السبت، 31 أغسطس 2013

ما نريده من أوباما لأنفسنا وما يريده أوباما لنفسه!!

أنيس محسن

يسري إحباط عارم من تصرفات الرئيس الأميركي باراك أوباما ـــ الشرق أوسطية ـــ لدى مثقفين وإعلاميين ومواطنين عرب مناهضون للنظام الأسدي في سوريا ولـ"الممانعين" العرب وغير العرب، واستطرادا لسياسات إيران الصلفة إزاء الوضع العربي، وتدخلها السافر في التفاصيل الوطنية بل الحزبية الضيقة في الدول العربية، إلى درجة أن بعض "المقاومين" المستفيدين من دعمها تبرموا مرّة من أن طهران عندما تقدم المال تختار من تعطيه له من داخل تلك الأحزاب، وأنها تفضل دائما تمويل الأجهزة العسكرية لتلك الأحزاب مباشرة وليس عبر القيادة السياسية، ومن خارج دوائر وإدارات المحاسبة المالية لتلك الأحزاب والأطراف.
مرد الإحباط لدى هذه الفئة ـــ المحبطة أساساً من كل الأنظمة التي مرّت على الحكم في المنطقة، سواء بلون "ماركسي" أو "قومجي" أو "إسلاموي" ـــ هو "التفكير الرغبي" wishful thinking بتغيير سهل وسريع يقوده "فارس على حصان أبيض"، تماما كما ترغب فتاة حالمة بفتى أحلامها. ومَنْ سوى قائد أقوى دولة ـــ باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية هو "فارس الحصان الأبيض" الذي نناشده لتخليصنا من أنظمة قمعية بمضمون واحد وقشور تختلف ألوانها فقط؟
وراء التفكير الرغبي هذا سببان جوهرهما ببيئة المنطقة وثقافتها: الأول، كوننا أبناء منطقة حارّة تجعلنا ميالين إلى الحركة السريعة والتفكير السريع الى حد التسرع وبالتالي عدم القدرة على الصبر، وبالتالي استجداء التغيير عندنا حتى من الآخر البعيد ما دام التغيير يحتاج وقتاً؛ الثاني ثقافي، متأت من ثقافة الإتكال (على الله أو الحاكم أو الوالد أو الأخ الأكبر... الخ) وبالتالي فإن التغيير لدينا مرهون / ثقافياً / باتكالنا على غير أنفسنا بالتغيير.
في سياق مساعي التغيير، لطالما اتكل مثقفو العرب على الخارج: في الأفكار أو الوسائل. فلجأوا إلى استجلاب الفكر "القومي الوطني" الأوروبي و"الاشتراكي العملي" من المنبع ذاته ممزوجاً بالإرث الإسلامي المتأصل منذ أن نشأت الدولة الإسلامية ونجحت في التوسع وصولاً إلى بناء امبراطوريات، وغيرت بالتالي طبيعة تفكير شعوب المنطقة وثقافتها. فكان الإرث الثقافي الإسلامي يتحول "قوميا" عندما يفشل التغيير عبر "الأسلمة" ويصبح "اشتراكياً علمياً" حين تفشل "القومية" ويعود لـ"الإسلام هو الحل" عندما يفشل "القومي الوطني" و"الاشتراكي العلمي"، في دائرة تكاد تكون أزلية وإلى الأبد؛ أما في وسائل التغيير فكان اللجوء إلى الآخر شرقاً أو غرباً والتحالف معه للتغلب على الشقيق أو ابن العم أو الجار، منذ أن لجأ امرؤ القيس إلى قيصر ليطالب "ملكاً" خسره بسبب مجونه إلى درجة أنه وجد في ذلك عذراً مقبولاً فقال "بكى صَاحِبي لمّا رأى الدَّرْبَ دُونه .. وأيقنَ أنّا لاحقانِ بقصيرا ـــ فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا .. نحاوِلُ مُلْكاً أوْ نُموتَ فَنُعْذَرَا". وليس انتهاء بتولي "شيعة العراق" الحكم انتزاعا من "صدام حسين السني" على صهوة الدبابة الأميركية ولا بتحالف الإخوان المسلمين في مصر مع أميركا والغرب لانتزاع ثمرة ثورة التحقوا بها وأرادوا منها السلطة فقط.
في الغرب، الذي يستغيث العرب به، دامت عملية التغيير قروناً وتدرج المجتمع هناك في تطوره وأطواره من "الهمجية" إلى "الإقطاعية" فـ"البرجوازية" ثم "الإمبريالية" بوجهيها "الرأسمالي" و"الإشتراكي"، وصولاً إلى زمن التكنولوجيا الفائقة التطور وما تستولده من تغيير في المفاهيم الثقافية للمجتمع بكل مستوياته. لقد تلوّن التغيير في الغرب بأنهر من الدم وأكوام من الرؤوس المقطوعة، وتلال من رماد "المشعوذين" المقتولين حرقاً. قال ديبلوماسي غربي في جلسة خاصة، إن البيئة الباردة في الغرب كئيبة لكن إنسان تلك البيئة إذ يتحرك ببطء فإنه لا يستعجل الأمور كثيراً؛ وقال دبلوماسي آخر إن مؤيدي ما يطلق عليه "الربيع العربي" يخطئون عندما يتمنون أن تثمر قبل أوانها أو أن يأكلوا ثمارها قبل أن تنضج؛ ففي الدنمارك احتاجت المرأة 60 سنة لمجرد أن يُسمح لها بالمشاركة في التصويت وليس الترشح للانتخابات؛ وفي فرنسا احتاج الأمر أكثر من 60 سنة بعد كومونة باريس ليصبح البلد جمهورية؛ وفي الولايات المتحدة كانت مجزرة ضد السكان الأصليين، وحرب استقلال ضد بريطانيا، وحروبا أهلية طاحنة قبل أن تصبح ما هي عليه الآن.
وفقا للسببين أعلاه، رغب مؤيدو "الربيع العربي" تغييراً فورياً بعد سقوط مبارك وبن علي، وارتعبوا من "ممانعة" القذافي وعلي عبدالله صالح، وسادهم ضياعاً وإحباطاً ما بعده إحباط بسبب "صمود" بشار الأسد في وجه إرادة التغيير. مريدو التغيير الفوري استنجدوا بالغرب للخروج من الورطة؛ ومريدو الإبقاء على ما هو قائم، استنجوا بالشرق للغاية نفسها.
في سوريا، حيث الواقع الأكثر بشاعة، بات "الربيع العربي" منطقة صراع دولي / إقليمي. طرف يشد أزره بروسيا وإيران وتوابعهما؛ وجزء يندب حظه بسبب تكؤ الغرب عن النجدة. الطرفان يعلمان أن المُستَنْجد بهم لهم غاياتهم ومصالحهم في تكثيف الدعم أو تقنينه، لكنها يواصلان الاستجداء.
"الأسديون" محظوظون كون منجديهم يكثفون الدعم لهم ـــ والخاسر هنا هم السوريون الذين يتساقطون يومياً على مذبح مصالح روسيا وإيران. مناهضو "الأسدية" غير محظوظين لأن من استنجدوا بهم يقننون الدعم، بل يمنعونه ـــ والخاسر هنا هم السوريون الذين يتساقطون يومياً على مذبح مصالح أوروبا وأميركا.
في النقاشات الدائرة في الشارع، لدى اللّا"أسديين"، كيل للشتائم لأوباما "الضعيف" و"العاجز". هؤلاء يريدون أن يكون "باراك حسين أوباما" مثل الصديق "جورج بوش الإبن"، ويسرع إلى توجيه ضربة حاسمة مرّة وإلى الأبد ضد بشار الأسد ونظامه، كما وجه بوش ضربة حاسمة إلى طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق، وبالتالي يعيش البلد "في ثبات ونبات ويخلف صبيان وبنات". أميركا واحدة لكن أوباما ليس بوش. وعد أوباما الانتخابي كان الانسحاب من العراق وافغانستان والتوقف عن تورط مباشر كلف الولايات المتحدة خسائر بتريلويونات الدولارات ولم ينتج مقابلاً يستأهل تلك التكلفة العالية. وقد أوفى أوباما بوعده في العراق ويوفي بوعده في أفغانستان، وأولا وأخيراً يخرج من المنطلق "التكساسي" لبوش، ويضع قراره الأخير بعد أن يشبع المسألة درسا في مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية.
قال باراك أوباما بعد أن ترأس اجتماعاً لفريق الأمن القومي في إدارته في 30 آب / أغسطس، إن مجزرة السلاح الكيميائي التي ارتكبها نظام الأسد في غوطتي دمشق وخلفت "1429 قتيلاً بينهم 426 طفلاً"، أمر "يهدد مصالح أمننا القومي"، وأن الأسلحة الكيميائية تمثل خطراً "على حلفائنا في المنطقة مثل إسرائيل وتركيا والأردن".
إذن، هي مصالح الولايات المتحدة، أولاً وأخيراً، كان الأمر كذلك مع جورج دبليو بوش وهو ذاته مع باراك حسين أوباما، وبالتالي من مصلحة أميركا وأمنها القومي، الدفاع عن حلفائها (إسرائيل والأردن وتركيا)، مثلما كان من مصلحة الولايات المتحدة إزالة حكم طالبان في أفغانستان حتو ولو كان البديل حكم القبائل من خلال "اللويا جيرغا"المتخلفة، وحكم صدام حسين في العراق وإن كان البديل "حكم الطائفة الشيعية الأكثرية متحالفة مع إيران".
الفارق بين إدارتين أميركيتين، هو الأسلوب. إذ فيما كان أسلوب بوش "تكساسياً" فإن منطق أوباما مؤسساتياً: إن مراجعة لما حققه أسلوب أوباما يعطي صورة مغايرة تماماً للسائد بين محبي واشنطن أو مريدي تدخلها في المنطقة؛ فأوباما ليس ضعيفاً ولا عاجزاً. لقد تمكن في فترة حكمه الأولى من تصفية أسامة بن لادن ومعظم قادة الصف الأول في تنظيم "القاعدة" وشتتهم وهو يلاحقهم في كل مكان مستخدما الطائرات من دون طيار، بتكلفة مالية وبشرية أقل كثيراً على الولايات المتحدة وأكثر كثيراً من حيث الإنجازات. وبالعودة إلى مبدأ الاحتواء المزدوج "الـ كلنتوني" تمكن من حشر إيران في زاوية عوز اقتصادي يكاد يطيح بها ما لم تتدارك الأمر، ويبدو ان طهران بدأت تداركه عبر السماح لحسن روحاني بتبوء منصب الرئاسة والبوح صراحة بأن إدارته تريد مصالحة مع الخارج وخصوصاً مع أميركا.
إن منطق الأمور يقود إلى أن نفكّر حين نتحدث عمّا نريد من أوباما لأنفسنا، أن نسأل عمّا يريده أوباما لنفسه. والقصد هنا التوقف عن التفكير الرغبي، وبالتالي التأني وأخذ الأمور نحو منطق المصالح، عبر مزاوجة بين مصالح الآخر الذي نريده أن يساعدنا وبين مصالحنا نحن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق