الاثنين، 3 يونيو 2013

احتجاجات "تقسيم في تركيا: الحرية قبل الخبز




======== أنيس محسن

من المبكر جداً التحدث عن "ربيع تركي" انطلق من ساحة "تقسيم" في الجزء الأوروبي من اسطنبول، لكن من المقنع التحدث عن "كرت أحمر" شعبي إلى الجزء الإردوغاني من حزب "العدالة والتنمية"، بأن لـ"الحرية الحمراء" في تركيا حدوداً لا يمكن تجاوزها حتى ولو كانت النجاحات الاقتصادية لإردوغان وحزبه. أما الرئيس عبدالله غول، الأقرب إلى العلمانيين في "العدالة والتنمية" فله آراء تتعارض مع الأردوغانية.
في انتخابات حزيران 2011 اكتسحت الإردوغانية البرلمان التركي بنسبة تجاوزت 50%، وكان حزب "العدالة" قد بدأ عهده في السلطة في تشرين الثاني 2002 بتأييد 34% من الأتراك، ثم رفع نسبة التأييد له في الانتخابات العامة التي جرت في تموز 2007 لتصل إلى 39,1%، مسجلاً فوزاً تصاعدياً قلما تحقق لأي حزب في نظام حكم ديموقراطي على الطريقة الغربية.
السبب الرئيسي للفوز الباهر والمتكرر والصعودي لـ"العدالة" التركي، هو  نجاحه في نقل اقتصاد تركيا من هاوية الانهيار في 2001 إلى رحاب الازدهار في 2007، ومن ثم تثبيت تركيا كمارد اقتصادي في 2011، فيما طموح الحزب الحاكم حتى الآن هو الوصول بالاقتصاد التركي في سنة 2025 إلى واحد من أهم 4 اقتصادات كبرى في العالم.
تقنياً، بإمكان تركيا أن تكون هذا المارد الاقتصادي، وأن تمثل نموذجاً آخراً مثل الصين وقبلها "النمور الآسيوية" وقبلهما يابان وألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، فكل الطرق ممهدة لذلك.
لكن ليس بالازدهار وحده يحيا الناس، الشعوب المزدهرة تتنفس الحرية أيضاً... بل لا تملك رئتها سوى هواء الحرية وبغيره تختنق.
خطأ إردوغان، الذي يخالفه به عبدالله غول، أنه يحاول فرض رؤاه الاجتماعية "الإسلاموية" على المجتمع التركي "المسلم" إنما "العلماني" و"المحافظ" إنما غير المتطرف اجتماعياً، وذلك عبر استخدام النجاحات الاقتصادية... وهنا كان مكمن الخطأ الذي، إذا لم يتراجع عنه إردوغان فسوف يكون خطأه القاتل.

بعد احتجاجات انطلقت شرارتها في 31 أيار 2013 وتفاقمت في 1 حزيران في ساحة تقسيم التاريخية في اسطنبول، خرج إردوغان يوم الاحد في 2 حزيران متحدياً ومتوعداً وأمرا الشرطة بالبقاء في الساحة ومواصلة قمع المتظاهرين متهماً، وقد يكون على حق، خصومه السياسيين (العلمانيين) باستغلال الوضع وتحويل الاحتجاجات الى احتجاجات سياسية، فيما بدأت أساساً رفضاً لتدمير رمز من رموز تاريخ المدينة، بذريعة التنمية السياحية.
بخلاف توعدات إردوغان، اعترف غول بتجاوزات كبيرة حصلت من قبل الشرطة، وأصر على أن المسألة تحل فقط بالحوار مع المتظاهرين، وعبر تفهم أسباب احتجاجهم.
إردوغان مزهواً بفتوحاته الاقتصادية ونجاحاته الانتخابية منذ 2002، يشعر بفائض قوة، وبالتالي يهدد ويتوعد ويهدد بملايين في الشارع في مقابل بضع مئات أو آلاف نزلوا امس أيضا الى الشارع، تماماً كما سعى إلى فرض الحظر التدريجي للخمور بعدما تمكن من تعديل الدستور الذي كان يمنع ارتداء الحجاب في الجامعات، والأخطر من ذلك تقييده الحريات العامة عبر زج الصحافيين المعارضين في السجون، وقد سجلت حكومته واحداً من اسؤء السجلات السوداء في تقييمات الحريات الصحافية لسنة  .2012
عبدالله غول، الأكثر تفهماً لنبض الشارع التركي والأهدأ، فهم أنه حتى وإن كانت نجاحات "العدالة والتنمية" فاقت التوقعات، فإنه في الديموقراطيات الحديثة، الجمهور يسأم من رؤية الحكام أنفسهم، ويلجأ الى التغيير، فكيف إن شعر هذا الجمهور أنه يفرض عليه المفاضلة بين الازدهار والحرية.
فيما كان أردوغان والبعض من طاقمه يراهن على أن الساحات سوف تفرغ من المعتصمين في أول يوم عمل، في يوم الإثنين 3 حزيران، بعدما قضوا عطلة نهاية الاسبوع في التظاهر والاعتصام، في اسطنبول وفي انقرة وغيرها من المدن الكبرى، فإن تكرار المشهد، مبدئياً، يوحي بأن الأمور قد تفلت من عقالها وتتسع إلى انتفاضة "حرية" تركية.
إن لم يتواضع إردوغان فإن عنجهيته قد تحيل كل نجاحاته الى هاوية فشل قد لا ينهض منها حزب "العدالة والتنمية". ويبقى بالتالي الرهان في تركيا، لمواصلة مسيرة من النجاح الاقتصادي واستثماره بتوسيع ساحات الحرية وليس خنق الساحات التي تحمل عبق ذاكرة شعبية مثل ساحة "تقسيم"، على أشخاص مثل عبدالله غول، وهم ليسوا أقلية في "العدالة والتنمية" على الرغم من شخصية إردوغان الطاغية والكريزمائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق