الاثنين، 16 أبريل 2012

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان (4)

"فتح" و"حماس": توافقٌ على تحليل التجربة واختلاف على الخلاصات

المستقبل - الثلاثاء 17 نيسان 2012 - العدد 4315 - ملف - صفحة 5

أنيس محسن

لم تكن تسمية منطقة العرقوب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بـ"فتح لاند" من فراغ. فحركة "فتح" هي أول الواصلين بالسلاح الى لبنان وخصوصا الى تلك المنطقة.
ولأن "فتح" هي كبرى الفصائل الفلسطينية، وتشبه كثيرا المجتمع الفلسطيني في تركيبته، كونها حركة وطنية وليست حزبا، ولأنها تعتبر الأم والشقيقة الكبرى، والمؤسسة الجامعة، والممثلة للجميع، فإن دورها في أي حدث فلسطيني لا بد أن يكون بقدر حجمها ومسؤوليتها.
لم تتحمل "فتح" فقط وزر الحرب الأهلية في لبنان والمشاركة الفلسطينية فيها. بل سعت جاهدة عبر قيادتها الأولى، وعبر زعيمها ياسر عرفات (أبو عمار) لعدم اندلاع الحرب. لكن الحرب اندلعت لتحرف البندقية التي كانت متمركزة في "فتح لاند" نحو بيروت، وتصعد جبلا باتجاه المناطق المسيحية، فترتاح اسرائيل، وتخسر القضية الفلسطينية ولبنان.
ربما شعورها بأنها الأكبر، دفع عضو لجنتها المركزية وممثل منظمة التحرير في لبنان السفير عباس زكي في العام 2008 الى الاعتذار للبنانيين عبر "وثيقة فلسطين في لبنان"، فتُنتقد على اعتذارها كما انتُقدت خلال لقاءات قادتها مع القادة المسيحيين في الستينيات والسبعينيات.
أما "حماس" التي تزاحم "فتح" حاليا على قيادة الشعب الفلسطيني وتشاركها الانقسام الحاصل جغرافيا بين غزة والضفة، وسياسيا عبر نهجين فكريين وسياسيين مختلفين، فإنها لم تكن قد تأسست عند اندلاع الحرب في لبنان، لكن ذلك لا يعفيها، على الأقل من تبعات تلك الحرب التي لا تزال قائمة. ولذلك فقد كان لها موقفها من الملف الفلسطيني في لبنان، لجهة انتقاد تورط منظمة التحرير في الحرب واصطفافها مع طرف ضد آخر.
في حلقة اليوم، شهادات لكل من عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" ومسؤولها في لبنان فتحي أبو العردات، ومسؤول حركة "حماس" في لبنان علي بركة.

"فتح": ما جرى حرف البندقية الفلسطينية عن اتجاهها
"حماس": الفلسطينيون خسروا الدعم اللبناني بسبب التجاوزات

قد لا تكون المقارنة سهلة بين تجربتي "فتح" و"حماس" في لبنان، فالأولى شاركت كل تفاصيل التجربة الفلسطينية في لبنان، بل كانت واحدة من الآليات التي سارت الحرب على دروبها، والثانية حديثة العهد ولم تشارك في حرب "الاخوة الأعداء" في لبنان، تتوافقان في تحليل التجربة، لكنهما تختلفان في الاستخلاصات.
الخلاصة الأولية هذه، تصح في حال النظر الى الحركتين ككيانين، لكن اذا ما نظر الى الامر من منظار ان اشخاص الحركتين هم من النسيج الفلسطيني في لبنان، تستقيم المقارنة وتكون في مكانها، خصوصا ان قياديي "حماس" في لبنان لم يكونوا بمنأى عن السياسة الداخلية في هذا البلد، وكانوا في غالبيتهم قبل تأسيس فرع الحركة في لبنان في مطلع تسعينيات القرن الماضي، اعضاء في تنظيم "الجماعة الإسلامية" في لبنان، والذين نشطوا في المخيمات والتجمعات الفلسطينية من خلال الجماعة في سبعينيات وثمانييات القرن الماضي.
بصرف النظر عمّا سبق، لـ"فتح" تقييمها لأسباب ونتائج الحرب الأهلية، التي ترى ان "مساحة التصادم" كانت اكبر من محاولات الحل وبالتالي استحال عليها رغم كل المحاولات عدم التورط في تلك الحرب، فيما تعتبر "حماس" التي تؤكد انها اجرت تحليلا للحرب الاهلية في لبنان ولدور الفلسطينيين فيها، رغم عدم مشاركتها، وخلصت الى انه كان بالإمكان النأي بالنفس وعدم الوقوع في الفخ، محملة "منظمة التحرير" خطأ الوقوف الى جانب فئة من الشعب اللبناني ضد فئة اخرى، وبالتالي نأت بنفسها عن التجاذبات اللبنانية التي برزت بحدة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ففيما هي حركة مقاومة وتربطها علاقة مميزة بـ"حزب الله" كحركة مقاومة ايضا، الا ان علاقتها بتيار "المستقبل" هي مميزة بدورها، وانها تعمد الى الالتقاء بكل الاحزاب والقوى اللبنانية من دون استثناء.
"فتح"، درست التجربة أيضا، وتعتبر انها كانت المبادِرة في كل مفاصل عمر الثورة الفلسطينية من اطلاق الكفاح المسلح الى اطلاق العملية التفاوضية مع اسرائيل. وفي لبنان، كانت المبادرة في الاتصالات مع الاحزاب المسيحية في عز الأزمة والتوترات قبل وخلال الحرب الاهلية، وبعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، وصولا الى الوقت الحاضر حيث بادرت الى لقاء كل الاحزاب والقوى المسيحية بلا استثناء، واعلنت عبر عضو لجنتها المركزية وممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي في العام 2008، وثيقة اعلان فلسطين في لبنان من بيت "الكتائب" المركزي في الصيفي.
وبصرف النظر عن التنافس بين الحركتين، فإن توافقهما على عدم التورط في التجاذبات الداخلية اللبنانية يعتبر اساسيا في عدم الانزلاق الى اي مغامرة سلبية في لبنان.

[أبو العردات: رقعة التصادم أكبر من مساحة الحل
"فتح" التنظيم الأكبر متهمة دائما ومطالبة بالفعل وتلقى عليها اللائمة، وكونها التنظيم الفلسطيني الاكبر والاكثر حضورا، تحملت بقدر أكبر مسؤولية في الحرب الأهلية في لبنان، رغم انها حاورت القيادات المسيحية قبل انفجار الأزمة سنة 1975 لتلافي ما حدث، وواصلت اللقاءات خلال الحرب وبعدها، وبادرت في العام 2008 عبر وثيقة "اعلان فلسطين" الى الاعتذار عما يمكن ان تكون اساءت به منظمة التحرير الفلسطينية للبنانيين. اما الجواب على سؤال لماذا لم تفلح كل المساعي من طرفي الحرب الأساسيين: "فتح" و"الكتائب"، لمنع الانفجار، فهو، وفق مسؤول حركة "فتح" في لبنان وامين سر فصائل منظمة التحرير فتحي أبو العردات، فإن "مساحة التصادم تغلبت على محاولات الحل".
يقول: "فتح تأخذ بصدرها الاحداث والنتائج على الرغم من تعدد الفصائل الفلسطينية، وفي لبنان فعلت كذلك، فبادرت بالاتصالات السياسية حتى قبل الوجود المسلح في لبنان، سواء مع الجانب الرسمي اللبناني او مع القوى والاحزاب على مختلف انتماءاتها، وهذا طبيعي لأن حركة فتح هي حركة الشعب الفلسطيني وليست هي حركة في الشعب الفلسطيني".
ويشير ابو العردات الى انه "بعد نكبة 1948 عانى الشعب الفلسطيني الأمرين سواء في الداخل او من تم تهجيرهم الى دول الجوار، رغم استقبالهم من قبل شعوب وحكومات تلك الدول بالترحاب. اذ ان الفلسطينيين عاشوا خارج وطنهم حياة بؤس وحرمان وذل، في بيوت كانت من الخيم او من الصفيح، ثم جرت عدة محاولات عبر مشاريع مشبوهة لتشتيته وتذويب شخصيته الوطنية، وقمع وكبت ومنع من التعبير عن رأيه السياسي وموقفه الوطني. وهي عملية كانت مبرمجة. لكن كل هذه الضغوط لم تفلح في تيئيس الشعب الفلسطيني الذي نهض رغم كل ذلك، وهنا كانت انطلاقة فتح معبرة عن اماني واحلام وهواجس وارادة الفلسطينيين".
ويتابع: "انطلاقة فتح في 1965 جعلت الشباب الفلسطيني يسعى للانخراط بها لأنها مثلته كحركة وطنية فلسطينية بعدما كانوا ينخرطون في احزاب عربية قومية ويسارية التي كانت تركز على القضية الفلسطينية، فبدأت مرحلة جديدة بات الانسان الفلسطيني يعي انه رأس الحربة في معركة الأمة العربية لتحرير فلسطين".
ويؤكد ان "الوجود الفلسطيني في لبنان لا يستثنى من ذلك التطور، فكانت المخيمات بوضعها المزري وكان التضييق الذي منعه من العمل الوطني، ثم بعد هزيمة 1967 انخرط في الثورة الفلسطينية، وبدأ العمل المسلح ينمو شيئا فشيئا من الحدود اللبنانية اسوة بما كان يحصل من الحدود الاردنية وداخل الضفة وغزة وحتى عبر الحدود السورية. ثم تطور هذا الوجود المسلح وانتشر خصوصا في جنوب لبنان حيث الجبهة المواجهة لإسرائيل. وكرست اتفاقية القاهرة بأن يتمدد الوجود المسلح والعلني الى المخيمات الفلسطينية، وهو ما وتّر العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية، وبدأت تحدث اشتباكات مع الجيش اللبناني، علما ان العمل الفدائي كان مدعوما في حينه من قبل غالبية الشعب اللبناني واحزابه السياسية، وصولا الى حادثة "بوسطة عين الرمانة" التي كانت شرارة إشعال الحرب الاهلية في لبنان في العام 1975".
[تورّطٌ أم توريط في الحرب؟
يعتبر فتحي ابو العردات ان الفلسطينيين تورطوا في الحرب الاهلية في لبنان: "نعتبر ان الفلسطينيين جرى توريطهم في الحرب تلك، وان ما جرى كان جزءا اساسيا من مشروع (وزير الخارجية الأميركي السابق هنري) كيسنجر، الذي كان يهدف الى انهاك الثورة الفلسطينية وانهاك لبنان، مع التأكيد ان المناخات التي كانت سائدة محليا، فلسطينيا ولبنانيا، ساعدت في اندلاع الحرب الاهلية".
لكن العمل المسلح لم يكن مقبولا من نصف اللبنانيين، وكان بالضرورة ان يصطدم بالقوى الأمنية اللبنانية، واتفاق القاهرة كما طبق جعل السيادة اللبنانية منقوصة، وأثّر سلبا على ما يعرف بـ"الصيغة اللبنانية"، بصرف النظر عن موقفهم الإيجابي قبل ذلك من القضية الفلسطينية. كانت في تلك الفترة الصلات قائمة بين قيادة فتح والسلطة اللبنانية وبينها وبين الاحزاب المسيحية وخصوصا حزب الكتائب، فلم يستشعر الفلسطينيون هذا الخطر الكبير في حينه، على نحو كاف على الأقل.
في هذا السياق يشير ابو العردات الى انه "دائما هناك تصادم بين منطق الثورة ومنطق الدولة، لكن ممكن ان يكون هناك تعاون وتكامل ايضا بين المنطقين، للأسف كانت مساحة التعارض والتصادم اكبر، رغم ان كل اللبنانيين يمينا ويسارا كانوا يتشاركون مع الفلسطينيين على اعتبار ان اسرائيل هي الخطر وهي العدو، خصوصا مع ادراك الجميع لأطماعها في أرض لبنان ومياهه. لكن كل ذلك وكل الاتصالات التي كانت تؤكد حرصنا وحرص الرسميين والحزبيين في لبنان لم تتمكن من منع حدوث الحرب. وحتى بعد انفجار الحرب حرصنا على ابقاء الاتصالات مع الجميع أملا بوقفها او عملا على هدنة هنا او هناك، حيث كنا نعتبر ولا نزال، انها حرب انهكت الثورة الفلسطينية، وكان يراد لها القضاء على لبنان الذي كنا نعتبره ولا زلنا منارة في الشرق ونموذجا، ولذلك كانت تجري اتصالات على اعلى المستويات وفي مقدمها بين ياسر عرفات وبيار الجميل، سواء زيارات ابو عمار الى منزل الجميل او مشاركة بيار الجميل في تشييع القادة الثلاثة: كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار الذين اغتالهم كوماندوس اسرائيلي في منطقة فردان في بيروت" عام 1973.
[صورتان لمشهد واحد
ترتسم صورتان في سياق مراجعة التجربة الفلسطينية في لبنان: صورة استقبال كل اللبنانيين موكب جنازة اول شهيد لبناني في المقاومة الفلسطينية خليل عزالدين الجمل القادم من الأردن، الذي نثر الارزّ فوق جثمانه عند مفترق بلدة الكحالة وقرعت اجراس الكنائس، وفي المقابل الصدام مع الثورة الفلسطينية. يقول ابو العردات: "نحن نعرف ان معظم_ ان لم نقل كل اللبنانيين_ يؤيدون القضية الفسطينية، وفي الحقيقة صورة استقبال جثمان الشهيد خليل عزالدين الجمل بقرع اجراس الكنائس والتكبير من المساجد يترك اكبر الأثر فينا، ولطالما سعينا ان نكون مع كل اللبنانيين الذين كنا نريدهم ان يكونوا الى جانبنا ولا زلنا نريد ونعمل على ذلك، لكن هذه الصورة كانت تهزها حوادث اخرى، مثل حادثة اطلاق النار وفي نفس المكان، في الكحالة على موكب تشييع ضابط في جهاز الكفاح المسلح الفلسطيني، يدعى سعيد غواش، الذي كان ينقل الى دمشق ثم الى عمان لدفنه هناك، اطلقت النار على الموكب وسقط عدد كبير من الشهداء والجرحى. وقد ادت هذه الحادثة الى توتير الاجواء والعلاقة التي كنا نعمل على تعزيزها مع حزب الكتائب.
اذاً، لا بد من الاعتراف بأن مسألة التعايش بين الثورة والدولة كانت قضية بغاية الصعوبة، ولأسباب خاصة بالطرف اللبناني الذي كان منقسما في الحقيقة، والفلسطيني، وبسبب التدخلات الخارجية، لم نتمكن من جعلهما يتعايشان".
ويؤكد ان "كل ادبيات فتح وتعبئتها السياسية تركز على ان صراعنا هو مع الاحتلال الاسرائيلي، الذي يشكل خطرا علينا وعلى كل المحيط العربي، ووجهنا كل جهودنا في هذا الاتجاه، ورفضنا ونرفض التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، لكن التطورات التي حصلت في 1975، جعلتنا ننقل عددا من المقاومين من الجبهة مع اسرائيل الى الداخل، ما حرف اتجاه البندقية، وأراح اسرائيل. اكدت لنا تجربة الحرب الأهلية في لبنان ان هذه الحروب لا تستفيد منها الا اسرئيل".
[مراجعة التجربة
رغم خلافات وتركة الصراع الدامي مع الأحزاب المسيحية، سعت منظمة التحرير بعد الخروج من لبنان، الى اعادة الاتصال بممثلي الاحزاب المسيحية، ثم في العام 2008 اطلقت وثيقة فلسطين في لبنان التي اعتذر فيها ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي عن الاخطاء الفلسطينية في لبنان. يؤكد أبو العردات: "لقد استحضرنا ونستحضر كل الماضي، لكي نعتبر من دروسه، وأجرينا تقييما لكل المرحلة السابقة. بعضنا لم يكونوا ملائكة وبعضهم لم يكونوا قديسين، وهناك اخطاء ارتكبت من قبل الجميع، وبالنتيجة اظهر التقييم ان الجهة الوحيدة التي استفادت من كل ما جرى هي اسرائيل وحدها".
يتابع: "تعلمنا ان كل الخلافات والتعارضات يجب ان تبحث فقط عبر الحوار، ولهذا اجرينا مصالحات مع كل الاطراف بلا استثناء، ولم ولن تتوقف المسألة عند مجرد اعلان وثيقة فلسطين في لبنان، انما سنواصل تطبيق رؤيتنا هذه مع "الكتائب" او "القوات اللبنانية" ومع كل الاطراف التي تخاصمنا معها، ونحن مصرون على الا تتكرر الاحداث الأليمة السابقة بل لن نسمح بأن تتكرر مهما كانت الظروف".
ويوضح ابو العردات ان "السياسة التي نتحرك من خلالها في لبنان الآن هي، اننا نريد ان يكون كل اللبنانيين مؤيدين للقضية الفلسطينية، خصوصا ان النضال الفلسطيني المباشر متركز الآن في داخل فلسطين، ونحن لا نريد لبنان الا ان يقدم رسميا وحزبيا وشعبيا ما يستطيع ان يقدمه لدعم النضال الفلسطيني، وبما يتوافق مع وضع البلد وامكاناته وخصوصيته وتركيبته، وهذا امر طرحناه خلال كل اللقاءات وتوافقنا عليه مع كل اللبنانيين، ونحن على مسافة واحدة سياسيا من الجميع، ونريد ان نكون معا في دعم نضال اهلنا في فلسطين واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة لكل الفلسطينيين، وفي مواجهة التوطين الذي نرفضه جميعا، لكن نريد ان يعيش الانسان الفلسطيني في لبنان بكرامة وهو امر ايضا تفاهمنا حوله مع كل اللبنانيين رسميين وحزبيين، ونحن نرى انه لا يمكن ان يستقيم تنفيذ القانون او السيادة من دون عدالة، فواجب الدولة اللبنانية تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون على ارضها، السعي الى تحسين ظروف العيش وجعلهم يعيشون بكرامة الى ان يعودوا الى وطنهم. لا يجوز ان تبقى النظرة في لبنان باتجاه الفلسطيني على انه عبء على البلد، بما يبقي واحدا من اسباب التوتر السابقة، خصوصا ان الفلسطيني لا يزال الى الان محاصرا وسبل العيش ضيقة عليه. يجب ان ينظر الى الفلسطيني على انه أُرغم على العيش فوق ارض لبنان وليس بإرادته، وان العيش الكريم في لبنان هو واجب الدولة اللبنانية باتجاه الفلسطيني وليس حقا للفلسطيني على الدولة اللبنانية، وبذلك يكون الفلسطيني عنصرا اساسيا في السلم الأهلي في لبنان الذي نحرص عليه جميعا".
[تحت سلطة القانون
ويلفت الى ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس اكد "ونؤكد كلنا اننا في المخيمات وخارجها تحت سلطة القانون اللبناني وان السيادة على اي شبر من لبنان هو للدولة اللبنانية، وعندما نتحدث عن واجب الدولة اللبنانية تمكين الفلسطيني من العيش بكرامة، لا نحمّلها اي مسؤولية مالية، اذ ان المسؤول عن هذا السياق هم منظمة التحرير والاونروا والمجتمع الدولي، لكن نحن نتحدث عن القوانين والاجراءات التي يجب ان تقر وتتخذ لحفظ كرامة الفلسطينيين ليتمكنوا من التنقل من المخيمات واليها بحرية وعبر السماح لهم بالعمل بجهدهم ولمصلحة الاقتصاد اللبناني وبتملك شقة للسكن، علما ان من يمكن ان يتملكوا شقة للسكن هم اعداد قليلة جدا، لكن العبرة تكون كيف يتعامل القانون اللبناني مع الفلسطيني، وهي بالتالي مصلحة لبنانية، اذ ان العالم وعبر مجلس حقوق الانسان يراقب تطبيق كل الدول المنضوية في اطار الامم المتحدة لحقوق الانسان، ولبنان ليس استثناء".
يضيف: "لقد اعطينا كل التطمينات شفهيا وعبر اعلان فلسطين في لبنان منذ البدء بتنفيذ اتفاق الطائف، وعبر نأينا بنفسنا عن كل الخلافات الداخلية التي حدثت، خصوصا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005 وما تلاه من احداث، لنطابق ما نقوله عمليا، ويبقى ان تقوم الدولة اللبنانية بواجبها نحو الفلسطينيين وفق المعايير الانسانية المتفق عليها، وبما يمكّننا سويا من منع التوطين والتهجير للفلسطينيين ايضا".
[بركة: المنظمة أخطأت بمساعدة فريق لبناني على آخر
حركة "حماس" حديثة الولادة، ولم تكن ضمن الفصائل الفلسطينية في مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وقد تأسست في فلسطين العام 1987، إلا أن تواجدها في لبنان بدأ في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من حداثة عهدها في لبنان، باتت حجر اساس في البناء الفلسطيني في لبنان، كما هي حجر اساس في البناء الفلسطيني العام.

لم تشترك "حماس" في الحرب الأهلية في العام 1975 لأنها لم تكن موجودة، ولا في أي من الحروب التي اندلعت لاحقا، لكنها درست التجربة الفلسطينية في لبنان، وخرجت باستراتيجية تشدد على وجوب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي، بل أن تكون وسيط خير في اي خلاف عربي داخلي.
حصلت تجاوزات على اتفاق القاهرة من قبل الفصائل الفلسطينية، وكان على منظمة التحرير الفلسطينية ان تلتزم تماما بنص الإتفاق، بأن يبقى العمل المسلح في الاماكن التي حددت له في الجنوب، وان لا ينتقل الوجود المسلح الى المدن اللبنانية او الى العاصمة بيروت.
[خطأ المنظمة
يؤكد مسؤول "حماس" في لبنان علي بركة، انه "كان بإمكان الفلسطينيين عدم الإنزلاق والمشاركة في الحرب الأهلية في لبنان، وكسب كل اللبنانيين الى جانب قضيتهم، وكان ينبغي ان نكون حكما ومساعدة الأشقاء اللبنانيين للوصول الى مصالحات فيما بينهم، مع التأكيد أن الحرب الأهلية في لبنان لم يكن سببها الفلسطينيون فقط، انما كانت هناك تدخلات خارجية كثيرة، خاصة العدو الصهيوني الذي عمل على جر المقاومة الفلسطينية الى الداخل اللبناني من خلال دعم جهات لبنانية وتأليبها على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية".
ويرى ان "للتجربة الفلسطينية في لبنان سلبيات وايجابيات. بالطبع أبرز سلبياتها الانزلاق الى التدخل في الشأن اللبناني الداخلي، ودخول الفصائل في مشاكل مع الأحزاب اللبنانية، وهنا لا أعني فقط الأحزاب المسيحية، بل أيضا مع أحزاب ضمن ما كان يعرف بالأحزاب الوطنية سواء في الجنوب، حيث اشتبكت الفصائل الفلسطينية وحلفاء في الحركة الوطنية اللبنانية في 1980 و1981 مع حركة "أمل"، وأحد الاسباب الخلاف على الموقف من الثورة الإيرانية، وكذلك في صيدا او بيروت".
وفيما يؤكد وجود تجاوزات قامت بها منظمة التحرير بين 1969 و1982، يقول انه "رغم كل شيء، حافظت على جذوة المقاومة مشتعلة، وحافظت على القضية الفلسطينية، وحملت الراية من الأردن إلى لبنان ثم نقلتها الى فلسطين، بعد الإجتياح الصهيوني إلى لبنان في العام 1982، وكانت النقطة الاساسية في انتقال المقاومة الى داخل فلسطين، اندلاع انتفاضة الحجارة في العام 1987، بالتالي لا يمكن الحكم على تجربة المقاومة الفلسطينية في لبنان، على انها تجربة فاشلة، لكن بالتأكيد كانت هناك سلبيات كان يمكن تلافيها، وكانت هناك ايضا ايجابيات كان يمكن تعزيزها".
[العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية
يشير بركة الى ان لحركة "حماس" سياستها في التعامل مع الدول العربية المضيفة، "وهي ان لا نتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، وللأسف منظمة التحرير تدخلت في الشؤون الداخلية في لبنان، وساعدت فريقا على فريق، فيما كان ينبغي لها أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، وان تكسب الجميع الى جانب القضية الفلسطينية".
يؤكد ان "اي مقاومة اذا لم تكسب المجتمع المحلي الى جانبها لن تنجح، لأن المقاومة تحتاج إلى بيئة حاضنة، وقد ظهر الأثر السلبي لخسارة منظمة التحرير البيئة اللبنانية الحاضنة خلال الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982، فلم يكن الشعب اللبناني في الجنوب الى جانب المقاومة الفلسطينية، بل ان الجنوبيين فرحوا للتخلص من انزياح السلاح الفلسطيني عن كاهلهم، الذي اساء لاهل الجنوب قبل الاجتياح. وبالمقارنة، فإن أهل الجنوب أنفسهم، كانوا ينظرون الى الفدائيين عندما وصلوا الى مناطقهم في 1969 على أنهم ملائكة نزلوا من السماء الى المخيمات والى القرى اللبنانية". يضيف "لقد شارك اللبنانيون في العمل الفلسطيني المقاوم وقدموا الشهداء في المواجهات مع العدو الصهيوني، لكن في نهاية المطاف وبسبب التجاوزات التي حصلت بين 1975 و1982، خسرنا الكثير من التأييد اللبناني".
وعما تقوم به "حماس" من جهود لبنانيا، يقول: "قمنا مع باقي الفصائل بجهود وباتصالات مع الحكومات اللبنانية المتعاقبة، من اجل اقرار الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين، وخصوصا حقي العمل والتملك، خصوصا ان الفلسطينيين محرومون من التملك منذ العام 2001". يضيف: "عملنا بجهد ايضا من أجل اعادة إعمار مخيم نهر البارد، بعدما حصل فيه ما حصل من دمار ونكبة حقيقية، ونحن نتابع مع الفصائل وبشكل مباشر، مع الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش اللبناني لإعادة اعمار المخيم، ونتابع الأمر أيضا مع وكالة الأونروا".
وتعتبر "حماس" نفسها "جزءاً من المرجعية الفلسطينية في لبنان": "نعمل من اجل تشكيل مرجعية فلسطينية موحدة في لبنان مع بقية الفصائل، لكن للأسف هناك بعض العقبات التي تعترضنا. فمنذ العام 2005 نتحاور مع الفصائل الفسلطينية لتشكيل هذه المرجعية السياسية الموحدة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مهمتها حماية الوضع الفلسطيني في لبنان من الإستهداف، وكذلك الحوار مع الحكومة اللبنانية ووكالة "الأونروا" لتحسين اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ولمعالجة أي مشكلة بين الفلسطينيين والسلطات اللبنانية او بين الفلسطينيين ووكالة "الأونروا"، وقد خطونا في نهاية العام 2011 خطوة مهمة بتشكيل لجنة حوار فلسطينية من 6 فصائل: ثلاثة من منظمة التحرير (فتح والشعبية والديموقراطية) و3 فصائل من قوة التحالف (حماس والجهاد الاسلامي والقيادة العامة)، وعقدنا عدداً من الجلسات ونأمل ان نصل قريبا الى اتفاق لتشكيل قيادة سياسية موحدة تتولى ضبط الأمن في المخيمات وتعمل على ملف الحقوق المدنية والانسانية الفلسطينية بالتفاهم والحوار مع السلطات اللبنانية".
يتابع: "في العام 2005، توافقنا في كل الفصائل على مذكرة واحدة حول الحقوق المدنية والانسانية للاجئين الفلسطينيين، لكن سلمناها عبر وفدين منفصلين الى الحكومة اللبنانية، وفيها كل المطالب الفلسطينية ولم يوجد اي خلاف حول تلك المطالب. للأسف كانت السلطات اللبنانية تتذرع بأن الفلسطينيين مختلفون، وكان يقال لنا: اتفقوا وتعالوا لنبحث الأمور. في البداية لم نتمكن من تشكيل وفد موحد لكن في العام 2011، وتحديدا قبل الزيارة الأخيرة للرئيس (محمود عباس) ابو مازن الى لبنان، في آب (أغسطس) الماضي، اتفقنا على مذكرة واحدة وفريق موحد وزرنا بوفد موحد رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، والرئيس نجيب ميقاتي كما زرنا القوى والأحزاب اللبنانية المشاركة في الحكومة".
ويحمّل بركة "الحكومة اللبنانية المسؤولية الرئيسية في عملية الإعمار في نهر البارد، وبعدها وكالة الأونروا، فرئيس الحكومة اللبنانية في العام 2007 الرئيس فؤاد السنيورة هو الذي طلب من سكان مخيم نهر البارد مغادرة المخيم لتسهيل مهام الجيش اللبناني (في الحرب ضد تنظيم "فتح الإسلام")، وأكد يومها أن الخروج مؤقت وأن الإعمار مؤكد وأن العودة الى المخيم حتمية، لكن للأسف منذ 5 أعوام على أحداث مخيم نهر البارد لم يتم تسليم سوى رزمة واحدة من الأبنية".
[علاقات مع الجميع
منذ تواجدها في لبنان، اجرت "حماس" اتصالات وعقدت اجتماعات مع الرسميين اللبنانيين ومع حزبيين. يقول بركة: "حركة حماس حريصة على بناء افضل العلاقات مع كل ممثلي الشعب اللبناني، وقد اجرينا لقاءات مع الجميع ومن ضمنهم ممثلو المسيحيين في لبنان، لأننا نصر على ضمان تأييد الجميع لقضيتنا، فكانت لنا لقاءات مع حزب الكتائب منذ كان السيد كريم بقرادوني رئيسا للحزب وحضرنا احد مؤتمرات الحزب وألقينا كلمة، وشارك بقرادوني في احدى احتفالاتنا وكانت له كلمة ايضا، لكن في عهد الرئيس امين الجميل تراجعت الاتصالات التي كانت تحدث لكن ليس بالوتيرة نفسها مع بقرادوني. ولدينا تواصل جيد مع التيار الوطني الحر ونلتقي مع كبار المسؤولين في التيار وعلى رأسهم العماد ميشال عون. لكن لم نلتق بعد مع "القوات اللبنانية"، لأنهم لم يعتذروا عن مجزرة صبرا وشاتيلا؛ سمعت اعتذارا من الرئيس امين الجميل خلال لقاء على قناة "الجزيرة" مع احمد منصور، وهذا لم نسمعه الى الآن من رئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع".
ويؤكد "نحن لم نكن موجودين في تلك الفترة، لكن منظمة التحرير اعتذرت عن الاساءات التي ارتكبتها بحق الشعب اللبناني، عبر وثيقة فلسطين في لبنان التي قرأها السفير الفلسطيني السابق في لبنان عباس زكي بعد اجتماع مع حزب الكتائب. لم يقدم كل اللبنانيين اعتذارات، فيما ينبغي ان يكون الأمر متبادلاً حتى نفتح صفحة جديدة من العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية، وعلى كل المستويات".
عن موقف الاطراف التي اجرت "حماس" لقاءات معها حول الملف الفلسطيني في لبنان، سواء الاطراف المسيحية او ما يعرف بأحزاب القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية، يقول علي: "لمسنا ان كل الاحزاب المسيحية او الاسلامية تؤيد حقوق الفلسطينيين، لكن عندما يصل الموضوع الى بعض الحقوق مثل حق التملك، تتوحد القوى المسيحية ضد هذا الحق، وهذا امر مؤسف، لأن من الضروري ان يعامل الفلسطيني في لبنان كما يعامل في اي بلد عربي اخر ويسمح له بالتالي بالتملك.
والملاحظ انه بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قامت "حماس" بحركة كثيفة في الأوساط اللبنانية، علما أنها محسوبة، على ما يسمى محور "الممانعة". عن ذلك يقول بركة: "سياسة حماس تقوم على عدم التدخل في شؤون الدول العربية وبالطبع الشأن اللبناني الداخلي، ونحن على مسافة واحدة من كل الأطراف. نحن حركة مقاومة، ونرتبط من خلال ذلك بعلاقات جيدة مع اطراف لبنانية، لكن لا نصطف في الشأن الداخلي اللبناني مع طرف بمواجهة طرف اخر. فعلاقتنا جيدة وطيبة مع "تيار المستقبل"، وقد أدنّا اغتيال الرئيس الحريري وقدمنا عبر وفد كبير واجب العزاء الى الشيخ سعد الحريري في قريطم بعد الجريمة مباشرة، ولم تنقطع علاقتنا بـ"تيار المستقبل" سواء كان في الحكومة او خارجها. وعلاقتنا بحزب الله كحزب مقاوم لا تتأثر ولا تؤثر على علاقتنا بالقوى السياسية الاخرى التي لها خصومات سياسية مع حزب الله". وعلى غرار فصائل منظمة التحرير، يؤكد بركة "نحن في حماس ننأى بنفسنا عن الخلافات اللبنانية الداخلية، بل نسعى الى التوسط بين الأفرقاء اذا اختلفوا، وبالفعل قمنا بجهود مصالحة بين اطراف لبنانية وساهمنا في تخفيف اجواء التوتر في مدينة صيدا في العام 2010، وقمنا ايضا بجهود تقريب وجهات النظر بين دول عربية كانت لها خلافات مع دول اخرى. لأننا نعتبر وحدة اللبنانيين ووحدة العرب ووحدة المسلمين قوة للقضية الفلسطينية. حركة حماس ليست في جيب احد ولا محسوبة على احد
".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق