الاثنين، 9 يناير 2012

السلطات العربية الجديدة والبداية الخاطئة فلسطينياً

المستقبل - الثلاثاء 10 كانون الثاني 2012 - العدد 4222 - شؤون عربية و دولية - صفحة १५

http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=५०३०२७

نيس محسن

في جانب من جوانب الصراع "السلطوي" الفلسطيني ـ العربي، منذ ما قبل النكبة، يمكن ملاحظة مسارين: أحدهما عربي يقلل من أهمية و/أو يخشى "الوطنية الفلسطينية" والآخر فلسطيني يعتبر أن الهيمنة السلطوية العربية على القرار الفلسطيني، أسهم في النكبة أولا ثم في إضعاف قدرة الثورة الفسطينية المعاصرة على تحقيق أهدافها.
كان المأمول من السلطات العربية الجديدة التي نشأت بعد "الربيع العربي"، أقله أن تقف محايدة وإن مالت الى طرف فلسطيني معين، لكن يبدو ان تلك السلطات بدأت بداية خاطئة، بأخذها أخيرا موقفا مع طرف ضد آخر، مباشرة أو مداورة، مثلما حصل خلال زيارة رئيس حكومة "حماس" المقالة في غزة، اسماعيل هنية، الى كل من مصر وتونس، وما زامنها من تصريحات في البلدين اللذين باشرا "الربيع العربي" واطلقا سلطات جديدة بدل القديمة المهترئة والفاسدة، واعلان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي عن وساطة "حمساوية" في الأزمة السورية من على منبر الجامعة وإلى جانبه رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل.
لطالما كانت السلطات العربية وراء انشقاقات كبرى في الساحة الفلسطينية، او عامل ضغط مالي أو سياسي على الفصائل الفلسطينية، بهدف الهيمنة على القرار الفسطيني و/أو النطق باسم الفلسطينيين حفاظا على مصلحة الأنظمة التي كانت قائمة، او التي لم تسقط بعد.
محاولات الهيمنة ومصادرة القرار لم تنشأ في واقع الحال بعد ازدهار الثورة الفلسطينية عقب هزيمة 1967، بل سبقتها إلى مرحلة ما بعد نكبة 1948 مباشرة، حين حوصرت أول محاولة فلسطينية لإنشاء كيان يحفظ الحق الفلسطيني عبر حكومة عموم فلسطين، برئاسة الحاج أمين الحسيني، في قطاع غزة في في 23 أيلول (سبتمبر) 1948، التي اتبعت بضم الأردن للضفة الغربية في العام 1958 إلى المملكة الأردنية رسميا، ثم وضع قطاع غزة تحت الإدارة العسكرية المصرية، ما قوض تلك المحاولة الفلسطينية، على الرغم من كل ما يمكن ان يساق من أخطاء بل خطايا اقترفتها القيادة الفسطينية في مرحلة النكبة، قبل قيام اسرائيل وعقبها مباشرة.
استعيض عن الكيانية الفلسطينية المستقلة بكيان تابع للنظام الرسمي العربي، وذلك بقرار إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر القمة العربي 1964 (القاهرة) الذي دعا إليه الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وفيما تمكنت حركة "فتح" بقيادة ياسر عرفات من السيطرة على المنظمة، باعتبارها الكيان المعترف به عربيا، ومحاولة تثويرها عبر محاولة إخراجها من نطاق الهيمنة العربية، والاستفادة منها دوليا عبر تكريس الإعتراف الدولي بها كيانا فلسطينيا مستقلا، فإن محاولات الهيمنة على القرار الفلسطيني استمرت، بل تصاعدت، وسط سلسة اخطاء استراتيجية وتكتيكية لقيادة الثورة الفسطينية بكل فصائلها: من الأردن ومحاولة فرض "سلطة فلسطينية ثورية" هناك، الى لبنان والدخول في تفاصيل الخلافات وانشاء سلطة موازية ليس لسلطة الدولة اللبنانية فقط، بل إضعاف القدرات السياسية للأحزاب اللبنانية نفسها، وصولا الى الخطيئة الكبرى بمساندة نظام صدام حسين في العراق خلال احتلاله الكويت، الأمر الذي احدث نكبة ثانية للفلسطينيين بتهجير مئات آلاف الفلسطينيين من الكويت بعد تحريرها.
ربما أحدث التدخلات العربية ماقبل "الربيع" كانت مساهمة نظامي حسني مبارك وبشار الأسد في مصر وسوريا في عدم تمكين الفلسطينيين من إنهاء حالة الإنقسام، بأخذ الأول جانب "فتح" والثاني جانب "حماس" بدل الضغط عليهما لتحقيق الوحدة، في وقت كانت القضية الفلسطينية تنزف بشدة، جراء عمليات الإستيطان الكثيفة في الضفة والقدس، والتأييد الأميركي والدعم المتواصل لكل ما تريده اسرائيل.
في مستهل "الربيع العربي" وقبل انتخابات تونس ومصر، سجلت حالة انتظار وابتعاد عن اخذ القرار لدى الحركتين المهيمنتين فلسطينيا وسبب الإنقسام: "فتح" و"حماس". فالأولى تنتظر ما سيفضي إليه الحراك في سوريا والثانية غير مستعجلة لأن كل الدلائل كانت تشير إلى وصول "الإخوان المسلمون" إلى السلطة في الدولتين.
بالفعل أفضت الإنتخابات الى فوز لا غبار عليه للإسلاميين في الدولتين، وربما في أي دولة عربية اخرى ستجري فيها انتخابات حرة، لأسباب كثيرة هذا المقال غير معني بتحليلها. لكن ما ان اعيد تشكيل السلطة في تونس، واستراح "الاخوان" لوضعهم تماما في مصر، حتى ظهرت إرادة تدخل سافر في الملف الفسطيني.
في مصر، اعتبر المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين" محمد بديع، خلال استقباله اسماعيل هنية، في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أن "حماس" انموذج لتنظيم "الإخوان" وتأكيد الثاني ان حركته جزءا لا يتجزأ من "الإخوان" وأنه ذراع التنظيم العسكرية. وكانت تصريحات بديع حول اقتراب الجماعة من إقامة خلافة إسلامية أثارت قبلا سجالاً كبيراً، وخاصة حول طبيعة الدولة التي تنوي الجماعة إشادتَها بعدما حققت أكبر نسبةٍ من المقاعد في مجلس الشعب المصري الجديد.
ويبدو أنه وتبعا للهيمنة "الإسلاموية" على المسار السياسي في مصر، عبر اختيار مباشر من قبل الشعب وغير مشكوك فيها، اعطى الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، من حيث أراد أو لم يرد، شرعية السلطة فلسطينيا لـ"حماس" عبر اعلانه والى جانبه مشعل مطلع الشهر الجاري عن الوساطة "الحمساوية" في الأزمة السورية، بخروج واضح على قرار فلسطيني رسمي وشعبي، بعدم التدخل بما يحصل عربيا، والإكتفاء بتأييد ما تريده الشعوب العربية.
في تونس، كان الوضع اكثر بروزا، حيث استقبل هنية رسميا، من دون ابلاغ الحكومة التونسية ولا وزارة الخارجية ولا حزب النهضة السفارة الفلسطينية في تونس بمواعيد وبرنامج زيارة هنية، ورد وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية سمير ديلو، على الانتقادات التونسية والفلسطينية لمراسم استقبال هنية، بقوله: "إننا نعتبر حكومة حماس حكومة شرعية، منتخبة انتخابا شرعياً".
وكأن السلطات العربية الجديدة، تنتهج ذات السياسة لسابقاتها، من دون اخذ رأي الفلسطينيين انفسهم.
ما كان أحد ليعتبر ما جرى في تونس ومصر تدخلا لو أن انتخابات نزيهة جرت اخيرا وعززت "حماس" عبرها سلطتها وتمكنت من قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
الى الان منظمة التحرير تعتبر هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وقيادة المنظمة شبه جماعية، وإن كانت "فتح" المهيمنة فيها، ووفق اتفاق القاهرة يجب ان تجري عملية اصلاح في المنظمة تضمن وجود "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في المنظمة قبل اجراء انتخابات حرة، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة الفلسطينية، التي هي رئاسية الطابع، ومن يقرر فيها الرئيس المنتخب وليس البرلمان، وفي حالتها الراهنة فإن السلطة كاملة لمحمود عباس وليس لـ"حماس" أو أي من قياداتها، وبالتالي لا يحق لأي طرف اعطاء الشرعية لغير المنظمة أو رئاسة السلطة.
كان الأجدى، أن تدفع السطات العربية الجديدة طرفي النزاع الداخلي الفلسطيني الى تحقيق المصالحة وتطبيق اتفاق القاهرة بحذافيره، وإعادة بناء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، ومن ثم التعامل مع اي سلطة تنبثق عن إعادة البناء، وليس اخذ جانب "حماس" كقيادة شرعية ورسمية، وهو تصرف أسفر الى الان عن صب زيت على نار الخلافات ويبدو انه سيطيح باتفاق إنهاء الانقسام الفلسطيني، في وقت تتسارع الخطى الإسرائيلية نحو فرض امر واقع جديد لا يسمح بإنشاء أي كيان فلسطيني مستقل مستقبلا.

ما يجدر بالسلطات العربية الحديثة التنبه الى ان الفلسطينيين ميالون دائما الى الاستقلالية، ويرفضون أي نوع من انواع التطويع والاستخدام، وبالتالي فإن اخذها بيد "حماس" بهذه الطريقة، قد يطيح الحركة "الإخوانية" في الانتخابات الفلسطينية المقبلة.. اذا اتيح لها ان تجري اصلا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق