الثلاثاء، 2 يوليو 2013

"الاسلام السياسي" الشيعي والسنّي وعُقم فكرة التغيير بالعودة إلى الوراء



أنيس محسن

في نهاية خبر نشره الزميل والصديق قاسم قصير في السفير في 2 تموز 2013، تحت عنوان "نصر الله للكوادر الحزبية: الأيام ستؤكد صحة خياراتنا"، يقول (... وأن الحزب [حزب الله] مستعدّ لإعادة التواصل مع كل الحركات الإسلامية، لبحث ما يجري على الصعيد الإسلامي والوطني والعربي، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الحركات."
إذاً ربما هي محاولة جديدة للهيمنة من خلال استغلال فشل الإخوان المسلمين في الحكم من مصر إلى تونس وغزة، والتغيير في قيادة دولة قطر وإعلان أميرها الجديد الشيخ تميم ان الدولة نظام وليست حزباً وأنه مسلم وليس "أخوانا مسلمين"، لإعادة تأسيس جبهة "ممانعة" قد تكون هذه المرة؛ "الإسلام "بوجه "العلمانيين الكفار". أوليس مرشد النظام الإيراني علي خامنئي وصف قبل فترة الشعب السوري الثائر بأنه "علماني كافر" قبل أن يصبح "سلفياً تكفيرياً"... يصدق هنا المثل العامي القائل: "كيف ما بدو الفاخوري بيركب إذن الجرة"!!
لكن ما قد يغيب عن البعض أن شعار المرحلة، ووقودها وحقيقتها، هو قول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة         فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي                ولا بد للقيد أن ينكسر

لقد أعلنت شابات وشبان "تمرد" في مصر، وحققوا إعلانهم، بأن ثورة الشعب لا تنكسر ولا تصادر، ومن أسقط مبارك (الذي شاب حكمه فساد لا يحتمل) قادر على إسقاط مرسي وحكم "الإخوان" (الذي أراد دستوراً يتناقض مع روح العصر، ومارس ممارسة استعلائية فاشلة)، ومن هو قادر على إسقاط النظامين في أقل من سنتين، قادر على إعادة صياغة نظام مصر بما تستحقه هذه الدولة التي تضرب في عمق التاريخ، وهي أقدم دولة لا تزال قائمة حتى الآن.
وعبرت شابات وشبان غزة، عن رفضهم العودة إلى تاريخ أصبح من الدوارس، وإلى علاقات اجتماعية تنتمي إلى مرحلة دولة الخلافة، من خلال كسر محاولة ثنيهم عن متابعة مسيرة محمد عساف في برنامج (Arab Idol)، وهو ابن مخيم خان يونس الذي لجأت عائلته إلى قطاع غزة في 1948، بما أن الغناء حرام، بل وصوتوا له بكثافة واستقبلوه كما لم يستقبل أي زعيم من زعماء "المقاومة" في كنف القطاع الثائر على مدى التاريخ؛ قطاع محمد محمود الأسود "غيفارا غزة"، والذي حلم يوماً إسحق رابين أن ينهض من نومه ويرى أن البحر قد ابتلعه.
وتواجه شابات وشبان سوريا (الدولة التي عاصمتها أقدم عاصمة ما تزال مسكونة)، الموت الآتي عبر قذائف وصواريخ وبراميل نظام بشار الأسد المتفجرة وحلفائه، بصدور عارية، وينتفوضون على حكم بعض "السلفليين الجهاديين" في حلب والرقة وإدلب، الذين يقتلون طفلاً لأنه رفض اعطاء أحد ما فنجان قهوة بالدين "ولو نزل محمد" أو يجلدون والداً وعريساً لأن الأول وافق على تزويج ابنته الأرمل والثاني تزوجها "قبل أن تكمل عدتها"، أو ينهرون فتاة لأنها خرجت من منزلها من دون برقع.
وفي تونس، لا تزال رائحة جسد محمد البوعزيزي المحترق رفضاً للذل، تنشر عبق ثورة لا تنتهي، ولا يزال دم شكري بلعيد يغلي في شوارعها... ونساء تونس ترفضن تغييبهن عن المشهد، حتى بصدر مراهقة تعرت احتجاجاً، ومُغْتَصبة قاضت مغتصبيها في مجتمع أريد له أن يعود ذكورياً مجدداً، وربحت عبر كسر الصمت الذي هو العار، وليس غشاء بكارة منتهك.
على "حزب الله" و"حماس" و"الحرية والعدالة" الإخواني وكل الأحزاب والتيارات الإسلامية أن يدركوا، أن لا عودة إلى الوراء، فإما أن تنتظم القوى الإسلامية ضمن مسار ديموقراطي حقيقي، أو أنها ستتلاشى حتى وأن تسيّدت وتنمّرت واستقوت لزمن بات لا يقوى على الاستدامة. فسرعة التغيير نسبية، وإذا أخذ التغيير في فرنسا بعد كومونة باريس 63 عاماً لتتموضع العجلة على سكة الديموقراطية، فإن في عصر السرعة اللامحدودة، عصر الأعلام والمعلوماتية فائقة التطور، باتت السرعة تقاس بالـ "بود" Baud [سرعة الخطو] وهي وحدة سرعة التدفق الرقمي االمَعْلوماتي، أي كمية البت Bit المنقولة في البود الـ Baud الواحد. وبالتالي فإن المطابقة مع مفهوم تغير العلاقات في عصر الإعلام والمعلوماتية (وفق ألفين توفلر، أحد المفكرين الأميركيين في مجال دراسات المستقبل، الذي يرى في كتابه "صدمة المستقبل" أن مجمل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية تتغير مع تغير العصر، وبوتيرة متسارعة أكثر)، تصح أيضا في قياس سرعة التغيير، وتصبح العقود الستة التي احتاجها التغيير الثوري في فرنسا بعد كومونة باريس (1871) بضعة أشهر في مصر 2011 – 2013.
إن الانفصال عن الواقع بوهم التفوق و"النصر الإلهي" و"الإرادة الإلهية" وتصور امتلاك قدرة قيادة الصيرورات بغير مساراتها الطبيعية بحكم امتلاك وسائل سيطرة مادية وروحانية، لن يفضي إلا إلى انفجار ثوري في مرحلة ما ويكون دوي الانفجار في حينه أكبر وأعمق وأكثر ضرراً من التغيير ضمن المسارات الطبيعية.
ويمكن هنا أيضا إيراد مثل تركيا، التي اعطت "العدالة والتنمية" وزعيمه رجب طيب إردوغان، قصب السبق في كل الانتخابات التي أجريت منذ 2002 إلى الآن، لكن الشارع التركي هز له عصى التمرد، في ساحة تقسيم، عندما بدأ يتعامل بتنمّر مع هذا المجتمع، وبات يؤسس لاستجلاب مفاهيم اجتماعية تنتمي إلى الماضي، وليس لروح القرن الـ21، وذلك على الرغم من النجاحات الاقتصادية التي تحققت في 11 سنة من حكم "العدالة والتنمية".
وبالتالي، لن يكون بمقدور "حزب الله" إعادة موقعة "الإسلام السياسي السنّي" المتهاوي بسرعة قياسية في مصر وتونس وغزة، في جبهة "الإسلام السياسي الشيعي" المترنح في إيران والذي مآله إلى التغيير عاجلاً وليس آجلاً، و"الممانعة الطائفية" الأسدية في سوريا المرتكزة على قوائم مصطنعة والآيلة إلى السقوط إذا سحبت تلك القوائم من تحتها.
إن الحكمة تقتضي أخذ العبرة من حركة التاريخ، وهنا نتحدث عن الراهن وليس الماضي، بما أن المستقبل، كما يرى المفكر الاستراتيجي الجنرال أندريه بوفر، يمكن توقعه عبر مكونات الحاضر، والمكونات الموجودة الآن تقود إلى قراءة تؤكد أن التغيير يسير باتجاهات مدنية، لا دينية ولا أيديولوجية، وبالتالي على "حزب الله" وباقي الحركات والأحزاب التي تنهج "الإسلام" كأيديولوجيا فكرية أو بقايا "الماركسية" السوفياتية أو الماوية، أن تعي هذا التطور في المفاهيم لدى شعوب المنطقة، وتتعايش مع هذا الواقع، كي لا تصطدم به، وهي الخاسرة حتى ولو تمكنت من تأجيل خسارتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق