تابعة او تدور في فلك فصائل منظمة التحرير أو مستقلة، الى مرحلة ثانية، وهي محاولة الحؤول دون تمكين الطرف المقابل، الفلسطيني واللبناني، من تجيير التحرك لمصلحة ذاتية أو اقليمية، فجرى الاتفاق على سلسلة من الاجراءات، مثل ضرورة وجود عناصر انضباط، اصر الإسلاميون و"حزب الله" ان تكون بعهدة الحزب، والاكتفاء عند افتتاح المهرجان في مارون الراس بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني، وعدم القاء خطب ممكن ان تدفع الشبان الى القيام بعمل متهور". لكن المصدر الشبابي، يشير إلى أن "كل ما اتفقنا عليه لم يتم الإلتزام به، فافتقدنا عناصر الإنضباط علما اننا كنا طالبنا ان يكون الانضباط من مختلف الفصائل والاحزاب المشاركة، وقبل ان نصل الى مارون الراس كانت المنصة قد امتلأت برجال الدين الذين عملوا على تعبئة الشبان وصولا الى الدعوة الى الجهاد، الأمر الذي احدث انفلاتا لم يكن بمقدور قوة صغيرة من الجيش اللبناني، مثل تلك التي تواجدت في الموقع، من السيطرة على الموقف".
وعلى هذا الأساس، يضيف، أن "ما جرى في 15 أيار تم استدراكه والتنبه له في 5 حزيران حيث كانت النيات واضحة لدى البعض بتوريط الفلسطينيين بصدام مع الجيش اللبناني، وقد انضمت حماس الى المتوجسين من اي نشاط حدودي في 5 حزيران وبالتالي كان النشاط محكوما بالإلغاء حتى قبل ان يعلن الجيش اللبناني جنوب الليطاني منطقة عسكرية، اذ كان القرار اتخذ برفض التورط الفلسطيني في اي مواجهة، خصوصا مع الجيش اللبناني".
ويؤكد قيادي فلسطيني شارك في اجتماعات لجنة المتابعة الفلسطينية ـ اللبنانية، وجود "الغرفة السوداء" واستشعار القوى السياسية والشبابية على حد سواء بما كان يخطط له، ويقول انه سأل: "5 حزيران مناسبة عربية، وليست فلسطينية فقط، فلماذا لا يكون الحشد لبنانيا ونحن نشارك فيه، فهناك ارض لبنانية محتلة في شبعا وتلال كفر شوبا.. لكن أحد لم يقدم جواباً".
ويلفت قيادي فلسطيني رفيع المستوى الى أن قرار عدم المشاركة في مسيرات 5 حزيران كان اشمل من لبنان، وقد اتخذ على مستوى لبنان وسوريا، متسائلا: "من حرك بالتالي تظاهرات الجولان ولمصلحة من، ومن يتحمل مسؤولية الدم الذي هدر بلا جدوى، ومن يتحمل كذلك ما جرى في مخيم اليرموك عقب ذلك"؟.
ويخلص القيادي الفلسطيني الى التأكيد أن "الغرفة السوداء كانت ممتدة من مارون الراس الى القنيطرة، وفيما تنبهت الفصائل الفلسطينية للأمر في لبنان، وقع البعض الآخر في سوريا في الفخ، فخسر هو، ولم يربح النظام السوري الذي فقد حياد مخيمات سوريا في الأزمة الدائرة، ولم يغطي الدم الفلسطيني المهدور في الجولان واليرموك، الدم السوري الذي يهدر ايضا في مكان بعيد عن دائرة الصراع العربي - الإسرائيلي".

أحداث مخيم اليرموك تكشف الفخ الذي نصب في الجولان ومخاوف من توريط الفلسطينيين بما يجري في سوريا

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?issueid=2996&categoryid=5
المستقبل - الجمعة 10 حزيران 2011 - العدد 4022 - شؤون عربية و دولية - صفحة 14
أنيس محسن
ما جرى في الجولان في 5 حزيران (يونيو) كان فخاً كبيراً نُصب للفلسطينيين. جرى الدم غزيراً في مرحلته الأولى وكاد يطيح بالنسيج الإجتماعي الفلسطيني في مخيم اليرموك في مرحلته الثانية، على ما يقول مسؤول فلسطيني رفيع المستوى.
يطرح المسؤول الفلسطيني سؤالاً عن الدور الذي لعبه الشاب الفلسطيني المثير للجدل المدعو ياسر قشلق في التحضير لـ"فخ الجولان"، وهو اشتهر في أنه مول السفينة "مريم" في حزيران (يونيو) 2010 لخرق الحصار على غزة انطلاقاً من لبنان، لكن الرحلة التي تأجلت في حينه لم تمخر عباب البحر نحو غزة.
كانت فصائل منظمة التحرير و"حماس" قررت عدم الذهاب إلى الجولان في ذكرى النكسة، لأن تكرار ما حدث في 15 أيار (مايو) فقد عنصر المفاجأة، ولن تصب نتائجه في مصلحة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وسيكون تجييره سهلاً. وقد عممت قرارها هذا على قواعدها، واستكانت بعد ذلك لتتفاجأ بحملة كثيفة على موقع "فايسبوك" وعبر الاتصالات المباشرة بالهاتف، تُخَوِّن الفصائل وتتهمها بالتخلي عن فلسطين وبأن "الربيع العربي" يجب ان يطاولها.
يقول المسؤول الفلسطيني إن قشلق كان وراء تلك الحملة، تجييشاً وتمويلاً، وقد وظف عدداً كبيراً من الشبان للقيام بتلك الحملة، وتحت أعين اجهزة أمنية سورية وبتعاون من قبل فصائل موالية لسوريا مثل "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة".
في 4 حزيران، كان كل شيء قد أعد: الحافلات جاهزة لنقل مئات الشبان الذين لبوا الدعوات على الفايسبوك وعبر الرسائل النصية على الهواتف الجوالة، وتوزعت على مخيمات اليرموك وخان الشيح وجرمانا وغيرها من المخيمات، ومنها انطلقت قبل 24 ساعة من احياء المناسبة، ليجد المشاركون حجوزات لهم في فنادق ونزل في مدينة القنيطرة السورية، فباتوا ليلتهم هناك، وفي اليوم التالي، في 5 حزيران (يونيو) توجهوا الى الشريط الحدودي نحو المجزرة، التي سقط فيها 23 شهيدا ومئات الجرحى برصاص الجنود الإسرائيليين.
ولكي يكتمل الكمين، فتح التلفزيون السوري برامجه لتغطية المسيرة واستصراح مسؤولين في الفصائل، في مقدمتهم، واساسا، مسؤول القيادة العامة الإعلامي أنور رجا، ثم مسؤول الجبهة الشعبية ماهر الطاهر، وفتحت عقب ذلك قنوات عربية مساحة للمسؤولين المذكورين.
لكن اذا كان مفهوما ظهور أنور رجا على الشاشات، وخصوصا شاشة التلفزة السورية، فما لم يكن مفهوما او في مكانه ظهور ماهر الطاهر على الشاشات، بل مشاركته مباشرة في المسيرة، وتواجده بالقرب من الشريط الحدودي عند قرية مجدل شمس. فـ"الشعبية" كانت قررت، مثلها مثل باقي فصائل المنظمة، وحتى "حماس" عدم المشاركة في تلك المسيرة، فما هو السبب الذي دفعه إلى المشاركة في المسيرة، والظهور الكثيف على الشاشات؟.
من نافل القول، ان جزءاً لا يستهان به من الفلسطينيين في سوريا، يعتبرون ان النظام البعثي، منذ ما قبل تولي الأسد الأب ثم الإبن السلطة، عاملهم أسوة بالمواطنين السوريين، فكانوا احراراً اقتصاديا، وتمكنوا من العمل في السياسة كفصائل فلسطينية علناً وسمح لهم بفتح المكاتب والجمعيات والاندية والانتظام في النقابات الخاصة وحتى النقابات السورية، بل سمح للفلسطيني بالعمل في القطاع العام، بخلاف القيود التي فرضت عليهم في لبنان ومصر ومعظم الدول العربية. لهذا السبب، يتجنب الفلسطينيون معاداة هذا النظام. ومسؤولو الفصائل هناك متأثرون بهذا العامل من جهة، كما انهم كانوا ينسقون مع الأجهزة الرسمية السورية، أمنية وسياسية، ما أوجد علاقات شخصية بين المسؤولين الفلسطينيين والآخرين السوريين.
لكن هل هذا كاف ليجعل فلسطينيي سوريا يصطفون الى جانب النظام، وبالتالي يُحسبون وكأنهم في مواجهة مع الشعب السوري؟.
يؤكد المسؤول الفلسطيني ان العامل الأول صحيحاً، لكن بالمطلق ليس سبباً او مبرراً للسير في خطة قد تكون اجهزة الاستخبارات وضعتها، أما السبب الحقيقي لمشاركتهم في مسيرات العودة، فهو عفوية الشباب وحماسهم وتأثرهم بنظرائهم العرب في تونس ومصر على وجه الخصوص.
لكن اذا سلمنا جدلاً ان "القيادة العامة" ترتبط مباشرة بالنظام الأمني السوري، وبالتالي ليس مستغرباً ان تشارك لوجستياً ودعائياً واعلامياً، فكيف لمسؤول في الجبهة الشعبية من الصف الأول مثل ماهر الطاهر، ان يشارك علماً أن جبهته ليست مرتبطة امنياً بسوريا، وهو مفترض ألا ينقاد خلف "العفوية" فيفقد بالتالي دوره القيادي. هنا يكتفي المسؤول الفلسطيني بالقول أنه من الممكن ان يخدع القائد أيضا، أو أن ينقاد خلف "تقديس العفوية" وبالتالي يكون مشاركاً في الخطأ، بل الخطيئة، حتى ولو لم يكن من منظمي المسيرة. اذ يؤكد المسؤول ان الطاهر تفاجأ بوجود شباب من انصار الجبهة الشعبية، خرجوا على قرار عدم المشاركة، وربما أراد أن لا يترك المناسبة للاستغلال من قبل مسؤولي فصائل آخرين، فارتكب الخطأ مرتين.
الجزء الأول الدموي من "فخ الجولان" يكون قد أنجز، لكن ماذا عن الجزء الثاني، الذي لا يقل عنه دموية، لكن يفوقه من حيث الأثر النفسي، لكون من سقط أُردي برصاص، واجهته فلسطينية؟.
تفاصيل الحادث الذي وقع في مخيم اليرموك باتت معروفة: يصل ماهر الطاهر الى حيث يقام عزاء لشهداء الجولان. يُطلب منه المغادرة لأن أهل الضحايا لا يريدون وجوداً لقيادات الفصائل، من دون ان يمانعوا في وجود عناصر منها، وهم اصلا من ابناء المخيم، خصوصا وأن هناك من جاء ليرفع صور بشار الأسد في الجنازة. يحاول الطاهر التحدث مع الحضور عبر مكبر للصوت، فيحدث هرج ويرشق بالحجارة.. يطلق مرافقه طلقة في الهواء ويجري سحب الطاهر الى احد المنازل فيحاصره بعض الناس لكن يمكن سحبه من المنزل الى مكان آمن اخر.
لم ينته اليوم عند هذا الحد، وباقي تفاصيل الحادث ايضا معروفة، فقد عمد سكان اليرموك بعدما شيعوا الشهداء الى مثواهم الأخير، الى التوجه نحو المقر الرئيسي لـ"القيادة العامة" في اليرموك ورشقه بالحجارة، بعدما قال البعض ان الأمين العام لـ"القيادة العامة" أحمد جبريل متواجد هناك، وباشروا برشق المقر بالحجارة وهم يهتفون ضد جبريل و"القيادة العامة" ورد عليهم الحراس بالرصاص، لتتطور المواجهة، فيسقط قتلى في صفوف السكان الذين ازرهم مسلحون من ابناء المخيم فقتلوا عددا من عناصر القيادة العامة واحرقوا المركز والسيارات المتوقفة امامه، وبقيت الأجواء متوترة حتى اليوم الثاني.
ما لم يعلن، أن مسؤولي الفصائل وبعض وجهاء المخيم حاولوا مراراً وتكراراً الاتصال بالشرطة السورية وبأجهزة الأمن من دون جدوى، "وكأن السلطة السورية تريد للتوتر ان يستمر"، كما يقول المسؤول الفلسطيني، الذي يتساءل عن سبب عدم التدخل واعتبار ان المسألة "فلسطينية داخلية"، فيما لو اكتشف وجود بندقية واحدة غير مصرح بها لدى احد الفصائل فإن تحقيقاً طويلاً عريضا يجري واستدعاءات لا تنتهي لكل من له شأن مباشر او غير مباشر.
يؤكد المسؤول نفسه، ان السلطة السورية كانت تريد تكريس "القيادة العامة" مسؤولة عن الأمن في مخيمات سوريا، وبالتالي التسبب بصراع داخلي فلسطيني من حيث الشكل، وجوهره إشاعة فوضى اضافية تسهم في التغطية على ما يجري في سوريا، وهو امر تنبه له الفلسطينيون واصروا على رفض اي امن ذاتي وطالبوا بأمن سوري شرعي، لأنهم تحت سقف القانون وضيوف على سوريا وسيبقون كذلك في انتظار العودة.
ثم يرى المسؤول مؤشرات الى محاولات خلق صراع في المخيمات، وأبرزها تعزيز مراكز "القيادة العامة" في اليرموك وكل المخيمات في مختلف المناطق السورية، بعناصر من جيش التحرير الفلسطيني في سوريا وعناصر من الأمن السوري، ما يشي بنزوع نحو اشاعة فوضى في المخيمات، "خصوصا وانه ما من مرة حضر جيش التحرير الى المشهد الفسطيني الا وتبعه سيل من الدم الفلسطيني"، كما يقول المسؤول نفسه.
ويلفت المسؤول الى حوادث حصلت في مختلف المخيمات، واستهدفت فيها عناصر "القيادة العامة" عناصر وأنصار ومكاتب حركة "حماس"، الذي جرت مضايقتهم من خلال السؤال عنهم في منازلهم، او عبر الدخول عنوة الى المكاتب، وحتى توقيف بعضهم في الشوارع.
والخلاصة، يقول المسؤول الفلسطيني الرفيع المستوى "إن ما جرى اعتبارا من 15 ايار (مايو) مرورا بـ5 حزيران (يونيو) وقبل ذلك، كان يشي بعملية توريط للفلسطينيين في الشأن السوري، وكان بالتالي اجدى بمسؤولي الفصائل في سوريا، وخصوصاً من تورط منهم، تقدير الموقف تقديراً صحيحاً وعدم الانقياد خلف تقديس عفوية الجماهير".

الجمعة، 3 يونيو 2011

المسيرة ألغيت لأن الفلسطيني يرفض أن يكون متراساً

المستقبل - السبت 4 حزيران 2011 - العدد 4016 - شؤون لبنانية - صفحة 6
أنيس محسن

أكد مصدر فلسطيني مطّلع أن فكرة المسيرة التي كانت الفصائل الفلسطينية واحزاب لبنانية تتداول إمكانية تنظيمها الأحد لمناسبة ذكرى هزيمة حزيران (يونيو) 1967 "ألغيت لأسباب موضوعية"، وأن أي تحرك آخر يشارك فيه الفلسطينيون سيكون داخل المخيمات أو في أماكن لا تثير أي إرباكات في الداخل اللبناني، وكذلك لأن "الفلسطينيين يرفضون أن يكونوا متراساً لأي كان، فيما هم مستعدون لبذل الدم في فلسطين ولفلسطين فقط".
وأشار المصدر المواكب لاجتماعات لجنة التنسيق اللبنانية - الفلسطينية، إلى أن السبب المباشر لإلغاء فكرة المسيرة كان "إصرار الجيش اللبناني على رفض تنظيم أي نشاط يمكن أن تنتج عنه مشاكل في منطقة عمل اليونيفيل وتتعارض بالتالي مع القرار 1701".
أما عن الأسباب غير المباشرة، وذات البعد السياسي الإستراتيجي الفلسطيني في لبنان، يقول المصدر نفسه: "لقد اتفق الفلسطينيون في لبنان منذ فترة طويلة على رفض التورط في أي مشاكل داخلية لبنانية، وقد اثبتوا ذلك خلال الأزمات المتلاحقة منذ العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما جرى في مخيم نهر البارد كان أبرز دليل على هذا التوجه الإستراتيجي، حين اتخذ قرار بإخلاء المخيم واتاحة الفرصة أمام الجيش اللبناني لإنهاء حالة فتح الإسلام هناك".
ويتابع: "ومنذ اندلاع الثورات الديموقراطية في العالم العربي، سعى كثيرون إلى توريط الفلسطينيين هنا وهناك بادعاءات تشركهم في تحركات معينة، أو وضعهم ضمن اصطفاف إقليمي، حتى أن مسيرة العودة التي دعا اليها الشباب الفلسطيني لمناسبة الذكرى 63 لنكبة العام 1948، متأثرين بالبعد الشبابي للثورات العربية، وواكبتها الفصائل ولم تصنعها، جرت محاولات لتجييرها، وهي محاولات لم تنجح لأن الجميع تفاجأ بحجم المشاركة كمياً الذي تجاوز عشرات الآلاف، ونوعياً من حيث بروز جيل الشباب ممن ولدوا في تسعينيات القرن الماضي، الذين بذلوا أرواحهم لتكريس حق العودة".
ويعتبر المصدر أن "هذا الأمر فرض على المفاوض الفلسطيني عدم تجاوز هذا الحق وعدم تجاوز ملايين اللاجئين خارج الأراضي الفلسطينية في أي حل، وأفشل مساعي التجيير الإقليمية، وأرعب إسرائيل التي تحركت سياسياً وديبلوماسياً وحاولت تكبير الأمر أمنياً على الحدود مع الدول العربية، وحركت حتى الولايات المتحدة التي نقلت رسائل تحذير من أي تحركات شبيهة بمسيرة العودة".
وعليه، يشدد المصدر الفلسطيني، على أن "زمن حشر الفلسطينيين في ممرات إلزامية، يستفيد منها اللاعبون صغاراً أو كباراً، في قضايا عنوانها فلسطين ومضمونها سلطوي وحزبي ضيق، هو زمن ولّى ولن يعود.. فالفلسطيني تعلم الدرس، وبات يعي مصلحته، وهو لن يرضى أن يكون كيس رمل في متراس أحد، وباتت فلسطين الممر الإلزامي للآخرين، ليس عبر الشعارات، إنما عبر الأفعال، وبالتالي فإنه لن يكفي أن يكون الآخرون مع فلسطين لكن ضد الفلسطينيين، فمن يكون مع فلسطين يجب أن يؤيد حقه الطبيعي في العمل والتملك وتشكيل الجمعيات وحرية العمل السياسي.. وكما يقال: فإن ما قبل مسيرة 15 أيار (مايو) ليس كما قبلها، ومن كانت لديه شكوك بأن الفلسطيني هو من يرفض التوطين قبل أي أحد آخر نحيله إلى شهادة 6 شباب واصابة اكثر من 130 اخرين بجروح في سبيل حق العودة الذي هو رفض للتوطين، معمد بالدم ".
وعودة إلى ذكرى "هزيمة 1967"، يقول المصدر، "إن البعض اقترح بدلا من المسيرة الحدودية، أن ينظم اعتصام أمام الإسكوا، لكن ممثلي الفصائل كلهم توافقوا على أن الفلسطينيين يجب ألا يكونوا في موقع يمكن ان يحملهم تبعات أبعد من توجهاتهم المحقة في التذكير الدائم بقضيتهم، وبالتالي مثلما رفضوا في نهر البارد أن يكونوا بمواجهة الجيش الوطني اللبناني ورفضوا ان يكونوا في مواجهة معه الأحد المقبل فيما لو كان اصرار على المسيرة، هم يرفضون ان يكونوا في مواجهة مع اي طرف لبناني او اقليمي او دولي فلا مصلحة لهم في معاداة أحد، كون العدو الوحيد هو إسرائيل، وعليه رفضت فكرة الاعتصام امام الإسكوا وطرحت في المقابل نشاطات داخل المخيمات سلمية ومتنوعة".
ويخلص المصدر الى التأكيد أن "هذه هي الإستراتيجية الفلسطينية المتبعة، خصوصا في لبنان، والتي انعكست ايجابا حتى على العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، فلم يتأثر الفلسطينيون في لبنان جراء الإنقسام السياسي بين فتح وحماس الذي قسم السلطة الفلسطينية سلطتين واحدة في الضفة والثانية في غزة، فكانوا بالتالي داخل مخيماتهم بمنأى عن أي مشاكل انقسامية، مع الإبقاء على الإختلافات السياسية والفكرية، واحترامها".