الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

اليسار العربي.....أي رؤية وأي وظيفة للتغيير؟

مروان عبدالعال*

لقد أظهر الحوار في المحور الاول داخل هذه الندوة : اهمية وجود رؤية لليسار العربي ...تحدد دوره في استراتيجة الصراع التحرري ، ربما البحث عن مكانة تعني افتقاد هذا الدور بصورة جماعية وشاملة ،حينما ينطلق المحور الثاني بالحديث عن ضرورة التفعيل والبناء والتغيير الاجتماعي إذا المطلوب هو أن يكون بمقدور اليسار وان يتصدى بمهمة وطنية وان اليات البحث بوضعية قادرة على خوض النضال الوطني و التحرري ، وهذا ما يدفعنا إلى خوض النضال الديمقراطي الداخلي وفق مقولة بناء من اجل المقاومة ومقاومة من اجل البناء ، وبالتالي يطرح على اليسار أهمية تجديد رؤيته وتنظيم قواه و تحفيز طاقاته على كل المستويات للدخول في هذا الاشتباك المفتوح .
خطر تقديس الواقع ...اي يجري الحديث عن ان النظرية الماركسية هي التحليل الملموس للواقع الملموس ، ولكن الملموس ليس بمادة نصية يقينية جامدة ، لانه في الأمور البديهية ومن منطلق استراتيجي، يقال، إن الهدف ثابت إن اتفقنا على تحديد الهدف والوسائل المناسبة لها صفة مرنة كما هو معروف ولكن الواقع متحرك .
قراءة التحولات التي تجري بين ظهرانينا في الواقع المتغير باستمرار، يفرض الكثير من الاستحقاقات علينا وأولها تغير الوسائل، بمعنى، لقد فرضت المتغيرات التي استجدت على واقعنا العربي الكثير من الظواهر التي لم تكن مألوفة في السابق، وهذا اثر على مستوى التجانس السياسي والثقافي والاجتماعي داخل كل تجمع رغم اختلاف ظاهري يحفظ الخصوصية في كل بلد .
يطلب بعد كل ما عصف من تحولات ان نسأل من نحن ؟ وهو سؤال مستحق والواقع الفلسطيني اردته الة القياس خارج مشهد المواجهة ذات الطرفين المتقابلين ، بمعنى .. نحن/ العدو، والتي نعني فيها النضال التحرري أي المعركة التي يخوضها شعبنا ضد الاحتلال وذلك لتحقيق أهدافه الوطنية المشروعة والتي تتلخص بـ: " تحرير فلسطين".
نحن.... من نكون بعد كل ما أفرزته الحصيلة الإجمالية للصراع واقع يضطرنا إلى خوض عشرات المعارك الداخلية على المستوى الديمقراطي الداخلي لكي نستطيع الاستمرار في مواصلة النضال التحرري ، وهي تحديات جديدة وهي تؤشر إلى حجم المتغيرات التي استجدت على مستوى البنية المجتمعية الفلسطينية ، والتي تستدعي قراءة جديدة للواقع الذي نعيش تحت عنوان " إعادة صياغة المشروع الوطني " وهي قراءة تحتاج إلى تدقيق في طبيعة المعركة الديمقراطية في وجه التحديات الداخلية والتي تشكل مواقع جديدة للعدو لا يمكن التعامل معها باعتماد نفس وسائل التي نعتمدها في مقاومة العدو الصهيوني رغم إنها لا تقل خطورة.
لذا فان النظرة للصراع والوسائل المستخدمة من العدو اوسع بكثير من الاساس الطبقي رغم انه يشكل حجرا محوريا فيه ، إن التحليل الذي يعتمد الصراع الطبقي يقوم بمهمة غير مكتملة ، حيث يقدم التحليل على المستوى الشامل لكنه لا يفيد من ناحية آليات الصراع وطرائقه ، هذه الدراسات قد تكون مهمة لتشريح الواقع ومعرفة اتجاهات سير القوى وبالتالي الوضعية التي نقف عندها ، وبالطبع هو ضروري للربط بين مستوين من النضال الديمقراطي ، والهجوم المجتمعي الشامل ، والمقصود به التأثير في إعادة صياغة العلاقات داخل المجتمع بشكل شامل .
ولكن ، هل يمكن اعتبار أن التحليل الطبقي الأحادي كاف لفهم طبيعة ما يجري داخل المجتمع ،على أساس إن الصراع يجري بين مكونات متداخلة وأشكال هجينة ومشوهه وغير مكتملة .
اي نحتاج الى ملامسة حقيقية لمفهوم التخلف ، وهل نحن نمتلك حقا مفهوم التقدم؟ وما نقصده بالتداخل هو أن طبيعة الصراع على مكونات الهويات الحضارية والمنظومات القيمية، وهذا يعني أنها لا تقف عند حدود الطبقات ، ربما يكون من خصائص النيوليبرالية، والعولمة، إنها تتوغل وتدخل إلى عمق التناقضات الداخلية لكل مجتمع فتحفز آليات الدفاع بأدنى مستوى لها ، و المرتبطة بالثقافة الدينية والشعبية السائدة والتي كانت راكدة، مما يدعوها لتستنفر من جديد ، حيث أن هناك تراكيب شرائح اجتماعية غير مكتملة الملامح حتى لو كان الصراع بجوهره يأخذ منحى الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلا انه لم يرقى إلى مستوى صراع طبقي .
يعيش الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وكما الواقع العربي مؤثرات من مصدرين ، الأول غربي يستهدف تحقيق جملة من الأهداف ذات الطبيعة سياسية بأبعاد حضارية ، والثاني ، أصولي تستهدف اسلمة المجتمع وهي من طبيعة ثقافية متخلفة .
إذا نحن وسط فكي كماشة الاستلاب ، المتماهي مع قيم غربية ، ذات مسميات تحديثية ، والداخلي الأصولي والمتخلف والمغلق والاستبدادي.
في ما مضى كانت المعركة أكثر بساطة وبين طرفين واضحي المعالم ، مشروع وطني تحرري ، وآخر المحتل الاستيطاني الاحلالي .
ربما يصح لوصف ما نحن بصدده ما أطلق عليه غرامشي اسم " حرب المواقع " لان المعركة لا تجري عند الحدود الجغرافية أو حتى ضمن حدود معنوية "بمعنى نحن والعدو" أو ضمن حدود طبقية ، بل إننا حقيقة نخوض غمارها داخل مجتمعنا ورغم إنها تتمظهر أحيانا بلبوس ظلم اقتصادي واجتماعي وثقافي، فإنها تقرر الخيارات الوطنية فيما يتعلق بالمشروع الوطني وبالتالي تستهدف فكرة التحرر الوطني .
إن فكرة حرب المواقع هي الحرب التي تخاض لتحقيق الهيمنة الثقافية في المجتمع ، وهي تسبق الحرب الشاملة أي ما أطلق عليها المتحركة .
نحن حقيقة نعيش وسط حرب دائرة بين طرفين للهيمنة الثقافية في المجتمع الفلسطيني وهي بين التمويل الغربي من جهة والذي يفرخ المؤسسات الثقافية الاجتماعية والتربوية والاقتصادية ..الخ والذي يسعى لتعميم نموذجه بشكل مشوه وهجين وتابع وبالتالي ضرب كل إمكانية للتحرر الوطني أمثال ذلك الرفاهية مقابل السلام والسلام الاقتصادي .
إن أهداف المشروع الغربي اكبر وأعمق من غاية القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني انه بحق يستهدف ضرب إمكانية قيام امة عربية أو نهوض مشروع قومي بكل أبعاده وأشكاله .
وفي المقابل فان ما ذكرناه عن طبيعة العولمة يستنفر السلفية الإسلامية والتي تعمل على إطلاق حملتها للصد الهجمة الغربية والعمل على للهيمنة على المجتمع وتعميم ثقافتها الأصولية والمتخلفة .
لقد أهل الطرفين ما يمكن أن نسميه بتعبير غرامشي مثقفين عضوين وإنشاء عشرات بل مئات المؤسسات والجمعيات والنوادي والمنظمات في شتى مجالات وعلى مختلف الأصعدة، لقد أدرك الطرفين إن المعركة لا تخاض من فوق، وان كانت تنتهي فوق ، ولكنها تبدأ بما أطلقنا عليه حرب عصابات مجتمعية ، تخاض في كل زاوية وعند كل مفترق في المدرسة والجامعة والنادي والمنظمات الحقوقية والصحية ومع الأطفال والنساء والشباب والشيوخ ...الخ.
إننا أمام استحقاق خوض معركة بناء تنموي مجتمعي حقيقي ، إما أن تكون بأفق خارجي ،إي ما تفرضه جهات التمويل الغربية والتي تعتبر برأي الكثيرين امبريالية جديدة ، أو تنمية الأصولية الإسلامية والتي تستند إلى ثقافة سائدة وتعول عليها في رواج نموذجها ، أو نسعى لتحقيق تنمية بأفق وطني تحرري وفي سياق مشروع قومي تحرري ويساري .
إن هذا الاستحقاق يفرض علينا التحضير لخوض معركة الوعي بما نردده كشعار احيانا باسم مقاومة ثقافية ، أي حرب العصابات المجتمعية" والتي تعني إننا أمام استحقاق فتح أفق العمل اليساري ليكون قادر على تقديم والعمل على أساس الرؤى المجتمعية في شتى المجالات ، وهو يتطلب تخصصا لتشكيلاتنا الحزبية من ناحية ومرونة للبنية الحزبية من ناحية أخرى وذلك لتكون قادرة على الانطلاق والتغلغل والتصدي لحاجات الناس وقضاياها .
- اليسار تفعيل الجماهير ام وظيفة مجتمعية؟ :
إن البدء بنقاش هذا الموضوع يفترض منا طرح سؤال عن طبيعة أدائنا السابق ، فهل كنا كيسار نقوم بوظيفة لها ادوار مجتمعية ؟؟ والإجابة يتوقف عليها الكثير ، فإذا كنا نقوم بهذه المهمة ، فقد يكون المطلوب هو بعض الجهد لإضافة أو تعديل أو تفعيل ..وبرنامج عملي .
اعتقد أن الكثيرين منا وفي هيئات ومستويات مختلفة يجمعون أن احزاب اليسار لا تقوم بدور مجتمعي ،وان ساحتها موجودة وتضيق ولكنها فارغة من دور نلعبه ،
لقد تراكم وعبر سنوات طويلة ذهنية سلبية ضربت الفهم الحقيقي لدور اليسار في مهمة تبشيرية فقط ، أي مناشدة أنظمة البرجوازية الهجينة لاستخدامه في مهمة التعبئة والتوعية حين نتحدث عن توعية وتعبئة و تاطير الجماهير .
تطرح هذه المسألة سؤالا منهجيا عن كيف يتشكل الوعي ؟؟ لدى اليسار نفسه والجماهير ، وكيف يقوم الحزب اليساري بتعبئة تأطير الجماهير ؟
لقد فرضت الاستحقاقات الآنفة الذكر والتي تحثنا عنها في العنوان السابق توجها آخر في تعاملنا مع هذه العناوين ، حيث ما عادت طريق العمل الحزبي تستجيب لطبيعة التحديات المطروحة ، وحتى الأطر الجماهيرية من منظمات في مختلف المجالات فقدت جدواها ، فقد تقلص دورها إلى مستوى ملفت نعتقد جازمين أن السبب لا يعود فقط إلى تقصير أو ضعف الإمكانيات المادية ، بل هو يتعلق بطبيعة التحديات والتي فرضها تدخل التمويل الغربي بشكل سافر والعمل على إعادة إنتاج تركيبة مجتمعية جديدة.
لقد طرح التمويل الغربي الذي يطلق عليه حزب العولمة، والذي يعمل لاحتلال المجتمع عبر تمويل وتطويع وإعادة تصميم وفق نمط الجمعيات الغربية واليات عملها وبالطبع وفق أولويات صناع القرار في الغرب ، مع الإشارة إلى تصديه لبعض الاحتياجات ذات الطابع الحياتي التنموي والمغلف بالغايات الإنسانية والمرتبط بالمنظومة ثقافية والقيمية الغربية، استحقاقات همشت دور وفاعلية لنمط الذي كان سائدا مثل المنظمات الجماهيرية واليات عمل الأحزاب في الواقع الفلسطيني والعربي على وجه العموم
إن قوة وحضور هذا النمط من العمل كان بحكم طبيعة المنافسة التي كانت تجري بين أطراف في ذات النمط من العمل الجماهيري والذي كانت يعتمد بشكله الأساسي على الجانب الكفاحي والمقاومة المسلحة بتصديه للعدو الصهيوني ، حيث يتوقف على ذلك قوته وحضوره ويبين ذلك استجابة الجمهور له ولسياساته .
إذا فان العمل الجماهيري هو في الحقيقة عمل سياسي ومباشر ، بينما السمات الجماهيرية والمجتمعية هي شكلية لم تكترث فعليا لحاجات الناس ولم تطرح مهمة التنمية ببعدها الوطني وكمهمة بناء منظومة العلاقات الاجتماعية لتواكب النضال التحرري ضد الامبريالية واحلافها وقواعدها المادية العسكرية وادواتها التدميرية في الوعي المجتمعي.
ما وصلنا إليه هو أن المهمة المجتمعية أي وظيفة بناء المجتمع كقاعدة ضرورية للسياسة لم تكن حقيقية بل هي شكلية ، بمعنى أنها لم تكن صدي حقيقي لبناء منظومة العلاقات الاجتماعية في سياق مشروع تنموي ديمقراطي و ضمن مشروع وطني مقاوم ، بل تستهدف ما كنا نطلق علية تعبئة الجماهير .
إن صعود الأحزاب والتيارات الإسلامية كان بسبب اعتمادها على مرتكزين هامين في عملها ، فهي اعتمدت بشكل فعلي وملحوظ فكرة الهيمنة التي صاغها غرامشي و أنشأة بنى كاملة وخلايا مجتمعية في كل مجال ، وخاضت على أساسها معركة الهيمنة الثقافية والتي لم تترك منبرا إلا وطرقته ، من الأفراح إلى الأتراح ، من منبر الجمعة إلى روضة الأطفال ، من تحفيظ القران إلى الجامعات.
أما المرتكز الأخر فكان التمويل، حيث أوجدت مصادر تمويل غير مشروط وهو بشكل أساسي من مصادر إسلامية ، دول أو جماعات أو أنشطة ومؤسسات مالية واقتصادية .
لقد حققت هذه السياسة نجاحا جديا ولمسنا تأثيرها على نمط العلاقات الاجتماعية وسجلت اختراقا كبيرا لمعاقل اليمين واليسار التقليدية على حد سواء، ووجدنا شرائح اجتماعية كبيرة تلتحق به وأنتج تحقيقا للهيمنة في أوساط المجتمع ، توج بتسلم السلطة في الانتخابات الأخيرة .
نحو بناء مرتكزات مجتمعية للمشروع اليساري
في الحالين الغربي الإستلابي والإسلامي المتعصب في إننا أمام عملية إجهاض للمشروع اليساري ، والتوجه البعيد المدى يدفع بالمجتمعات الوطنية نحو مشاريع أخرى .
في هذا السياق فان مهمتنا أصبحت أكثر ملموسية ، وهي تتمثل في أن المشروع االمواجهة ووفق رؤية جديدة ليس معلقا في الفراغ، انه يقوم على بنى يجب أن لا تترك على اعتقاد إنها تسير معنا من تلقاء نفسها لأننا الأفضل .
إن فكرة الأفضل مرهونة باعتماد سياسة لإثباتها واعتماد توجه مجتمعي ، يسير للأسف بسرعة فائقة نحو الاندثار، إن لم تتوفر مرتكزات مجتمعية ، وهذا يتطلب الانتقال نحو خوض المعركة الثقافية والتي تحتاج إلى توفير متطلباتها .
إن متطلبات هذه المعركة وقبل أن تكون التمويل ، هي البنية ، إن عدم قيامنا بهذه المهمة سابقا ، يجعل من القيام بها مهمة ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة أيضا ، فهي تحتاج إلى إعادة تكييف الوسائل وكما أسلفنا في فكرة الإستراتيجية حيث " الهدف ثابت والوسائل متعددة و متحركة لواقع متغير " .
إن السؤال الضروري هو:
هل بالإمكان القيام بوظيفة جديدة بوسائل قديمة؟؟
ان كان من مشروع جدي بالضرورة ان يستند الى وعي تقدمي وعلمي وقيادة كفوءة لادارة المهمة ، هل هي موجودة ومن اكثر جدية مشروع حزب الله مثلا في المقاومة التي حققت انجازات ملموسة واستندت الى مجتمع ومستويات علمية وايمانية بالمشروع ، بالمقارنة البعيدة عن الايديولوجيا تبدو الإجابة المنطقية هي لا، إن البنية الحالية لليسار عموما تقوم بوظيفة يسارية تقليدية وداخلية ولا اريد ان اقول انها اكثر سلفية من السلفيين ، والمطلوب إجراء عملية قطع منهجي حيث ينبغي القيام بتغير ايجابي و جوهري، بمعنى دفعها للتوجه خارجيا، وهذا لا يتم بقرار، أو بعملية تثقيف سطحية، أو حث الرفاق على العمل في أوساط الناس ، بل يحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة تبدأ من التأسيس لفهم يساري جديد باعتبار إنه يؤدي وظائف مجتمعية ، وان العضوية هي عبارة عن ادوار مجتمعية ، تمارس سياسات ثقافية وتربوي في إطار الوظائف وليس خارجها وان هذه وتلك تعتمد على رؤى مجتمعية تستهدف شرائح وفئات اجتماعية واسعة تتجاوز حدود العضوية الحزبية أو للمنظمات الجماهيرية ، بل هي تشمل كل أوساط المجتمع، إنها التوجه الجدي لإنشاء الشرعيات لتحقيق الهيمنة .
إن تشكيل نموذج الخلايا المجتمعية النشطة والتي يقودها الكادر المجتمعي هو الأساس المنهجي للمشروع الثقافي وفيما أطلقنا عليه حرب عصابات مجتمعية ، ويعني ذلك تفعيلا جديا للمنظمات الحزبية وترجمة عملية لتفعيل الجانب الثقافي الذي يشكل جزءا من كل، لا يمكن أن يستوي إلا بالعمل المتناسق والمتكامل مع الأجزاء الأخرى .
.- الماركسية ومنهجية التفكير:
هل نحن يسار ناقد ام ناقل ، منتج للفكرة ام يكرر ويستهلك ؟برأينا تنطلق من معرفة ماذا تريده الماركسية أصلا ؟ فهل هي مجرد مقولات وقوانين مجردة ؟ أليست هي من وصفت بأنها لا تحلل الواقع وحسب، بل تسعى إلى تغيره أيضا ، إنها بعمق فلسفة التغيير .
إن ما نقدمه يستهدف أولا استكمال مهمة فهم وتحليل الظواهر ، بحيث نوفر عوامل التغير ، ونهيئ الأدوات القادرة على القيام بمهمات التغيير .
والإجابة عن ما تقدم من سؤال، تتضمن بالعمق الإجابة عن السؤال الأسبق: هل نريد مركسة المجتمع ؟؟ او قيادته ؟ اليس الشرط الموضوعي والضروري يبدأ من بناء ذهنية تفكير نقدي وتغييري أليس هو أساس المنهج المادي الجدلي ؟
لاشك أن اليسار يقوم بمهام متعددة المجالات والمستويات ، وفي المهام ذات الطبيعة المنهجية فان مستويات معينة تستطيع التصدي لها ، وهي أصلا من اختصاصها ، وهذا المعنى فإنها المعنية بمهمة قراءة الظواهر وتحليلها ، وعلى أرضية ذلك تقوم بصياغة الأهداف ووضع الرؤى والبرامج ، بينما هناك مستويات أخرى معنية تقوم بمهام من نفس الطبيعة ولكنها تتعلق بالتحليل الملموس والمباشر ، وهو من نوعية الإنتاج الاجتماعي كثر من كونه إنتاج فكري .
إن إعداد وتأهيل الكادر والنشطاء المجتمعيين يتم من خلال تمكينهم من امتلاك وسائل واليات العمل المجتمعي المباشر والمتخصص في العمل بالقضايا المجتمعية والتي يتم اشتقاقها من الواقع وارتباطا بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وهي تتعلق بقضايا الطفولة والمرأة والشباب والمسائل التربوية والحقوقية ومختلف القضايا الصغيرة الكبيرة من مشاكل الإدمان إلى التسرب المدرسي ..الخ
لتكن بعد ذلك وظيفة المثقفين الحزبيين المجتمعيين والسياسيين التقاط صدى الفاعلية المجتمعية ، لصياغة الخطاب السياسي والاجتماعي والفكري والتوجه به للجماهير باعتباره سياسات الحزب الشاملة .
إذا كنا أمام تجديد للماركسية فهو تجديد منهجي وليس فكري فحسب، بل هو انقلاب في منهجية التعامل معها، هو تجديد وإضافة، وما الحياة سوى الإضافة؟ هو إبداع يطلق ديناميات التفكير، لكسر الجمود والتكلس في ذهنيات وطرائق وآليات عملنا السابقة، وذلك لاستكمال عملية الفهم والتحليل وترجمتها توجهات ورؤى وآليات عمل في سياق مشروع يهدف لتحقيق الهيمنة الثقافية وصولاً لانتقال للحرب - الحركة على حد قول غرامشي .
إن الصراع على الجبهة الثقافية هو الأهم وهي آخر الجبهات المطلوب إسقاطها، لكن العملية الثقافية يجب أن لا يغيب عنها معرفة مع من يجري الصراع، ولذلك بنية الثقافة تكون في قلب الصراع أي انطلاقاً من الموقع المجتمعي الخاص ارتباطاً بالوظيفة الوطنية العامة، مهمتها تفنيد الوعي الزائف الهادف إلى طمس الحق، قبل ان تشير الى قناعاتنا الحقيقية والمترسخة بداخلنا، فالثقافة عملية صراع تاريخي، مدركين لها أو غير مدركين لربما، وهي التي بالضرورة تحدد خطابنا أفراداً وشعباً وقيادة بمحتوياتها السياسية والإقتصادية والثقافية منه.
إن رؤيتنا وتقديرنا لأنفسنا ولقوتنا ضمن صراع الحق الذي نعيش مع المحتل ورؤية حقيقة ذلك المحتل ضمن مقاييس انتماءه لثقافة الغرب المنتصرة ورؤية أنفسنا بالمقابل كجزء كأصحاب ثقافة مهزومة، أي بما قاله مهدي عامل : مادمت أقاوم فأنا لست مهزوماً. تلك الرؤية التي تؤسس لوعي الفشل، يقع على عاتقها مهمة البحث في عناصر الضعف والقوة نقداً ودراسة، وتداعياتها في الواقع المجتمعي روحاً وممارسة وخطابا ومعركة من جهة، والإحساس بالدونية ليس فقط على الصعيد السياسي بل وعلى كل الأصعدة من جهة أخرى. إن الوعي العميق بقوتنا لكوننا أصحاب حق وبزيف قوة الاحتلال وخطاباته على أنواعها بالضرورة سيؤسس للحلقة المغيبة في الصراع وهو الخطاب اليساري المقاوم والواثق والواضح والقوي، في المجتمع العربي وعلى منابر السياسة والاقتصاد والثقافة كذلك.
في الختام لا بد من التذكير ولو على وجه السرعة إن مشروعنا يسعى لطرح فكرة التقدم في مجتمعاتنا، ولكنه يتعامل معها باعتبارها كل متكامل، بنية متعددة الأبعاد، يسار مقاوم بأفق ثقافي تقدمي وعمق اجتماعي .

نص مداخلة في ندوة حول اليسار العربي عقدت في
21/10/2010


• مروان عبد العال روائي وفنان تشكيلي وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق