الجمعة، 28 يونيو 2013

مواجهة التطرف ليس بتطرف مقابل إنما بحراك مدني سلمي

أنيس محسن
لست من المعجبين كثيرا بـ"تيار المستقبل" في لبنان، وإن كنت أؤيد مدنيته من دون تحفظ.. لكن ما يلفتني تلك الحملة ضده من قبل "حزب الله" وحلفائه وخصوصا "تيار ميشال عون" المستمرة بشكل جنوني منذ سنة 2005، وهي استكمال للحملة التي طاولت الرئيس الراحل رفيق الحريري قبل اغتياله، من قبل النظام السوري وأزلامه في لبنان، وهي لا زالت على أشدها رغم انتفاء أي علاقة لـ"المستقبل" بكل المنتجات "التطرفية السنيّة" التي ما هي إلا نتيجة طبيعبية لشيطنة أكثر السنّة اعتدالا... ومن غير المستبعد أن يُشيطن حتى شخص مسالم مثل تمام سلام قريباً من قبل هذه الأوساط. 

ما يفعله "حزب الله" وقبله النظام الأمني السوري - اللبناني بهذا الشأن انما استجلاب واستيلاد لعدو على الطريقة الإسرو - أميركية في استجلاب أو استيلاد الأعداء على نمط "القاعدة" أو بعض القوى الاسلامية واليسارية شديدة التطرف، وهي قوى يُعتبر الانتماء إليها بمثابة رد فعل على صلف الطرف الآخر، واستجابة غير واعية لإرادته.
مواجهة الأسلوب الإسرو - أميركي الذي يستعيره "حزب الله" والنظام الأسدي في سوريا ونظام "الباسدران" في إيران، لا تكون إلا بحراك مدني، وهو السلاح الأفعل والأقل تكلفة، والأمثلة على النجاحات لا تحصى:
- أول وأهم النجاحات التي حققها الحراك المدني، الثورة اللاعنفية للمهاتما غاندي، قاهر أقوى امبراطوريات القرن العشرين، أي إمبراطورية بريطانية العظمى، فتحقق استقلال الهند بلا سلاح، وهي الآن من أعرق الديموقراطيات في العالم حيث يتم تبادل السلطة بشكل منتظم فيها.
- ثاني هذه النجاحات هي حملة الحقوق المدنية لمارتن لوثر كنغ في الولايات المتحدة، لسنة 1963، التي حققت في 2009 وبعد 46 عاماً، حلم هذا الحالم المدني وجاءت بأول أميركي من أصل أفريقي إلى البيت الأبيض ولدورتين متتاليتين؛ بغض النظر عن تقييمنا "العروبوي" لمنتجات إدارة باراك أوباما الشرق أوسطية.
- ثالث النجاحات، تتمثل بنضال نلسون مانديلا العظيم من داخل زنزانته، الذي قوض أحد أعتى أنظمة الفصل العنصري في العالم، ولم يقد جنوب أفريقيا نحو احتراب أهلي ولا نحو انتقام وثأثر قبليين، إنما عبر تجربة "العدالة الانتقالية" التي تمكنت من إزاحة شبح الاحتراب الأهلي والمجازر عن جنوب أفريقيا.
- رابع النجاحات التي لم تستكمل وجرى إجهاضها، هي ثورة الحجارة الفلسطينية في 1987 التي كشفت العنصرية الاسرائيلية امام الشعوب الغربية وضغطت عبر الرأي العام الغربي على حكومات الغرب المؤيدة من دون تحفظ لإسرائيل، كي تتخذ إجراءات ليست في مصلحة الدولة العبرية. وهي ثورة مغدورة بفعل الاستخدام السيء من قبل "الذهنية المتعسكرة" لقيادة منظمة التحرير التي انتجب وليداً هشاً ومهشماً أسموه "اتفاق اوسلو"، فبيعت إنجازات أطفال فلسطين وحجارتهم بسلطة هجينة بانت لاحقاً أنها مجرد شرطي في خدمة الاحتلال، من دون وعي. وقد انكشف عقم عقلية "العسكرة" في الانتفاضة الثانية أو ما يعرف بانتفاضة الأقصى في سنة 2000، التي ما إن تعسكرت حتى قضى شارون حتى على وهم إنجازات أوسلو المتمثلة بالسلطة الفلسطينية عبر إعادة احتلال الضفة، ثم إنتاجه لدويلة غزة بعد انسحابه الأحادي من القطاع وتمكنه من تحقيق حلم تقسيم الفلسطينيين جغرافياً وسياسياً، بين إسلامي وعلماني، وغزة والضفة، كما لم ينقسموا في تاريخ نضالهم المديد.

- خامس النجاحات التي تم تقويضها، هي حركة 14 آذار 2005 في لبنان، التي هب فيها اللبنانيون بسلاح العَلَم اللبناني والورود والصوت والغناء والرقص في ساحة الشهداء، فنجحوا في اخراج قوات نظام الأسد العسكرية من لبنان، لكن تمت مواجهة "14 آذار" بسلسلة من الاغتيالات التي لم تتوقف وان اخذت هدنة هنا واخرى هناك، فضلا عن تخلي ما يطلق عليه تسمية "الغرب الديموقراطي" عن هذه الحركة، وكذلك عدم فاعلية وقدرات الاحزاب والقيادات السياسية للحركة وبالأصل عدم إيمانها بالجمهور، الأمر الذي أحدث حالة إحباط لدى هذا الجمهور.
- سادس هذه النجاحات التي تجري عرقلتها، هي الحراك العربي المعروف بـ"الربيع العربي" وهو حراك إذا أمعنا النظر فيه نرى أن رافضيه الذين يفترض أنهم أعداء فيما بينهم؛ أي الغرب عامة واسرائيل وما يسمى بـ"الممانعة" الممتدة من بلاد فارس حتى "سوريا الأسد" مرورا بـ"حزب الله" وبـ"الإسلام السياسي السنّي" ممثلا بالإخوان المسلمين وأشباههم، كل هؤلاء، بسبب الخوف من سيادة أنظمة ديموقراطية حقّة تنهي هيمنتهم على الشرق والمغرب العربيين أو بسبب شهوة السلطة، اصطفوا ضد إرادة الشابات والشبان الذين أطلقوا الثورة.
في هذا المجال لا بد من طرح ملاحظة، هي أن الثورة البيضاء على الأنظمة الليبرالية، الفاسدة، مثل نظامي مبارك في مصر وبن علي في تونس، كانت الأقل دموية، فيما الثورة السلمية على أنظمة "ممانعة" مثل "ليبيا القذافي" و"يمن علي عبدالله صالح" و"سوريا الأسد" كانت مثخنة بدماء الشعوب الثائرة، وخصوصا النظام الأسدي "الأكثر ممانعة". ما يجعل المرء يتمنى العيش، إن لم يكن هناك من مفر، تحت حكم نظام ليبرالي فاسد يبقي على فسحة ولو مفتعلة من الديموقراطية، نظام قابل للاستبدال يوماً ما، على نظام "ممانعتوي" دموي يُحوّل الحراك السلمي إلى نزاع مسلح يحصد مئات الألوف قتلى ومعوّقين وملايين المهجرين والنازحين، فقط للبقاء في السلطة.
إن التجربة قد أظهرت بجلاء، أنه حيث كان الحراك مدنياً كانت النجاحات أكبر وأقل تكلفة بشرية، وحيث قاومت الأنظمة الحراك المدني، إنما اجتهدت في انتزاع المضمون المدني للحراك وعسكرته بما يمكنها من تحويله إلى نزاع بين طرفين مسلحين، كما هو الوضع الآن في سوريا، وقبلها في فلسطين التي خسرت حين تعسكرت الانتفاضة وصبّت النتيجة بالمحصلة في مصلحة إسرائيل.
ما يجري في مصر الآن، خطير، لكن الأمل قائم بأن ما يقوم به المجتمع المصري هو عبارة عن حراك مدني في الشارع لنزع السلطة من قبضة الإخوان، سارقي ثورة شابات وشبان مصر، وقد تمكن هذا الحراك في تونس من تخفيف غلواء إسلاميي "النهضة" والمتطرفين من "سلفيي" تونس.

إن ما جرى أخيرا في صيدا في جنوب لبنان، والمواجهة المدنية التي يخوضها المجتمع الصيداوي بعد أزمة "عبرا"، في وجه غلواء "حزب الله"، حققت في ساعات انجازات أكبر كثيرا من "إنجازات" أحمد الأسير، الذي جذبته الأضواء فاشتبك مع الطرف الأخر في مكان موازين القوى فيه ليست في مصلحته أبداً، وعدّة المواجهة فيه ساقطة، كونها تنطلق من بعد مذهبي ديني، وليس من بعد مدني مرتبط بالحياة وبالحق في العيش بسلام وازدهار وتنوع ثقافي وحضاري.

هناك تعليق واحد: