الاثنين، 10 يناير 2011

الاستخدام الفصائلي لمصطلح

"الجمعيات الأهلية" و"هيئات المجتمع المدني"
المستقبل - الاحد 9 كانون الثاني 2011 - العدد 3877 - نوافذ - صفحة 12

http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?storyid=448005
المستقبل - الاحد 9 كانون الثاني 2011 - العدد 3877 - نوافذ - صفحة 12



أنيس محسن
في 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، دعت "منظمة ثابت لحق العودة"، وهي من التشكيلات "الأهلية" لحركة "حماس"، منظمات المجتمع المدني الفلسطيني وممثلين عن الفصائل ومهتمين واكاديميين.. الخ، لجلسة نقاش بمناسبة مرور 4 سنوات على تأسيس "ثابت" تحت عنوان: "الجمعيات الأهلية الفلسطينية في لبنان ودورها في دعم القضايا المدنية للاجئين وتحصين حق العودة".
استغرق الأمر قرابة نصف ساعة، هو الوقت المخصص للجلسة الإفتتاحية التي القى كلمات خلالها كل من مدير عام "ثابت" علي هويدي والمدير العام للأونروا في لبنان سلفاتوري لومباردو ورئيسة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مايا مجذوب وراعي حلقة النقاش الوزير وائل أبو فاعور. وقد تبيّن للمدعوين أن لا جلسة نقاش، إنما عرض إنجازات لـ"ثابت" و"واجب" و"مجلس العلاقات الفلسطينية الأوروبية"، وكلها تابعة لـ"حماس"، التي سعت إلى إظهار أن كل ما سبق العام 2006، أي تاريخ تأسيس الهيئات الثلاث، كان صفرا وأن تاريخ العمل الشعبي الفلسطيني بدأ مع "حماس" وتشكيلاتها "الأهلية"، الأمر الذي أوجد امتعاضا بين المشاركين وتوترا في أجواء الجلسة النقاشية.
بكل الأحوال، وفي نقاش عنوان حلقة النقاش: "الجمعيات الأهلية الفلسطينية في لبنان ودورها في دعم القضايا المدنية للاجئين وتحصين حق العودة"، يبدو واضحا الزج النفعي الذاتي لمصطلحين، هما أداتان وليستا مفهومين: "المجتمع الأهلي" من جهة و"المجتمع المدني" من جهة أخرى.
فمصطلحات هيئات "مجتمع مدني" أم "هيئات مجتمع أهلي" له علاقة بالبعد الأيديولوجي السياسي، على الطريقة الفلسطينية.
وللخروج من عملية تطويع المصطلحات على أساس استخدامي مصلحي حزبي ضيق، يضع تلك التشكيلات في صدام تناحري، يتوجب القيام بنقاش أكاديمي للمصطلحين، وبالتالي تفكيكهما تسهيلا للوصول الى اعادة الصهر في إطار التناقض ضمن الوحدة، والسماح للطاقات المجتمعية الكامنة بالانطلاق خدمة لمشروع وطني واحد جامع، هو المشروع الوطني الفلسطيني:
1 "المجتمع الأهلي": من العنوان يستقى المضمون: الروابط تعتمد على العلاقات العائلية والعشائرية والجهوية. وسائل الإنتاج ريفية صغيرة، بالتالي هو تعبير ما قبل حداثي، وسياسيا يرتبط "المجتمع الأهلي" بالنسق السياسي السلطوي التقليدي من حيث المفاهيم.
2 "المجتمع المدني": تعبير عصري مرتبط بتطور المجتمعات في الغرب الصناعي وينزع نحو الانفصال عن السلطة السياسية المباشرة. لا تعتمد هيئات المجتمع المدني (الـNGOs)، أو المفروض أن لا تعتمد، على الانتماءات العائلية والعشائرية والجهوية، بل على تقاطع المصالح داخل المجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية، وهي وحدة متكاملة، كما يرى المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، وهو أول من استخدم مصطلح "المجتمع المدني": وتشكيلات المجتمع المدني كما يراها غرامشي هي الحزب السياسي والنقابة والجمعيات الخيرية وذات المنفعة العامة كلها تمثل المجتمع المدني، ولكل دوره في العملية السياسية الاجتماعية الاقتصادية العامة.
أساسا الحديث، أو النقاش، أو الخلاف يدور هنا حول "المجتمع المدني"، كأداة تعزز استخدامها فلسطينيا خصوصا بعد العام 1982، نتيجة لغياب او ضعف السلطة السياسية الفصائلية وتاليا تلاشي الهيئات النقابية المرتبطة بها كما يقول البعض، أو جراء محاولة استغلال الدول الغربية الفراغ في الوضع الفلسطيني الشعبي مع ضعف تأثير الفصائل كما يرى بعض آخر.
يجب الإعتراف، نظريا، بأننا اقرب الى "المجتمع الأهلي" كوننا لا نزال مفهوميا، في السياق الاجتماعي، محكومين بالعلاقات الأبوية المعتمدة اساسا على النسق العائلي العشائري الجهوي.
لكن الإعتراف هذا الذي قد يرضي البعض ولا يرضي البعض الآخر، يبقى مبتسرا ما لم نتابع الاعترافات:
ان علاقات ما قبل الحداثة تصطدم بعنف، وداخل مجتمعاتنا في الشرق العربي، وخصوصا فلسطينيا، مع التطور العالمي الحاصل. ان علاقاتنا الإجتماعية، المبني على اساسها مصطلح الهيئات الأهلية، تتواجه وتتصارع داخل كل فرد وكل جماعة ومجتمع، مع التقدم العلمي والتكنولوجي والإجتماعي المنقول اكثر واكثر عبر ثورة العولمة، ومع الأشكال الإجتماعية المتوالدة في الدول المتقدمة عن هذا التقدم، وهي ما يعبر عنها المفكر الأميركي ألفين توفلر بفكرة تصادم موجات التطور، وهي ثلاث الى الآن، طبعا وفق توفلر: الموجة الأولى المتأتية عن الانتقال من مجتمع الرعي الى الزراعي والثانية من المجتمع الزراعي الى الصناعي، والآن من المجتمع الصناعي الى "مجتمع الإعلام والمعلوماتية"، وما يتأتى منها من متغيرات مجتمعية. والصدام هذا ليس فقط صداما لحظيا، انما قد يستمر في كل المراحل ويتداخل، وفي حالتنا، فإننا نعيش حالة تصادم بين تداعيات الموجات الثلاث في آن واحد.
في التجربة الفلسطينية، وعودة الى النقاش حول "الأهلي" و"المدني"، فإن الأول مرتبط بالفصائل، التي تعتمد اساسا على البعد البترياركي او ما قبل الحداثي في العملية السياسية على المستوى القيادي، اي الشكل الأبوي، ولذلك فإن الأسهل لها التعامل مع هيئات "أهلية" ضمن هذا النسق المستقر على التعامل مع هيئات "مدنية" يجب الا تكون معتمدة على النسقية تلك المرتبطة بالعائلية والعشائرية والجهوية.
إن خلق صراع افقي فلسطيني: "هيئات أهلية" و"هيئات مدنية"، يعزز التناحر العمودي السياسي بين الفصائل بعضها مع بعض، فيما المطلوب توحيد كل الجهود في اطار المشروع الوطني الفلسطيني العام، عبر تعزيز ثقافة المقاومة، وعندما نتحدث عن ثقافة هنا، لا بد من التأكيد ان الجمود لا يولد ثقافة، انما تتولد الثقافة من دينامية مجتمعية تكون طاقات المجتمع فيها متحررة من التحكم والسيطرة بالمفهوم الأيديولوجي او الفصائلي الضيق، الى رحاب المجتمع المدني الديناميكي بكل أدواته: السياسية كفصائل والمدنية كهيئات أهلية او NGOs.
[المقالة جزء من مداخلة كانت أعدت لمصلحة "المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان" (حقوق) لتقديمها خلال جلسة نقاش "منظمة ثابت"، لكن تحول جلسة النقاش عن عنوانها حال دون تقديمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق