الجمعة، 22 يوليو 2011

بعض الفلسطينيين لم يغادروا حلقة النار

المستقبل - السبت 23 تموز 2011 - العدد 4064 - شؤون لبنانية - صفحة 7
أنيس محسن

بالأمس، نشرت لي مقالة في "المستقبل" تحت عنوان "حملة حماس على الأونروا: نقاط ضعف محلية ودولية"، وهي مناقشة هادئة للحملة التي تثار عبر الإعلام التقليدي والإلكتروني، من مواقع اخبارية ومواقع تواصل اجتماعي، على وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) ولا سيما على مديرها في لبنان السيد سلفاتوري لومباردو.
على الرغم من هدوء المقالة، لجهة عدم الدخول في قبول او رفض الإتهامات الموجهة الى "الأونروا" ولومباردو، والاكتفاء بمناقشة الاصطفافات الفلسطينية مع الحملة او ضدها، والاشارة الى ان المنظم الرئيسي هي حركة "حماس"، الأمر المعروف والذي لم ينفه مسؤولون في الحركة أمامي على الأقل، فإن تهجما وترهيبا وتهديدا وصلني عبر بريدي الإلكتروني من "الحملة الفلسطينية لإسقاط لومباردو"، تحت عنوان: "قل خيراً.. أو اصمت"، يتهمني بعدم الموضوعية واحتمال الإرتشاء واستهداف "حماس" بسبب "الخصومة السياسية الشديدة مع حماس، مع فكرها مع مبادئها" كما يزعم الرد/التهديد، وتنصح الحملة "بألا تحرق نفسك، وألا تدمر مستقبلك الصحفي، فأخطاؤك الصحفية كثرت، ونواياك غير الحسنة قد ظهرت". ثم تختم "الحملة" رسالتها التهديدية بـ"فقط نذكرك بواجباتك.. قيل قديما، قل خيرا أو اصمت".
في الواقع ليست المرة الأولى التي أهدد فيها بسلاسة أو فجاجة، عبر طرف ثالث، او عبر بريدي الإلكتروني كما حصل بالأمس.
كنت قد كتبت عن مسيرة 15 أيار (مايو) التي حققت نجاحا عظيما، ثم عن مسيرة 5 حزيران (يونيو) التي بانت سلبياتها اكثر من ايجابياتها، وتلقيت عتبا تهديديا عبر طرف ثالث، ثم كتبت عن مؤتمرات "فتح" وبلغني عتب مباشر من اصدقاء قدامى وتبرم من أشخاص لا اعرفهم، ونقل الي ايضا عتب على نشري ما حدث اخيرا في سفارة فلسطين من خلافات، وبقي الموضوع في اطار العتب المحمول والمقبول.
أما وقد بلغ الأمر حد التهديد والترهيب أخيرا، فإن ما لا يعرفه هؤلاء، أن الصحافة الحرة والصحافي الحر لا يهتم بالتهديد، ويكفي ان يعرف كارهو حرية الرأي أن في العام 2010 استشهد 57 صحافياً أثناء أدائهم لعملهم، وفي العام 2009 كان استشهد 76 صحافيا، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود"، فضلا عن المضايقات الجسدية والمعنوية والنفسية التي يتعرض لها عشرات الصحافيين في ارجاء العالم... ومسيرة الصحافة الحرة تواصلت على الرغم من كل ذلك.
ما لا بد من الإشارة اليه، أن بعض الفلسطينيين مصرون على البقاء ضمن حلقة النار، وحلقة النار لمن لا يعرفها، اذا علقت العقرب بداخلها تلدغ ذاتها وتموت، فيتصرفون وكأنهم حكام العصر، واذا ما واجهوا انتقادا يرفعون راية القضية الفلسطينية، وكأن القضية حكر على اشخاصهم او فصائلهم او احزابهم، فيما قضية فلسطين هي قضية كل فلسطيني وكل عربي وكل انسان على صلة بالمشاعر والاحاسيس الانسانية.
لكن يبدو أن البعض في الساحة الفلسطينية، غير مستعد بعد لهذا النوع من العمل الصحافي، ولا يزال هؤلاء، يصرون على عزل أنفسهم عن محيطهم، واعتبار أن أي نقد او كشف عن الحقائق "مؤامرة".
وبغض النظر عن العتب أو التأنيب والنصائح أو التهديد، فإن الحدث الفلسطيني خبر يُتناقل مثله مثل أي خبر آخر، ويفرض نفسه في الصحافة المهنية الاحترافية بلا اصطناع ولا تصنع، ومن دون أي اصطفافات هنا أو هناك.
ان رفض الرأي الآخر وزعم امتلاك الحق والحقيقة، هما حلقة النار تلك التي اكلت كثيراً من وهج القضية، فلماذا تصرون عليها، ولماذا تضيقون ذرعا بالرأي الآخر، الذي هو انما المرآة التي تعكس اعمالكم، فترونها وتعززون الإيجابي منها وتتخلصون من السلبي، اذا أردتم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق